محمد الوليدي
وحين نذكر مارونية هذه الأسرة، علينا ان نتذكر تاريخ هؤلاء بشكل عام منذ وصولهم الى جبال لبنان حين اتخذتهم الحملات الصليبية على العالم الإسلامي كمترجمين وادلاء، بل واشتركوا في العديد من المجازر بحق المسلمين، فهم الذين قادوا عبر فيالق رماة تقدمت الحملة الصليبية على القدس عام ١٠٩٩ حين حاصروها لمدة ٤٠ يوما، ثم اقتحموها وارتكبوا بحق سكانها العزل مذبحة غاية في البربرية والوحشية على مدى عشرة أيام، والتي ذبح فيها نحو مئة ألف مقدسي فأحرقت الجثث وقطعت الأصابع وشقت البطون بحثا عن الذهب كما حولوا المسجد الأقصى لاصطبل للخيول، يصف احد مؤرخيهم وهو غوستا فرانكوروم طرفا من المذبحة ” جنودنا كانوا يخوضون حتى سيقانهم في دماء المسلمين”. (للمزيد راجع المشروع الماروني في لبنان -محمد زعيتر).
في عام ١٧٨٩ عند بدء الحملة الفرنسية على مصر، استقدم نابليون بونابرت العديد من المارونيين لخدمة الحملة ومن بينهم افراد من عائلة الجميل.
وتبعهم عددا كبيرا للعمل في الجيش والامن والاستخبارات وفي مجال الترجمة فيما بعد، كان من اشهرهم جرجس الجميل والذي كان يعمل في القنصلية الفرنسية في الإسكندرية وقتله المصريون لخيانة فيه. ومنهم من استقدمهم الانجليز للعمل معهم حين احتلوا مصر.
وقد مكنتهم فرنسا ومن بعدها بريطانيا من السيطرة على الصحافة والنشر وحتى الفن لهدم مصر من الداخل، وتكفي صحيفة الأهرام التي اسستها عائلة تقلا بميزانية لا تستطيع إقامتها الا دول، وكانت تدافع عن فرنسا وعن الاحتلال الانجليزي علنا مما أدى لحرق مطابعها وايقافها لكن فرنسا إعادتها كما كانت، ثم رأس تحريرها انطون الجميل حتى موته. وغيرها من الصحف المجلات الأدبية والتاريخية والتي قدمت تاريخ جرحي زيدان المسموم، كانت أكثرها في يد المارونيين.
بل سيطروا حتى على الأدباء والمشايخ في مصر بكل الأساليب وحتى الاغواء وخير مثال على ذلك مي زيادة واليسا داغر عشيقتا عباس محمود العقاد، وايمي خير اللواتي قربهن منه ومن غيره من ادباء مصر ومفكريها ومشايخها انطون الجميل، وكان من بين من وقعوا في شباكهم شيخ الازهر مصطفى عبد الرزاق والذي كان من بين عشاق مي زيادة!. (للمزيد راجع كتاب: الهجرة اللبنانية الى مصر- مسعود ضاهر).للتحميل اضغط هنا
المارونيون واحتلال فلسطين
كما استخدمت بريطانيا المارونيون حين احتلت فلسطين ١٩١٧ وذلك في مجال الترجمة وحتى القتال، ومنهم غابي لحود الذي صار له شأنا في لبنان فيما بعد.
عندما جندت فرنسا الماروني يوسف كرم لإعلان الثورة في لبنان ضد الدولة العثمانية عام ١٨٦٠ وارتكبوا مجازر بحق المسلمين والدروز في لبنان، تم الرد عليهم وهزموا شر هزيمة، مما اضطر بعضهم للهروب الى مصر خوفا من الانتقام وكان من بين الذين هربوا والد بيار الجميل (المولود في مصر ١٩٠٥) مؤسس حزب الكتائب الذي سبب الحرب الأهلية في لبنان مما أدى لدمارها الذي لم تقم منه حتى يومنا هذا.
معظم هذه الاسر المارونية في مصر مكنها الاستعمارين الفرنسي والبريطاني من الثراء الواسع وفتحوا لهم آفاقا من الأعمال ذات الثراء السريع، والذي حولها لأسر اقطاعية تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في مصر وفلسطين وهي التي باعوها في فلسطين، فيما بعد للمؤسسات الصهيونية. فكانت هذه الاسر المارونية في مصر أو لبنان اكبر عون للحركة الصهيونية وجرت العديد من الاتفاقات ما بين المارونيين والحركة الصهيونية من اجل تقاسم بلاد الشام، كاتفاقهم ان تكون فلسطين لليهود ولبنان للمسيحيين وسوريا للمسلمين.(للمزيد راجع المتاهة اللبنانية – رؤوفين إرليخ).
وبلغ بالرئيس اللبناني اميل اده ان يبارك لحايبم وايزمان عام ١٩٣٧ بالدولة اليهودية مقدما وعرض عليه جبل عامل من لبنان كهدية للدولة اليهودية المخطط اقامتها، لكنه طلب منه مبلغا كبيرا من المال فيما بعد. (اميل اده ماروني ابن مترجم وخدمات أخرى لصالح السفارة الفرنسية في دمشق).
أعادت فرنسا بعض المارونيين من مصر إلى لبنان لحاجتها اليهم في موطنهم وكان من بين العائدين بيار الجميل. فقد صاروا في مرحلة قوة كي تحكم لبنان كما انها صارت محمية بدستور فرنسي منح الحكم لهم (للمارونيين) مع ان السنة اكثر منهم والشيعة اكثر منهم ايضا، لكنها ارادة فرنسا.
بيار الجميل أسس حزب الكتائب
اسس بيار الجميل حزب الكتائب واختار له اسم احد كتائب الزعيم الإسباني الفاشي فرانكو ( تخيلوا ان الغرب والصهاينة حاربوا الفاشية والنازية في أوروبا لكنهم سمحوا بها من خلال المارونيين حتى يومنا هذا وفي قلب العالم العربي)، ومع ان الأسلوب الذي أدير به هذا الحزب من قبل بيار الجميل وولديه من بعده، لم يرق لأسلوب هذه الحركات وتنظيمها مع اجرامها ودناءتها، فقد بدأ بمافيا عائلية تجردت من كل خلق بشري، وظل على هذا الحال حتى يومنا هذا.في عام ١٩٤٨ عندما هجر الشعب الفلسطيني من وطنه وتشتت في أماكن عديدة من بقاع الأرض، في أسوأ مؤامرة يتعرض لها هذا الشعب في العصر الحديث، وكان من الاشد تؤامرا عليهم مع الانظمة العربية التي غرزها المستعمر على صدور الشعوب العربية، كان المارونيون، والذين تعاونوا مع الحركة الصهيونية منذ خطواتها الأولى في فلسطين من خلال بيع الأراضي التي امتلكوها في فلسطين ومن خلال التجسس لصالحهم، وقبل ذلك من خلال مساعدتهم للاحتلال البريطاني لفلسطين عام ١٩١٧ الذي أدى فيما بعد لتسليم فلسطين لليهود.
وحين استقبلوا الشعب الفلسطيني في لبنان لم يكن ذلك لسواد عيون الشعب الفلسطيني بل من اجل تسهيل اعلان الدولة اليهودية الجديدة واخلاء مكان للضيوف الجدد.
هذا وطنكم فأهلا وسهلا
ففي عام ١٩٤٨ استقبل الرئيس اللبناني بشارة الخوري جموع اللاجئين الفلسطينيين بحرارة على الحدود اثناء لجوءهم المر، مرحبا بهم قائلا “هذا وطنكم فأهلا وسهلا”!. وكان قد قبض مسبقا ثمن “استضافتهم” من الحركة الصهيونية والامم المتحدة.
وفي هذا يكونوا قد اعطوا الأمان للاجئين الفلسطينيين بالحماية. وما ان استقر الحال والتقط اللاجئون الفلسطينيون انفاسهم بدأوا بحياة جديدة، فاسس احد اللاجئين الفلسطينيين وهو العبقري لاقتصادي يوسف بيدس بنكا وضع فيه اللاجئون اموالهم التي استطاعوا النفاذ بها، وتحول البنك لأكبر مؤسسة اقتصادية في لبنان، بل صار فيما بعد من اكبر المؤسسات المالية في العالم، لذا تحرك حكام لبنان ومعهم الكيان الصهيوني وبريطانيا وفرنسا من اجل تدمير هذه المؤسسة الاقتصادية التي استقوى بها الفلسطينون في لبنان، (كشف فيما بعد عن دور سعودي في انهيار البنك عبر كمال ادهم).
وانهار البنك أو بالأحرى نهب عبر حيتان المارونيين ومن تعاون معهم. وبهذا يكون يكون اللاجىء الفلسطيني بعد ان نكب في خسارة وطنه السليب يكون قد نكب من جديد في لقمة عيشه وعلى يد المضيف!. اما مالك البنك يوسف بيدس فلم يتحمل الظلم الواقع عليه فمات قهرا. (للمزيد راجع كتاب: امبراطورية انترا وحيتان المال في لبنان- كمال ديب)
ولم يكن في البنك فقط اموال الفلسطينيين في لبنان بل كانت هناك ودائع من فلسطينيين في غزة والضفة الغربية ومن فلسطينيي الداخل.
بعد ان نهبت اموال الفلسطينيين في لبنان لم يتبق سوى لحم الفلسطيني، فأسست كبار الاسر المارونية ميليشيات لهذا الغرض، كالكتائب التابعة لعائلة الجميل والقوات اللبنانية ايضا كانت تتبع لهم قبل ان تستقل عنهم، وميليشا الوطنيين الأحرار التابع لكميل شمعون وميلشيا المردة التابع لسليمان فرنجية وحراس الأرز التابع لاتيان صقر، وميليشيا جيش لبنان الجنوبي التابع لسعد حداد، وميلشيات صغيرة هنا وهناك، وجميع هذه المليشيات تلقت دعما من الكيان الصهيوني من التدريب والسلاح واللباس وحتى الطحين!.
بدأت الكتائب اللبنانية بزعامة بيار الجميل وولديه امين وبشير بالتحضير لعملية التخلص من “الفلسطيني” عبر مشروع كبير تم ما بين الكيان الصهيوني والمارونيين ولم يتبق سوى الشرارة من اجل البداية.
الشرارة انطلقت من هنا
وكانت الشرارة قد جاءت بقتل مدبر لأحد رجال الكتائب وهو جوزيف ابو عاصي في ١٩٧٥/٤/١٣ وذلك على خلاف سابق ما بين الكتائبيين وميلشيا الاحرار على موقف للسيارات المصادرة كان قد استولى عليه ابو عاصي، وأتهم بيار الجميل الفلسطينيين بقتله.(١)
وعلى أساس هذا الاتهام الباطل قامت ميليشا الكتائب وميليشيا الاحرار بإيقاف باص وقتلوا ٢٦ راكبا فلسطينيا فيه مع عدد من الجرحى، لتبدا الحرب الأهلية والتي استمرت ١٥ عاما.
وفي ١٩٧٥/١٢/٦ ارتكبت نفس هذه الميليشيات المارونية مجزرة السبت الاسود وبناء على تهم باطلة، حين قامت بوضع نقاط تفتيش في منطقة مرفأ بيروت، وقتلت المئات من الفلسطينيين والمسلمين اللبنانيين بناء على بطاقات الهوية.
ثم جاء دور مجزرة مخيم تل الزعتر حين حاصرته هذه المليشيات المارونية عام ١٩٧٦ لمدة ٥٢ يوما، ثم بدأت بالتعاون مع الجيش السوري وضباط من الجيش الإسرائيلي، فمات العديد منهم جوعا وعطشا ومنهم من اضطر لأكل لحم القطط والكلاب، وبعد ذلك قامت هذه الميليشيات وبتطويق من الجيش اللبناني عبر الجنرال ميشال عون، بقصف مكثف على المخيم عبر الطيران السوري، حتى اضطر للاستسلام ومع استسلامه ارتكبت بحق سكانه العزل مجزرة يندى لها الجبين، وقد كشف المجرم الصهيوني شارون اثناء التحقيق معه من قبل لجنة كاهان الخاصة بصبرا وشاتيلا عن اسباقية الرئيس اللبناني الأسبق امين الجميل بارتكابه مجزرة تل الزعتر على الأرض، اي انه صاحب خبرة بارتكاب المجازر، وقد كشفت صور لأمين الجميل على أبواب المخيم قبل اقتحامه.
كما شهد احد اطباء مخيم تل الزعتر والذي نجا باعجوبة وهو د. يوسف عراقي من ان امين الجميل قد حقق معه شخصيا وقت المجزرة، وقال “رأيت ضحايا قتلت ذبحا ومنهم من تم تقطيعهم، قتلوا الأطباء وممرضاتي امام عيني، رايتهم بعد قتل الضحايا يفتشون جيبوبهم ويأخذون ما فيها”.
“كان احد القتلة مخمورا وياتي دوما ليمسح ساطوره من الدم ثم يعود للذبح من جديد” ، “كانوا فرحون بالانتصار وهم يتلذذون بذبح الضحايا كالاغنام وسحلهم”.
ولم يكن دور امين الجميل قد توقف على ارتكابه المجزرة في الداخل بل اشرف على قتل العديد منهم على الحواجز خارج المخيم.
كما احضر قائد ميليشيا حراس الارز اتيان صقر عددا من السيارات من اجل جر الضحايا والتمتع بهذا المنظر وكان يقوم هو والميلشيات المارونية الأخرى بقطع جزء من اذن الضحية لالصاقها باحزمتهم او تعليقها كميدالية.
احد شهود العيان على مجزرة تل الزعتر وهو “وائل محمد عباس” تحدث عن غرباء كانوا يأتون مع الميليشيات ليختاروا أطفالا وشبابا من بين الطوابير ويأخذونهم دون عودة. كما تحدث احد شهود المجزرة وهو الكاتب الفلسطيني ياسر علي عن مئات الأطفال الذين خطفوا من قبل هذه الميليشيات وتم بيعهم في دول الغرب.
ما لا يقل عن ٤٢٨٠ شهيدا كانوا ضحايا المجزرة التي ارتكبت على أيدي هؤلاء البرابرة المتوحشين في مخيم تل الزعتر وحتى الضحايا لا زالوا تحت الاتقاض حتى يومنا هذا.
ونصف هؤلاء استشهد بعد الاستسلام حين تعهد امين الجميل بأنه لن يمس سكان المخيم ولا جرحاه فيما لو استسلم وذلك عبر رسالة وجهها لصبري الخولي مبعوث جامعة الدول العربية والتي يبدو أنها كانت متواطئة بشكل او بآخر مع القتلة.
ومع هذا التوحش الماروني ضد اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين، الا ان هذا العالم المتوحش ايضا هرع لمساعدة هؤلاء المارونيين، الكيان الصهيوني تبنى هذه المليشيات وبالاخص بشير الجميل الذي قاد مجزرة تل الزعتر ومن ثم اوصلوه للرئاسة، وقبل ذلك قدموا له ما يريد من سلاح وتدريب وبعض الدعم المادي، كما قدمت لهم المخابرات الأمريكية العديد من صفقات السلاح ما قبل المجزرة وما بعدها، كما استلمت هذه الميليشيات المارونية من السعودية قافلة من شاحنات الأسلحة عام ١٩٧٤، كما اعترف داني شمعون بأنه استلم من انور السادات بعد مجزرة تل الزعتر قنابل مدفعية من مخزون الجيش المصري، كما اعترف ايضا انه تلقى اسلحة بملايين الدولارات ما بين عامي ١٩٧٤ و١٩٧٥، واعترف ايضا انه قبض من الامير فهد نصف مليون دولار بعد المجزرة وان كان هذا المبلغ المقدم لداني شمعون فكم قدم فهد لحليفه بيار الجميل وولديه؟!، كما ذكر وليد جنبلاط من ان المخابرات الأمريكية والكيان الصهيوني منح هذه الميليشيات المارونية ٢٥٠ مليون دولار فقط في عام ١٩٧٥. راجع للاستزادة (الحرب الأهلية اللبنانية .. لماذا اندلعت ومتى بدأت حقاً؟- صقر ابو فخر. العربي الجديد. ٢٠٢٠/٤/١٣).
مخيم تل الزعتر وفظائع ما جرى فيه
بعد مجزرة مخيم تل الزعتر وبعد ان اعتبرت هذه الميليشيات ان ما فعلته بطولة، بعد ٥٢ يوما من حصار مخيم اعزل بمساحة كيلو متر مربع ومع قوة جيشين، السوري واللبناني ودعم خارجي من الكيان الصهيوني وامريكا ودول عربية، ومع كل هذا صار لهذه الميليشيات الوحشية شأنا في هذا الزمن المقزز!.
وحين ازداد الدعم المادي والعسكري بدأت تظهر هذه المليشيات على حقيقتها والتي تبين انها ليست سوى مافيات عالمية وبالذات تلك التي اسسها بيار الجميل ويدير أعمالها ولديه بشير وأمين، بشير للامور العسكرية وأمين لامور تجارة المخدرات وتصنيعها وتهريبها بمعاونة والده.
لم تترك مافيا عائلة الجميل اي وسيلة شرعية كانت او غير شرعية من اجل سيطرتها على لبنان وفرض قوتها، كي تفعل ما تريد، فتعاونت مع جل استخبارات العالم ومع مافياتها، وقد تحدث مؤلف “عاهرات الحرب” الأسترالي ويلفريد بورجيت من ان المرتزق الفرنسي المجرم جان كاي كان يرتبط بعلاقة وثيقة مع بيار الجميل وسليمان فرنجية قبل ان يصبح رئيسا، وهو الذي قام بتدريب ميليشيات الكتائب في منتصف سبعينات القرن الماضي، وجان كاي كان فرنسيا يعمل مع فرقة الإعدام السرية ضمن الجيش الفرنسي في الجزائر وهي فرقة رعب اذاقت الويل لاحرار الجزائر، ومن ثم عمل مع الفاشيين في اسبانيا ثم استقدمته عائلة الجميل ليقدم لها “خدماته”، وهو نفسه الذي سرق في منتصف السبعينات مليون ونصف دولار من شركة داسو الفرنسية وهرب بها إلى لبنان حيث قدم بعض المبلغ للكتائب.
ولعل ابلغ ما وصقتهم به الكاتبة سولومي اندرسن في كتابها “ابنة الرهينة” حين قالت”ان عائلة الجميل تتزعم عصابة إجرامية تتكون من الزعران القتلة الطائفيين والغاصبين وسلموهم سلاحا!”.
في ٩ ابريل ١٩٨٠ اعتقلت الشرطة الإيطالية جان مايكل الجميل عندما عثر على كيلو غرام من الهيروين النقي معه، وذكر اثناء التحقيق انه تاجر سلاح وانه يريد شراء اسلحة لصالح ميليشيات الكتائب، حاول السفير اللبناني في إيطاليا انقاذه ولكن حكم عليه بالسجن ٩ سنوات.(٢)
كما وصف الضابط الإسرائيلي د. جاك نيريا من ان بشير الجميل عبارة عن ازعر فاشل دراسيا واحتاج لعشرين عاما حتى ينهي التوجيهية، وانه جبان جدا، ودلل على جبنه بحادثة حين اخذ ضباط الموساد في جولة في بيروت وحين استمع لرصاص قناصة في الشارع أوقف الموكب وترك ضيوفه هاربا نحو قاعدة اسمنتية ليحمي نفسه خلفها.
كما يصف بيار الجميل ابنه بشير في لقاء مع “الصحفية” بربارة نيومان (عشيقة بشير اليهودية) بأنه سيء خلق وانه حين كان صغيرا يتلقى عدة اتصالات ليلا تتعلق بمشاكل يقوم بها، كما ذكرت امه انه كان يؤذي ضيفاتها حين كان صغيرا حيث كان ينخزهن من الخلف!.وهذا الازعر من اوكلت له الأمور وصار يتحكم بكل واردة وشاردة في لبنان.
في عام ١٩٧٨ اختلف مع شريكه في مجزرة تل الزعتر والمجازر الأخرى طوني فرنجية، ولكن هذه المرة حدث الاختلاف على الموانىء التي من خلالها كانوا يستلمون السلاح ويهربون عبرها المخدرات، فكان طوني فرنجية بسطوة والده الرئيس سليمان فرنجيه، قد سيطر على موانىء اكثر من نصيبه كما بلغت تجارته من المخدرات ٣٠٠ مليون دولار سنويا، لذا ارسل له بشير الجميل بقوة من ميليشياته بقيادة سمير جعجع واستطاعوا اقتحام بيته وقتلوه بطريقة في غاية البشاعة، حيث افرغوا ٢٤ رصاصة في جسد طفلته جيهان امام ناظري والديها ثم قتلوا والدتها بنفس الطريقة ثم قتلوا والدها ولم يتركوا حتى الخادمة وكلب المنزل، مع ٢٩ شخصا من ميليشياته “المردة”.
وفي عام ١٩٨٠ تعرض لمحاولة اغتيال يبدو ان النظام السوري كان خلفها، ولكن ابنته مايا قتلت في التفجير، فالقى كلمة تحدث فيها عن اغتيال ابنته وفي نفس الكلمة تحدث عن أسرى فلسطينيين كانوا تحت يده حيث امر بنقلهم الى مكان آخر وما ظهروا ابدا، مما يوحي انه يتهم الفلسطينيين بقتلها. كما عين في نفس اليوم ايلي حبيقة مسؤولا أمنيا لديه وهو المعروف بأنه عبارة عن حيوان متوحش مركب، وصفه تقرير من المخابرات الأمريكية التي دربته بأنه “قاتل بالفطرة”!. والاعجب انه حين اتفق النظام السوري والإسرائيلي على التخلص من بشير فيما بعد لم يجدوا لهذه المهمة سوى ايلي حبيقة نفسه، فاطاع!.
في عام ١٩٨٢ قتل بشير الجميل بعد انقلابه الشهير الذي صار فيه رئيسا بقوة السلاح والابتزاز والرشاوى، وقتل فيه مع عشرات من أعضاء الكتائب.
مجزرة صبرا وشاتيلا
وسرعان ما اتهم فيها الفلسطينيون كالعادة، فكانت مجزرة صبرا وشاتيلا، والتي تم الاتفاق مع شارون على ارتكابها مسبقا مع نفس القتيل بشير الجميل.
بعد مقتل بشير الجميل بدأ التحضير لوضع شقيقه امين بدلا منه، والذي وافق على كل شيء مقابل هذا المنصب الذي نزل عليه من السماء، وحتى ما كان بيغن وشارون قد جند بشير سابقا من أجله وتم الاتفاق على القيام به عبر مراحل، وقع عليه امين الجميل على وجه السرعة. ومنها “تنظيف” صبرا وشاتيلا! وعقد اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، فصار رئيسا!.
عندما سألت لجنة كاهان التي حققت في صبرا وشاتيلا، المجرم شارون عما اذا تم استخدام كلمة “الثأر ” مع امين الجميل ووالده بيار وقادة الكتائب، اثناء تشييع جثمان بشير الجميل، أجاب شارون بنعم وأكد انها وردت على لسان امين الجميل بتاريخ ١٥ أيلول (١٩٨٢). كما اثبت عدة شهود ان اعضاء وحوش ميلشيا الكتائب كانوا يشحذون خناجرهم وسكاكينهم وبلطاتهم استعدادا للمجزرة. وكانت الجلسة بحضور شارون ومساعديه مع امين ووالده بيار الجميل وبحضور ايلي حبيقة وفادي افرام زوج اخت امين الجميل من قادا المليشيات المارونية البربرية التي ارتكبت مجزرة صبرا وساتيلا على الأرض.(٣)
والتي ارتكبوا فيها من ١٦ وحتى ١٨ أيلول ١٩٨٢ مجزرة يندى لها الجبين وبوحشية حيوانية مركبة اخرجتهم عن نطاق الإنسانية للأبد، وكشفت للعالم اجمع عن بربرية هؤلاء المارونيين وعلى رأسهم هذه العائلة المافاوية “الجميل”.
بعد صدمة العالم من الوحشية التي ارتكبت بها مجزرة صبرا وشاتلا، طلب شارون من امين الجميل أن يتحمل المسؤولية، فرجاه الجميل ان لا يخرب عليه فرحته بالرئاسة وان ينسى الموضوع لأن صبرا وشاتيلا صارت من الماضي وان يتعامل مع الامر بالصمت!.
وحكم امين الجميل من ١٩٨٢ وحتى ١٩٨٨، كانت اسوا سنوات الحرب الأهلية اجراما والتي لم تنته الا بتركه الحكم.
رفض امين الجميل التحقيق في المجزرة، بل قرب كل مرتكبيها على الأرض منه واستخدمهم في حربه المافياوية التي ستاتي فيما بعد، وحتى اراد خداع العالم بالتحقيق في المجزرة انتهى الامر باغبى تقرير قضائي فاضح في التاريخ. وحتى حين سئل امين الجميل عن التقرير المرفوع اليه (تقرير اسعد جرمانوس) فيما بعد قال إنه احترق في “بيت المستقبل” حين نهب.(٤)
قتل على الهوية، وخوات وابتزاز واختطاف على الحواجز وبيع جثث ودفن نفايات سامة ونهب مرافىء ونهب بضائع سفن الترانزيت عبر موانىء لبنان واختطاف بواخر، ونهب مؤسسات، هكذا كان عهد امين الجميل، فالبلد آل مصيرها لحكم هذه “العائلة” الجميل.
ما بين عام ١٩٨٦ الى عام ١٩٨٩ قامت عائلة الجميل (عهد الرئيس امين الجميل) عبر القوات اللبنانية بخطف ١٤٠ باخرة من شواطىء لبنان كانت في طريقها الى المحيط الهندي.(٥)
وقد وصف ريمون اده حكم امين الجميل “للبلد رئيسان الابن والاب، وللجيش قائدان واحد للجيش النظامي والآخر للقوات اللبنانية وكلاهما تحت يحكمهما الجيش الإسرائيلي والعائلة تحكم الكتائب والكتائب تسيطر على جزء من الشعب وتسير الشرعية واللاشرعبة معا”.(٦)
عندما استجلى ثوماس فردمان في كتابه من “بيروت الى القدس” الآراء عن امين الجميل من الداخل، وجد انه كان يسمى في بداية شبابه ب٢%، لأن هذه النسبة التي كان يتقاضاها على المشاريع الكبيرة في بيروت الشرقية. (ص. ١٧٧) وذلك بسطوة والده وشقيقه الاصغر بشير قبل ان يختلف معه، والطبع تحولت هذه النسبة الى شراكة فيما بعد حين صار له شأنا في هذا الزمن الاغبر.
كما ذكر فريدمان بأن امين الجميل كان “يهتم بتصفيف شعره اكثر من أمور الدولة”. وانه (احيانا منغمس في اللذات واحيانا “تاجر” وفي الحالتين صفر) كما يتحدثون عنه من هم على اطلاع.
وذكر ايضا بأن الجميل حول قوات المارينز الأمريكية كمليشيا وبدلا من استخدامها كعكاز لإعادة بناء بلده استخدمها في ضرب المسلمين”. (٧)
ما ان استقر لأمين الجميل الحكم في لبنان حتى قام بإرسال ميليشياته الى بيروت الغربية والتي اختطفت مئات الفلسطينيين بل هناك من يوصلها للالوف ومعهم العديد من مسلمي لبنان تلك الأكثرية المغبونة دوما، وكأن امين الجميل لم يرتو من الدم الذي سفك في صبرا وشاتيلا، استطاعت امرأة فلسطينية ان تصل اليه، كانت مافيا الكتائب التابعة له قد قتلت زوجها واختطفت اولادها الثلاثة من مخبزهم في بيروت الغربية، فقال لها امين الجميل بالحرف: ” أولادك لن يعودوا إليك حتى تحل مشكلة لبنان الحل الاخير!” تقول المرأة لم انس كلماته هذه حتى اليوم.( ٨)
صرخات وعويل الأمهات اللواتي لبسن السواد بقية اعمارهن واللواتي احترقت قلوبهن وهن يفتشون عن أولادهن وازواجهن المفقودين، ان كانو من مفقودي تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، او ممن امر بخطفهم امين الجميل حين صار رئيسا، وكن يرفعن النداء تلو النداء اليه عل ضميره يستيقظ ويخبرهن عن مصير فلذات كبدهن وازواجهن والذين لم يعرف لهم أثرا حتى يومنا هذا، قتل ابن امين الجميل فيما بعد وعرف طعم مرارة فقدان الابن، الا انه لا زال يتكتم على مصير المفقودين.
في ١٩٧٧/١١/١٥ التقى امين الجميل بفيليب حبيب والذي كان يشغل حينها نائب وزير الخارجية الأمريكي، وقد خرج فيليب حبيب بانطباع عن الجميل بأنه يتمنى لو يختفي كل الفلسطينيين من لبنان.( ٩)
ثم ارسل صديقه وشريكه في العديد من “البزنس” روجيه تمرز والشريك ايضا مع “المافيا الصقليه”، كي يستولي على ما تبقى من بنك انترا الفلسطيني، وهذا البنك وان كان قد انهار سابقا الا انه لا زال يعمل عبر شركة انترا للاستثمار وبنك المشرق، وقاما بالاستيلاء على مدخراتها لصالح امين الجميل، وكافأه على ذلك بتقديم ترخيص (وربما شراكة) لافتتاح بنك جديد والذي قام تمرز بنهب مدخراته مع نهاية حكم امين الجميل وهرب، ولا زال مطلوبا للقضاء اللبناني والانتربول الدولي على خلفية جرائم مالية عديدة في العديد من دول العالم.
الا ان شريكه امين الجميل لم يسئل عن كل هذا، انه القضاء اللبناني أغرب قضاء شاذ في التاريخ!.
في عام ٢٠١٤ كشفت الصحافة الإيطالية من ان السلطات القضائية كشفت عن اسم الرئيس اللبناني السابق امين الجميل في قضيتين تتعلقان بعصابات المافيا في سيشلي، اولها، ان الجميل وعد عبر سياسي إيطالي احد افراد عصابات المافيا الصقلية الهاربين من العدالة بتوفير أوراق ثبوتية له لنقله من دبي الى لبنان وهو فينتشنزو سبيشيالي زوج ابنة اخت امين الجميل والذي انتقل فعلا لبيروت فيما بعد ليلقى القبض عليه هناك.
ايضا ورد اسم امين الجميل في قضية مارسيلو ديللوتري الهارب من العدالة ايضا الى لبنان، وكان الرئيس الإيطالي السابق برلسكوني قد كشفت بالخطأ من انه ارسل مارسيلو ديللوتري الى لبنان بناء على طلب الرئيس الروسي بوتين كي يساعد امين الجميل في إعادة انتخابه. (١٠)
وفي عام ١٩٨٥ كشفت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن استيراد عائلة الجميل للخشاش ومن ثم تصنيعه في بيروت كهيروين ومن ثم تهريبه الى شيشلي (صقلية) ليوزع عبر مافياتها الى اوروبا.(١١)
وكشفت اللجنة ان من يدير تجارة المخدرات لصالح عائلة الجميل لم يكن سوى سامي الخوري والذي كان يشغل المسؤول المالي لأمين الجميل اثناء فترة حكمه لبنان (١٩٨٢- ١٩٨٨) وتخيلوا معي ان هذا المهرب من كانت تصب في يديه بلايين الدولارات مم اجل اعمار بيروت. الخوري يشغل الآن رئيس الاتحاد الماروني العالمي.
كما كشفت عشيقة بشير الجميل الصحفية اليهودية بربارة نيومان التي جندها الموساد لتدرس بواطنه، في كتابها: حب وموت في بيروت، من ان والد عشيقها بيار الجميل قد حاول انقاذ تجار مخدرات ممن يعملون معه حين القي القبض عليهم.
غير سيطرة العائلة منذ زمن بعيد على مزارع واسعة للمارجوانا في وادي البقاع.كان من ضمن القوات اللبنانية التي اسسها بشير الجميل، عصابة تسمى هنود الاباتشي والتي كان يقودها زوج اخت امين الجميل، وكانت لا ترتكب أعمالها الاجرامية في المجازر التي ارتكبتها الا بعد تعاطيها الافيون والذي كانت عائلة الجميل توفره لهم.
وتتبع الكاتب بيل وينبرغ بدايات ظهور تجارة الهيروين في لبنان فوجد ان عائلة الجميل عبر حزب الكتائب كان اول من بدأ هذه التجارة. (١٢)
عندما حاولت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية الضغط على الحكومة الأمريكية من اجل قمع تهريب المخدرات من لبنان، قال احد المسؤولين الأمريكيين بصراحة ان الحكومة الأمريكية غير جادة بقمعها حتى لا تحرج الرئيس اللبناني امين الجميل.(١٣)
بودي ان اقول أكثر ولكنني أطلت على القاريء، ولكن ما كتب اعلاه يكفي للتنبيه عن خطر هذه الأسرة والتي لم يكفها تدمير لبنان بل اجرمت كثيرا في حربها على الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين في حقد عنصري وطائفي بغيض وبنشرها ايضا للمخدرات والرذيلة في العالم العربي بالذات في دول الخليج العربي.
كتب محمد الوليدي
( @mdalwalidi )
١ – التكوين التاريخي لنظام لبنان السياسي الطائفي- إميل شاهين. ص ٢٤٧.
٢.The Lebanese Connection- jonathan Marshall P. 85
٣. Blood libel- uri dan.p163)
٤. ليلة الحراب الدموية- صقر ابو فخر. مقال في السفير. أيلول٢٠١١.
٥. تاريخ لبنان الحديث -فواز طرابلسي ص.٤٠٨
٦. Le monde 14 September 1983
٧. من بيروت الى القدس.ثوماس فربدمان. ص.١٩٤
٨. Beirut outtakes-larry pintak p.7
٩. Wikileaks:1977 November 15 (1977STATE273846_c)
١٠. The guardian 13 Apr 2014
١١. The Last Circle-Cheri Seymour- p. 115
١٢. High times magazine, The Syrian connection. March 1993 Bill weinberg.
١٣.The Lebanese Connection- jonathan Marshall. P. 88.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق