«هين قرشك ولا تهين نفسك»
خباب مروان الحمد
باحث في مركز آيات
قبل مُدَّة اتّصل علي أحد التجار الموسرين، وذكر لي أنّ أحد الآباء تواصل معه، وطلب منه أن يقوم التاجر بدفع القسط الجامعي لتدريس ابنه.
ثم قال لي التاجر: لكن الذي أعرفه عن هذا الشخص أنّه يدّخر مالاً في البنك، يُقارب 15 ألف دولار،
وأنَّني صارحته وقلت له: تطلب مني أن أدرّس ابنك، وأنت تمتلك هذا المبلغ في البنك؟!
فقال هذا الأب: هذا المبلغ أدّخره للأيام السوداء اللي جاية، الواحد ما بعرف إيش رح يحصل معه في الأيام،
فأنا أقسمت ما أحط يدي عليها، ولا أمسّها بشيء، وأنت شخص مغتني ومعك مال، والله يأجرك على معروفك !!
قال لي التاجر: هل يجوز أن أعطي لهذا الشاب القسط الجامعي ووالده يدّخر هذا المبلغ؟
«هين قرشك ولا تهين نفسك»
أجبته بالنفي؛ وأخبرته أنّ هذا الأب يحتاج لمن يعطيه جرعة من كرامة نفس، وعزّة ضمير، وأنّه شحيحٌ بخيلٌ وإلا فكيف يمنع ماله عن ابنه؟
بل إنَّ الواجب عليه الإنفاق على ابنه، وليس النظر إلى المستقبل بقلبٍ مريضٍ غير متكل على ربّه؛
فهو شخصٌ يطمع في أموال الناس، وينسى ما عنده من خير، ويعرِّض نفسه للذل والمهانة في مقامه،
مع أنّ بإمكانه أن يعز نفسه باتكاله على ربّه وحسن الظن به، وينفق من ماله على ابنه،
ومن الأمثال الشعبية الدارجة: «هين قرشك ولا تهين نفسك».
وقد جاءت الأحاديث واضحة في طلب إعفاف الناس عن طلب المال لغير حاجة، والشخص غير غارمٍ، ومن ذلك:
أنّ رسول الله ﷺ قال: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يغْنِهِ اللَّهُ» [ أخرجه البخاري ومسلم]
وأنَّ رسول الله ﷺ قال: «إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانًا، أو في أمر لا بد منه»
[أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان].
وأخبر رسول الله ﷺ عمَّن تحل لهم المسألة، فقال:
«إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو جائحة»
[أخرجه مسلم].
وبين رسول الله ﷺ أنَّ من سأل الناس أموالهم تكثُّراً؛ فإنّما يسأل لنفسه جمراً في جهنم؛ فقال:
«مَن سَأَلَ النَّاسَ أمْوالَهُمْ تَكَثُّرًا، فإنَّما يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ، أوْ لِيَسْتَكْثِرْ»
[أخرجه مسلم].
وأخبر رسول الله أنّ الغني المقتدر أو الشخص القادر على التكسب وهو لا يفعله؛ لا تحلُّ له الصدقة فقد قال ﷺ:
«لا تَحِلُّ الصدقةُ لغَنِيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» [أخرجه الترمذي وأبي داود وسنده حسن]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق