رسالة سرية من عبدالفتاح السيسي ميكافيلي الأستاذ إلى قيس سعيد التلميذ
بقلم الخبير السياسى والإقتصادى
رسالة سرية من عبدالفتاح السيسي ميكافيلي الشيطان
إلى قيس سعيد التلميذ
من سوء حظ الربيع العربي والشرق الأوسط والأحياء المجاورة، أن عبدالفتاح السيسي في قصر الاتحادية، شعر بالملل، فوجد ضالته في برنامج سيف زاهر، وشاهد تلك الحلقة، وعرف قاعدة الحضري الشهيرة، فأعجب بها كثيراً، واتخذها قاعدة أساسية في حياته العصيبة.
“المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً”، كذلك الطغاة القدامى يشعرون بالمسؤولية تجاه حديثي العهد بالطغيان والاستبداد، وأول هؤلاء المبادرين دائماً لنصرة الاستبداد، ليحكم كما يريد إلى الأبد، وحتى تحترق النجوم وتفنى العوالم.يأتي عبدالفتاح السيسي في مركز متقدم لطول فترة حكمه لمصر، فمنذ 2013 حكم من وراء ستار “عدلي منصور”، ثم حكم من وراء حاجز زجاجي
بعد القرارات المفاجئة التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد شعر السيسي بواجبه تجاه الزميل الجديد، فجلس بعد انتهاء ساعات عمله الثمانية يفكر فيما يمكن أن يقدمه لتجربة الانقلاب الوليدة في تونس، ولزميله الجديد في عالم الانقلابات. جلس في هدوء، ممسكاً قلمه الذهبي في يده اليمنى، وباليسرى يتشبث بكتاب “الأمير” الذي يرسم فيه “نيكولو مكيافيلي” خطة كاملة للطغاة المبتدئين، من أجل الوصول لأفضل درجات السيطرة والنفوذ والاستبداد. وأمامه على الطاولة كتاب الداهية روبرت غرين، “48 قانوناً للسلطة”.
من السيسي إلى قيس سعيد.. “اللي يصعب عليك يفقرك”
الأخ الحبيب والصديق الجديد قيس سعيد
تحية طيبة وبعد:
بالأصالة عن نفسي وعن نادي الطغاة العرب، أرحب بانضمامك لنا في مفاجأة سعيدة، خاصة للأصدقاء في السعودية والإمارات.
أخي الطاغية التلميذ الجديد قيس، أول ما أوصيك به ألا تحارب الجميع دفعة واحدة، يقول دعاة التنمية البشرية إنك لا تستطيع أن تأكل فيلاً إلا في حالة تقطيعه لقطع صغيرة يسهل عليك التهامها، وتعرف أيضاً أنه “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية” فاجعل التيارات والأحزاب السياسية كلاً منها وحيداً في جانب، ثم قرّب منها إليك الأقل خطورة واحداً تلو الآخر، حتى تلتهم الفيل كاملاً. وتذكر قول المؤسس الأب ميكافيلي “حين تريد أن تضرب شخصاً اضربة الضربة التي لا تسمح له أن يعود وينتقم”.
وتعلم تلك القاعدة من “روبرت غرين” في كتابه “48 قانوناً للسلطة”، حين يقول “لا تترك لأعدائك أي خيارات لتفعل بها ما تشاء، ولن تستطيع تحمل تكاليف التوقف في نصف الطريق، وإن لم تترك لهم خيارات لن يكون أمامهم إلا الاستجابة لأوامرك، فالمفاوضات ثعبان ماكر يلتهم انتصارك، فلا تترك لأعدائك ما يفاوضون عليه، أبقِهم دون أمل أو فرص للمناورة، وعليهم أن يعلموا أنهم هُزموا”.
عدوك الأول الآن هو حركة النهضة، والتيار الإسلامي ، لا تجمع عليك عدوين، واكتفِ بهما الآن، وقرّب مَن سواهما، وانظر لتجربتي في حكم مصر وتعلم “متتكسفش مني إحنا خوات”، فبداية أعلنت عن البحث عن مصلحة الوطن والمواطنين، وأن هذه حركة تصحيح من أجل مصر لا من أجل مكاسب شخصية، وأنا أحييك لأنك فعلت هذا أيضاً.
في مرحلة متقدمة تستطيع أن تضيف مع النهضة والتيار الإسلامي أنصار الثورة والحرية والديمقراطية، وذلك الكلام الغريب، ولكن بعد الانتهاء من الأعداء الكبار، فلو نظرت إلى بيان إعلان خارطة الطريق في الثالث من يوليو (تموز) عام 2013، ستجد بجانبي محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق، والذي يقضي الباقي من عمره فيما يشبه المنفى خارج مصر. كما سترى الأمين العام لحزب “النور” السلفي جلال مرة، وهو وحزبه يتجرعان “المر” منذ سنوات، بعد انتهاء مهمتهما على خير. وغيرهم خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة، لو بحثت عنهم ستجدهم في غرف مغلقة أيضاً، ولكنها لا تُفتح كثيراً، وربما لا تُفتح أبداً، في العقرب وليمان طرة والوادي الجديد.
صديقي التلميذ قيس، إن حدّثوك عن الحرية والديمقراطية حدِّثهم أنت عن الإرهاب المحتمل والمخاطر والمؤامرات التي تُحاك من كل سكان الكوكب تجاه أخت أم الدنيا تونس، فالجميع يعلم أن تونس مستهدفة من الغرب والشرق، تعلم بالتأكيد أن هذا غير صحيح، ولكن من يهتم بالصح والخطأ، الجميع يهتم ويستمع لمن يحمل السلاح، “أيوة بالظبط زيي كده”.
عليك أن تقرب الجيش، وأن تجعلهم مثل الهواء الذي يختلط بكل شيء، اصنع منهم خط دفاعك الأول، وامنحهم كل الصلاحيات، واجعل مفاصل الدولة بين أيديهم، فهم رجالك وعدتك وعتادك، في وجه من يهتفون للحرية والعدالة، فكلما أصبح الجيش قوياً وراءك صارت فرصك في النجاح والاستمرار في الحكم والسلطة أكبر فترة ممكنة حتى يأذن الله.
ميكافيلى العصر عبد الفتاح يحتاج إلى وسائل إعلام تردد صدى صوته
النرجسي يحتاج إلى وسائل إعلام تردد صدى صوته
على سبيل المثال، يمكننا أن ننظر إلى الصحافي المخلص للنظام ياسر رزق، الذي يطلق تصريحاته قائلاً “إن السيسي منح الإعلام وحرية التعبير سقفاً غير مسبوق. ليست تصريحاته سوى ترديد لصدى صوت السيسي عندما قال لمحطة CNN الأمريكية: “لا أريد أن أبالغ، لكنْ لدينا في مصر حرية تعبير غير مسبوقة”. السيسي نفسه الذي قال للمصريين إن عليهم ألا يستمعوا لأحد سواه، لا يرى غضاضة في تكميم الأفواه، خاصة إذا مسّت الألسنة سيرة عائلته.
يقول مصدر من الدولة العميقة مفسراً ما حدث لـ”مدى مصر”: “إنها “قرصة أُذن” ضرورية، هناك دائماً “خطوط حمراء” عندما يتصل الأمر بالأجهزة الأمنية والأمور المتصلة بالدولة العميقة”.
على الرغم من عقل السيسي الإستراتيجي، فإن هذا العقل نفسه يحمل خليطًا من البارانويا وجنون العظمة واضطراب الشخصية النرجسية. وفي الفترة المقبلة سنشهد المزيد من النزوع إلى القتل من دون تفكير أو تعاطف.
السيسي هو مكيافيلي العصر الجديد، السياسي الانتهازي الذي لا يتورع عن سفك الدماء. أحياناً تُبدي سياسته الخارجية ملامح خافتة من العبقرية، وفي أحيانٍ أخرى يتبدى الغباء الكامل والفخر بالجهل
لا توجد دولة فالدولة هى أنا
الحياة الباذخة التي يحياها السيسي تسببت بأكبر شرخ في جدار حكمه حتى اللحظة، وبعد 65 شهراً في الحكم. فاستعراض الغطرسة أمام عيون العامة، وقد أهان خلاله 60% من المصريين، تسبب باندلاع الاضطرابات.
بعدما أعلن البنك الدولي أن 60% من المصريين فقراء أو على حافة الفقر، لم يسعَ السيسي إلى إنكار ما قاله محمد علي عن القصور العديدة التي ابتناها لنفسه ولأسرته. في جلسة نقلتها الشاشات إلى البيوت المصرية، قال السيسي: “آه أمال إيه؟ أنا عامل قصور رئاسية. وهاعمل، الله! هي ليا؟”. في عقل الديكتاتور الذي يتلبس شعار “أنا الدولة”: بناء قصور لنفسه هو بناء “دولة جديدة”. فهو والدولة واحد لا ينفصم.
المختل الغامض
الجمع بين نقيضين: عقدة نقص شديدة، وشعور لا أساس له بالعظمة، يمكن أن يفسر نزوع السيسي إلى العنف والدماء. مثل جراح يرى في السكين حلاً وحيداً، يرى السيسي في الجيش حلاً وحيداً.
قائد الكذب العام
بعد تمضيته عامين على مقعد الرئاسة، سمت الـ BBC عبد الفتاح السيسي بـ”الرئيس الباسم”. بإمكانك أن تضحك على هذا التصور، لكن هذه الابتسامة سلاح لدى السيسي، لا بهدف كيد منتقديه، بل لغسيل أدمغة الملايين الذين مثلوا جمهوره وداعميه. ستظل عبارة “إنتو مش عارفين إن انتو نور عينينا ولا إيه” ملتصقة بحكمه الدموي. ينظر السيسي بشوق إلى الكاميرا وكأن المستمعين إليه امرأة جميلة يغازلها، فيما يسرد حكايات كوميدية غير مقنعة عن البطولة والفداء. في الحقيقة، في لحظة لا تصدق، تحدث السيسي بطريقة مهينة إلى النساء مستخدماً مصطلحات جنسية فجة لوصف مصر عندما قال: “مصر كشفت ضهرها وعرِّت كتفها في 2011”.
يكرر السيسي هذا المنهج طوال الوقت. يطلق الأكاذيب ويصبح أول من يصدقها. هو واثق من أتباعه الذين يدورون حوله كما يدور المريدون حول إمامهم: “طب والله العظيم. أنا قعدت عشر سنين. تلاجتي كان فيها ميه بس ومحدش سمع صوتي. عشر سنين تلاجتي كان فيها ميه بس!”. ما يدعيه السيسي يهين ذكاء الشخص العادي، هذه الإهانات يرددها الإعلام ولا يشكك مؤيدوه فيها.
في السيسي تتجسد أمثولة الرجل الذي يؤمن بأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه. هل تذكرون عندما وصف نفسه بطبيب الفلاسفة وبأنه مثلٌ أعلى للعلماء والمفكرين والفلاسفة الذين يأتون من كل العالم ليستمعوا إليه ويتعلموا منه؟ عندما تحيا في فراغ لا يملأه إلا أفكارك أنت، ستنفصل تماماً عن الواقع وستتحكم بك الهلوسات، وتصبح الأكاذيب التي يصدقها تابعوك المستفيدون قصراً من السحر الأسود، تحيا فيه من دون أن تدرك أنه وهمي.
عندما يتقدم رجل أقسم على ألا يترشح للرئاسة لكي يستحوذ على هذا المنصب لعقود تتجاوز السنوات الثماني التي كان يعطيه الدستور الحق بها، علينا أن نرى بوضوح أن هذا الرجل مصاب بجرثومة الكذب، لكنه برغم ذلك يجرؤ على أن يمسك الميكرفون ويقول: “مشكلة كبيرة تعرفوها عني، إني صادق قوي وأمين قوي إن شاء الله”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق