الثلاثاء، 15 مارس 2022

تعقيبا على حمد بن جاسم

تعقيبا على حمد بن جاسم


أحمد عبد العزيز

حل الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الأسبق، ضيفا على الإعلامي الكويتي عمار تقي، في برنامجه "الصندوق الأسود"، وفي الحلقة 49 من البرنامج، تطرق الحديث إلى "الثورة" المصرية، وتنافس الإخوان المسلمين على السلطة، ولقاء ابن جاسم مع الرئيس محمد مرسي (رحمه الله) في القاهرة، وتحذيره الرئيس من قرب وقوع انقلاب عليه، ولقاء الوفد الاقتصادي المصري نظيره الأمريكي في الدوحة، برعاية ابن جاسم، وانقلاب 30 حزيران/ يونيو الذي رفض أن يسميه انقلابا، وأمور أخرى..

في هذا المقال سأعقب على بعض ما جاء في حديث ابن جاسم، قدر ما يسمح به المجال..

قال ابن جاسم في الحوار المذكور: "مرسي استلم [الحكم] وأنا من الناس اللي راحت له قبلها بشهرين [قبل الانقلاب] وقلت له: إنت هتنشال خلال أيام [...] فيه صديق مصري بريطاني مستشار عند كذا رئيس مصري.. أقول له: لو تقول لفلان كذا وكذا وتوصل له.. [المحاور مقاطعا: لمرسي؟.. ابن جاسم: لا.. واحد ثاني من اللي جِوْ.. يقصد رئيسا آخر] قعد يضحك، وكان يتجاوب معاي.. قال لي: بس المصري يصير رئيس، يصير little pharaoh [ضحك].. فقال لي: تغير عليّ ما قدرت أتعامل معه".

يستطرد ابن جاسم: "مرسي قال لنا بما معناه.. حُطوا في بطنكم بطيخة صيفي.. أنا ما أقولك محمد مرسي ذكي.. ولا أقول لك محمد مرسي لا يصلح للحكم في مصر.. الله يرحمه.. أقدر أقول لك إنه رجل صادق.. صح.. حسب م شفت أنا.. أقدر أقول لك إن نواياه جيدة.. صح.. دخل معركة مع خصوم وما كان يقدر يدخل في أي معركة"..

في موضع آخر، من الحلقة، قال ابن جاسم: "صار اجتماعين أو اجتماع عندي هنا في الدوحة، بين الأمريكان وبين المصريين من جهة مرسي؛ لمحاولة تقريب العلاقة أكثر، بالذات في النواحي الاقتصادية.. ولكن الأمريكان كانوا يريدون يستوضحون من الناس لجداد اللي جايين إيش تفكيرهم.. كانوا يريدون يعرفونهم أكثر.. ولكن الاجتماع بعد ما خلص انصدمت؛ لأنه كان المستوى من قِبَل الجماعة اللي جايين من مصر.. مستوى مساكين ما يقدرون يكونوا على دكان أو شيء..".

مرسي كان حاد الذكاء وليس ذكيا فحسب!


للأسف، لم يلتقط ابن جاسم (وهو الذكي الألمعي) إشارة الرئيس مرسي "حطوا في بطنكم بطيخة صيفي" التي كانت موجهة (في الأساس) للعسكر الذين كانوا يتنصتون عليه!.. لقد أراد الرئيس أن يقول لهم: لا أصدق أنكم تخططون للانقلاب عليّ، رغم يقينه أنهم يتآمرون عليه (!) وما كانت جملة "عندنا في الجيش رجاله زي الدَّهب" إلا محاولة من الرئيس لتأليف قلوبهم غير الموجودة أصلا (!) وقد كنا (نحن الفريق الرئاسي) فضلا عن الرئيس، ندرك ذلك جيدا، فكنا نستعمل لغة الإشارة إذا تطرقنا (في أحاديثنا) لأمر نريد إخفاءه عن العسكر، وقد كانوا يعلمون ذلك بطبيعة الحال، من خلال كاميرات المراقبة السرية المبثوثة في القصور الرئاسية (!) فعلى ابن جاسم أن يصحح "انطباعاته" ولا أقول معلوماته!

"المصري لما يصير رئيس يصير little pharaoh - فرعون صغير".. إذا كان هذا الوصف ينطبق على رؤساء مصر السابقين، وهو ينطبق، فلا ينطبق (بأي حال) على الرئيس مرسي!.. إذ لم نسمع من هؤلاء الفراعين، على مر التاريخ، سوى "أنا ربكم الأعلى"، و"ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، بلسان الحال أو المقال، أو كليهما..

أما الرئيس مرسي فقد قال للشعب المصري: "عليّ واجبات وليس لي حقوق"، وقال: "أعينوني بقوة".. ومن ثم يكون استشهاد ابن جاسم بوصف المستشار المصري السابق لرؤساء مصر، لا محل له (مطلقا) في سياق الحديث عن الرئيس مرسي (!). فعلى ابن جاسم أن يُحسِن الاستشهاد بما لديه من قصص ومواقف؛ كي لا يسيء إلى من يجب عليه الحديث عنهم بكل احترام، عن جدارة واستحقاق.

"أنا ما أقولك محمد مرسي ذكي".. ولست أدري ما هو مفهوم الذكاء عند ابن جاسم (!) فمن المعلوم (لدى الجميع) أن التفوق الدراسي من أهم مؤشرات الذكاء، وقد كان الرئيس مرسي متفوقا طوال سِنِين دراسته التي توجها بشهادة بكالوريوس الهندسة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، أهلته لابتعاثه إلى الخارج.. وإذا كان النجاح في بلادنا (المتخلفة) يعتمد على "حفظ" المنهج الدراسي، فالرئيس مرسي نال درجة الدكتوراة من جامعة "جنوب كاليفورنيا" الأمريكية التي درَّس لطلاب الهندسة فيها "خصائص المواد"، وهو من أهم العلوم وأكثرها تعقيدا، ويلزم لدَارسِه أن يتمتع بالقدرة على الاستنباط، قبل قدرته على الحفظ.. وكلنا نعلم أن الاستنباط لا يقدر عليه إلا الأذكياء. وجدير بالذكر أن الرئيس مرسي كان يتمتع بذاكرة حديدية.

صلاحية الحاكم للحكم وعدم الرضوخ للإملاءات الخارجية

"ولا أقول لك محمد مرسي لا يصلح للحكم في مصر".. إن صلاحية مرسي (أو غيره) للحكم من عدمه، لا تكون بشهادة يصدرها ويعتمدها ابن جاسم وهو يضع ساقا على ساق، وإنما تكون بشهادة الشعب المصري، بعد أن يكمل الرئيس دورته الأولى في الحكم، فإذا حقق تقدما ملموسا لصالح البلاد والعباد، كان جديرا بالمنافسة في الدورة التالية، وإذا أخفق في تلبية تطلعات الجماهير، أسقطته وجاءت برئيس آخر، وهو الأمر الذي لم يتم؛ لاستعجال جيران ابن جاسم الخليجيين والصهاينة في وأد هذه التجربة، قبل أن تنجح، فيشكل نجاحها تهديدا وجوديا لهم.

وقد ذكر ابن جاسم، في هذه الحلقة، أن الصهاينة كانوا في حالة صدمة من فوز مرسي بالرئاسة، فما بالكم بفرعونيّ الخليج الصغيرين، ابن زايد وابن سلمان؟

لقد استطاع الرئيس مرسي، في عامه "اليتيم"، توفير 70 في المائة من حاجة البلاد من القمح الذي هو "عيش" المصريين وغذاؤهم الأساس، وهو ما لم يحققه أي رئيس مصري سابق، وكان عازما (رحمه الله) على الاكتفاء التام من القمح في غضون أربع سنوات.. كما استطاع وزيره الفرقد الدكتور باسم عودة (فك الله أسره) تلبية حاجات المصريين من السلع التموينية الأساسية، بجودة عالية، وأسعار مناسبة، تحت شعار "أجود منتج لأكرم شعب"، فكان بذلك أول مسؤول (مصري وعربي) يجعل من الشعارات حقيقة!

"دخل مرسي معركة مع خصوم، وما كان يقدر يدخل في أي معركة".. لم يقل لنا ابن جاسم ما هي المعركة التي دخلها الرئيس مرسي ولم يكن باستطاعته خوضها!.. فإذا كان يقصد بالمعركة عدم انصياع الرئيس مرسي للإملاءات الأمريكية، بتعيين البرادعي رئيسا للوزراء بصلاحيات رئيس جمهورية، وإملاءات أخرى، أو يقصد عدم قبول الرئيس بشروط العسكر؛ كي لا يكون "طرطورا"، فالرد هنا يكون سؤالا لا جوابا ألا وهو: لماذا لم تذعن قطر لشروط دول الحصار، وهي الدولة الصغيرة جدا مقارنة بجيرانها "الهوامير" المتربصين بها، وآثرت الصمود في وجه الاجتياح (الإماراتي السعودي) الذي أعد له محمد بن زايد ومحمد بن سلمان العدة جيدا، وباركه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد رشوته؟! هل كان يرى ابن جاسم أنه من "الحكمة" أن تنصاع قطر لإملاءات هذين "الفرعونين الصغيرين" وتلبي شروطهما الأربعة عشر الوقحة لتنجو من الاجتياح؟ أم كان مع فكرة التصدي والصمود بأي ثمن؟.. فإذا كانت الأولى، فقد خالفته القيادة القطرية، وتستحق التقدير على ذلك. وإذا كانت الثانية، فلماذا يعتبر "صمود" مرسي أمام الأمريكان والعسكر، وعدم رضوخه لإملاءاتهم "عنترية" أو "غباءً"؟!

إنجاز اقتصادي لم يتحقق خلال نصف قرن

"كان المستوى من قِبَل الجماعة اللي جايين من مصر.. من عند مرسي يعني.. مستوى مساكين ما يقدرون يكونوا على دكان أو شيء".. لم يقل لنا ابن جاسم ماذا دار في اجتماع الوفد الاقتصادي المصري بنظيره الأمريكي؛ حتى نشاركه في تقييمه لأعضاء الوفد المصري، أو نخالفه فيه، وننظر معه فيما إذا كانوا جديرين بوظائفهم أم لا (!) وكان عليه (وهو الحليف والصديق) أن يلتقي الوفد المصري قبل اجتماعه بالأمريكان، ويناقشهم ويسدي لهم النصيحة، لكنه لم يفعل، ولو فعل لقال. فهل يعتبر ابن جاسم ما كنت أنتظره منه (في هذا الموقف) سذاجة أو "غباءً"؟!

أما الذي أعرفه، ونشرته صحيفة "الأهرام" شبه الرسمية في 1 أيلول/ سبتمبر 2013، العدد (46290)، تحت عنوان: "فائض في الميزان التجاري لأول مرة منذ نصف قرن": "لأول مرة منذ خمسين عاما، حقق الميزان التجاري فائضا قد يصل إلى 15 مليار جنيه، بعد ارتفاع صادراتنا خلال الأشهر السبعة الأولى، من العام الحالي 90.5 مليار جنيه، مع عدم تجاوز الواردات حاجز الـ75 مليار جنيه".. تحقق هذا الإنجاز، في سبعة أشهر فقط (!) رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها مصر إبان انتفاضة يناير 2011، كان من بينها انخفاض الاحتياطي النقدي من 35 مليار دولار، في عهد مبارك، إلى 15 مليار دولار، أي أن مصر فقدت من رصيدها النقدي 20 مليار دولار، خلال عام ونصف فقط، تحت إدارة المشير طنطاوي ومجلسه العسكري! فمن الذي حقق هذا الإنجاز الاقتصادي؟ رجال دولة، أم صبيان لا يصلحون للوقوف في "دكان"؟! وماذا يعني هذا الخبر عند "رجل الدولة" حمد بن جاسم؟!

إنت تِبِي تورطني!

في الحلقة ذاتها من الحوار، تطوع ابن جاسم بطرح سؤال لم يسأله المحاور فقال: "إذا بتسألني الآن عن حال مصر من ناحية اقتصادية.. أمورها جيدة، وفيه نظام [...] فيه هناك نمو اقتصادي.. فيه هناك استقرار اقتصادي.. ديمقراطية مش ديمقراطية، الناس انتخبوا رئيس، ويفترض من الجميع أن يحترموا إرادة الشعب [...] الرئاسة قاعدة تتحول لحكومة مدنية" (!).

التعليق على هذه الإجابة التي كانت عن سؤال لم يسأله المحاور يلزمه مقال مستقل؛ لغزارة المعلومات المتوفرة التي تدحض وتنسف هذا الكلام جملة وتفصيلا، ولكن هناك إجابة "أنفية" قصيرة، لا تجيدها سوى مدام انشراح والفنان المُغيَّب إيمان البحر درويش، وأعتقد أنها كافية وبليغة في آن!

في السياق ذاته سأل المحاور ابن جاسم: "اللي صار في 30 يونيو في مصر، ثورة تصحيحية وللا انقلاب؟".. هنا، تذكر ابن جاسم أنه دبلوماسي سابق فأجاب: "إنت هنا تِبِي [تريد] تورطني.. لأني ما أقدر أقول إلا اللي أنا مقتنع فيه.. أنا همتنع عن الجواب".. ومرة أخرى، أترك حق الرد لمدام انشراح والفنان إيمان البحر درويش؛ لأن المقال طال أكثر مما يجب، وعليّ أن أتوقف..

أخيرا.. أهدي الشيخ حمد بن جاسم كتابي "الإخوان والرئيس بين التجني والتشنج" ليرى كيف تحدث واحد من فريق الرئيس مرسي الرئاسي عن الشخصيات التي صادفها، أثناء قيامه بمهام وظيفته الرسمية وبعدها، وجلهم كانوا خصوما أو أعداء، ولم يكونوا "أصدقاء" ولا "حلفاء".

twitter.com/AAAzizMisr


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق