الخميس، 24 مارس 2022

لا صوت يعلو فوق صوت العنصرية (2-2)

 لا صوت يعلو فوق صوت العنصرية (2-2)
د.أميرة أبو الفتوح

ربما تكون الحسنة الوحيدة التي تُحسب للغزو الروسي لأوكرانيا، أنه أظهر وجه الغرب الحقيقي؛ العنصري بالفطرة بعدما أسقط عنه القناع المزيف الذي خدع به العالم أجمع، فأوضح ازدواجية المعايير لديه بصورة فاقعة وفاضحة!

لقد قالت "أورسولا فون دير لاين"، رئيس المفوضية الأوروبية: "أوروبا تقف بجانب كل من يحتاج إلى حماية، وكل من يهرب من قنابل بوتين مرحب به في أوروبا".

وبالفعل استقبل الأوروبيون اللاجئين الأوكران بترحاب شديد، وأعدوا لهم حياة كريمة على أراضيهم دون وثيقة سفر، والسماح لهم بالبقاء فيها بترخيص إقامة طويل المدى، دون الحاجة إلى التقدم رسمياً بطلب لجوء والوقوف في طوابير طويلة كما يحدث مع العرب (الرعاع)، والأفارقة السود (الهمج)، كما يقولون! مع السماح لهم بالعمل والتمتع بالخدمات الصحية والتعليم، وإمكانية الحصول على المساعدات المالية والاجتماعية من الحكومات الأوروبية، وكذلك الانتقال بين مختلف دول الاتحاد الأوروبي دون قيود، لتسهيل الانتقال إلى البلدان التي فيها جاليات أوكرانية أكبر من غيرها، على الرغم من أن أوكرانيا ليست عضواً في الاتحاد، وعدد اللاجئين الأوكرانيين يصل لأضعاف مضاعفة ممن وصل إلى أوروبا من المهاجرين الأفغان والعراقيين والسوريين، الذين فروا من نيران الحروب التي تشتعل في بلدانهم، أملاً في أن يجدوا استضافة كريمة؛ فقد كان في أذهانهم شعار الغرب الذي يتغنون به، ألا وهو حقوق الإنسان والإنسانية العالمية، فإذا بهم يعانون الأمرين في معسكرات يقال إنها لا تصلح للعيش الآدمي.
لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية هي التي نبهتنا لاختلال موازين العدالة، وأنه عالم مزدوج المعايير، يكيل بمكيالين، ولكنه أكد ما هو معلوم بالضرورة، أكد ما كنا نقوله ونصرخ به دوماً ولكن لا حياة لمن تنادي


وليت بعض الدول الأوروبية اكتفت بذلك، بل ألغت دول كالدنمارك مثلاً إقامات لمهاجرين كثر من السوريين، وطردت لاجئين أفغانا وسنت قوانين جديدة تعقد إجراءات اللجوء أكثر مما هي عليه!

لقد مات مئات اللاجئين على شواطئ أوروبا في محاولة لدخول البلاد، كما في اليونان وفي إيطاليا على سبيل المثال..

أما المجر التي يستحيل فيها التقدم بطلب لجوء على أراضيها، فأقرت مؤخراً مرسوماً لحماية آلية للأوكرانيين، ويعلل هذا بوقاحة رئيس الوزراء القومي المتشدد "فيكتور أوروبان" بأن هناك فرقا بين تعامل بلاده الحالي مع اللاجئين الأوكرانيين وبين تعاملها مع اللاجئين السوريين والأفغان عام 2015 فيقول: "نحن نعرف الفرق بين مهاجر ولاجئ، المهاجرون نوقفهم أما اللاجئون فنقدم لهم كل المساعدة التي يحتاجونها"!

إنه لكذاب أشر، فكل من لجأ إلى بلادهم من السوريين والأفغان كانوا يطمحون فقط لمظلة الحماية ويطلبون اللجوء..

وعلى الرغم من أن أغلب الشعوب الأفريقية والآسيوية المستضعفة في الأرض؛ ضد غزو روسيا لأوكرانيا وقلوبها مع الشعب الأوكراني، ومتضامنة معه في وجه البلطجي "بوتين"، كما نرى ونقرأ على السوشيال ميديا، إلا أن الحكومة الأوكرانية، التي تُقاسي ويلات الحرب وشرورها، كان لها رأي آخر تجاهها وتجاه من يتواجد على أرضها من أبناء تلك الشعوب، فقد منعت السود والأفارقة من عبور الحدود بنفس سهولة مرور الأوكرانيين "البيض"، وعرقلت اللاجئين الهنود لأن بلادهم لم تصوت في مجلس الأمن ولا في الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدانة روسيا.

كما لجأت قوات أوكرانية لشيء غريب وقميء في الوقت نفسه، إذ تم دهن ذخائر الجيش الأوكراني بدهن الخنزير قبل استخدامها ضد الجنود الشيشان المسلمين الذين يشاركون الجيش الروسي في الغزو!!

لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية هي التي نبهتنا لاختلال موازين العدالة، وأنه عالم مزدوج المعايير، يكيل بمكيالين، ولكنه أكد ما هو معلوم بالضرورة، أكد ما كنا نقوله ونصرخ به دوماً ولكن لا حياة لمن تنادي، فلا أذن سمعت نداءنا ولا عين نظرت لنا، فالمجتمع الدولي أصم وأبكم وأعمى تجاه قضايانا العربية!!

كل الدول الغربية رحبت بالمقاومة الأوكرانية واعتبرتها مشروعة في الدفاع عن أرضها، وهلل لها كل الإعلام الغربي "الليبرالي"، ورحب بكل المواطنين الأوروبيين المتطوعين للمشاركة في الحرب ضد روسيا، بينما يصف نفس الإعلام كل من يقاوم الكيان الصهيوني المحتل لأرضه بـ"الإرهابي"، ويصفق للاحتلال الإسرائيلي الذي يشن كل حين حرباً على غزة ويصفها بأنها حرب على الإرهاب.

الأمثلة كثيرة وعديدة، والكل شاهد عيان عليها، إلا أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا فتحت المجال أمام مفردات معينة في القاموس السياسي والتي كانت من قبل مُستهجنة، فإذا بها اليوم مُستحبة لدى الإعلام الغربي (الليبرالي)، ويستعملها بكل أريحية وثقة، أهمها "المقاومة"

لقد فتحت أوكرانيا الباب على مصراعيه للمتطوعين من كل أنحاء العالم، فقد دعا إلى ذلك جهاراً الرئيس الأوكراني وأوجد لهم "فيلقا دوليا"، وأعفاهم من التأشيرات، ووجد من يصرح بدعم هذا التوجه مثل وزيرة الخارجية البريطانية، على الرغم من أن نفس هذه المبادرة يُطلق عليها في حالات أخرى إرسال لـ"الإرهابيين الأجانب" إلى بؤر النزاع!

كما أمر المجرم بوتين وزير دفاعه خلال اجتماع متلفز بمساعدة المتطوعين للانتقال إلى مناطق القتال، ورد عليه بالقول: "هناك 16 ألف متطوع في الشرق الأوسط"، والمقصود هنا بالطبع شبيحة النظام السوري، حيث أشار أحد المواقع الإلكترونية السورية إلى أن موسكو فتحت باب التطوع مقابل رواتب تتراوح ما بين 200 و300 دولار في الشهر..

لقد بات إمداد الأوكرانيين بالسلاح ممارسة معلنة في وقت كان فيه محرماً بالكامل على غيرهم إلا سراً أو تهريباً.

الأمثلة كثيرة وعديدة، والكل شاهد عيان عليها، إلا أن الحرب الروسية ضد أوكرانيا فتحت المجال أمام مفردات معينة في القاموس السياسي والتي كانت من قبل مُستهجنة، فإذا بها اليوم مُستحبة لدى الإعلام الغربي (الليبرالي)، ويستعملها بكل أريحية وثقة، أهمها "المقاومة"، والتي هي بطبيعة الحال مشروعة للأوكرانيين فقط أو ربما لكل الأوروبيين فيما بعد لو امتد جنون بوتين إلى الدول المجاورة، ولكنها مُحرمة على "المسلمين"، أينما كانوا في كل أصقاع الأرض، وإذا لجأت الشعوب المسلمة للمقاومة حماية لأرضها ضد أي غزو قادم، فسنجد هذا الإعلام يعود سريعاً لمفرداته القديمة في القاموس السياسي، حتى لو كان المعنيون من ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الزرقاء، كما حدث لأهالي البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي، عندما تعرضوا لأكبر حملة إبادة وتطهير عرقي من قبل الصرب؛ والعالم يتفرج ولم يرجف له رمش، ويصفق للسفاح الصربي "ملاديتش" من وراء الكواليس، وحينما أرادت أمريكا أن تبيض وجهها، كان كذر الرماد في العيون، إذ تدخلت بعد فوات الأوان وبعد المذابح التي يشيب لها الولدان ومقتل عشرات الآلاف من أهالي البوسنة والهرسك، مع أنهم شقر وذو عيون زرقاء ولكنهم "مسلمون"!!

ها هو الفيفا الذي ينادي بعدم تدخل السياسة في مجال الرياضة يوقع على الفور عقوبات على روسيا، ويمنعها من المشاركة في مسابقة كأس العالم وكل المسابقات الرياضية الدولية

ولطالما صدعوا رؤوسنا بعدم خلط الرياضة بالسياسة، عندما كان الأمر متعلقاً بفلسطين ورفض التطبيع مع الاحتلال. وكلنا نتذكر كيف عوقب أبو تريكة بسبب ارتدائه قميصاً يحمل عبارة "من أجلك يا غزة" في إحدى المباريات باعتبار أن هذا التصرف يتناقض مع منع الفيفا لاستغلال الرياضة في السياسة، وشن عليه الإعلام الغربي وللأسف الإعلام العربي أيضا حملة هجومية وعنيفة ضده، بينما احتفى الإعلام الغربي بارتداء لاعبي مانشستر سيتي وإيفرتون للعلم الأوكراني في مباراتهما!

وها هو الفيفا الذي ينادي بعدم تدخل السياسة في مجال الرياضة يوقع على الفور عقوبات على روسيا، ويمنعها من المشاركة في مسابقة كأس العالم وكل المسابقات الرياضية الدولية..

حتى فيسبوك الذي أغلق مئات الآلاف من الحسابات وحذف ملايين المنشورات التي تدين اعتداءات الجيش الصهيوني على الفلسطينيين، أو تنشر صوراً للمقاومين الأبطال أو تكتب عن المقاومة، وتم حظر تلك الصفحات ومنع أصحابها من الكتابة لمدة شهور، وأنا ممن تم حظر صفحتي عشرات المرات، بحجة أن المحتوى يشجع على العنف.. ها هو اليوم يسمح بالمحتوى الذي يتضمن العنف ضد الجنود الروس ويشجع على قتلهم، فالعنف هنا مُستحب وحميد، بينما مقاومة الفلسطينيين عنف مُستهجن وبغيض!! وما فيسبوك، إلا صورة مصغرة لأخلاق الغرب المنافق والمخادع.. 

ثمة تناقضات هائلة لا يتسع المجال لذكرها ويعلمها الجميع، ولكنها في النهاية تؤكد أننا نعيش في عالم أعور لا يرى إلا بعين واحدة وبمنظار مصالح الغرب فقط!

twitter.com/amiraaboelfetou

لا صوت يعلو فوق صوت العنصرية! (1)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق