الجمعة، 25 مارس 2022

أوهام العوام.. التقريب بين المسلمين والشيعة (2)

 أوهام العوام.. التقريب بين المسلمين والشيعة (2)


د.علي فريد الهاشمي 

@ly_fryd_alhash

وإنِّي لأَعلمُ أنَّ كثيرين من أَدعياءِ الثَّقافةِ الإِسلاميِّين ما يزالون يَعتبرون التَّشيُّع الإماميَّ مذهباً لا ديناً، ويَشْتَطُّون في المِثاليةِ المُغَلَّفَةِ بوهمِ التَّحقيقِ والتَّدقيقِ كما يَشْتَطُّ زوجٌ مخدوعٌ يَتَمَحَّلُ الأعذارَ لتكذيبِ قَالةِ السُّوءِ في زوجَتِهِ المتسلطةِ اللَّعُوبِ؛ لا يَقيناً من بَراءتِها أو إيماناً بطَهارتِها؛ بل رَغبةً في راحةِ الجَهلِ ورَهبةً من ثِقَلِ الحَقيقةِ.. ومَنْ لم تُوقِظْه كُلُّ هذه المَجازرِ ليَقرأَ عن القومِ ويَعرفَ حقيقةَ عقيدتهم؛ فلا أَيقَظَه اللهُ!.. وقديماً دَفعَ الشيخُ محمد المهدي (أحدُ أساطين الدار والمجلة) تلميذَه الدكتور علي السالوس لدراسة التَّشيُّع باعتبارِه مذهباً إسلامياً خامساً؛ فَمَا بدأ السالوسُ بحثَه بقراءةِ أصولِ القومِ؛ حتى هَالَهُ الخلافُ الذي يَستحيلُ معه التَّقريبُ، إلا أن يَنزلَ طرفٌ للآخَرِ عن دِينِه ويَخرُجَ له عن عَقيدتِه.. ثُم كَتَبَ أَسفارَه القَيِّمة عن الشِّيعة والتَّشيُّع.

وقد ظهرتْ غفلةُ العلماءِ -عن دِين الشِّيعةِ هذا- واضحةً جَلِيَّةً في فتوى شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت -غَفَرَ اللهُ له- بجواز تعبُّد المُسلمِين بالمَذهبِ الشِّيعيِّ الجعفريِّ، والتي جاءَتْ نصراً معنوياً كبيراً للشِّيعةِ لم يَتحققْ لهم مثلُه منذ ظهورهم على يدِ اليهوديِّ عبد الله بن سَبَأٍ، أو الثَّقَفِيِّ الكذَّابِ المختارِ بن عُبيدٍ!!

وقد احتفلوا بهذه الفتوى احتفالاً كبيراً؛ حتى ليُشاعُ أنَّ شاهَ إيرانَ نَفْسَه -وَهُوَ مَنْ هُوَ في العلمانيةِ والقوميةِ والبُعدِ عن مُطلَقِ الدِّينِ- أَمَرَ أجهزةَ الإذاعةِ والتِّلفازِ -كما تقولُ (ويكي شيعة)- بالاستعدادِ لقطعِ البثِّ وإذاعةِ الفتوى مُحاطةً بالتَّبجيلِ والتَّجليلِ، بَيْدَ أنَّ القُمِّيَّ -وكان في إيرانَ وَقْتَها- سَارعَ لِلقاء الشَّاهِ وطلب منه عدمَ إذاعةِ الفتوى لعِلمِه بما ستُحدِثُه من أثرٍ سياسيٍّ ودينيٍّ سلبيٍّ بينَ المسلمينَ، وحِينَ رَضَخَ الشَّاهُ لطلبِه مُتأفِّفاً؛ جمعَ القُمي مَحفلاً عِلمياً في مدينة (مشهد)، ضَمَّ فيه بعضَ كبارهم مِن أمثالِ: (محمد هادي الميلاني)، و(واعظ زاده الخراساني)، ثم قرأ عليهم نَصَّ الفتوى كما يَقرأُ الفاتحُ خُطبةَ النصرِ.. وتَذكُرُ بعضُ المصادرِ الشِّيعيَّة أنَّ شاباً في العشرينياتِ من عُمرِه اسمُه (علي خامنئي) كان مِن بينِ الحُضورِ آنذاك، وهو -كما هو معروفٌ الآن- مُرشدُ إيرانَ الحالي وقاتِلُ المسلمينَ في الشَّامِ والعراقِ واليَمنِ.. وهكذا هي دورةُ حياةِ الشِّيعيِّ بالنِّسبةِ للمُسلمِ؛ أوَّلُها -غالباً- تقريبٌ باللِّسانِ، وآخرُها -دائماً- طعنٌ بالسِّنانِ.. ولا عَزاءَ لمَوهوميِ المثاليةِ والتَّعايُشِ والتَّقريبِ!!

ولكيْ تَعجَبَ أكثرَ -أو لكيْ تَفهَمَ أكثرَ-؛ اعلَمْ أنَّ (محمد الخالصي)- أحدَ كِبارِ دُعاةِ التَّقريبِ الشِّيعةِ، وأحدَ المشهورينَ هو ومدرستُه وعائلتُه- بالدَّعوةِ إلى الوَحدةِ ونَبْذِ الطَّائفيةِ؛ حين سُئل عن جوازِ تَعَبُّدِ الشيعيِّ -فِقهياً- بأحدِ مذاهبِ المُسلمينَ الأربعةِ؛ حَرَّمَ ذلك ومَنَعَهُ قائلاً: “لا يَجوزُ الدُّخولُ في مذهبٍ من المذاهبِ الأربعةِ، ولا تقليدُ أيِّ مَيتٍ من الأمواتِ ما لم يُرجَعْ إلى المجتهدِ الحيِّ”!!

هذا ما أفتى به الخالصيُّ الذي هو (وَجْهُ الطَّبَقِ) عندهم -كما تَقولُ العَامَّةُ-، وزُبدةُ دعاةِ التَّقريب الشِّيعة.. فما بالُك بغَيرِه من الشِّيعةِ المَعجونينَ بطِينةِ الحِقدِ المُتقلِّبِينَ في مُستنقعاتِ الكراهيةِ!!

وإنَّ من أَعجَبِ العَجَبِ عندي أن يَتغاضَى كثيرٌ من علمائنا الحَركيِّين عن كلِّ هذه الشَّواهدِ الدَّالَّةِ على مُخالفةِ باطِنِ الشِّيعةِ لظاهِرِهم؛ فيَكتُبوا الكتبَ ويُدَبِّجُوا المقالاتِ -مَأخوذِينَ بمِثاليَّاتِ الوَحدةِ والتَّجمُّع- لتَقريبِ رافضي التَّقريبِ إلا بشُروطِهم، والتَّحبُّبِ إلى كارهي الوَحدةِ إلا حَسَبَ مُعتقداتِهم.. وقد أَخذَ الشَّيخُ محمد الغزالي -رَحِمَه اللهُ، وغفر له- حظاً وافراً من هذا التَّغاضي، وكان اشتغالُه بالدَّعوةِ -بالإضافةِ إلى عُضويَّتِه في دارِ التَّقريبِ- باباً واسعاً دَلَفَ منه إلى مُنتدياتِ الشِّيعةِ ومُؤتمراتِهم؛ فَكَوَّنَ صَداقاتٍ ممتدةً مع كثيرٍ من عُلمائِهم ومُفكرِّيهم، وجاءَتْ طبيعتُه النَّفسيةُ الهادئةُ غالباً، وعاطفتُه الجياشةُ تُجاهَ قضايا الإسلامِ والمسلمين؛ عاملاً مساعداً في حِرصِه على هذا التَّغاضي، واعتبارِ مساحاتِ الخلافِ مساحاتٍ سياسيةً وتاريخيةً مَضَى زَمنُها ويجب تَجاوُزُها أو إماتَتُها بتَركِها.. وعلى طَريقتِه الهَيِّنةِ اللَّيِّنَة معَ عَوامِّ المُسلمِينَ حِينَ سَألَه سائلٌ: ما حُكمُ تاركِ الصَّلاةِ؟ فقال: حُكمُه أن تَأخُذَه مَعَك إلى المسجدِ!! (وما أَجمَلَها من طريقةٍ مَعَ العَوامِّ فقط).. على هذه الطَّريقةِ سَارَ الشَّيخُ الغزاليُّ مع أفاعي الشِّيعةِ وعَقارِبِهم؛ فبَذَلَ جُهداً كبيراً في التَّهوينِ من فَداحةِ الخِلافِ، والتَّركيزِ على المُشترَكِ الفِقهيِّ؛ ظناً منه -رَحِمَه اللهُ- أنَّ الخلافَ كلَّه في الفُروعِ لا الأُصولِ، وهاجَمَ بلسانٍ حادٍّ- خلافاً لطبيعتِه الهَيِّنةِ اللَّيِّنةِ- بعضَ علماءِ الأزهرِ الذين وَقفُوا في وَجهِ الشِّيعة والتَّشيُّع واتَّهمهم بأنهم كَوَّنُوا صورةً مغلوطةً عن الشِّيعة “نَسَجَتْها الإشاعاتُ والفروضُ المدخولةُ” كما قالَ.. ولم يَكتفِ -غَفَرَ اللهُ له- بالتَّرحيبِ بفتوى الشَّيخِ شلتوت واعتبارِها “بِدايةَ الطَّريقِ وأَوَّلَ العملِ” -على حَدِّ قولِه-؛ بل زاد على ذلك في بعضِ كُتبه فأعربَ عن سُرورِه بقيامِ إدارةِ الثَّقافةِ بوزارةِ الأوقافِ المِصريَّةِ بطبعِ كتابٍ فقهيٍّ على مَذهبِ الشِّيعةِ الإماميةِ، ثُم أَوْغَلَ في حالةِ نشوةٍ عاطفيةٍ مَشبوبةٍ؛ فقال: “ولقد رَأيتُ أنْ أَقومَ بعملٍ إيجابيٍّ حاسمٍ سَدَّاً لهذه الفجوةِ التي صَنَعَتْها الأوهامُ؛ بل إنهاءً لهذه الفَجْوَةِ التي خَلَقَتْها الأهواءُ؛ فرأيتُ أن تَتوَلَّى وزارةُ الأوقافِ ضَمَّ المذهبِ الفقهيِّ للشِّيعةِ الإماميةِ إلى فِقهِ المذاهبِ الأربعةِ المَدروسةِ في مِصرَ، وستَتوَلَّى إدارةُ الثقافةِ تقديمَ أبوابِ العباداتِ والمعاملاتِ في هذا الفقهِ الإسلاميِّ للمُجتهدِينَ من إِخوانِنا الشِّيعةِ، وسَيرَى أُولُو الألبابِ عندَ مطالعةِ هذه الجُهودِ العلميةِ أنَّ الشَّبَهَ قريبٌ بينَ ما أَلِفْنا من قراءاتٍ فقهيةٍ وبينَ ما بَاعَدَتْنا عنه الأحداثُ السَّيئةُ”!!

هذا ما كَتَبَه الشَّيخُ الغزاليُّ -رَحِمَه اللهُ بعدما سَيطَرَ عليه وَهمُ التَّقريبِ- مُصِرَّاً على حَصرِ الخلافِ في الفروعِ دُونَ الأُصولِ، ومُتجاوزاً خلافَ الأُصولِ باعتبارِه خلافاً مَضَى زَمَنُه، ومُتوَهِّماً أنَّه حِينَ تَتوَلَّى إدارةُ الثقافةِ تقديمَ أبوابِ العباداتِ والمعاملاتِ الشِّيعيَّةِ للمُسلمينَ؛ فإنَّ أُولِي الألبابِ -كما سَمَّاهُم- سَيُدركون الحقيقةَ حِينَ يَكتشفونَ (قُربَ الشَّبَهِ) بَيْنَنا وبَيْنَهم، فتَنجَلِي الغَشاوةُ عن الأَعيُنِ، ويَمُدُّ المسلمون أَيدِيَهم إلى إخوانِهم الشِّيعةِ ويَستقبِلُهم إخوانُهم الشِّيعةُ بالأَحضانِ والقُبُلاتِ؛ فيَسودُ السَّلامُ ويَعُمُّ الوِئامُ ويَعيشُ النَّاسُ معاً في (تَباتٍ ونَبَاتٍ).. وكأنَّ الخلافَ كُلَّه مَحصورٌ في أبوابِ العباداتِ والمعاملاتِ والمذاهبِ الفقهيةِ!! وهو تَصورٌ مثاليٌّ غريبٌ من شيخٍ يُفترَضُ أنه عَرَكَ الأحداثَ وعَرَكَتهُ الأحداثُ.. ولا أَدري -واللهِ!- كيف خُدِعَ الشيخُ عن الأصلِ بالفرعِ وعن الجوهرِ بالعَرَضِ، وكيف ظَنَّ أنَّ قُربَ الشَّبَهِ الفقهيِّ -رَغمَ شُذوذاتِ الشِّيعةِ فيه- يُمكِنُ أن يُسقِطَ الخلافَ في الأُصولِ.. ومَعلومٌ أنَّ خلافَ الأُصولِ يُنتِجُ كُفراً أو إِيماناً بعَكْسِ خِلافِ الفروعِ الذي يُنتجُ صَواباً أو خَطأً.. وشَتَّانَ بينَ النَّتيجتينِ!!

أَرادَ الشَّيخُ الغزالي سَدَّ الفجوةِ التي صَنَعَتْها -في زَعمِه- الأوهامُ، وخَلَقَتْها -في ظَنِّه- الأهواءُ، ولكنَّه انتَقَلَ إلى رَحمةِ اللهِ قبْلَ أن يَرى الشِّيعةَ يَسُدُّونَ هذه الفجوةَ بجُثَثِ أكثرَ من مليونِ مُسلمٍ، وتَهجيرِ أَكثرَ من خَمسَةَ عَشَرَ مليوناً آخرِينَ؛ غَيْرَ عَابِئِينَ بشَبَهٍ فقهيٍّ ولا بمُشتركٍ فرعيٍّ، أو تَارِكِينَ هذه المشتركاتِ والأشباهَ لأهلِ (المَكْلَمَةِ) في المؤتمراتِ واللِّقاءاتِ الرَّسميةِ، ومُتفرِّغِينَ للواقعِ الذي يَعرفون أنه لا يُخاضُ بالقُبَلِ والمُجاملاتِ؛ بل بالخناجرِ والقنابلِ والبراميلِ المُتفَجِّرةِ.. وقديماً قال الشَّيخُ الغزاليُّ نَفْسُه: “ليس شرطاً أن تَكونَ عَميلاً لتَخدُمَ عَدوَّك؛ يَكفي أن تَكونَ غَبِياً”!!

لقد كانتْ فَتوى الشَّيخِ شلتوت -رَغمَ صُدورِها بَعدَ انحسارِ نشاطِ الدَّارِ بسنواتٍ – أكبرَ نصرٍ حَقَّقَتْه حالةُ الاختراقِ التي صَاحبَتِ الدارَ، وما انحَسَرَ نشاطُ الدارِ إلا بَعدَ اكتشافِ كثيرٍ من العلماءِ حقيقةَ الشِّيعةِ والتَّشيُّع.. وكانت الدَّارُ داراً نُخبويةً تَعمَلُ بالعلماءِ ومع العلماءِ، وأَمَدُ مخادعةِ العلماءِ عن الحقيقةِ قصيرٌ؛ فهم -رَغمَ طِيبَتِهم وحيائِهم وغَفلَتِهم أحياناً- مُجْبَرُونَ بسببِ حالةِ العِلمِ التَّداوُليَّةِ ومَشَاعِيَّةِ الأسئلةِ؛ على البحثِ والتَّقصِّي والقراءةِ؛ مما يَعني أنَّهم سيكتشفون الحقيقةَ عاجلاً أو آجلاً، وسيَترَتَّبُ على اكتشافِهم للحقيقةِ شِدةٌ في رَدِّ فِعلهم؛ لأنهم لن يَشتَدُّوا آنذاك بسَببِ كَشْفِهم للحقيقةِ فقط؛ بل بسَببِ شُعورِهم بمَهانةِ الخَديعةِ أيضاً.. وقد حَدَثَ هذا مَعَ الشَّيخِ التُّركستانيِّ موسى جار الله، والشيخ رشيد رضا، والشيخ محب الدين الخطيب، والشيخ مصطفى السباعي.. ومئاتٍ غيرِهم بَدؤُوا حياتَهم مُقدِّمينَ حُسْنَ الظَّنِّ، ثم انْتَهَوْا إلى ما انتهى إليه الشيخُ القرضاوي حين قال: “إنَّها ليسَتْ مذاهبَ؛ بل فِرَقٌ”!!

***

مَاتَ أولئك العلماءُ المَخدوعون قَبْلَ أن تَقومَ للشِّيعةِ دولةٌ حديثةٌ؛ فيروا -مِن خِلالِها- صُوَرَ التَّقريبِ مُجَسَّدةً في مَساجدِ المُسلمين المَقصوفةِ، ومَنازلِهم المُهَدَّمةِ، وأَشلائِهم المُمزَّقةِ، وأَعراضِهم المُنتَهكةِ، وأجسادِ أطفالِهم المُحترقةِ، وقُبورِ أَجدادِهم المَنبوشةِ.. ماتوا قَبْلَ أن يُشاهدوا الشِّيعةَ وهُم يُمارسون (التَّقريب!!) على المُسلمينَ في الشَّامِ والعِراقِ واليَمنِ؛ حَرقاً وشَنْقاً ونَحراً وتَغريقاً وتَجويعاً وتَهجيراً!!

مَاتُوا قَبْلَ أن يَسمَعُوا عن طرائقِ القَتلِ التي تَأنَفُ منها الوُحوشُ الضَّواري؛ مِثلُ: ثَقْبِ الأَعيُنِ والآذانِ والرُّؤوسِ بالمِثقابِ الكَهربائيِّ، أو نَشْرِ المسلمينَ أحياءً بمِنشارِ الأخشابِ، أو التَّسليةِ بذَبْحِ الأطفالِ أَمامَ أُمَّهاتِهم، أو بَقْرِ بُطونِ الحَواملِ وقَتْلِ الأَجِنَّةِ، أو إقامةِ الحفلاتِ الجماعيةِ لاغتصابِ المسلماتِ، أو شَيِّ أجسادِ المسلمينَ في السُّجونِ والمعتقلاتِ!!





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق