من روائع وحي القلم
الشهــــوة الخفيـة !!!
ذكر الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - في كتابه الماتع (وحي القلم)
ﻣﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﻣﺎ ﺭﻭﻯ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻋﻦ (ﺃﺣﻤﺪَ ﺑﻦِ ﻣﺴﻜﻴﻦ) ؛ ﺃﺣﺪِ ﻋﻠﻤﺎﺀِ (ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ) ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ
ﻗﺎﻝ - رحمه الله - :
« ﺍﻣﺘُﺤِﻨﺖ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ (ﺳﻨﺔ 219) ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻟﻲ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﻃﻔﻠﻬﺎ ، ﻭﻗﺪ ﻃﻮﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﻉ ﻳﺨﺴِﻒ ﺑﺎﻟﺠَﻮﻑِ ﺧﺴﻔﺎ، ﻓَﺠَﻤﻌْﺖُ ﻧﻴّﺘﻲ ﻋﻠﻰ (ﺑﻴﻊ ﺍﻟﺪﺍﺭ) ﻭﺍﻟﺘﺤﻮّﻝ ﻋﻨﻬﺎ ، ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺃﺗﺴﺒﺐ ﻟﺒﻴﻌﻬﺎ ﻓﻠﻘﻴﻨﻲ (ﺃﺑﻮ ﻧﺼﺮ) ؛ ﻓﺄﺧﺒﺮﺗﻪ ﺑﻨﻴﺘﻲ ﻟﺒﻴﻊ ﺍﻟﺪﺍﺭ ؛ ﻓﺪﻓﻊ ﺇﻟﻲ (ﺭُﻗﺎﻗﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ) ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﻠﻮﻯ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻃﻌﻤﻬﺎ ﺃﻫﻠﻚ .
ﻭﻣﻀﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭﻱ ؛ ﻓﻠﻤﺎ ﻛﻨﺖُ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻘﻴﺘﻨﻲ (ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﻬﺎ ﺻﺒﻲ) ، ﻓﻨﻈَﺮَﺕْ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮُّﻗﺎﻗﺘﻴﻦ ﻭﻗﺎﻟﺖ :
« ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ، ﻫﺬﺍ ﻃﻔﻞ ﻳﺘﻴﻢ ﺟﺎﺋﻊ ، ﻭﻻ ﺻﺒﺮ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﻉ ، ﻓﺄﻃﻌﻤﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺮﺣﻤﻚ ﺍﻟﻠﻪ » ، ﻭﻧﻈﺮ ﺇﻟﻲّ ﺍﻟﻄﻔﻞُ ﻧﻈﺮﺓ ﻻ ﺃﻧﺴﺎﻫﺎ ، ﻭﺧُﻴِّﻞ ﺇﻟﻲّ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽِ ﺗﻌﺮﺽ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦ ﻳُﺸﺒِﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻭﺃﻣﻪ ؛ ﻓﺪﻓﻌﺖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻳﺪﻱ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ، ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ : ﺧﺬﻱ ﻭﺃﻃﻌﻤﻲ ﺍﺑﻨﻚ ! ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﻣﻠﻚ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﻭﻻ ﺻﻔﺮﺍﺀ ، ﻭﺇﻥ ﻓﻲ ﺩﺍﺭﻱ ﻟﻤَﻦ ﻫﻮ ﺃﺣﻮﺝ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ، ﻓﺪﻣﻌﺖ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ، ﻭﺃﺷﺮﻕ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺼﺒﻲ .
ﻭﻣﺸﻴﺖ ﻭﺃﻧﺎ ﻣﻬﻤﻮﻡ ، ﻭﺟﻠﺴﺖ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﺋﻂ ﺃﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺑﻴﻊ ﺍﻟﺪﺍﺭ ، ﻭﺇﺫ ﺃﻧﺎ ﻛﺬﻟﻚ ؛ ﺇﺫ ﻣﺮّ (ﺃﺑﻮ ﻧﺼﺮ) ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻄﻴﺮ ﻓﺮﺣًﺎ ، ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻣﺤﻤﺪ ، ﻣﺎ ﻳُﺠﻠﺴﻚ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭﻙ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﻐﻨﻰ ؟!
ﻗﻠﺖ : ﺳﺒﺤﺎﻥ الله !
ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻧﺼﺮ ؟!
ﻗﺎﻝ : ﺟﺎﺀ ﺭﺟﻞ مِن ﺧﺮﺍﺳﺎﻥ ﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻚ ﺃﻭ ﺃﺣﺪٍ ﻣِﻦ ﺃﻫﻠﻪ ، ﻭﻣﻌﻪ ﺃﺛﻘﺎﻝٌ ﻭﺃﺣﻤﺎﻝٌ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻷﻣﻮﺍﻝ!
ﻓﻘﻠﺖ : ﻣﺎ ﺧﺒﺮﻩ ؟!
ﻗﺎﻝ : ﺇﻧﻪ ﺗﺎﺟﺮ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻙ ﺃﻭﺩَﻋﻪ ﻣﺎﻻً ﻣِﻦ (ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ)! ﻓﺄﻓﻠﺲ ﻭﺍﻧﻜﺴﺮ ﺍﻟﻤﺎﻝ ، ﺛﻢ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺧﺮﺍﺳﺎﻥ ، ﻓﺼﻠﺢ ﺃﻣﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻫﻨﺎﻙ ، ﻭﺃﻳﺴَﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺤﻨﺔ ، ﻭﺃﻗﺒﻞ ﺑﺎﻟﺜﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻐِﻨﻰ ، ﻓﻌﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻠّﻞ ، ﻓﺠﺎﺀﻙ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﺑﺤﻪ ﻓﻲ (ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ)
ﻳﻘﻮﻝ (ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻜﻴﻦ) : ﺣﻤﺪﺕُ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺷﻜﺮﺗﻪ ، ﻭﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺟﺔ ﻭﺍﺑﻨﻬﺎ ، ﻓﻜﻔﻴﺘﻬﻤﺎ ﻭﺃﺟﺮَﻳﺖُ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺭِﺯﻗﺎ ، ﺛﻢ ﺍﺗّﺠﺮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﻝ ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺃﺭﺑﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﺼﻨﻴﻌﺔ ﻭﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻣﻘﺒﻞ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﻭﻻ ﻳﻨﻘﺺ .
ﻭﻛﺄﻧﻲ ﻗﺪ ﺃعجبتني ﻧﻔﺴﻲ ، ﻭﺳﺮّﻧﻲ ﺃﻧﻲ ﻗﺪ مُلأَﺕْ ﺳِﺠِﻼﺕُ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔِ ﺑﺤﺴﻨﺎﺗﻲ ، ﻭﺭﺟﻮﺕ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻗﺪ ﻛُﺘِﺒﺖُ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ !
ﻓﻨﻤﺖُ ﻟﻴﻠﺔً ؛ ﻓﺮﺃﻳﺘُﻨﻲ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ، ﻭﺍﻟﺨﻠﻖ ﻳﻤﻮﺝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻗﺪ ﻭُﺳِّﻌَﺖْ ﺃﺑﺪﺍﻧُﻬﻢ ، ﻓﻬﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺃﻭﺯﺍﺭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮﺭﻫﻢ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﻣﺠﺴّﻤﺔ ، ﺣﺘﻰ ﻟﻜﺄﻥ ﺍﻟﻔﺎﺳﻖ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻩ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺨﺰﻳﺎﺕ ، ﺛﻢ ﻭﺿﻌﺖ ﺍﻟﻤﻮﺍﺯﻳﻦ ، ﻭﺟﻲﺀ ﺑﻲ ﻟﻮﺯﻥ ﺃﻋﻤﺎﻟﻲ ، ﻓﺠُﻌِﻠﺖ ﺳﻴﺌﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﻛِﻔﺔ ، ﻭﺃﻟﻘَِﻴﺖ ﺳِﺠﻼﺕُ ﺣﺴﻨﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﺮﻯ ، ﻓﻄﺎﺷﺖ ﺍﻟﺴﺠﻼﺕ ، ﻭﺭﺟﺤﺖ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ، ﺛﻢ ﺟﻌﻠﻮﺍ ﻳﻠﻘﻮﻥ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻨﻌﻪ !
ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺤﺖ ﻛﻞ ﺣﺴﻨﺔٍ (ﺷﻬﻮﺓٌ ﺧﻔﻴﺔٌ ) ﻣِﻦ ﺷﻬﻮﺍﺕ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻛﺎﻟﺮﻳﺎﺀ ،ِ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭِ ، ﻭﺣﺐِ ﺍﻟﻤَﺤْﻤﺪﺓ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻠﻢُ ﻟﻲ ﺷﻲﺀ ، ﻭﻫﻠﻜﺖُ ﻋﻦ ﺣﺠﺘﻲ ، ﻭﺳﻤﻌﺖُ ﺻﻮﺗًﺎ : ﺃﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ ﺷﻲﺀ ؟
ﻓﻘﻴﻞ : « بقي ﻫﺬﺍ ، ﻭانا ﺃﻧﻈﺮ ﻷﺭﻯ ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻘﻲ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﺮﻗﺎﻗﺘﺎﻥ ﺍﻟﻠﺘﺎﻥ ﺃﺣﺴﻨﺖ ﺑﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﺍﺑﻨﻬﺎ ، ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ ﺃﻧﻲ ﻫﺎﻟﻚ ، ﻓﻠﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺃُﺣﺴِﻦُ بمئةِ ﺩﻳﻨﺎﺭٍ ﺿﺮﺑﺔً ﻭﺍﺣﺪﺓ ، ﻓﻤﺎ ﺃﻏﻨَﺖْ ﻋﻨﻲ ، ﻓﺎﻧﺨﺬﻟﺖ ﺍﻧﺨﺬﺍﻻً ﺷﺪﻳﺪًﺍ ، ﻓﻮُﺿِﻌَﺖ ﺍﻟﺮﻗﺎﻗﺘﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻜﻔﺔ ﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕ ﺗﻨﺰﻝ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﺭﺟﺤﺖ ﺑﻌﺾَ ﺍﻟﺮﺟﺤﺎﻥ ، ثم ﻭُﺿﻌﺖ ﺩﻣﻮﻉ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻜﺖ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ، ﻭﻣﻦ ﺇﻳﺜﺎﺭﻱ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﻭﺍﺑﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻠﻲ ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﻜﻔﺔ ﺗﺮﺟُﺢ ، ﻭﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺗﺮﺟُﺢ ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗًﺎ ﻳﻘﻮﻝ : " ﻗﺪ ﻧﺠﺎ ". " قد نجا " . " قد نجا " .
«فلا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وﺍﺗﻘﻮﺍ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻟﻮ ﺑﺸﻖ ﺗﻤﺮﺓ» ولنحذر علي أنفسنا الشهوة الخفية ..
(وحي القلم)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق