الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

ما يلزم طالبان.. مكتب لردِّ الشبهات والأكاذيب

ما يلزم طالبان.. مكتب لردِّ الشبهات والأكاذيب

أحمد عمر


استكثر التنويريون فرحة المسلمين بانتصار طالبان، فقد اشمأزّوا من انتصار أفقر دولة في الأرض على أغنى دولة في الأرض، وعدّوا الانتصار فشلًا لأنه رفضٌ للحداثة، انتصر الأفغان بالشباشب والبنادق القديمة على جند الحضارة الأمريكية وعسكر النيتو، الذين يوزّعون حضارتهم على الشعوب عبر الدخانين دخان الطائرات ودخان السجائر.

وجدتهم يندبون في منشوراتهم ويكادون يلطمون، وهم يؤمنون بأنّ القاعدة وراء أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وفي ذلك شكٌّ، فهو لغزٌ لم يحلّ، لكنّ الإعلام العالمي ببراعته وسطوته جعل فيلم البرجين والمتّهمين به حقيقة مطلقة، ولم يكن في الطائرتين اللتين ضربتا البرجين أفغاني واحد.

لم يذكر أحد مروءة الأفغان الذين طلبوا دليلًا على تورّط أسامة بن لادن، فالقوي لا يحتاج إلى دليل، وقد احتلت أمريكا أفغانستان ظنًّا منها أنها أضعف دولة في العالم، ولم يكن بهم إلى ذلك حاجة، وقيل إنه للانتقام، والحق إنه كان غزوًا، طمعًا بثرواتها، فدحروا فيها أسوأ اندحار. 

التنويريون يتضايقون من وصف الهزيمة والاندحار، ويسخرون منها في مقالاتهم. غيرة على رامبو إلا أن الإعلام الأمريكي كاد أن ينجح في نمرة تحويل هزيمة الجلاء إلى نصر إجلاء للأفغان المساكين الواقعين في غرام أمريكا، فقتلت بضعة عشر أفغانيًا بالازدحام أو بإطلاق النار.
 
يسار وقع في حب رامبو وجانغو

خصوم تحرير أفغانستان أمشاج كثيرة، وهم من غير ترتيب: محتلو فلسطين، والأقليات الدينية العربية، وكثير من اليسار العربي، والليبراليون العرب، وأتباع الأنظمة العربية المذعورة من نصر طالبان، وفضائيات رسمية وأخرى رديفة. 

لم تكفّ الفضائيات منذ أن قرر الأمريكان بناء جسرهم الجوي الذي أطلقوا عليه اسم الانسحاب، بضخ التقارير السوداء عن الفكر "القروسطي" والحجاب والنقاب والمذيعات المضطهدات، والبحث عن تسويغات لهزيمة أمريكا، مثل القول: إن الجماعة دائمًا أقوى من الدولة. لكن النصر أبلج والباطل لجلج.

هي المرة الأولى التي ستتولى جماعة إسلامية شؤون دولة، فليس صحيحًا أن أفغانستان هي الدولة الإسلامية الثانية بعد إيران إلا بالإسم، فلم ينتفع المسلمون السنّة من إيران سوى بالمذابح، وتظارف كثيرون وأطلقوا النكات الكثيرة ساخرين من طالبان ومن زيّ طالبان، وقارنوا بين "داعش" وبين طالبان، وآخوا بين "حماس" وطالبان، مع أن "داعش" أصدرت بيانًا كفّرت فيه طالبان، فاختصاص "داعش" هو حروب الردّة، وعاب هؤلاء قول طالبان بأنهم سيعملون بالشريعة الإسلامية وليس بالديمقراطية، وليس بين الساخرين منهم من يتبع دولة ديمقراطية، إلا أن مديحا غير مقصود نزل على طالبان وأفغانستان من خصومهم، أشهرها ذكر بايدن مقولة: إنها مقبرة الغزاة، وهو قول قديم، وقال توني بلير قبل أربعين سنة: إن أفغانستان ستكون علامة على انطلاق نظام عالمي جديد إن انتصرت، ولعلها كذلك. 

كذلك فعل ترامب ومدح الأفغان، وإن انتقد طريقة الإجلاء، وكل هذا مفهوم، لكن كاتب هذه السطور عجز عن فهم اليسار العربي، فبحسبانه أنهم كانوا دومًا ضد الإمبريالية، ومع الشعوب في حق تقرير المصير، لكن يبدو أنهم لا يعدّون الأفغان شعبًا لأنهم يرتدون أزياء قديمة، لا يستحق الأفغان هذا الوصف طالما أنهم قاوموا هذا الاحتلال "الراقي" وجنود الآيس كريم، ثم فهمت الأمر بأن ما يجمعهم مع خصوم الإسلاميين هو عداوة الإسلام، مع أنهم مدحوا كثيرًا  لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، لكن "لاهوت" التحرير الإسلامي لا يعجبهم، ولا بد أن لدى طالبان ما يُمدح ويُثنى عليه، وتمنيتُ أن يتذكر متذكّر أنهم ضحّوا بخمسين ألف شهيد سوى المدنيين، وأن يثني ناقد أو مراقب على مشهد دخولهم القصر الرئاسي، وهو مشهد فيه ما يثنى عليه، فهؤلاء الداخلون بلا رتب، يصعب أن تعرف من منهم القائد ومن منهم الجندي، حتى إنهم تبادلوا الجلوس في صدر المجلس، وصدروا مقرئ القرآن تكريما للقرآن الكريم لا أحد يعرف القائد، وقيل إن عبد الغني برادر هو الثاني، ثم تبين أن هيبة الله متوفى منذ سنتين ولا أحد يعلم.

طالبان.. ذكاء إعلامي لا يكفي

وعلمنا أن أحد الجالسين، الذي مدّ يده ببوق الصوت لسكرتير أشرف غني، قضى في معتقل غوانتنامو ثماني سنوات، وأنهم أصحاب نخوة وشهامة رفضوا تسليم لاجئ إليهم، فلم يرَ المحتل أعز من الشعب الأفغاني، لكن الظالمين بآيات الله يجحدون، واستخرجوا ملالا يوسف زي الحائزة على نوبل من المستودع الإعلامي، وخرجت أنجلينا جولي تطالب بحقوق الأفغانيات، بل إن مراسلة الـ "سي إن إن" خرجت تمدح طالبان الودودين، ثم جاءها تعنيف من إدارة القناة، فخرجت في تقرير آخر، وهي تسأل جنديًا من طالبان كان يسوّي الصفوف ويفرّق المزدحمين بخرطوم في يده وكأنه سلاح نووي!

وبثّوا صورة جندي أمريكي يعانق سيدة أفغانية من فوق السور، وجندي آخر يسقي أفغانية ماء، فكدنا نبكي فرحًا بالأمريكان الذين جاؤوا من آخر الدنيا لسقاية الماء للأفغان العطاش وتوزيع السكاكر والديمقراطية عليهم.


قرأت مذكرات عبد السلام ضعيف واستمتعت بها ويمكن تلخصيها بكلمة: العزة، وقرأت مذكرات ضابط كان يتجسس على طالبان أبدى عجبه من حماسة طالبان الذين يذهبون إلى حتفهم باسمين، وقرأت مقالات كثيرة للحداثيين العرب وهم يلحقون بالطائرات الأمريكية ويتعلقون بها، ويمشون في ظل العربة الأمريكية.


وذكروا في منشوراتهم أن طالبان حققت مع بعض العملاء، وزارتهم في بيوتهم، وهو أقل ما يفعله منتصر في خصمه، وتكاثرت النصائح الدولية بإنشاء حكومة انتقالية، يريدون حكومة مثل حكومة تونس وسيبحثون عن عبير موسي.

وبثّت الإمارات فيلمًا لأشرف غني يتحدث فيه عن جلائه من القصر بعمامته وأحذيته، لا بد أن عمامته عملاقة حتى وسعت ذلك المبلغ الذي قالت فضائية روسية إنه 169 مليون دولار، وزعم لنا أن رأسه مطلوب، ولابد أن رأس كرزاي، الذي صار رمزًا للعمالة أثمن من رأس أشرف غني، ولم يمسّ بأذى، وقرأت طرائف كثيرة عن كلاب الأمريكان، وأن الأمريكان يفضلون الكلاب التي تمشي على أربع لأنها وفية، لكني لم أتوقع أن يصفّق يساريون عرب لأمريكا.

وتمنيت لو تذكر يساري عربي قصف أمريكا لأفغانستان "قصف السجادة"، وأن أمريكا قصفت أفغانستان بما يعادل خمسين قنبلة نووية، وقتلت آلاف الأطفال، فما أكثر الأعراس والمدارس التي قُصفت، بل إنها لحقت باللاجئين الأفغان في باكستان وقصفتهم، حتى بنى الأفغان مدارسهم في الكهوف، لكن هؤلاء لا يتذكرون سوى أن طالبان يظلمون المرأة والأقليات، ثم يبكون على فصل مذيعة ومنعها من العمل.

الماشون في ظل العربة

أذكى ما قرأت لبعض المتنطعين عن مؤامرة بين أمريكا وطالبان، وإنه ما جرى هو عقد استلام وتسليم، بدليل الأسلحة التي تركها الأمريكان لطالبان، والتي يطالب الجمهوريون بالتحقيق في تركها لطالبان، ولا يشرحون لنا لمَ تأخرت هذه المؤامرة عشرين سنة. وتفسيرنا للأمر أنّ الجيش الأمريكي كان ينوي ترك هذا العتاد للجيش الأفغاني الوطني، الذي تبين أنه مرتزقة، وسلّم العاصمة من غير رصاصة واحدة.

وبعض الدفاعات الذكية عن الاستعمار الأمريكي، جعلت إقبال بضعة ألوف من الأفغان على الهرب من أفغانستان دليلًا على ظلم حكم طالبان، التي لم تحكم بعد، وبثّ هؤلاء صورًا قديمة تعود إلى عقدين عن ضرب امرأة أفغانية.

وهناك شبهات ذكية، مثل زعم بعضهم أن طالبان لا يمانعون في التطبيع مع إسرائيل بدليل حديث أحدهم مع فضائية إسرائيلية، بل إن حديثا جرى حول أشعرية طالبان للتشكيك في عقيدتهم، وأن مشهورًا لبنانيًا عربيًا يكتب في صحيفة سعودية، قال في تغريدة: نحن بخير وما تزال أمريكا تقود العالم. فذكّرني بالمثل التركي: يمشي الكلب في ظل العربة ويظنُّ ظل العربة ظله.

نعى خبثاء الإمارة الإسلامية قبل أن تُعلَن، فالأفغان ليس عندهم فنون تشكيلية، ولا يستقيم أمر دولة من غير فنون تشكيلية، وليس عندهم أم مثالية، ليس عندهم روايات "رائعة" مثل روايات يوسف زيدان، ليس عندهم ممثلات مثل إلهام شاهين وسلاف فواخرجي، وليس عندهم كوميديان مثل عادل إمام.

يذكر عبد السلام ضعيف في مذكراته "حياتي مع طالبان" افتراءات الأمم المتحدة على طالبان، وأشهرها فيديو قصاص من امرأة اسمها زامينا قتلت زوجها، وأقيم عليها حدّ القصاص في الملعب البلدي، وتسرب الفيديو إلى الأمم المتحدة، واستخدم في تأليب العالم ضد طالبان، وكان قصاصًا جنائيًا وفق الشريعة الإسلامية وأعراف الأفغان، لكن أحدًا لم يذكر في التقرير إنه قصاص.

قرأت عشرات المقالات والمنشورات التي تدافع عن الاحتلال الأمريكي، وتسخر من طالبان وحكمهم "المتخلف الرجعي"، وترفض قبول النسخة الثانية من طالبان، فهي في نظرهم غير قابلة للتعديل. أما حكم أمريكا التقدمي الذي يقتل بالليزر فهو غاية المنى. 

رجاء لا تمسحوا بكرامتنا الأرض في طائرات السماء

أكثرت صحف النظم العربية من نشر صورة وحيدة للملّا محمد عمر بعين واحدة للسخرية من شكله، وكان فقدها في قصف جوي، ومن بثّ صورة أحمد شاه مسعود الإبن في إخراج مميز هوليودي، وهو ينزل من علٍ، ويقصد مقبرة أبيه الفاخرة ليطالب بثأر كليب.

قرأت مذكرات عبد السلام ضعيف واستمتعت بها ويمكن تلخصيها بكلمة: العزة، وقرأت مذكرات ضابط كان يتجسس على طالبان أبدى عجبه من حماسة طالبان الذين يذهبون إلى حتفهم باسمين، وقرأت مقالات كثيرة للحداثيين العرب وهم يلحقون بالطائرات الأمريكية ويتعلقون بها، ويمشون في ظل العربة الأمريكية.

ختامًا، استمعتُ كثيرًا بتهديدات بايدن لطالبان بعدم الاقتراب من المطار: دعونا نجلو بسلام وإلا صادرنا أموالكم المخزّنة في مصارفنا.

سيبوا واحنا ح نسيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق