الفرصة سانحة للخلاص من التبعية
عامر عبد المنعم
الفرصة مواتية للعالم العربي للهروب من أسر التبعية؛ فالنظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية ينهار، وحالة التمرد على الهيمنة الأمريكية وصلت إلى محطتها الأخيرة، وتتنافس الدول التي تمثل الحضارات القديمة لحجز أماكن لها في النظام الجديد.
الروس والصينيون والفرس والأتراك يندفعون إلى الأمام بكل قوة ليكونوا مؤسسين لعالم متعدد الأقطاب، ولكن العرب يسيرون إلى الخلف وكأنهم لا يعيشون في هذه الدنيا، يحاربون طواحين الهواء، ويخترعون أعداء وهميين، ويعلنون الحرب على أشباح، ويتحالف بعضهم لتدمير شعوبهم وبلادهم.
دول الغرب المهيمنة على العالم مشغولة بنفسها وبأزماتها واقتصاداتها المتراجعة، ويصرخ الأوربيون مما ينتظرهم من كوارث بسبب الحرب في أوكرانيا وتداعياتها والطموح الروسي الذي يتوسع ويبحث عن استعادة إمبراطوريته القديمة بقوة السلاح.
وبدلا من أن نرى تحركا عربيا جماعيا يستغل اللحظة الراهنة لإنقاذ شعوبنا واستعادة الاستقلال نجد النار مشتعلة في بعض دولنا، ولا أحد يبحث عن إطفائها، رغم أن الحلول بسيطة ومعروفة، ولم نعد قادرين على الدفاع عن أراضينا وأنهارنا، وتجرأت علينا دول الجوار التي ما كانت تستطيع رفع رؤوسها، بل تلاعب الإسرائيليون ببعض دوائر السلطة وأخذوا ما لم يكونوا يحلمون به.
التغيير العالمي الذي يجري الآن لن يرحم الدول المغيبة والغائبة عن قراءة الواقع، ولن تفلت من المحرقة الحكومات التي تتبرأ من ثوابتها ولا تحترم عقيدتها ومحيطها، وتسير بشكل منفرد كما اعتادت وكأن شيئا لم يكن!
نهاية الإمبراطورية الأمريكية
الهجوم الروسي على أوكرانيا ليس مجرد حرب بين دولتين، وإنما الشرارة الأولى لحروب ستبدأ في أكثر من بقعة لإعادة رسم الخرائط؛ فالعالم الآن يعيش لحظة أفول الإمبراطورية الأمريكية، التي تكافح للحفاظ على هيبتها ومكانتها، ولكن استمرار القيادة العالمية له تكلفة اقتصادية وعسكرية وبشرية باهظة لا تستطيع الولايات المتحدة تحملها لأنها منهكة بعد خسائرها في أفغانستان والعراق.
لقد عانى العالم من الحملات الاستعمارية واحتلال الجيوش الأوربية لأفريقيا وآسيا بسبب التفوق العسكري وسيطرة الأساطيل الأوربية على البحار والمحيطات، وظل هذا التفوق قرونا حتى حارب الأوربيون أنفسهم ودمروا بلدانهم فانتقلت الزعامة من أوربا إلى الولايات المتحدة.
لم تكمل الهيمنة الأمريكية أكثر من سبعة عقود حين دفع الغرور الأمريكيين إلى غزو أفغانستان والعراق لاستعراض القوة ولتتويج زعامة بلادهم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مع بداية الألفية الجديدة، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر فخرجت أمريكا مكسورة ومثخنة بالجراح من العراق ثم أفغانستان.
التراجع الأمريكي أغرى الكثير من الدول الصاعدة بتمديد نفوذها وشغل الفراغ الذي بدأ يظهر في المناطق الرخوة على تخوم أراضي الحضارات القديمة، فظهر الضعف الأمريكي أكثر وضوحا؛ فتجرأت القوى الجديدة أكثر فأكثر، حتى أصبح التمرد عالميا وفي أكثر من اتجاه، وبدأ القادة الجدد يتساندون ويقوي بعضهم بعضا للإجهاز على الخصم المشترك.
الانقسام في الداخل الأمريكي
الوضع الداخلي في أمريكا منقسم فالشعب الأمريكي ليس متوحدا خلف قيادته، فالرئيس السابق دونالد ترمب لم يعترف بفوز جوزيف بايدن وما زال يحرض أنصاره على التمرد، وهناك مخاوف جدية من تصعيد اليمين المتطرف الذي يشعر بأن السلطة بدأت تخرج من سيطرة العنصر الأنجلوساكسوني البروتستانتي الأبيض لصالح الأقليات والمهاجرين.
لا يمكن التعامل مع ترمب على أنه يمثل نفسه، وإنما يمثل تيارا وعرقا كان يحكم أمريكا منذ نشأتها، ولكن مع تزايد عدد المهاجرين فقد هذا التيار الأغلبية العددية، ورغم ما يراه البعض من تصرفات ترمب الانفعالية فإنه حصل في الانتخابات الأخيرة على أكثر من 74 مليون صوت، ورغم سقوطه ما زال حتى الآن هو أبرز مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة.
ما رأيناه من اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي الذي يذكرنا بما يحدث في دول العالم الثالث قد نرى مثله في الانتخابات القادمة، بل قد نرى أكثر من ذلك؛ فترمب نفسه كان يفكر في الانقلاب العسكري وفرض نفسه بالقوة ولكن لم يجد وقتها من يساعده على ذلك.
هذا الانقسام الداخلي تصاحبه دعوات باستقلال ولايات، وهذا الوضع يشير إلى أن الولايات المتحدة ليس باستطاعتها في ظل هذه الأوضاع أن تخوض حروبا خارجية بنفسها تكلفها تضحيات لا يتحملها المواطن الأمريكي، وهذا يصب في صالح التقوقع وترك الحلم الإمبراطوري الذي أصبح مستحيلا.
حرب أوكرانيا
في الوقت الذي كانت أمريكا تحشد فيه الجهود لحصار الصين، بل كانت مراكز الدراسات تناقش فكرة ضربة عسكرية للصين لإجبارها على التفاوض لتقاسم العالم وفق التصور الأمريكي، وجه بوتين ضربته ليفرض كلمته، ويجعل أوربا وأمريكا أمام خيارات صعبة، فإما أن يقبلوا بروسيا قوة عالمية وإلا فعلى أوربا أن تنتظر كوابيس مفزعة تذكرها بحرائق الحربين العالميتين السابقتين.
أمام الاندفاع الروسي فإن الموقف الأمريكي يبدو ضعيفا جدا، فالولايات المتحدة لا تستطيع خوض معركة مباشرة مع الروس، تتطور إلى استخدام الأسلحة النووية، ومن ناحية أخرى فإن أوربا ضعيفة عسكريا، حتى مع التسليح الأمريكي من وراء الستار، وقد ظهر هذا الضعف في عجز الجيش الأوكراني حتى الآن عن استرداد الأراضي التي يحتلها الروس.
ربما يستطيع الأوكران الصمود كما حدث في معارك كييف لكن القوة الصاروخية الروسية التي تدمر المدن في الشرق لا تقابلها قوة موازية ترد الغزاة أو ترد بالمثل على المدن الروسية.
قد يراهن الغرب على طول فترة الحرب والضغط على روسيا بالعقوبات واستنزاف القوات الروسية وتحقيق خسائر مؤثرة باستخدام الطائرات المسيرة والمدفعية الدقيقة وصواريخ هايمارس الأمريكية، لكن الروس يعلمون أن عدم النجاح في العملية يعني هزيمة مذلة ونهاية الحلم الروسي في استعادة الإمبراطورية، وهذا قد يدفعهم إلى مغامرات أكثر جنونا وتوسيع نطاق الحرب.
****
كل الأبواب مفتوحة لتتخلص الدول العربية من العبودية وتتحرّر من المستعمر القديم والحديث؛ فلأول مرة منذ قرون ينشغل من يسيطرون على الثروات والمقدرات العربية بحروبهم وصراعاتهم والابتعاد عنا لكي نتنفس ونبحث عن الطريق إلى الاستقلال لوقف نهب ثرواتنا، واستعادة قدرتنا وكرامتنا.
لكن هذا الاستقلال يحتاج إلى إرادة وعقول تحترم هويتها وتفطم نفسها عن المستعمر وأدواته، وقبل ذلك احترام الشعوب؛ فالذين لا يحررون شعوبهم لن يحرروا أوطانهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق