السبت، 5 مارس 2022

سبعة دروس في العهر بيومين!

 سبعة دروس في العهر بيومين!



الدكتور عزت السيد أحمد




من الطبيعي أن يمر اليوم الأول من أي حربٍ مروراً عاديًّا ليس فيه من المفاجآت غير نشوب الحرب حَتَّىٰ ولو وسبقتها التمهيدات التسخينية مثلما حدث في العدوانين العالميين علىٰ العراق، وفي العوان العالمي علىٰ أفغاستان، وفي العدوان الروسي علىٰ أوكرانيا قبل أيام.
وفي كثير من الحرب تمر الأيام والليالي متتاليات ولا يحدث فرار وهجرات ولجوء علىٰ نحو لافت أو مربك. يستغرق الأمر غالباً بعض الوقت المرتبط بتوقعات امتداد الحرب ووحشيتها.

مر اليوم الأول من الحرب الروسية علىٰ أوكرانيا من دون مفاجآت غير مفاجأة بدء الحرب. 
ولٰكن منذ اليوم التالي أي الثاني بدأت موجات اللجوء بالتوجه إلىٰ دول الجوار. 
ظاهرة تكاد تكن غير مسبوقة في تاريخ الحروب، أن يفقد الناس الأمل في اليوم الأول ويبدؤون بالهروب ومغادرة البلاد. 
وكأن ثَمَّةَ ضخ إعلامي مسبق هيأ الأوكرانيين لهذا الخيار. مع معرفتهم بوحشية الروس قديماً وحديثاً فإنَّ فرارهم من اليوم الثاني أمر لافت للانتباه ومثير للتساؤلات. وهٰذا ليس موضوعنا علىٰ أي حال.

موضوعنا أخطر من ذٰلك وأكثر أهميَّة بكثير. موضوعنا لا يتعلَّق بالأوكرانيين أبداً، ونبدي تعاطفا معهم بالتأكيد. ولا يتعلق حَتَّىٰ بالروس تقريباً، وندين وحشيتهم وعدوانيتهم. موضوعنا بالعهر الظَّاهر إلىٰ حدٍّ مثير للهلع الذي أظهرته هٰذه الحرب منذ اليوم الثاني علىٰ الفور. وعلىٰ مدار الأيام المنصرمة التَّالية، بل في الأيام الأربعة الأولى ظهر ما تقشعر له الأبدان ويندى له جبين بني الإنسان. 
وإليكم المحطات التي تجلى فيها هٰذا العهر بوضح يجب أن يشعر الغرب كله بالخزي والعار بسببها، وسيبقى وصمة عار علىٰ جبين الإنسانية كلها ا لتي قبلت بهذه الازدواجية العاهر ا لفاجرة في التعامل الغربي وفي العقلية الغربية.
المشهد الأول: في اليومين الأولين وحسب من هجرة الأوكرانيين إلىٰ دول الجوار ظهرت علىٰ لسان أكثر من عشرة مراسلين لمحطات تلفزيونية غربية، إلىٰ جانب رئيس بلغاريا وبعض المسؤولين الأوروبيين، علىٰ ألسنتهم جميعاً ظهرت عبارة مقرفة لا في العنصرية كما يسمونها وإنَّمَا في القذارة الأخلاقية المقيتة المقرفة، تغيرت العبارات في مفرداتها ولٰكنَّهَا اتفقت في فكرتها، التي تقول: هٰؤلاء ليسوا سوريين، ليسوا عراقيين، ليسوا أفغان، هٰؤلاء أوروبيون، لونهم مثل لوننا، متحضرون مثلنا، مثقفون مثلنا، يستحقون أن نساعدهم، أن ندعمهم، أن نحميهم…
السوريون والعراقيون والأفغان مسلمون يجب أن يموتوا، ويجب أن نقتلهم علىٰ حدود بلادنا كما نقتلهم في بلادهم!
المشهد الثاني: هٰذا المشهد مرتبط بالأول ارتباطاً صميمياً ومختلف عنه كثيراً في الآلية، وإن كان المستند العقيدي والعقلي هو ذاته.
حدثت الحرب الوحشية الكارثية الروسية ضد الشعب الأوكراني، وتوجد في أوكرانيا، مثل أي دولة، جاليات شعوب كثيرة بطبيعة الحياة اليوم من طلاب وعمال وعاملين في السفارات وأقاربهم وغير ذٰلك. وبطبيعة الحال، كما هرب الأوكرانيون من بلادهم سيهرب الأجانب أو كثير من الأجانب من وحشية هٰذه الحرب ليعودوا إلىٰ بلادهم أو ليبقوا فترة مؤقتة في دول مجاورة إلىٰ حين انتهاء الحرب ومعرفة ماذا سيكون.
الذي حدث علىٰ حدود الدول المجاورة أن حرس الحدود، وليس باجتهادات شخصية، أدخلوا الأوكرانيين ومنعوا دخول غير الأوكرانيين من المسلمين تحديداً وتحديداً من بلاد المسلمين، وإن وجد استثناء فهو استثناء.
تخيلوا هٰذه الازدواجية العجيبة المقرفة. يهربون من بلد واحد، من عدو واحد، في حرب واحدة، ومع ذٰلك يمارسون هٰذه القذارة الأخلاقية المثيرة للغثيان. وهٰذا ما يجعلنا نعيد النظر في أسباب تعاطفهم الكاذب مع للاجئين السوريين في فترة محددة ومحدودة.
المشهد الثالث: ما إن بدأت الحرب الروسية علىٰ أوكرانيا حَتَّىٰ صارت كل الأنشطة الرياضية العالمية تبدأ بالوقوف دقيقة صمت احتجاجاً علىٰ روسيا وتضامناً مع أوكرانيا، وشعارات إدانة روسيا والتعاطف مع أوكرانيا تملأ الملاعب والشعارات. وفي الوقت ذاته فإن عدوانات إسرائيلية وحشية متعدِّدة ضدَّ الفلسطينيين أقلقت الضمير الحر في مختلف بلدان العالم. ندد بها الغرب في الإعلام الموجه للخارج، للشرق، وليس أمام شعوبهم. وفي الوقت ذاته لم يسمحوا لأحد التعاطف مع الفلسطينيين ضد أي عدوان علىٰ غزة أو غيرها. ومن تعاطف مع الفلسطينيين تَمَّ معاقبته كما حدث مع أبو تريكة، لأَنَّهُ لبس قيمصاً تحت قميس الفريق مكتوب عليه غزة تمت معاقبته وحرمانه من اللعب بقرار المنظمة الرياضية العالمية
المشهد الرابع: مثلما كان المشهد الثاني مشابهاً في المبدأ للمشهد الأول كذٰلك فإنَّ المشهد الرابع مشابه في المبدأ للمشهد الثالث.
بالأمس القريب، قبل ثلاثة أعوام أي في عام 2018م، وفيما كانت الطائرات الروسية تقصف أرتال الناس الواقفين علىٰ أفران الخبز في سوريا، وتقصف مدارس الأطفال في سوريا وهي مكتظة بالطلاب، وتدك المشافي السورية بالصواريخ البعيدة المدى وصواريخ الطائرات، وتدك المدن السورية وتدمرها علىٰ أهلها… وبوحشية تفوق وحشيتها في أوكرانيا… في ظل ذٰلك كله تَمَّ تكريم روسيا ومساعدتها في استضافة نهائيات بطولة كأس العالم في كرة القدم.
واليوم، وبعد يومٍ واحد من بداية الحرب الروسية علىٰ أوكرانيا قرَّر الاتحاد الدولي لكرة القدم، الفيفا، طرد روسيا من التصفيات المؤهلة لكأس العالم ذاتها التي ستكون في قطر نهاية هٰذا العام.
وليس هٰذا بل الاتحادات الرياضيَّة الدَّوليَّة كلها قرَّرت عدم السَّماح للروس بالمشاركة في البطولات الرِّياضيَّة الدَّوليَّة.
المشهد الخامس: في اليوم الثالث من الحرب قيل إن ضابطاً أوكرانيًّا فجر نفسه ليقطع علىٰ الجيش الروسي التقدم. فصار بطلاً ورمزاً عالميًّا. كل وسائل الإعلام في العالم الغربي كله تتحدث عليه وعلىٰ بطولته ورمزيته. لو كان هٰذا البطل مسلماً وفعل ذٰلك أمام الروس في سرويا، أو أمام الأمريكان في سوريا أو العراق أو أفغانستان لتحدث العالم كله علىٰ وحشيته وإرهابيته والإسلام الإرهابي الذي سمح له بفعل ذٰلك. لو كان مسلماً وفعل ذٰلك ضد العدوان الهندي علىٰ المسلمين، أو ضد العدوان الصيني علىٰ المسلمين في الصين، أو ضد العدوان الفرنسي علىٰ المسلمين في مالي…. لكان أنموذجاً يستفيض الغرب في تحليله عن الإرهاب الإسلامي ووجوب حشد العالم لمحاربة الإرهاب الإسلامي.
المشهد السادس: في اليوم الثاني من شن الحرب الروسية علىٰ أوكرانيا أعلن الرئيس الأوكراني برعاية غربية وعلىٰ رأسها أمريكا عن تشكيل فيلق الأجانب، الأجانب الذين يريدون القتال مع أوكرانيا ضد روسيا. وبوصفه أَنَّهُ يضم كل من له ثأر مع روسيا ويريد أن ينتقم من روسيا، أي مهما كانت صفاته وأخلاقه ودينه وتاريخه… لا يبالون، المهم التطوع للقتال ضد روسيا. وتم تصوير هٰذه الخطوة بالبطولة، ومن سيذهب بالبطل.
وفي الوقت ذاته، بداية لا تجرؤ ولم تجرء دولة مسلمة بمثل هٰذا الطلب مهما بلغ العدوان عليها من وحشية من أي دولة. وليس الأمر هنا، الأمر أنَّهُ في كل الحروب التي شُنَّت علىٰ المسلمين وعلىٰ بلاد المسلمين كان يتداعى بعض الشرفاء للتضحية بكل شيء من أجل نصرة أهلهم… من قبل وصولوهم وبعد وصولهم كان يتم تصنيفهم بالإرهابيين، ويتم التآمر عليهم لتصفيتهم بمختلف الطرق والسبل اللاشرعية واللاأخلاقية واللاإنسانية.
المشهد السادس: منذ ما قبل العدوان الروسي علىٰ أوكرانيا، في ظل الحشود والتوقع الأكيد للحرب الروسية علىٰ أوكرانية، بدأ تدفق السلاح الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا من مختلف الأنواع للدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي المحتمل، ومنذ اندلاع الحرب زاد ضخ الأسلحة الأمريكية والأوروبية من مختلف الأشكال والألوان إلىٰ أوكرانيا.
بَيْنَما في الوقت ذاته مُنع الشعب السوري من مواجهة العدوان الروسي ذاته بوحشيته ذاتها. ترك الشعب الروسي أعزلاً في مواجهة الوحشية الروسية لينسحق. وفي الوقت ذاته تحاصر غزة وقوى مقاومة الاحتلال الصهيوني وتمنع من الحصول علىٰ السلاح لا لتحرير أرضها بل لمحض الدفاع عن نفسها.
القول بأن الغرب يريد أن يستنزف روسيا في أوكرانيا كلام أولاد صغار، كانت سوريا أفضل مكان لاستنزاف روسيا، وبعيد عن تعريض أوروبا للخطر. فهٰذا اعتقاد واهم.
المشهد السابع: في تصريح عجيب غريب، لا يقل في قدرته الإدهاشية عما سبق من تصريحاته الأُخْرَىٰ بشأن سوريا، خرج علينا وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الخميس 3/ 3/ 2022م قائلاً: «الغرب شن الحرب في العراق وليبيا ولٰكنَّ وسائل الإعلام لا تتحدث عن الضحايا كما تتحدث عن ضحايا أوكرانيا».
لافروف يعترف بوجود ضحايا في العراق وليبيا، ولم يشر إلىٰ سوريا التي لم يعترف من قبل بوجود ضحايا لإجرامه فيها، ولم يشر إلىٰ أفغانستان، ويريد من العالم أن يتكتم علىٰ جرائمه مثلما تكتم علىٰ جرائم الغرب في العراق وليبيا.
لافروف يقول لنا وعلينا نحن أن نفهم، فالكلام في الأصل للغرب، أَنَّهُم في حروبهم ضد الإسلام والمسلمين متَّفقون علىٰ التَّعتيم علىٰ الجرائم، وعلىٰ تصوريها علىٰ أَنَّهَا بطولات إنسانيَّة وأخلاقيَّة. ولافروف يذكرهم بفلسفتهم وتضافر روسيا معهم.
هٰذه أبرز المشاهد وأشدها وضوحاً ولا يمكن لأحد إنكار أيٍّ منها. وكل واحد منها درس في عهر الغرب المنقطع النظير. 
نحن نعرف حربهم ضدَّ الإسلام والمسلمين، ونفهم ذٰلك، ولٰكن أن يصل الأمر بالعهر إلىٰ هٰذا الحد فذلك أمر يندى له جبين البشرية إن لم تحاسب الغرب علىٰ هٰذه القذارة الأخلاقيَّة المنقطعة النظير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق