الصحوة في نظر الغربيين
د. سلمان العودة
توجيهات في المحافظة على السنن
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
صلاة ركعتين عند دخول المسجد
قبل أن أبدأ في موضوع هذا أذكر الإخوة القادمين إلى هذا المسجد المبارك بأمور، أولها: أنه يستحب لكل داخل إلى المسجد أن يركع ركعتين؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين )، وهما تحية المسجد، فعلى العبد أن يحيي هذا المكان الطيب بأداء ركعتين لله تعالى.
المحافظة على السنن الرواتب
المسألة الثانية: أن بعض الإخوة ربما تقاربوا لحضور الدرس بعد الانتهاء من صلاة الفريضة مباشرةً دون أن يؤدوا ركعتي النافلة بعد صلاة المغرب، مع العلم أن هاتين الركعتين بعد صلاة المغرب هما سنة راتبة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها في حضره، ويقرأ في الركعة الأولى منها بـ (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ))[الكافرون:1]، وفي الركعة الثانية بـ (( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ))[الإخلاص:1]، كما جاء في بعض الروايات والآثار.
فألفت أنظار الإخوة إلى أهمية المحافظة على جميع السنن الرواتب: ركعتان قبل الظهر أو أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، فضلاً عن السنن الأخرى والنوافل التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم؛ نظراً لما في ذلك من تعميق الإيمان والقرب من الرحمن جل وعلا، والاستعانة بذلك على لأواء الحياة ومصائبها التي يلقاها الإنسان ولابد.
مسوغات الحديث عن نظرة الغربيين للصحوة
أما موضوع حديثي إليكم في هذه الليلة فهو (الصحوة في نظر الغربيين)، وهذا هو الدرس التاسع والسبعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين التاسع والعشرين من شهر جمادى الأولى من سنة (1413) للهجرة.
سخونة الموضوع
أولاً: هذا موضوع ساخن، فإن الساحة الإعلامية الغربية والشرقية ملأى بالكتب والدراسات التي تحاول على حد تعبيرهم أن تكتشف الإسلام، ومنذ عشرات السنين كانت العناوين التالية تصدم عين الناظر في الكتب والصحافة الغربية، خنجر الإسلام، الإسلام المسعور، التهديد الإسلامي للغرب، الإسلام المناضل، إلى غير ذلك من العناوين.
وكانت الحركات الإسلامية التي يسمونها هم: حركات الغضب الإسلامي، كانت رمزاً وشعاراً للإسلام، يتعرفون إليه من خلال تداول أحاديثها وأخبارها ومغامراتها، حتى أصبح هذا الحديث أشبه ما يكون باللازمة، التي قلما يصدر عنهم أي عمل إعلامي، كتاباً كان أو مجلة أو صحيفة، أو حتى فيلماً تلفزيونياً أو غير ذلك إلا ويطعمونه بشيء قليل أو كثير من الحديث عن الإسلام وخطر الإسلام.
حتى بلغ بهم أنهم في أمريكا أصدروا منذ سنوات فيلماً اسمه إيمانويل السوداء، وهذا الفيلم كان فيلماً خليعاً داعراً عارياً، وكان الجنس يمارس فيه في معبد فرعوني، وبدلاً من الموسيقى التصويرية كانوا يقدمون صوت المؤذن على مثل هذه المشاهد القبيحة.
وخلال الأحداث المتسارعة الأخيرة التي جرت في العالم الإسلامي مثل أحداث الجزائر وانتخاباتها، والحرب العراقية الإيرانية، ثم حرب الخليج الثانية بين العراق والدول المتحالفة، وما تلا ذلك من سقوط النظام الشرقي الشيوعية وتفكك عقدة الاتحاد السوفيتي، برزت من خلال هذه الأحداث الكثيرة دراسات عدة، بل عقد الكونجرس الأمريكي جلسات متواصلة لدراسة الإسلام، ودراسة أمر الصحوة الإسلامية، وظهر الإسلام كمرشح بديل عن الاتحاد السوفيتي في العداوة التي يمكن أن يوجهها الغرب إليه في نظر الكثيرين، بل كان الإسلام عنواناً جذاباً لعدد كبير من أغلفة الصحف السيارة، فضلاً عن الكتب التي يضمن لها الرواج إذا كان الإسلام عنصراً في عنوانها، ومنذ شهور كتبت مجلة التايمز كمثال مقالاً كان هو عنوان الغلاف: الإسلام والسيف، ورسمت على الغلاف صورةً لمئذنة تعبر عن الإسلام، وإلى جوارها صورة للبندقية.
إذاً: فكيف لا نتحدث نحن عن هذا الموضوع، ونحن المستهدفون فيه، وهو موضوع في كثير من الدراسات الغربية، هذا المسوغ بحد ذاته كاف للكلام عن هذا الموضوع، فضلاً عن مسوغات أخرى.
قوة التأثير السياسي الغربي على الأمم الشرقية
ثاني هذه المسوغات هو: أن التأثير السياسي للقرار الغربي على الأمم الشرقية تأثير كبير، بل لا أبالغ إذا قلت: إن القرارات ذات الأهمية لابد أن يكون المرجع فيها الغرب، ومن القرارات ذات الأهمية الموضوعات المتعلقة بالصحوة الإسلامية، أو ما تسميه وسائل الإعلام العربية والغربية بالتطرف، فإنهم يعتبرون التطرف هو أحد الموضوعات الخطيرة التي يجب أن تدرس على مستوى عال، وأن يتم التشاور فيها بين مراكز صناعة القرار في الشرق -إن صحت هذه التسمية- وبين المراكز الغربية، بل إن الغرب بكل وقاحة يطالب كما سوف أتلو عليكم بعد قليل ألا يتم اتخاذ أي قرار يتعلق بالصحوة الإسلامية إلا وتكون أمريكا هي التي تتخذ هذا القرار وحدها دون غيرها.
استهداف الغرب للصحوة الإسلامية
ثالثاً: أن الصحوة الإسلامية بذلك مستهدفةً من قبل أعداء الإسلام في الشرق والغرب، لا أقول: الصحوة، بل الأمة الإسلامية كلها مستهدفة، مستهدفة في عقيدتها، ومستهدفة في وجودها، فإن الخيار يطرح أحياناً هكذا، علينا أن نعمل على ذوبان المسلمين في التيار العالمي، والذي يستعصي على الذوبان علينا أن نقوم بتصفيته والقضاء عليه، هكذا يقدم الخيار من قبل أشخاص ذوي أهمية فكرية وسياسية، كما قدمها الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في أحد أطروحاته، وسوف أعرض لها بعد قليل.
إذاً: فالصحوة بل الأمة مستهدفة في نظر الكثيرين، وكيف لا يحق لأمة تواجه هذا النوع من التهديد أن تعرف موقع أقدامها، ومن هو عدوها من صديقها، وما حجم المخاطر التي تواجهها، وما نوع الأرضية التي تسير عليها.
قدر الله لهذه الأمة في البقاء والحكم في أرضه
رابعاً: إن المسلمين باقون على ظهر هذه الأرض شاء الكفار أم أبوا؛ لأن هذا القرار لم يصنع في الكونجرس، ولا صنع في البيت الأبيض، ولا صنع في البنتاجون، وإنما هذا قدر الله، وقدر الله تعالى غالب، قال الله تعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))[الحجر:9]، حفظ القرآن هو بحفظ صحائفه وآياته وكلماته، وهو أيضاً بحفظ العاملين به، والحافظين له، والداعين إليه، فإن هذه الأمة هي أمة القرآن، ويقول الله عز وجل: (( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ))[التوبة:32]، وفي الآية الأخرى: (( وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ))[الصف:9].
إذاً: القرآن نزل ليحكم وليهيمن، وليظهر على الأديان كلها، وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معبراً بالتفصيل عن هذه المعاني العظيمة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا يهود، حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله ).
وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا يزال الله تعالى يغرس لهذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته ).
وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله تعالى الإسلام، بعز عزيز أم بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله تعالى به الكفر وأهله ).
بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سوف تنعم بقرون من الحكم الإسلامي النظيف العظيم قبل قيام الساعة، حينما تجتمع هذه الأمة وتقاتل الدجال، وتكون قيادتها أمثال المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وعيسى بن مريم الذي أخبر النبي عليه السلام بنزوله، بل أخبر الله تعالى بنزوله، قال الله عز وجل: (( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ))[الزخرف:61]، وفي قراءة: (وإنه لعَلم للساعة)، وقال سبحانه: (( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ))[النساء:159].
المسلمون واليهود والنصارى كلهم جميعاً يؤمنون بخروج المسيح، لكن المسلمين يؤمنون به بمقتضى التنزيل القرآني والحديث النبوي ليقود المعارك الفاصلة ضد اليهود وضد النصارى وضد جميع الكافرين، أما اليهود فمسيحهم هو مسيح الضلالة المسيح الدجال الذي يزعمون أنه يقيم دولتهم، أما النصارى فإنما مسيحهم أغلوطة وأكذوبة، فإن المسيح إذا ظهر كذب مزاعمهم ودعاويهم التي انتسبوا بمقتضاها إليه، وزعموا أنهم حملة دينه، وحفظة رسالته.
والجميع أيضاً يتحدثون عن معركة فاصلة يسميها اليهود والنصارى (هرمجدون)، ويقررون جميعاً أن موقع هذه المعركة فلسطين بالذات، ويسمونها المعركة الفاصلة بين قوى الخير في نظرهم التي يمثلها اليهود والنصارى، وقوى الشر في نظرهم التي يمثلها المسلمون.
إن الإسلام وجد ليبقى، ونزل ليحكم، وإن هذه الأمة لا تنقطع أبداً حتى يبعث الله الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين، فحينئذ لا يبقى في الأرض إلا شرار الناس وعليهم تقوم الساعة.
وما دام الإسلام نزل ليبقى وليحكم وليدير أمور الحياة، فإن أهل الإسلام يديرون المعركة مع أعداء الإسلام، وعليهم أبداً أن يشعروا أنهم في غرفة القيادة قيادة معركة الإسلام الكبرى مع خصومه وأعدائه، سواءً كانوا يهوداً أو نصارى، أو كانوا من المنافقين الذين يشكلون الطابور الخامس بين المسلمين.
وأمة هذا شأنها، وهذا قدرها، وهذا حكم الله تعالى الكوني فيها ينبغي أن تدرك حجم قوتها، وأن تدرك إمكانياتها؛ لأن الأمة لو استهانت بقوتها، أو ضعفت أو ظنت أنها لا تستطيع أن تصنع شيئاً لكان ذلك طعنةً إلى قوتها، وضربةً في خاصرتها، ولو أن هذه الأمة أيضاً رأت أنها تملك من القوة والنفوذ أكبر من الواقع لكان ذلك مغامرةً غير محمودة العواقب.
فواجب على الأمة أن تعرف حجم قوتها وموطن قوتها، وأن تعرف أيضاً مواطن ضعفها لتعالجها وتعرف كيف تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
عقدة المؤامرة
نقطة ثانية: عقدة المؤامرة.
قبل أن أتحدث عن هذا الموضوع الخطير، أود أن أعرج على ما يسمى بعقدة المؤامرة التي يتعامل معها الكثيرون أحياناً بصورة غير دقيقة، فأولاً هناك من يفسر ألوان الفشل الذي منيت به الأمة، سواء كان فشلاً عسكرياً أو صناعياً أو اقتصادياً أو سياسياً يفسر ذلك بالكيد الخارجي، فمن السهل على الناس أن يقولوا: إنما أصابنا بسبب الاستعمار، أو بسبب الصهيونية العالمية، أو بسبب اليهودية، أو بسب النصارى أو ما أشبه ذلك، وكل هذا يعد تهرباً من الاعتراف بالأخطاء، ومعرفة الضعف، ويعتبر أيضاً تهرباً من تصحيح الخطأ والرجوع عنه.
إن الغرب والصهيونية والاستعمار والشيوعية وكل قوى الأرض، لم تكن لتصنع شيئاً بهذه الأمة لولا أن هذه الأمة أتيت من داخلها، من عقر دارها، من قلوبها، من تخلفها هي عن دينها، من عدم اعتمادها على ربها، وعدم توكلها عليه، وعدم صدقها في حمل رسالة الإسلام، وعدم اجتماعها على الدين، ولذلك أصبحت لقمة سائغة لكل عدو، وأصبحت مسرحاً لكل جريمة، وأصبحت جسماً قابلاً لكل الجراثيم.
أما لو صبرنا واتقينا وصدقنا ما ضرونا أبداً، قال الله تعالى: (( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ))[آل عمران:120]، فهذا نمط من الناس ينسبون كل ما أصابنا إلى عدونا، وكأننا نحن أبرياء وأوفياء وصادقون، ولكن العدو كان شرساً، ونسوا أن هذا العدو نفسه واجه المسلمين الأولين فما ضرهم شيئاً، وانتصروا عليه على رغم قلة عَددهم وعُددهم، لماذا؟ لأنهم كانوا صادقين في دينهم، وفي التزامهم، وفي معاملتهم مع الله عز وجل.
وبالمقابل هناك على النقيض من يطرحون الغرب اليوم كصديق حميم للمسلمين، ويعتبرون أن سقوط الشيوعية هو سقوط لما يسمونه هم بالمبادئ الأيديولوجية، يعنون بها العقائد كلها، فيقولون: انتهى دور العقائد في التأثير السياسي العالمي، ولا مجال للعقيدة في المعاملة بين الدول، بل المعاملات اليوم بيننا وبين الغرب يجب أن تخضع للمصالح لا للمبادئ، وهذا الكلام طرح كثيراً في ندوات إعلامية، وصحفية، وكتب، ودراسات، وقد كانت مجلة المجلة التي تصدرها الشركة السعودية كانت من أول الصحف مبادرةً إلى طرح هذا الموضوع، ولا زالت هي وشقيقاتها تضرب على هذا الوتر، وتر أن العداوة قد انتهت، وأن العلاقة بيننا وبين الغرب يجب أن تكون علاقة مصالح متبادلة لا غير.
ومثل هؤلاء يعتبرون أي تفسير للدوافع الغربية أنها تعمل ضد الإسلام أو تخاف من الإسلام، أو تخطط لحرب الإسلام، يعتبرون هذا نوعاً من التفكير التآمري الذي لا يقبلونه.
وقريباً من ذلك كتبت مجلة اليمامة قبل شهور مقالاً طويلاً عنوانه: حديث غير شجي عن الإسلام والغرب، وعلى رغم أنها ناقشت بعض الموضوعات نقاشاً علمياً، إلا أنها جنحت نوعاً ما إلى التهوين من شأن العداوة الغربية للإسلام.
إذاً: فنحن نود أن يكون حديثنا عن هذا الموضوع حديثاً معتدلاً بعيداً عن ألوان المبالغات.
نماذج من مقالات وكتابات الغربيين عن الإسلام والصحوة
وقبل أن أقدم النتائج التي توصلت إليها في هذا الموضوع، فإنني سوف أعرض لكم عدداً من النماذج من مقالات وكتابات وأقوال الغربيين عن الإسلام والصحوة الغربية، حتى تشاركوا أنتم بأنفسكم من خلال ما تسمعون، أو من خلال الرجوع إلى المصادر نفسها في استخراج النتائج والموافقة عليها أو ردها، وها هنا عدد كبير من الكتب وعدد كبير من المجلات، ولكنني سوف أجتزئ بشيء من ذلك.
كتاب (الفرصة السانحة) لنيكسون
فمن هذا النموذج الأول وهو عبارة عن كتاب ألفه ريتشارد نيكسون الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، واسمه: الفرصة السانحة، ويقول عدد من المحللين: إن هذا الكتاب يعتبر أهم كتبه التسعة على الإطلاق، ويتكون هذا الكتاب من سبعة فصول تكلم فيها عن أمريكا ودور أمريكا في قيادة العالم، وأنها يجب أن تظل زعيماً متوجاً، ونادى الأمريكان بألا يخلدوا إلى الراحة، وأن يظلوا مكافحين لاحتلال الموقع القيادي على المستوى العالمي.
الذي يهمنا في هذا الكتاب هو الفصل الخامس، فقد خصصه عن المسلمين، وتكلم في هذا الفصل عن الخطر الإسلامي، وهون من شأن العالم الإسلامي ومن شأن خطورته لاعتبارات عدة، حيث قال: إن العالم الإسلامي يعاني أولاً من التفكك السياسي الذريع بين دوله التي يصعب أن تجتمع على أمر ما، ثم إنه يعاني من المشكلات المستعصية والتمزق العقائدي والمذهبي الذي يعصف بالشعوب، وبناءً عليه فإن العالم الإسلامي في نظره لا يمكن أن يتوحد ولا أن يكون له موقف محدد من القضايا الكبيرة.
ثم يضيف: أن الحركات العالمية الإسلامية يمكن أن تنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
المجموعة الأولى يسميهم بالأصوليين، ويمثل لهؤلاء بالثوار الشيعة في إيران، أو لبنان، أو غيرها من الذين يؤمنون بالمبادئ الثورية.
الفئة الثانية يسميهم: الرجعيين، وهؤلاء يعتبر أنهم هم الديكتاتوريون الذين يحكمون دولاً بنظام الحزب الواحد، ولا يريدون من أحد أن ينافسهم، ويضرب مثلاً لهؤلاء الديكتاتوريين الرجعيين بحاكم العراق وحاكم ليبيا.
القسم الثالث: يسميهم التقدميين، والتقدميون هؤلاء هم الذين يرون الربط بين الإسلام والعروبة، وليس لهم نظرة عدائية تجاه الغرب، مثل تركيا، أو باكستان، أو مصر، فهي دول تقيم أوثق العلاقات والروابط مع أمريكا والغرب، وليس بينها وبين الغرب أية معان عدائية أو مفاهيم تصادمية.
ومع أن الرجل يرى في هذا الكتاب أنه لابد لـأمريكا أن تدعم الطائفة الثالثة من التقدميين، الذين لا يحملون العداء للغرب؛ أولاً: لمصلحة الغرب نفسه.
ثانياً: دعمهم لمقاومة الأصولية والقضاء على الحركات الإسلامية في داخل دولهم، إلا أنه مع ذلك يرى أنه لا يمكن أن يدعم هؤلاء دعماً مطلقاً، ولا يمكن أن يوثق بهم؛ لأن من الممكن أن تتغير هذه الدول في سياساتها، ومن الممكن أن تقع يوماً من الأيام في أيدي من يسميهم بالأصوليين.
ومن الطريف أنه يقول بالحرف الواحد في كتابه هذا: علينا أن نتقبل في بعض الأحيان رفض أصدقائنا في العالم الإسلامي لبعض تصرفاتنا، التي تسبب لهم حرجاً سياسياً في بلادهم، فعندما ألقت الولايات المتحدة القنابل على ليبيا قام كثير من الزعماء في المنطقة بلعننا على الملأ، وبالثناء علينا في سرهم، فيجب ألا يزعجنا أن تضطر الظروف أصدقاءنا أن يتفوهوا ببعض السباب ضدنا إرضاءً لأعدائنا.
إذاً: ضمن الاستراتيجية المتفق عليها مع من يسميهم بالتقدميين أنه قد يعطون فرصة أن يسبوا أمريكا، ويلعنوا النظام الدولي الجديد، ويتكلموا عن جرائم أمريكا، ويحتجوا عليها علانيةً وعبر وسائل الإعلام في الوقت الذي يسرون إليهم بالمودة، ويتكلمون معهم سراً بلهجة المؤيد لما فعل.
هذا نموذج من النمط الغربي في الحديث عن القضية الإسلامية.
كتاب ((1999م) نصر بلا حرب) لنيكسون
النموذج الثاني وهو كتاب للرجل ذاته اسمه 1999 نصر بلا حرب، يعني: أنه في نهاية هذا القرن الحالي الميلادي سيتحقق لـأمريكا نصر دون أن تحتاج إلى أن تخوض حرباً مع أعدائها، وهذا كتاب مهم في جوانب منه وكبير، وباختصار فإن الرجل يتوقع في هذا الكتاب أن يستمر الروس والأمريكان، وكان هذا قبل سقوط الاتحاد السوفيتي، فكان يتوقع أن يستمر الروس والأمريكان حتى نهاية القرن في قيادة العالم، ثم يتوقع أن ينظم إليهم في القرن القادم اليابان الذي سماه العملاق رغم أنفه، وأن تنظم إليه الصين الشعبية الشيوعية التي سماها العملاق الذي يستيقظ، وأن تنظم أيضاً أوروبا الغربية التي سماها العملاق المفتت الذي تعصف به الخلافات وتقضي على وحدته.
إذاً: منصة القيادة سوف تتسع لهؤلاء جميعاً إضافةً إلى أمريكا والاتحاد السوفيتي.
والغريب في الأمر أن الرجل دعا في الكتاب إلى أن تصبح اليابان قوةً عسكرية عالمية جديدة، وأن تدخل ميدان التصنيع العسكري، ثم قال: إن هذا الدور يتطلب عمالاً كثيرين أيدي عاملة رخيصة الثمن؛ لكي تحقق هذه الصناعات اليابانية قدرة التنافس العالمي، وهنا يبرز السؤال: من أين سوف يأتي العمال أصحاب الأجور الرخيصة إلى اليابان؟ قال: هؤلاء العمال سوف يأتون من دول العالم الثالث، من العالم الإسلامي الذي يشهد نمواً سكانياً كبيراً.
وحين ينتقل إلى أوروبا يتحدث عن ضرورة إحساس أوروبا بالدفاع المشترك، ويقترح توحيد الجيوش الأوروبية لإيجاد حل لمشكلة الدفاع ضد أي عدو محتمل.
ثم يخصص فصلاً عنوانه: ساحات المعارك، أين تتوقع أن تكون ساحات المعارك؟ إنها فيما يسميه العالم الثالث، ففي حالة تفاقم الصراع بين هؤلاء العمالقة فإن ميدان الحرب هو العالم الثالث الذي هو العالم الإسلامي في غالبه.
أما في حالة الانسجام والاتفاق بين هؤلاء العمالقة، فإن العالم الإسلامي هو الغنيمة التي يتنادون إليها ويتداعون إليها، مصداقاً لحديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة بنا يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ).
يتكلم عن العالم الإسلامي فيشير إلى القوة البشرية، ويقول: إن أربعة من كل خمسة يولدون في العالم هم يأتون من العالم الثالث، يعني: أربعة أخماس المواليد هم في العالم الثالث، ويشير أيضاً إلى أن الغرب جزيرة تعج بالقدرات والخيرات والثروات وسط بحر من الفقر يمثلها العالم الثالث، وبالدرجة الأولى أفريقيا التي فيها أدنى نسبة للدخل الفردي، التي تصل إلى حد الصفر، وحد العدم اليوم في الصومال وجيرانها.
إذاً أوروبا جزيرة غنية في وسط بحر فقير، والعالم الثالث مع ذلك هو بؤرة الحروب والثورات في العالم، ولذلك فإن ساحة الحرب العالمية الثالثة وساحة القتال -كما يقول- سوف تكون هي العالم الثالث، وبقدر ما تحدث هذا الرجل عن الخطر الشيوعي تحدث عن التيار الديني الأصولي الذي يسعى إلى إشباع الحاجات الروحية والمعنوية للإنسان في العالم الإسلامي، ولذلك قال: إن رياح التغيير في الشرق الإسلامي وصلت إلى مرحلة الإعصار الذي لا يمكن وقفه، ولكن يمكن تحويل اتجاهه.
يقول: القوة الإسلامية الممثلة في الجماعات الإسلامية، وفي التيارات الدينية، وفي الجهود الفردية، وفي التوجهات الشعبية، يقول: هذه القوة الإسلامية اليوم إعصار لا يمكن للغرب أن يوقفه، ولكن يمكن أن يسعى الغرب إلى تحويل اتجاهه من وجهة إلى أخرى، ثم تكلم عن إسرائيل والالتزام الأمريكي ببقائها، وبرر ذلك بأمور:
أولاً: أن إسرائيل دولة ديمقراطية، عكس الدول الأخرى العربية كلها.
ثانياً: أن إسرائيل دولة ارتقى شعبها إلى مستوى تعليمي أصبح ينافس شعب اليابان في ذاته.
ثالثاً: أن إسرائيل دولة بلا موارد، ومع ذلك فإن اقتصادها الصناعي قادر على المنافسة العالمية.
رابعاً: أن القوات المسلحة لليهود في إسرائيل من أفضل جيوش العالم.
ولذلك فإن أمريكا تدفع لإسرائيل أعظم الإعانات، فالذين يستحقون الإعانة في العالم كله في نظر أمريكا عددهم ثلاثة مليارات إنسان، ولكن الواقع أن ربع الإعانة يعني: (25%) من الإعانة الأمريكية يذهب إلى إسرائيل التي لا تشكل إلا ثلاثة ملايين يهودي فقط.
وأخيراً يخلص هذا الرجل السياسي المفكر إلى النتائج التالية:
أولاً: أن التغيير قادم وقائم ولابد منه، إذاً هو يقر بأن هناك تغييراً على مستوى العالم، وعلى مستوى العالم الإسلامي، وأنه لا مفر من هذا التغيير.
ثانياً: أن الصراع والتنافس قائم وقادم أيضاً ولابد منه.
ولا شك أن ما قاله صحيح من النظرة من الزاوية الشرعية، فإن الله تعالى بين لنا في القرآن أن الخلاف قائم بين البشر، (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ))[يونس:99]، وقال الله عز وجل: (( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ))[هود:118-119].
إذاً: الله تعالى بين في القرآن الكريم في مواضع عدة أن الصراع والخلاف بين البشر قائم لا محالة، وأن التغيير أيضاً موجود وهو من طبيعة الأشياء؛ فإن الأمور لا تستقر على حال في هذه الحياة الدنيا.
النتيجة الثالثة التي توصل إليها: أن ساحة القتال هي العالم الثالث.
النتيجة الرابعة: أن الغرب أثبت أنه يجيد إرسال الأموال إلى مواطن الإعانة، وذلك في شكل معونات ومساعدات، ولكنه لم يثبت -على حد تعبير نيكسون- أنه يعمل لدعم مبادئه، يقول: نحن نعطي أموالاً دون أن نؤثر في الناس مقابل هذه الأموال، ولهذا فإن التوصية أن على الولايات المتحدة أن تتصدر حملةً عالمية لانتزاع الزعامة الروحية، وليس فقط الزعامة الاقتصادية، أو الزعامة العسكرية.
وبمعنىً آخر فإنه يدعو أمريكا إلى أن تقدم الإنجيل في يد على حين تقدم المساعدة في اليد الأخرى. وهذا يفسر لنا الحملة المسعورة للمنظمات الصليبية التنصيرية من أمريكا وبريطانيا التي أصبحت تجتاح العالم كله، وتجتاح العالم الإسلامي على وجه الخصوص، فإن مئات الإرساليات انطلقت إلى الجمهوريات السوفيتية المستقلة حديثاً، ومئات الإرساليات والجمعيات انطلقت إلى الصومال، وإلى منطقة أفريقيا بشكل عام، وإلى إندونيسيا، وإلى مصر، وإلى دول الخليج العربي مبشرةً بـالإنجيل، فضلاً عن جهود إعلامية ضخمة مكثفة في هذا السبيل.
إنهم يقولون ويصرحون: بأنه لا يجوز أبداً أن ندفع الإعانات والمساعدات دون أن نقدم للناس الهداية الروحية كما زعموا، وإشباع حاجاتهم، فلابد أن نقدم لهم النصرانية في الوقت الذي نقدم لهم فيه الغذاء والكساء والدواء وألوان المساعدات.
كتاب (التوقع العظيم)
النموذج الثالث في الدراسات الغربية كتاب مهم جداً، اسمه: التوقع العظيم، وهذا الكتاب لم يترجم بعد في حدود ما أعلم، وقد ألفه رجلان: أحدهما اسمه جيمس ديل، والثاني اسمه لورد ويليام ريس، وترجمه لي الأخ الكريم الأستاذ عبد الله البتال، وأرسل لي جزءاً من هذه الترجمة، وقد صدر هذا الكتاب عام (1991م).
وأبرز ما في هذا الكتاب أنه يؤكد أولاً أن أمريكا أنفقت مبالغ طائلة وصفها بأنها تريليونات من الدولارات في الماضي في التسليح لمواجهة ما يسمى بالحرب الباردة، مواجهة الاتحاد السوفيتي، ولكنه قال: إن هذه الآليات الضخمة التي تملكها أمريكا اليوم لا تصلح أبداً ولا تنافس لمواجهة الأعداء الجدد لـأمريكا، فإن هؤلاء الأعداء ليسوا قوة قارية ضخمة على غرار الاتحاد السوفيتي يحتاجون إلى هذه الآليات الهائلة، وليسوا أيضاً قوة ديكتاتورية محددة وهدفاً مباشراً كما هي الحال في العراق أثناء الحرب السابقة، ولكنهم عبارة عن دول صغيرة، أو عبارة عن أجزاء من دول، أو عبارة عن جماعات إرهابية، أو عبارة عن تعصبات دينية كما سماها لا يمكن أن تواجه بالباتريوت وبغير ذلك، فضلاً عن الصواريخ عابرة القارات وغيرها.
وفي ختام مقدمة الكتاب قال كلمةً طريفة قال: إننا نحذر أمريكا كما حذر يوسف عليه الصلاة والسلام فرعون من سبع سنين شداد، تأتي بعد سنين سبع من الرخاء، إذاً هم يقولون: إن سنوات الرخاء التي يعيشها الغرب الآن سوف تتبعها سنون شداد تحتاج إلى أن تتخذ العدة لها.
أما الفصل المهم في هذا الكتاب فهو الفصل السابع الذي جعلوا له عنواناً: محمد يحل محل ماركس، وجعلوا النبي صلى الله عليه وسلم رمزاً للإسلام، يعني: أن العقيدة الإسلامية سوف تحل محل الماركسية في مواجهة الغرب، وهذا الفصل طويل أقرأ جزءاً منه؛ لأنه في غاية الأهمية.
يقول: نتوقع أن يسيطر القلق الغربي من تحدي الإسلام على الأخبار مرةً أخرى خلال العقد القادم، ولقد تجاوز أتباع محمد صلى الله عليه وسلم أتباع ماركس وهم نيام، لقد ماتت الماركسية ولم يكن ماركس مصلحاً وهمياً فقط، بل كان أيضاً قصير العمر، شأنه في ذلك شأن كل المصلحين العلمانيين، في الإسلام يقاس التاريخ بالقرون، الإسلام يعاود الانطلاق الآن، إنها كلمات جميلة أقرؤها وقلبي يمتلئ من السرور أن يتكلم غربي عن الإسلام بهذه اللهجة.
لقد تجاوز أتباع محمد أتباع ماركس وهم نيام، لقد ماتت الماركسية، لم يكن ماركس مصلحاً وهمياً فقط، بل كان أيضاً قصير العمر شأنه في ذلك شأن كل المصلحين العلمانيين، يعني: اللادينيين، في الإسلام يقاس التاريخ بالقرون، يعني: أن الإسلام دين قديم طويل العمر، الإسلام يعاود الانطلاق الآن، يقول: وبصدفة غريبة فإن معظم الدول المصدرة للنفط هي إما دول إسلامية كـالسعودية والعراق وليبيا وإيران، أو مجتمعات للإسلام فيها تأثير كبير، مثل إندونيسيا ونيجيريا وحتى الاتحاد السوفيتي، وفي أكثر هذه البلدان يزداد الإسلام جاذبية كبديل لاستراتيجيات التطوير الفاشلة.
ثم يقول: الإسلام هو الدين الذي يحد أوروبا من الجنوب، إنه الدين العالمي الذي شكل عبر التاريخ أعظم خطر على التقاليد اليهودية والنصرانية، إنه أيضاً دين الدول التي لها حدود مع إسرائيل، وتعارض حلم الشعب اليهودي في إنشاء وطن في الشرق الأوسط، إنه دين أولئك الذين يتحكمون بثروات العالم النفطية، فكما اتضح من أحداث عام (1973) ميلادي، يعني: حينما أوقف البترول واستخدم كسلاح كما تعبر أجهزة الإعلام، ويقول: كما اتضح من أحداث (1973) ميلادي ومن الثورة الإيرانية فإن النفط بلا شك سلاح يمكن استخدامه، وكل من يتحكم بالبترول فإنه يمسك بزمام الرخاء الصناعي لدى الغرب.
ثم يقول: الإسلام يناسب عام (1990) ميلادي أكثر مما يناسب (1890) ميلادي، يعني: الظروف اليوم مواتية للإسلام أكثر مما هي مواتية قبل مائة عام مضى.
يقول: بعض فرق الإسلام اعتمدت الإرهاب تكتيكاً لها، والإرهاب ينمو كقوة عسكرية باقتراب القرن القادم.
رغم نجاح أمريكا في طرد العراق من الكويت، إلا أن الأمر احتاج إلى حرب، وهذا شاهد على انحدار الغرب كقوة وهيبة عسكرية، وما العراق إلا دولة صغيرة سكانها يقاربون عدد سكان بلجيكا، إن محاولة العراق تدل على أنه مقتنع بأن أمريكا عاجزة عن كسب حرب بعيدة ولو كانت ضد دولة صغيرة، إن السيطرة الغربية العسكرية على الشرق الأوسط كانت صعبةً جداً في عام (1920) ميلادي، وقد ازدادت صعوبةً في هذا القرن.
ثم يقول: سيتمكن الإرهابيون من الانسياب خلال المؤسسات العسكرية للقوى الكبرى، ثم وضع عنواناً: فجر قوة كاذبة، يقول: تميزت حرب أمريكا ضد العراق عن حربها في فيتنام بأن العراق قدم هدفاً ضخماً أمكن ضربه، أما في فيتنام فكانت القوات متفرقةً في الغابات والأدغال، ولقد تبين منذ الأيام الأولى للغارات الجوية وجود نوع من التفوق العسكري.
ثم يقول: إن مما يجعل القانون الإسلامي فعالاً في الحد من الجريمة هو أنه دين قديم، ولم تحركه علوم الاجتماع التي تقدم اعتذارات للجريمة، كل الأديان لا تشجع القتل والسرقة، وحيث يطبق الإسلام لا يتكلم عدم التشجيع هذا بصوت ناعم خافت، لقد نشر محمد صلى الله عليه وسلم قانوناً تفصيلياً محدداً، وجلس في مجتمع المدينة قاضياً يقدم إلى جانب القرآن قرارات تخدم أساس القانون الإسلامي في الإسلام المتقيد بالتعاليم لم يظهر أي قانون جديد منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم يقول: القانون الإسلامي والاقتصاد القيود على الربا، وفي هذه الفقرة تحدث المؤلفان عن تحريم الربا في الإسلام، وفي النصرانية، وبين وجهة النظر المشهورة في الاقتصاد الرأسمالي، وهو أن القروض الربوية ضرورية لقيام شركات ضخمة، ثم قال: وبمحض الصدفة أو ربما برحمة من الله تعالى، فإن معظم الثروة الغربية ترجع إلى أيد إسلامية ثمناً للبترول.
إن المجتمعات التقليدية القليلة العدد في شبه الجزيرة العربية حيث عاش النبي صلى الله عليه وسلم منغمسة في البترول، إن الدول المسيطرة على البترول تعتبر من الدول القليلة الدائنة في عالم مدين، إن هذه الثروة تجعل تلك الدول عرضةً للمعتدين، ثم وضع عنواناً: أفرقة أوروبا، يعني: تحويل أوروبا إلى قارة أفريقية، يقول: إن أوروبا تواجه أسلمةً - يعني: تحويلها للإسلام - أو أفرقةً؛ لأن الفجوة الاقتصادية والسكانية الديموجرافية - يعني: توزيع السكان - على جانبي البحر المتوسط تزداد والناس يهاجرون من الجنوب إلى الشمال.
ثم يقول: إن أفريقيا ودول الشرق تحتوي الآن على سكان صغار في أعمارهن، مقارنةً بالأعمار في أوروبا التي تميل إلى الكبر والشيخوخة، كما أن أفريقيا قادمة على انفجار سكاني وهي قنبلة موقوتة تمتد على الساحل الجنوبي.
إذاً: هو يتوقع بخلاصة الكلام أن العالم الإسلامي سوف يحتفظ أولاً بأعداد بشرية كبيرة جداً؛ نظراً للتنامي السكاني المتسارع.
وثانياً: أن هذه الأعداد الكبيرة يغلب عليها العنصر الشبابي؛ نظراً لكثرة المواليد، في الوقت الذي أوروبا كلها وأمريكا تعيش مرحلة الشيخوخة، أولاً: من حيث عدم التنامي السكاني، وثانياً: أن ذلك ولد قلة في عدد المواليد، وقلة في عدد الوفيات، فترتب عليه أن معظم الأوروبيين والأمريكان هم من أصحاب الأعمار الكبيرة من الخامسة والستين فما فوق، وهذا سوف يتولد عنه تلقائياً هجرة إسلامية إلى أوروبا وإلى أمريكا، هجرة من عامة الناس، من العمال، من أصحاب الحاجات، من التجار للبحث عن عمل أو البحث عن الثروة.
وكما يقول أحد الفرنسيين: إذا لم تذهب الثروة إلى الناس فإن الناس يذهبون إلى الثروة، فالقوم الفقراء سوف يبحثون عن الثروة، وهذا يفسر التدفق الهائل للناس إلى الولايات المتحدة حيث الفرق في القوة الشرائية بين أوروبا وأفريقيا.
المهم أن التوقعات تقول: إن سكان الشرق الأوسط بما فيهم إيران سوف يصلون تقريباً في عام (2030) من التاريخ الميلادي بإذن الله تعالى إلى ما بين ثلاثمائة إلى أربعمائة مليون، وهذا أكبر بكثير من الرقم المتوقع في المجتمع الأوروبي، وإذا تنافسوا فإنهم سيجدون أن أوروبا ستواجه هجرة ثقافية وهجرة تقاليد إنها ستكون هجرةً لقوة الإسلام، ويتوقعون أن يكون معظم المهاجرين الجدد مسلمون نشئوا في الهلال الموازي للبحر المتوسط.
يقول هذان المؤلفان: إن تدفق خمسين مليون مسلم على أوروبا خلال العقود القليلة القادمة، سيجلب إلى أوروبا كثيراً مما عانته أمريكا وبريطانيا من تدفق الثقافات والجماعات العرقية، مما أرهقها في تحقيق التوازن الاجتماعي، إن النمو السكاني للمسلمين الناقمين سيكون قوتاً للتغيير في أوروبا مع اقتراب القرن القادم.
ثم يقول أخيراً: إن جاذبية الإسلام ليست مقتصرة على مسألة القوة السياسية فقط، لا، إن البلاد التي لا عقيدة لها تكون دائماً عرضة للبلدان التي لها عقيدة، إن الصحوة الإسلامية لها أعداء كثيرون ومنهم القادة الحاليون في الاتحاد السوفيتي، ثم يقول: هناك أربع قوى مضادة هي الأقرب إلى منطقة الإسلام، والتي ستعاني أكثر من غيرها من الإسلام، وهي: الاتحاد السوفيتي، الهند، الدول الديكتاتورية الوطنية في الشرق الأوسط، دولة اليهود في إسرائيل.
ثم يقول: المسلمون في الاتحاد السوفيتي يتعاطفون مع إخوانهم المسلمين في أفغانستان وغيرها، ولأسباب سبق شرحها يبدو أن الجمهوريات الإسلامية سوف تنفصل عن الاتحاد السوفيتي، وربما تدخله في حرب أهلية.. إلى آخر ما ذكر.
على كل حال هو ختم ذلك المقال بالحديث عن الخطر على إسرائيل، وأن تزايد الإسلاميين المتعصبين سوف يؤدي إلى مخاطر على إسرائيل وعلى الهند، وربما أوجد نوعاً من التفوق التسليحي والبشري والعسكري للمسلمين ضد عدوهم، سواءً من اليهود أو من الهند أو من النصارى أو من غيرهم.
مقال نشر في مجلة واشنطن تايمز
أما النموذج الرابع من الأطروحات الغربية فهو مقال نشر في مجلة واشنطن تايمز في (18/7)، وهو عبارة عن أحاديث متنوعة مع عدد من الخبراء الأمريكان، فكان من هؤلاء الخبراء من يرى أن على أمريكا أن تقبل وتتحمل صعود القوى الإسلامية، التي أصبحت تهدد -كما يقول المقال- الحكومات الموالية للغرب في الشرق الإسلامي.
ويقول: إن الإسلام قوة قائمة وقادمة ولابد من تقبل ذلك وتحمله، على أن طائفة أخرى من هؤلاء يرون أنه لابد من تأييد الأساليب القمعية، التي تتخذها بعض الدول لمواجهة التيار الإسلامي، فيقول مثلاً: لابد من الوقوف مع مصر لمواجهة من تسميهم مصر بالمتطرفين، لابد من الوقوف مع تونس لمواجهة حزب النهضة ومن ورائه الاتجاه الإسلامي، ولابد من الوقوف مع الجزائر لمواجهة جبهة الإنقاذ الإسلامي، ومواجهة التيار الإسلامي المتناقض.
ومن هؤلاء مارتن كريمر الذي يتكلم عن خطورة الديمقراطية، وهو يهودي، يقول: إن على أمريكا أن تتغاضى عن محاولة الحكومات العربية قمع الحركات الإسلامية، وعلى أمريكا أن تسكت عن هذا الاعتداء على حقوق الإنسان؛ لأن تلك الأنظمة وتلك الجماعات وتلك القوى الإسلامية لا تشكل تهديداً للدول العربية فقط، بل تشكل تهديداً للغرب ولإسرائيل.
بينما يقول خبراء آخرون مثل جوزيف سكيبر وهو من معهد بروكنجز يقول: إنه لا جدوى من محاولة قمع الحركات الإسلامية، ويجب أن نتعلم كيف نعيش معها، حيث لن نتمكن أبداً من التأثير على هذه الحركات، بل علينا أن نتعامل معها، وكل محاولة لقمعها والقضاء عليها فإنها سوف تؤدي إلى عمليات إرهابية تقوم بها تلك الحركات، مثل ما يحدث الآن في مصر والجزائر وغيرها.
مقال عنوانه: (أمريكا تعود إلى مقاعد الدراسة لتتعلم الإسلام)
النموذج الخامس: في مجلة الوطن العربي، وهو تحليل قديم مضى عليه ربما أكثر من خمس سنوات في 4/9/1987م، حيث نشرت تحليلاً بعنوان: أمريكا تعود إلى مقاعد الدراسة لتتعلم الإسلام، وقالت: إن الكونجرس يسأل: ما معنى السلفية؟
وأشارت إلى أن الإدارة الأمريكية تتحاشى الحديث العلني عن الإسلام والأصولية، أما الكونجرس فهو شديد الاهتمام بهذه الظاهرة، وقد عقد عدة جلسات واستمع إلى شهادة عدد من الخبراء، سواءً كانوا خبراء أكاديميين، أو خبراء سياسيين، تكلموا عن الإسلام وموقفهم منه، وماذا يحمل الإسلام، وماذا تحمل الدعوات الإسلامية المعاصرة، وقد جمعت هذه الشهادات في كتاب طبع في أكثر من أربعمائة وأربعين صفحة، وضم حصيلة الشهادات سبعة من الخبراء، وكان غالب حديثهم تشخيصاً للظاهرة الإسلامية كما سموها، وتوصيفاً لها، وتحديداً لملامحها وأسباب ظهورها.
مقال عنوانه: (الإسلام والديمقراطية)
النموذج السادس: في مجلة ناشيونال ريفيو في 11 مايو 1992م بعنوان: الإسلام والديمقراطية، ومقال بقلم بيتر رودمان وهو مسئول في عدد من الحكومات الأمريكية، وقد تكلم هذا الرجل عن انتقال الأصولية من الشيعة كما هي التجربة الإيرانية وفي دورة الخميني إلى السنّة، وأنها أصبحت تملأ الفراغ الذي خلفه في العالم الإسلامي كله، الإحباط الواسع والفشل الذريع للمبادئ القومية والمبادئ الاشتراكية التي حكمت المسلمين زماناً طويلاً.
وقال: إن هذه الحركات تكون تهديداً للحكومات المعتدلة الموالية للغرب في المنطقة، ولقد حذر بعض المراقبين من أن هذا الانبعاث الإسلامي نزعة شعبية قوية، وأن لها جذوراً وأسباباً سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية.
ثم قال: إنها مرحلة تاريخية يجب أن نتحملها حتى تفقد زخمها، ويمكن أن تفقد زخمها وقوتها وجاذبيتها بواسطة فشلها في حل مشكلات المجتمع.
إذاً: هو ينادي بأن يمكن الإسلام من الحكم في عدد من البلاد، ويراهن على أن الإسلام سيفشل في حكم البلاد، وبذلك سيفقد الإسلام أو تفقد الجماعات الإسلامية، أو تفقد الحركات المنافية للإسلام زخمها وجاذبيتها وتأثيرها كما حدث بالنسبة للمبادئ القومية أو المبادئ الاشتراكية، ومع أنهم يقولون ذلك فإنه لا أحد أبداً يستطيع أن يجرب الإسلام فعلاً لينظر هل يفشل الإسلام في إدارة شئون الحياة أم يتحقق العكس، تتحقق المعجزة التي يتحدثون عنها.
وبعد مناقشة عدد من الخيارات في مواجهة الإسلام يقول: إنه يمكن للإسلام أن يستنتج أنه ليس للغرب من خيار سوى أن يسلم بشرعية الصحوة الإسلامية، ويتعلم كيف يعيش معها.
ثم يقول: ومع أنه ليس هناك سبق أتوماتيكي يجعلنا نعتبر الإسلام حالاً محل الشيوعية في العداوة للغرب، إلا أننا يجب ألا نتجاهل المبادئ والعناصر الثورية في الإسلام التي تشترك في ذلك مع الأيديولوجية الشيوعية.
مقال عنوانه: (الموجة الإسلامية)
النموذج السابع: مقال عنوانه: الموجة الإسلامية، وهو مقال لـجودي ميلر متخصصة في شئون العالم العربي، نشر في نيويورك تايمز، وهذا المقال روت فيه المتحدثة بعض القصص التي قد تكون صادقة أو كاذبة من العالم الإسلامي، فقالت مثلاً: فتاة جزائرية أعربت عن خوفها وقلقها من أن ابن عمها رفض أن يقبلها وقال لها: لقد تعلمت من أساتذتي أن تقبيل المرأة الأجنبية حرام.
وشاب سوداني ضربه زملاؤه بعد إحدى المظاهرات، فرجع يعرب عن مخاوفه من الإسلام، كما تتحدث الصحفية أو المتخصصة عن الرمضان الذي قضته في مصر وأنه كان رمضانا بعيداً عن البهجة، وبعيداً عن السرور المعتاد، قالت: حيث منعت بعض المظاهر التي تعتبر إخلالاً بالأخلاق وبالحياة، كالرقص والموسيقى وغير ذلك طيلة شهر رمضان، وهذا الكلام ليس صحيحاً، لكن ربما منعت أشياء محددة فحسب من ذلك.
ثم تكلمت بكلام غريب ومهم أيضاً عن هذا الموضوع، فقالت: إن هناك اتفاقاً على نطاق واسع بأن الإسلام السياسي قد كسب قوةً متزايدة، من جراء حدثين وقعا في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة:
الحدث الأول: هو نهاية الحرب الباردة.
والحدث الثاني: هو حرب الخليج، إن سقوط الاتحاد السوفيتي والشيوعية قد نكب القوى العلمانية اليسارية في العالم العربي، أما حرب الخليج فقد أوضحت بجلاء العجز والوهن الذي أصبحت عليه الدول المنهزمة من الحرب، بل والدول التي انتصرت أيضاً؛ وذلك لأنها اعتمدت تماماً على القوة العسكرية الغربية.
ثم نقلت آراء عدد من المفكرين، منهم محمد حسنين هيكل مفكر قومي مصري، قال: بسبب إخفاق الأنظمة الحالية وفسادها وإفلاسها الاقتصادي، وبسبب غياب الرؤية البديلة فإن هناك فراغاً سياسياً كبيراً، إن الإسلام هو الوحيد الذي له معنى بالنسبة لأغلب العرب.
ثم انتقلت إلى سؤال خطير: كيف يواجه الغرب هذه الظاهرة الجديدة ظاهرة الإسلام؟ قالت: إن صعود الأصولية الإسلامية قد أثار مناظرات عديدة، حول: ماذا يمكن للغرب أن يفعل؟ إن بعض المسئولين قد أوضحوا أن الأصولية هي العدو الجديد للغرب، وأنها يجب أن تعامل مثل معاملة الشيوعية خلال الحرب الباردة، إنهم يقولون: ستكون غلطة مأساوية لو نظرنا إلى اتجاه آخر في حين أن هناك أحزاباً إسلامية كثيرة يتضح أنها ضد الغرب، وضد إسرائيل، وضد المرأة، وضد الديمقراطية، وتحاول مع ذلك أن تصل إلى السلطة في منطقة استراتيجية هامة، على أن هناك مراقبين آخرين يرون أن معارضة الإسلام ومحاربة الصحوة ستكون خطأً سياسياً مفجعاً، وسوف تؤدي إلى تعزيز الدوافع المعادية للغرب، وذكرت نماذج لهؤلاء وأولئك.
مقال عنوانه: (مصطلح الأصولية الإسلامية مصطلح مضلل)
النموذج الثامن: مقال نشر في جريدة الجزيرة قبل أيام، عنوانه: مصطلح الأصولية الإسلامية مصطلح مضلل. وهو لخبير أمريكي في شئون الإسلام، تكلم فيه عن لفظ الأصولية، وقال: إن المسلمين كلهم أصوليون حسب التعريف الغربي، وأن هناك إجحافاً في نظر الغربيين إلى الإسلام.
مقالان لروبرت ووليام في جريدة (المسلمون)
أما النموذج التاسع، وأذكر هذه النماذج باختصار، فقد نشر في جريدة المسلمون عدد أربعمائة وخمسة، وقال فيه روبرت كرين: الغرب لا يثق كثيراً في الحركات الإسلامية، ولا يثق في المسلمين بوجه عام، ويعود ذلك إلى خلفيات تاريخية تعشعش في وجدانه منذ أمد بعيد، ولهذا أرى أنه ما لم تبرهن الحركات على أنها سوف تراعي وتصون حقوق الإنسان فلن يكون هناك تعايش معها من قبل الغرب.
أما النموذج الأخير فهو وليام كوانت في المسلمون أيضاً يقول: الإسلام والغرب ليسا قوتين متصادمتين.
أنواع الدراسات الغربية في شأن الإسلام
بعد عرضي لهذه النماذج الذي ربما أخذ جزءاً كبيراً من الوقت؛ لأنني تعمدت أن تسمعوا مباشرةً حتى تشاركوا، فإنني ألقي نظرةً تحليلية على هذه النماذج:
أولاً: تتفاوت الدراسات الغربية كما هو ظاهر في موقفها من الصحوة الإسلامية، ويمكن أن نقسمها تقريباً إلى ثلاثة أقسام:
الدراسات غير الموضوعية
القسم الأول: لون من الدراسات غير الموضوعية، والتي تتحدث أو تكتب بروح العداء المحض، أو بروح التحريض على الإسلام وعلى الدعوة، أو بروح التخويف المباشر من الإسلام كخطر على الحكومات الوطنية في البلاد العربية والإسلامية، أو كخطر على إسرائيل، أو كخطر على الوجود الغربي بأكمله، من دون أن تقدم أي أدلة كافية على ذلك.
بل إنها أحياناً تأخذ جزئيةً صغيرة ثم تضخمها وتبالغ فيها، وعلى سبيل المثال فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في دعم المسلمين في البوسنة والهرسك، تصور في التلفزيون الكرواتي وفي وسائل الإعلام على أنها حرب إسلامية جديدة سوف تشن في منطقة البلقان ضد كل ما هو نصراني وكل ما هو صليبي، ويجعلونها أحياناً تحت عنوان: المسلمون قادمون، أو الإسلام قادم، أو ما أشبه ذلك من العناوين المثيرة.
وغالب هذه المقالات البعيدة عن الموضوعية تكتب في أوقات الأزمات، أو تكتب بمناسبة بعض الأحداث العاصفة، مثل: أزمة الرهائن في إيران قبل سنوات، أو أزمة العراق واحتلال الكويت، أو أزمة ليبيا، أو قضايا خطف الطائرات، أو قضايا نسف السفارات، كما نسفت السفارة الأمريكية في لبنان مثلاً، أو بعض مواطن الاحتكاك التي تدعو إلى إبراز هذا الحدث أمام الغرب، ثم التعليق عليه بما يوحي بأن المسلمين وراءه، وأن هذا نموذج للحرب الإسلامية، ويلقي في حس وذهن المشاهد أو المستمع الغربي العادي الخوف والكره لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة، كنوع من تمثيل وترسيخ الحواجز ضد الإسلام.
وغالب هذه الدراسات غير الموضوعية تفهم الإسلام أيضاً من خلال بعض الحركات الخاصة وبالذات الحركات الثورية الشيعية في لبنان وإيران، وتكون مدفوعةً في دراستها بدوافع دينية عدائية ضد الإسلام وأهله، وقد يكتبها اليهود مدافعين عن إسرائيل، أو يكتبها النصارى المتعصبون أو غيرهم، فهذا هو النوع الأول من الدراسات.
الدراسات المعتمدة على التهوين من شأن الإسلام
النوع الثاني: دراسات تعتمد على التهوين من شأن الإسلام، ومن شأن الصحوة الإسلامية، وتعتبر أنها مجرد فقاعات طارئة وسوف تزول سريعاً، وأن العلمانية أرسخ في الميدان السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأقوى ولن تزول.
فيرون مثلاً أن الربا أصبح جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد في العالم الإسلامي، فلا سبيل إلى إزالته، وأن النظام الاجتماعي المتحلل في السوق والجامعة والبيت والإعلام وغير ذلك أنه وهو نظام علماني أصبح راسخاً ويصعب اقتلاعه، وأن الأنظمة السياسية العلمانية أيضاً عميقة الجذور، وبناءً عليه يرون أن الدعوة الإسلامية وأن الصحوة لا تعدو أن تكون فقاعات مؤقتة أو ظواهر عابرة.
وهذا اللون من الدراسات بدأ يقل ويتضاءل، وينقص، ويفقد الأدلة يوماً بعد يوم تحت مطارق الحقائق المتتابعة عن رسوخ الإسلام وعمقه وامتداده وبقائه.
ومن هؤلاء أيضاً من يشكك في قدرة الإسلام على إدارة شئون البلاد، لكن لم يجرؤ أحد من هؤلاء قط على أن يعطي الفرصة للإسلام للتجربة، إنهم كانوا يقولون: لا يمكن أن ينجح الإسلام في إدارة شئون البلاد، ولكن لما أوشك الإسلام على الوصول إلى السلطة في الجزائر اتفقوا جميعاً على إجهاض تلك التجربة الانتخابية التي يسمونها ديمقراطية وتتمشى مع قواعدهم وأصولهم؛ لأنها سوف تتسبب في وصول من يسمونهم بالأصوليين إلى السلطة، فلم يقبلوا بذلك، ولا على سبيل التجربة؛ لأنهم يدركون أن الوصول يعني تغيير المجتمع، وأن تلك الدعوة أو هذه أنها إذا تمكنت من مقاليد الأمور سوف تفلح في تغيير عقليات الناس وأخلاقيات الناس ومبادئ الناس.
وربما وجدوا في السودان مثلاً آخر، إنهم كانوا يراهنون على سقوط حكومة البشير في السودان بين عشية وضحاها، ونظموا عدداً من الانقلابات داخل السودان، ووجدوا في الأخير أن حكومة الإنقاذ في السودان أرسخ وأبقى مما ظنوا، ويوماً بعد يوم تكسب أنصاراً جدداً من الشعب نفسه.
وقبل ثلاثة أيام كنت أقرأ في جريدة مائة ألف متظاهر مسلح يجوبون شوارع الخرطوم، يهتفون لانتصارات الإسلام على النصارى في الجنوب، وقد علقت جريدة الحياة على هذا بقولها: إن الحكومة سيرت هذه المظاهرة لإرهاب الشعب، فقلت في قلبي: سبحان الله! هذا هو الشعب، هذا الذي يتظاهر هو الشعب نفسه، وإذا كانوا اعترفوا بأن العدد مائة ألف فعلينا أن نتصور أن المتظاهرين الذين يجوبون شوارع الخرطوم يزيدون على خمسمائة ألف، كلهم يهتفون: الله أكبر، وينادون بحكم الإسلام.
الإسلام ينتصر يوماً بعد يوم في السودان، على الصعيد الاقتصادي تم إلغاء الربا في جميع البنوك، ومع ذلك حقق الاقتصاد السوداني ارتفاعاً في المعدلات ما حققه منذ سنين طويلة، وحقق استغناءه عن جميع المعونات التي تأتي سابقاً عن طريق التسول من الدول العربية أو الأجنبية أو صندوق النقد الدولي أو غيره.
وحقق انتصاراً على صعيد الزراعة، سواءً زراعة الذرة أو السكر أو القمح أو غيرها، وأنتم تعلمون اليوم أن السكر السوداني يباع حتى في هذا البلد، وفي جميع البقالات تجد السكر السوداني يباع وبأسعار منخفضة، مع أننا نعرف أنه قبل ذلك كان المواطن السوداني لا يستطيع الحصول على السكر إلا بجهد جهيد.
ومثل ذلك اللحوم السودانية التي أصبحت تصدر إلى كل مكان، بل أصبحت تدفع هي وتدفع الذرة، ويدفع أيضاً أشياء من المنتوجات تدفع إلى مواطن في العالم الإسلامي كمعونات مجانية للمسلمين المحتاجين، سواءً في أفغانستان، أو في البوسنة، أو في بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي، أو في العراق، أو في غيرها، فضلاً عن أن الشعب أصبح يتعاطف مع حكومته بشكل كبير، ويشعر بأنها تلبي طموحاته.
وآخر خبر سمعته: أن الحكومة في السودان أنشأت وأعلنت ما يسمى بشرطة الآداب، وهي عبارة عن هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مهمتها القضاء على الفساد، ومحاربة المفسدين، وقطع دابرهم، ونشر الفضيلة بين الناس، وأن الحجاب الشرعي فرض على البنات في المدارس جميعاً كمرحلة أولى لفرضه على المجتمع كله، وهم يقولون: إن الأم التي تلزم بنتها بالحجاب، وتصلح الحجاب وتديره على وجهها ورأسها، من الصعب جداً أن تحجب بنتاً في الثالثة عشرة من عمرها، ثم تخرج الأم سافرة متبرجة إلى الشارع، فضلاً عن محاولات أخرى لتطبيق الإسلام.
وأنا لا أقول: إن الإسلام يقوم تماماً في السودان، فإن تطبيق الإسلام أمر يتطلب وقتاً كبيراً، وجهداً كبيراً، وصبراً، وتعاوناً من المسلمين في كل مكان، ولا زال هناك ثغرات سواءً في مجال الإعلام، أو في مجال الدعوة إلى الله، أو في مجال تربية الناس على الإسلام، أو في غير ذلك، لا زالت جهود كبيرة تتطلب التعاون.
إضافة إلى أننا نتخوف من الأصابع الإيرانية التي تعمل داخل السودان، وتبذل مجهوداً، وتستغل الفراغ الذي أحدثه تخلي المسلمين جميعاً عن هذه الحكومة الصادقة في دعوتها إلى الإسلام، أقول هذا حسبما أعلم وأتيقن من ذلك إن شاء الله تعالى، فتحاول إيران أن تنشر شيئاً من مذهبها، أو تنشر كتبها، أو تقيم بعض المؤسسات والمراكز العلمية والإعلامية والثقافية.
على كل حال هناك جهود كبيرة تدل على نجاحات لم يكن الغرب يتوقعها قط في السودان، وهذا يجعله في الوقت الذي يهون فيه من شأن الإسلام، وعدم قدرة الإسلام على حل المشكلات، إلا أنه ليس لديه استعداد أن يمنح الإسلام فرصة ليجرب، هل يملك الإسلام حلولاً في عهد عمر البشير كما كان يملك حلولاً في عهد عمر بن الخطاب أم لا؟ ليس لدى الغرب استعداد أن يجرب ذلك.
الدراسات المتظاهرة بالاعتدال
أما النوع الثالث من الدراسات الغربية فهي الدراسات التي تحاول أن تقدم نفسها على أنها دراسات موضوعية معتدلة، وتحاول أن تفرق بين الطوائف الإسلامية أو المجموعات في منهجها وفي موقفها من الغرب، وفي موقفها من التحديث وفي غير ذلك، وبالتالي تحدد إمكانية التعامل مع هذه الطائفة أو تلك، أو مع هذا النمط أو ذاك، وإن كانت جملة هذه الدراسات تميل إلى منح الإسلام دوراً أكبر في المستقبل.
ملاحظات على الدراسات الغربية في شأن الإسلام
الاعتراف بأن الإسلام له دور كبير في المستقبل
فمعظم الدراسات مجمعة على أن الإسلام له دور كبير في المستقبل، وعلى أن الإسلام يجب أن يوضع في الاعتبار في أي قرار يُتخذ، هذه ملاحظة.
اشتمال الدراسات على توصيات لمراكز صنع القرار في الغرب
الملاحظة الثانية: أن معظم هذه الدراسات تختم بتوصيات وتوجيهات لمراكز صنع القرار في الغرب في كيفية مواجهة ما يسمونه بالصحوة الإسلامية، أو الخطر الإسلامي الأصولي، وعلى سبيل المثال البروفيسور دانيال بايبس قدم بحثاً لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفرد، عنوان البحث أو الدراسة: المسلمون المتعصبون وسياسة الولايات المتحدة، وكان من ضمن التوصيات التي قدمها وختم بها ما يلي:
أولاً: قال: يجب عدم تقديم المساعدة للمسلمين المتعصبين في صفوف المعارضة، مع أن الاتصال بهم مفيد في معرفتهم، والتعرف على ما عندهم، إلا أنه يجب عدم مد يد العون إليهم.
ثانياً: يجب نصرة الحكومات الإسلامية ونصحها بعدم إدخال المتعصبين في صفوفها، إذ إن مشاركة المتعصبين في صفوف الحكومات سوف تؤدي إلى سياسة معادية للأمريكان.
ثالثاً: يجب تخفيض الروابط الأمريكية المعلنة بالحكومات العربية والإسلامية، ولا سيما في البلدان التي تكون فيها حركات متعصبة قوية؛ لأن هذا خطر على تلك الحكومات، وهنا من الممكن أن نقدم التعاون الخفي السري النشط كبديل عن الروابط العلنية المعلنة الواضحة التي تحرج أصدقاءنا في العالم العربي والإسلامي.
ويقول التقرير في النهاية: يجب ألا يقرر الزعماء المسلمون وحدهم طبيعة العلاقة الصحيحة الواجب إقامتها مع الولايات المتحدة، بل على أمريكا أن تحدد وتقرر مثل هذه العلاقة وليس سواها.
إذاً يجب أن تقدم أمريكا صورة العلاقة دون أن يتدخل العالم الإسلامي في المشاركة في ذلك.
الاعتراف بالصحوة الإسلامية
الملاحظة الثالثة: أن الصحوة الإسلامية في كل هذه التقارير حدث فرض نفسه على الساحة، وهذا يذكرنا بالأمر الذي كان يقوله المنافقون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهم أول الأمر ظنوا أن مجيء النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة لن يغير كثيراً من الأحداث، وأنه موقوت، ولكنهم وجدوا أن الإسلام ينتقل من نصر إلى نصر، وما بقي بيت إلا دخله الإسلام، ثم توج ذلك بمعركة بدر الذي خرج الإسلام فيها ظافراً منتصراً، وكانت معركةً حاسمة، فلما حصل ذلك قال عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين: هذا أمر قد توجه، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام.
وهكذا يفكر الغرب اليوم في كثير من مراكزه ودوائره سواء كانت دوائر استخبارات، أو دوائر علمية، أو دوائر سياسية، أن الصحوة الإسلامية اليوم حدث كبير وعظيم بكل المقاييس، وأنها تملك من وسائل العلم والخبرة والإعلام وغير ذلك الشيء الكثير، بل تملك من المؤسسات الاقتصادية والسياسية ومراكز البحث ما يجعلها ذات نفوذ على المستوى الإسلامي الشعبي العالمي.
وبناءً عليه فإنهم يطالبون في كثير من الأحيان بأن تعطى الفرصة للصحوة الإسلامية، يعتبرون هذا أحياناً نوعاً من الاعتراف بها، ويعتبرونه أحياناً أخرى من أجل إزالة البريق واللمعان والجاذبية للإسلام، فإن الإسلام حينما يضطهد ويضيق عليه ويحارب يكسب مزيداً من الأنصار، ومزيداً من المحبين، ومزيداً من المتعاطفين معه، وهم يظنون أن إعطاءه بعض الفرصة سوف يترتب عليها إجهاض للتجربة الإسلامية كما يعبرون.
إننا ينبغي أن ندرك أنه في الوقت الذي تطالب فيه مراكز الإعلام الغربية في عدد غير قليل من دراساتها بإعطاء الإسلام وحملته فرصةً كافية، فإننا نجد أن الكثير من المتنفذين في العالم الإسلامي يتجاهلون الوجود الإسلامي القوي.
ففي مصر مثلاً على رغم القوة الإسلامية الضاربة، ومصر أكبر قوة إسلامية في العالم العربي، وعلى رغم أن أعداد المنتمين إلى الإسلام، بل إلى الصحوة الإسلامية تعد بمئات الألوف، إلا أن الحكومة تمضي قدماً في أسلوب المواجهة الشرسة مع من تسميهم بالمتطرفين، وتعطي أجهزة الأمن أوامر بقتل كل من يشتبه فيه، وما أسهل أن تلصق به تهمة أنه هجم على بعض السواح، أو قتل قبطياً، أو اعتدى على رجل أمن، ومن كان شاكاً في ذلك فعليه أن يذهب ليسأل القتيل عن هذه الدعوى، إنهم يمضون قدماً في ذلك.
ومثله ما نجده في الجزائر اليوم حيث كان إجهاض تلك التجربة الدستورية كما يسمونها الديمقراطية كما يعبرون عنها، ومواجهة الإسلام كان سبباً في تمزق المجتمع، وكان سبباً في دخول المجتمع في دوامة العنف التي لا تنتهي، الاغتيالات، ملاحقة رجال الأمن، قنصهم بطريقة مدروسة ومدربة، وهذا بلا شك سيعود على البلاد كلها بألوان من التمزق، التمزق الاجتماعي، والتمزق السياسي، وإهدار ثروات البلاد وخيراتها، وعدم قدرتها على تحقيق أي برنامج اقتصادي، أو برنامج علمي أو إعلامي أو تعليمي أو عسكري أو غير ذلك؛ لأن البلاد في ظل عدم الاستقرار الأمني لا يمكن أن تصنع شيئاً يذكر، فهكذا كان تجاهل الصحوة الإسلامية في تلك البلاد سبباً لدخولها في متاهات من التمزق، لا مطمع لها في النجاة منها والخروج إلا بالاعتراف بالإسلام كقوة قائمة وضاربة، والتعامل معه بموضوعية واعتدال.
إن الغرب يتحدث عن الصحوة الإسلامية، لا أقول: حديث المعترف بها فحسب، بل حديث المرعوب منها، وهذا يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ).
الأخذ بعين الاعتبار للتطورات والأحداث
وهو يقودنا أيضاً إلى الملاحظة الرابعة: إن الغرب يحسب دائماً حسابه للتطورات والأحداث التي قد لا يمكن قياسها، ولا يمكن التنبؤ بها كما جرب ذلك كثيراً، فهو يدرك أن رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وأن هناك احتمالات كثيرة لمزيد من الرسوخ للإسلام وللصحوة الإسلامية، من هذه الاحتمالات مثلاً:
أولاً: التلاحم بين الشعوب الإسلامية وبين الصحوة، فهم يدركون أن من أخطر الأمور: أن تصحو الشعوب الإسلامية على صوت النذير، وأن تدرك أن نجاتها وأن تحقيق طموحاتها الدينية والدنيوية هو أن تجعل أيديها في أيدي دعاة الإسلام، وهذا لا شك وجد في الجزائر، ووجد اليوم في السودان، وهو على وشك أن يوجد في بلاد كثيرة جداً، مصر مثلاً يوجد تعاطف كبير مع ما يسمى بالجماعات الإسلامية في مناطق الصعيد كلها، بل في مصر كلها، فقد عرفوا أن الذين وقفوا معهم في الزلزال هم من الإسلاميين من نقابة الأطباء ونقابة المهندسين، وكانت أجهزة الأمن تلاحقهم وتقبض عليهم.
واليوم قرأت خبراً أن أجهزة الأمن حاصرت مسجداً من أجل القبض على أحد الشباب، فوقف المصلون كلهم جميعاً بدون استثناء في وجه أجهزة الأمن وقالوا: إما أن تقوم أجهزة الأمن بمغادرة مواقعها، وإلا سوف نواجهها جميعاً، فاضطرت أجهزة الأمن إلى الانسحاب من الموقع، قالوا: وكان جميع المصلين من المتطرفين، فيا سبحان الله! تحول الشعب في مصر كله إلى شعب متطرف على حسب التعبير هذا.
إن الشعب هذا لا يقبل الكلام الإعلامي الذي تردده الصحف عن المتطرفين، الذين لا هم لهم إلا القتل والسلب والنهب والحرق وقتل الناس من غير جريمة، والكذب، وربما وصفتهم الصحف بالخيانة والإجرام، والاعتداء على الأعراض، والاهتمام بالجنس، إلى غير ذلك من قائمة الاتهامات الباطلة التي أصبح الناس يكتشفون يوماً بعد يوم أنه لا رصيد لها من الواقع.
إذاً هناك حملة إعلامية للحيلولة بين الشعوب الإسلامية وبين الصحوة الإسلامية، ومع ذلك فإن الأمر بإذن الله تعالى يتجاوز هذه الحدود والسدود، واستطاع الدعاة إلى الله والمسلمون والمصلحون على رغم التعتيم الإعلامي أن يخاطبوا كثيراً من المسلمين، وأن يصلوا إلى قلوبهم، وأن يقنعوهم بالحقيقة، ويزيلوا عنهم زيف الإعلام العربي الكاذب الذي صور الصحوة أبشع تصوير.
خطر آخر قد يهدد الغرب، وهو وجود نوع من الوحدة الإسلامية التي يتنادى لها العالم الإسلامي كله، العالم الإسلامي الذي يملك أعداداً بشرية تزيد حسب الإحصائيات على ألف مليون إنسان، وهو يتنامى بسرعة وبقوة غريبة، والعالم الإسلامي الذي يملك الثروات الهائلة الطائلة، بل العالم الإسلامي الذي أصبح اليوم يملك حتى الأسلحة النووية كما في دول آسيا الوسطى وغيرها، فضلاً عن أنه يملك قبل ذلك كله الدين والعقيدة التي يمكن أن يغزو بها العالم، ويجتمع عليها وهي عقيدة الإسلام ودين الإسلام، فإن هذا العالم الإسلامي لو توحد، أو وجد نوع من التنسيق الاقتصادي أو العسكري أو السياسي بين حكوماته لكان قوة كبيرة.
وقد يوجد أحياناً نوع من التنسيق، لكن التنسيق الذي يوجد اليوم هو تنسيق في مقاومة الأصولية، وفي حرب الإسلام، كما نجد بالنسبة للاجتماعات التي عقدت لدول المغرب العربي في نواكشوط، وكان همها أن تقوم بإعداد برنامج للوحدة الاقتصادية أو التكامل الاقتصادي، فلما فشلت في هذه المهمة لم تجد بداً من أن تصدر بياناً مشتركاً تحذر فيه من خطر الأصولية الذي يهدد دول المغرب العربي، ومن ضرورة وضع استراتيجية مشتركة لمقاومة الأصولية، يعني: مقاومة الإسلام والقضاء على التطرف والإرهاب وغير ذلك من العبارات والمصطلحات، لا، أقصد لو وجد نوع من الوحدة بين دول العالم الإسلامي على دين الله، الوحدة لحماية الإسلام، الوحدة للدفاع عن أراضي المسلمين، الوحدة لمناصرة قضايا المسلمين.
لقد عجزت أكثر من سبع وأربعين دولة إسلامية في الأمم المتحدة أن تفرض قضية البوسنة والهرسك على مجلس الأمن، ولا أن تنتزع قراراً منه بحال من الأحوال، ولا أن تسمح حتى للمسلمين بأن يشتروا السلاح لأن يدافعوا عن أنفسهم، فهم لا شأن لهم الآن؛ لأنهم دول متفرقة تدور في فلك الغرب وفي ركابه.
لكن لو وجد أحداث معينة جمعت المسلمين، ووحدت صفوفهم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى المنهج الحق، وعلى القيادات الراشدة التي ما دافعت إلا عن دين الله، وما اجتمعت إلا لنصرته، وإلا للمدافعة عن قضايا المسلمين، لو وجد نوع من التنسيق بين هذه الدول الإسلامية، لكانوا قوةً عالمية لا يستطيع أن يقف في وجهها أحد.
الخطر الثالث أو الأمر الثالث الذي يحسبون له حساباً: امتلاك السلاح النووي، إنهم يتكلمون الآن عن إيران في الدرجة الأولى أنها أصبحت قوة نووية في المنطقة، وأصبحت ذات نفوذ فعال، ولكنهم يدركون أيضاً أن الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي يملك عدد منها السلاح النووي، وأنه خلال سنوات ليس بالبعيدة يستطيع المسلمون الحصول على هذا السلاح الذي إسرائيل قد ملكته منذ زمن بعيد.
الأمر الرابع الذي يحسبون له حساباً وهو ليس مفاجأة ولكنه أمر ملحوظ: قضية الكثافة السكانية، إنهم يلاحظون أن المسلمين يتزايدون بشكل كبير في الوقت الذي الغرب فيه يحد من النسل، حتى إنني وجدت في أوروبا في فرنسا في بريطانيا أكثر من يأخذ الإعانات على المواليد من الدول هم المسلمون، أما الغربيون أصحاب البلاد الأصليون فإن الواحد منهم إذا جاءه طفل أو طفلان أو ثلاثة على أكثر تقدير توقف عن الإنجاب نهائياً، أما المسلم فإنك تجد عنده عشرة أو خمسة عشر من الأولاد، ونفقتهم تعتمد على الإعانات التي تدفع لتشجيع النسل، فحتى الإعانات التي يدفعها الغرب لتشجيع النسل ظفر بها المسلمون المقيمون هناك.
وحتى إنه حدثني أحد الدكاترة وكان مقيماً في أستراليا وهي قارة قليلة السكان، وإلى جوارها قريباً منها إندونيسيا أكبر تجمع إسلامي في العالم، أكثر من مائة وخمسين مليون، يقول: إن الأستراليين اليوم يتكلمون عن مجيء المسلمين من إندونيسيا إلى أستراليا واستقرارهم فيها وهيمنتهم واحتلالهم لها، وكأنه أمر يقيني مفروغ منه، وكأنه نزل عليهم فيه نبوءة صادقة لا شك فيها، يتكلمون عن ذلك كلام المستيقن؛ لأنهم يرون أن هذا العدد الكبير المتنامي ليس أمامه خيار آخر أنه سوف يجتاح هذه القارة الخالية أستراليا وسوف يستوطنها، ولذلك فهم يعدون العدة الآن لاستقبال هذه الكثرة الإسلامية.
ومثل ذلك ما قرأت قبل قليل في كتاب التوقع العظيم من ترقب أمريكا وأوروبا مجيء المسلمين من آسيا وأفريقيا إلى تلك البلاد حيث الثروة، وحيث الصناعات الكثيرة، ومثل اليابان أيضاً حيث الصناعات الكثيرة التي سوف تحتاج إليهم، وبناءً على ذلك فإن الإسلام يهدد أوروبا، ليس فقط في العالم الإسلامي بل حتى في عقر دار أوروبا وأمريكا ذاتها.
وجود التباين الكبير بين الإسلام والصحوة من جهة وبين مبادئ الغرب والدول الغربية من جهة أخرى
الملاحظة الخامسة: أن هناك تبايناً واضحاً وكبيراً بين الإسلام والصحوة الإسلامية من جهة وبين الغرب والمبادئ والدول الغربية من جهة أخرى.
هذا التباين يظهر في عدة أمور، أعظمها: الدين، فإن العالم الإسلامي والصحوة تنبثق من دين الإسلام الذي يقوم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعتبر أن أي زيادة في الدين هي من البدع التي تجعله محدثاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
ولهذا منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يطرأ على الإسلام أي تغيير، ولم يدخل في الإسلام أي قانون أو نظام أو حكم جديد، فهو دين كما أنزل، لم تعبث فيه يد التغيير والتحريف، وهذا سر من أسرار عظمته، فبذلك حفظ الأمن، وحفظ الاقتصاد، وظل يقاوم العوادي على رغم ألف وأربعمائة سنة، إذا كان عداوة الشيوعية مثلاً لـأوروبا عمرها سبعون سنة، فإن عداوة الإسلام لـأوروبا عمرها ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة.
الجانب الثاني: النمط الاجتماعي والسلوكي والحضاري الإسلامي المخالف لنمط الغرب، فالغرب يقوم على أساس- مثلاً- الإباحة، يقوم على أساس إعطاء حقوق معينة للمرأة، يقوم على أساس أنماط اجتماعية مختلفة، أنماط سلوكية، أنماط حضارية، موروثات عقلية واجتماعية كثيرة، الإسلام يقيم مجتمعاً متكاملاً بعيداً عنها كل البعد، والغرب ينزعج من أي نمط سلوكي أو حضاري مخالف لنمطه.
النقطة الثالثة: قضية الجهاد في الإسلام، وهي أكثر ما يخيف الغرب، فإن المسلم يؤمن بأن الجهاد قائم إلى قيام الساعة، كما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن المسلم القادر يجب أن يجاهد الكفار والمنافقين حتى يعترفوا بأحد ثلاثة أمور: إما أن يدخلوا في دين الله عز وجل، وإما أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإما فالسيف بيننا وبينهم، وهذه عقيدة مستقرة لدى المسلم، وهي أكثر ما يخيف الغربي؛ لأنه لا يعرف الإسلام إلا من خلال السيف.
ولذلك فإن العالم الغربي يعيش كرهاً شعبياً عاماً للإسلام، فعامة الشعوب الغربية تكره الإسلام، وتكره المسلمين، وتبغضهم، وتخاف منهم، وصورة المسلم أو العربي مجرد ظهورها ولو في التلفزيون مثلاً، أو مشاهدتهم له في الشارع تثير في نفوسهم وقلوبهم التقزز والكراهية والاشمئزاز، وتتداعي في عقولهم مجموعة من المعاني السيئة: اضطهاد المرأة، القتل، سفك الدماء، تعدد الزوجات، الرق.. إلى غير ذلك من المعاني، فضلاً عن مجموعة من الأحداث مثل: خطف الطائرات، الاغتيالات، السفارات، الحرائق.. إلى غير ذلك من الأعمال التي نجح الإعلام الغربي في ربطها بدين الإسلام ليحول بين الإنسان العادي في الغرب وبين الإسلام.
أيضاً هناك القيادات الغربية سواءً كانت قيادات سياسية أو علمية تسعى إلى تعميق الهوة بين الشعوب الغربية وبين الإسلام، وتحاول إثارة مشاعر الغضب كلما هدأ، وهذا كله لا يمنع من وجود أفراد قلوا أو كثروا في تلك المجتمعات وفي تلك البلاد من السذج الذين لا شأن لهم، أو حتى ممن درسوا الإسلام لا يحملون للإسلام كرهاً أو حقداً أو عداوة، ولكنهم يظلون أقلية لا يحسب لها حساب.
وهذا ليس بغريب، ففي المجتمع المكي مثلاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك من بين الكفار من لا يحمل للمسلمين بغضاً، وعبد الله بن أريقط الذي كان دليلاً للرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة مع أبي بكر كان هادياً خريتاً أميناً، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر، وجعله دليلاً له في رحلة الهجرة.
وهكذا يوجد في كل زمان ومكان أفراد قد لا يحملون عداوة للإسلام، أو معلومات مسبقة عنه، أو حقداً عليه، ولكن هؤلاء الأفراد يضيعون في تيار شعبي جارف من العداوة للإسلام، ويضيعون أيضاً في عمليات مبرمجة منظمة تديرها القيادات الغربية لتحريك العداوة للإسلام كلما هدأ.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا هداةً مهتدين، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق