( فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ ) ورأى كل فريق خصمَه .
( قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) أي لا محالة ، ولا مفرّ ، فالبحرُ من أمامنا ، والعدوُ مِن خلفنا بقضّه وقضيضه ، بخيله ورجِلِه ، بعُدّته وعتاده .
فماذا كان موقف نبيُّ الله موسى عليه الصلاة والسلام ؟
هو موقفُ الواثق بالله ونصرِه .
( قَالَ كَلاّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فيأتيه الفَرَجُ والجواب :
( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ ) ماذا يضربُ بها ؟
عصا صغيرة كان يتوكأ عليها ، ويهشّ بها على غنمه .
يضرب بها البحرَ العظيم المتلاطم .
( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ )
لتبقى هذه القصة عِظة وعِبرة ، ولذلك قال الله بعد سياق هذه القصة : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )
قال رب العِزّة سبحانه في أخبار آل فرعون : ( ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )
فكانت العاقبة للمتقين ، كما كان موسى يقول لقومه من قبل : ( اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
قال الله عز وجل : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ )
فهل شكر بنو إسرائيل هذه النّعمة يوم أنْ أنجاهم ربهم سبحانه وتعالى من عدوّهم ؟
استمع إلى قول الله جل جلاله : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ َلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ )
أما نبيّ الله موسى عليه الصلاة والسلام فقد شكر الله عز وجل على ما أولاه مِن نِعْمَـة ، فصام ذلك اليوم شُكراً لله عز وجل .
وفي هذا دليل على أن الشكر العمليّ أبلغُ من الشكر بالقول فحسب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق