حرب أميركا في أوكرانيا (17) لماذا تصرّ شنغهاي على تغيير النظام؟
اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي جرت الشهر الجاري كانت الأولى التي تنعقد بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، ونخشى ألا تكون الأخيرة. ورغم أن العادة جرت في هذه الاجتماعات أن تأتي كل دولة بأحمالها الخاصة من تعليمات وإملاءات، أو تطلعات وآمال، أو توضيحات وتأكيدات، أو شكاوى ومطالبات، فإن الحرب الدائرة في أوكرانيا، على الرغم من ذلك، ظلّت مخيّمة على الجلسات، وكان الاتجاه الأبرز لدى معظم الدول هو إدانة الهجوم ومطالبة روسيا بإيقافه واحترام سيادة أوكرانيا على أراضيها، في وقت تزايد فيه الخوف الدولي من التصعيد العسكري المتسارع في مستوى المعدّات العسكرية والصواريخ والقذائف المستخدمة.
كانت جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنزلة ضوء أحمر ثانٍ، يؤكد مدى حاجة روسيا والصين إلى التحرك سريعًا لبناء التحالف الخاص بهما، القادر على الوقوف في وجه تحالفات الولايات المتحدة وشراكاتها. وكان الضوء الأحمر الأول قد ظهر في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند منتصف هذا الشهر، التي غابت أوكرانيا والمواجهة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد روسيا والصين تمامًا عن بيانها الختامي.
أكد بيان القمة أن دول المنظمة تتطلع إلى نظام عالمي أكثر تمثيلًا وديمقراطية وعدالة وتعددية في الأقطاب، يقوم على مبادئ القانون الدولي المعترف بها عالميا، والمساواة، والأمن المشترك غير القابل للتجزئة والشامل والمستدام، وعلى التنوع الحضاري والثقافي، والمنفعة المتبادلة، والتعاون المتكافئ بين الدول.
بيان عادي في ظروف استثنائية
لم يكن البيان الذي أصدره زعماء قمة سمرقند الثمانية بمستوى الأحداث الراهنة التي تتعلق بأكبر دولتين في منظمة شنغهاي للتعاون، روسيا والصين. ورغم الإشارة المباشرة إلى أزمة المفاعل النووي الإيراني، والأوضاع الراهنة في أفغانستان، فإن البيان خلا تمامًا من أي إشارة مباشرة إلى روسيا والصين والولايات المتحدة، على عكس الوضوح الذي تتسم به بيانات حلف الناتو على سبيل المثال، الأمر الذي يكشف عن حالة الارتباك التي تلفّ دول المنظمة حول موقفها من الأحداث المتعلقة بروسيا والصين، بسبب علاقاتها الإقليمية والدولية خارج إطار المنظمة، وبالذات مع الولايات المتحدة، على نحو ما أسلفنا في المقال السابق.
ومع ذلك، فقد عبّر البيان بوضوح، ولكن بدبلوماسية عالية، عن وجهة النظر الصينية والروسية من هيمنة الولايات المتحدة على العالم، ومحاولاتها فرض النظام الدولي الذي يحقق مصالحها ويعزز هيمنتها.
فقد تمحورت بنود البيان الختامي للمنظمة حول 3 محاور رئيسة، على النحو الآتي:
أولًا: التحديات
تناولت محاور البيان مجموعة المتغيرات المستجدة التي باتت تشكل تحديات متتابعة تهدد الاستقرار العالمي، في مقدمتها:
- التطور السريع والتحول الواسع النطاق.
- تعدد أقطاب، وزيادة التكتل.
- تسارع وتيرة المعلوماتية والرقمنة والفجوة المتزايدة بين دول العالم.
- عجز النظام الدولي الحالي عن مواجهة التحديات والتهديدات العالمية المعقدة.
- الصراعات والأزمات المحلية القائمة الآخذة في الازدياد وظهور نزاعات جديدة.
- الاضطراب الاقتصادي المستمر في الأسواق المالية العالمية، والانخفاض العالمي في تدفقات الاستثمار، وعدم الاستقرار في سلاسل التوريد، وزيادة التدابير الوقائية وغيرها من الحواجز التي تعترض التجارة الدولية.
- تغيّر المناخ العالمي، وجائحة كورونا، وتأثيراتهما الصحية والاقتصادية والاجتماعية المستمرة.
- التحديات التي تواجه النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والأمن الغذائي.
- التحديات التي تواجه تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030م.
وأكد البيان أن هذه التحديات تستلزم اتباع نهج جديد لتعزيز تعاون دولي أكثر إنصافًا وفعالية وتنمية اقتصادية مستدامة، في تعبير واضح عن وجهة النظر الصينية والروسية، بقوله إن "دول المنظمة تتطلع إلى نظام عالمي أكثر تمثيلًا وديمقراطية وعدالة وتعددية في الأقطاب، يقوم على مبادئ القانون الدولي المعترف بها عالميا، وعلى تعددية الأطراف، والمساواة، والأمن المشترك غير القابل للتجزئة والشامل والمستدام، وعلى التنوع الحضاري والثقافي، والمنفعة المتبادلة، والتعاون المتكافئ بين الدول، مع دور تنسيقي مركزي للأمم المتحدة".
وهو التصور ذاته الذي طالما تحدثت عنه الصين في العديد من المناسبات، وعبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حين قال "إن الولايات المتحدة تصرفت منذ نهاية الحرب الباردة كما لو أنها مبعوث الله على الأرض، ولها الحق المقدس في التصرف من دون عقاب أينما شاءت ومتى شاءت"، وإن روسيا "تسعى إلى تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأطراف، وإن الدول المستعدة للدفاع عن مصالحها تعمل في الواقع على إنشاء مثل هذا النظام".
حرص البيان في الوقت نفسه على إظهار المنظمة بمظهر المؤسسة المنتمية إلى المجتمع الدولي، الحريصة على التعاون مع سائر دوله ومنظماته، وعلى رأسها الأمم المتحدة، والمهتمة بالعدالة والمساواة والمنفعة المتبادلة، وتأسيس مجتمع المصير المشترك للبشرية، والاحترام المتبادل لسيادة الدول واستقلالها وسلامتها الإقليمية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ثانيًا: التأكيدات
حرص البيان في الوقت نفسه على إظهار المنظمة بمظهر المؤسسة المنتمية إلى المجتمع الدولي، الحريصة على التعاون مع سائر دوله ومنظماته، وعلى رأسها الأمم المتحدة، في رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، حيث شدّد البيان على أن دول المنظمة تؤكد ما يأتي:
- استبعاد نهج التكتلات والأيديولوجيات والمواجهات لمعالجة مشاكل التنمية الدولية والإقليمية، ومواجهة التحديات والتهديدات التقليدية وغير التقليدية للأمن.
- أهمية المبادرات لتعزيز التعاون في بناء نوع جديد من العلاقات الدولية بروح الاحترام المتبادل والعدالة والمساواة والمنفعة المتبادلة، وكذلك تشكيل رؤية مشتركة لخلق مجتمع المصير المشترك للبشرية.
- احترام حق الشعوب في أن تختار بشكل مستقل وديمقراطي تنميتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
- التشديد على مبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول، واستقلالها، وسلامتها الإقليمية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
- عدم استخدام القوة أو التهديد كأساس للتنمية المستدامة للعلاقات الدولية.
- الالتزام بالتسوية السلمية حصرًا لحل الخلافات والنزاعات بين الدول بالحوار والتشاور.
- العمل على زيادة تطوير التعاون في مجالات السياسة والأمن والتجارة والاقتصاد والمالية والاستثمار والعلاقات الثقافية والإنسانية.
- الالتزام القوي بمكافحة الإرهاب والانفصالية والتطرف، وقطع قنوات تمويل الإرهاب، وقمع تجنيد الإرهابيين والتنقل عبر الحدود ومكافحة التطرف.
- تؤكد الدول الأعضاء الدور الرئيس للأمم المتحدة في مواجهة التهديدات في فضاء المعلومات، وخلق فضاء إعلامي آمن وعادل ومنفتح، مبني على مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
- ضمان الحقوق المتساوية لجميع البلدان في تنظيم الإنترنت والحق السيادي للدول في إدارته في قطاعها الوطني.
- الرفض القاطع لعسكرة مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- تأكيد الدور الرئيس للأمم المتحدة في مواجهة التهديدات في مجال المعلومات، والترحيب بإطلاق اتفاقية دولية شاملة بهذا الشأن تحت رعاية الأمم المتحدة.
- دعوة الدول الأعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إلى الامتثال الصارم بأحكام المعاهدة، والنهوض الشامل والمتوازن بجميع أهدافها ومبادئها، وتعزيز منع الانتشار النووي.
- أهمية إبقاء الفضاء الخارجي خاليا من الأسلحة بجميع أنواعها، وحظر استحداث وإنتاج وتكديس الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وتدميرها.
- تطوير التعاون العملي في مجال القانون والعدالة، وحقوق الإنسان والحريات وتعزيز العدالة وسيادة القانون.
- العمل على محاربة الفساد بجميع مظاهره لما يشكله من تهديد للأمن القومي والإقليمي، والدعوة لزيادة سلطة الأمم المتحدة ودورها في مكافحة الفساد.
- التعاون في تبادل الخبرات في مجال الحكم والتنمية ومراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والاستفتاءات.
- تأكيد أهمية مواصلة تحسين هيكل الحوكمة الاقتصادية العالمية، ودعم نظام تجاري متعدد الأطراف مفتوح وشفاف ومنصف وشامل وغير تمييزي يقوم على مبادئ وقواعد منظمة التجارة العالمية.
- العمل على خلق مساحة في أوراسيا (قارتي آسيا وأوروبا) للتفاعل الواسع والمفتوح والمفيد للجميع والمتكافئ، وفقا للقانون الدولي، وفي ضوء مراعاة المصالح الوطنية.
ثالثًا: التعاون
بالإضافة إلى ذلك، دعا البيان الختامي لقمة شنغهاي في سمرقند الدول الأعضاء لتعزيز التعاون فيما بينها في كل المجالات: السياسية والعسكرية والأمنية والتقنية والمعلوماتية والاقتصادية والبيئية والصحية والتنموية والتعليمية والعلمية والزراعية والثقافية والسياحية والفنية، إضافة إلى مجالات الطاقة والنقل ومحاربة الإرهاب والوقاية من الأمراض وإدارة الكوارث، مشددًا على:
- الدعوة إلى زيادة تعميق التفاعل مع احتياجات الشعوب، وتحسين رفاهيتهم.
- تعزيز الإمكانات التقنية، وتوحيد الجهود لإجراء البحوث المشتركة بين دول المنظمة.
- تقديم الدعم المالي لأنشطة المشاريع الاستثمارية، ومواصلة المشاورات بشأن إنشاء بنك التنمية التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون وصندوق التنمية التابع للمنظمة.
- إنشاء بنية تحتية للنقل والتكنولوجيا تتسم بالكفاءة والتنافسية، وقد تم اعتماد برنامج تطوير البنية التحتية للدول الأعضاء.
- الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، والعمل على توسيع الربط الكهربائي الإقليمي بين الدول الأعضاء.
- التعاون في مجالات حماية البيئة، والأمن البيئي، وتخفيف الآثار الضارة لتغير المناخ، والوقاية من الأمراض الوبائية العابرة للحدود.
- الاهتمام بالشباب، وإفساح المجال أمامهم للتطور والإبداع والابتكار، والعمل على توفير السبل التي تحول بينهم وبين الانخراط في الأعمال الإرهابية.
- الدعم النشط لمشاركة المرأة في المجالات السياسية والاقتصادية والعامة والاجتماعية وغيرها، والترحيب بمنتدى المرأة ومؤتمر رائدات الأعمال في المنظمة.
(يتبع…)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق