حرب أميركا في أوكرانيا (16)منظمة شنغهاي والتحالف المستحيل
انعقدت القمة الـ 22 لمؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) الأسبوع الماضي في مدينة سمرقند الأوزبكية، في ظروف استثنائية جداً، بسبب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وتطوراته الدراماتيكية المرعبة من جهة، والتوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين من جهة ثانية، واشتداد حملات الشيطنة التحريضية السياسية والإعلامية في الدول الغربية ضد روسيا والصين من جهة ثالثة. فإلى أي مدى استطاعت روسيا والصين استثمار هذه القمة لتعزيز موقفهما في مواجهة الولايات المتحدة والغرب؟ وهل تتحول المنظمة إلى تحالف دولي جديد يعبر عن كتلة بشرية يصل تعدادها إلى حوالي نصف سكان العالم، وتحتل يابسة تعادل حوالي ربع يابسة الكرة الأرضية، واقتصاد يمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي العالمي؟
كانت الصين صاحبة المبادرة في إنشاء المنظمة، ولكن توسعها كان على حساب أهدافها الاستراتيجية الطموحة جداً، والتي تتجاوز الحق في الدفاع عن سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها إلى رفض استمرار النظام الدولي الحالي بزعامة الولايات المتحدة.
بدايات استراتيجية مبكرة
ربما كانت الظروف الراهنة التي تواجهها الصين، هي ما كانت تتوقع حدوثه، عندما بادرت إلى تأسيس مجموعة "شنغهاي 5" (Shanghai 5) عام 1996 في مدينة شنغهاي الصينية، والتي تضم كلاً من الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، بهدف ترسيم الحدود ونزع السلاح بين الصين وهذه الدول الأربعة الحدودية مع الصين، والتي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فقد كانت هذه المبادرة بدايات التحرك الصيني الاستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تحولّت المجموعة بعد خمسة أعوام على إنشائها، إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ومقرها العاصمة الصينية بيجين، بعد أن انضمت أوزبكستان إلى المجموعة عام 2001، وهي دولة ليس لها حدود مع الصين. وسرعان ما توسّعت منظمة شنغهاي للتعاون، لتصبح ذات مكانة إقليمية مؤثرة، بعلاقاتها الواسعة مع العديد من المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية كالأمم المتحدة واليونسكو، ومنظمة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) والصليب الأحمر الدولي، ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA)، ومنظمة التعاون الاقتصادي (ECO).
على مدى خمس سنوات، عملت دول مجموعة "شنغهاي 5" على زيادة التعاون التجاري والعسكري والأمني والثقافي، وتعهدت بمحاربة الحركات الانفصالية والإرهاب الدولي والتطرف الديني في حدودها، ومعارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بذرائع الإنسانية وحماية حقوق الإنسان، ودعم جهود بعضها البعض في حماية استقلالها الوطني وسلامة أراضيها واستقرارها الاجتماعي، ومعارضة استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن، ومعارضة محاولة أي دول أو مجموعات من الدول احتكار الشؤون العالمية والإقليمية. وقد ساهمت مجموعة دول شنغهاي الخمس في تسوية النزاعات الحدودية بينها، وتعزيز بناء الثقة، والتعاون في مكافحة الأنشطة غير المشروعة، وتهريب المخدرات، وفي معارضة ما يرونه "هيمنة" الولايات المتحدة. ومعظم هذه المجالات تمثل منطلقات فكرية أساسية تطورت مع الزمن لتشكل الرؤية الدولية للقوة الصينية الصاعدة.
في عام 2002 وقّعت الدول الست على ميثاق المنظمة في القمة المنعقدة في مدينة "سان بترسبيرغ" في روسيا، والذي حدد عشرة أهداف رئيسية، تلتقي بشكل كبير ما تتبناه الصين وروسيا حالياً، في مواجهة الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وهذه الأهداف هي:
- تعزيز الثقة المتبادلة والصداقة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء.
- تطوير التعاون متعدد الأوجه في الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، وتعزيز نظام سياسي واقتصادي دولي ديمقراطي وعادل وعقلاني.
- المكافحة المشتركة للإرهاب والحركات الانفصالية والتطرف بكل مظاهره، ومكافحة المخدرات غير المشروعة، والاتجار بالأسلحة والأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، والهجرة غير الشرعية.
- تشجيع التعاون الإقليمي الفعّال في مجالات مثل السياسة والتجارة والاقتصاد والدفاع، وإنفاذ القانون، وحماية البيئة، والثقافة، والعلوم، والتكنولوجيا، والتعليم، والطاقة، والنقل، والائتمان، والتمويل، وغيرها من المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
- تسهيل النمو الاقتصادي الشامل والمتوازن، والتنمية الاجتماعية والثقافية في المنطقة، عن طريق العمل المشترك على أساس الشراكة المتكافئة الهادفة إلى زيادة مطردة في مستويات المعيشة، وتحسين الظروف المعيشية لشعوب الدول الأعضاء.
- تنسيق سبل الاندماج في الاقتصاد العالمي.
- تعزيز التمتع بحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، وفقاً للالتزامات الدولية للدول الأعضاء وتشريعاتها الوطنية.
- الحفاظ على العلاقات مع الدول والمنظمات الدولية الأخرى وتطويرها.
- التعاون في منع النزاعات الدولية وتسويتها سلمياً.
- البحث المشترك عن حلول للمشاكل التي ستنشأ في القرن الحادي والعشرين.
في عام 2017 انضمت الهند وباكستان للمنظمة، ليصبح أعضاؤها ثمانية، وتم قبول عضوية إيران هذا العام. وعدا عن الدول الأعضاء، فإن المنظمة تضم كلاً من منغوليا وأفغانستان وبيلاروس، بصفة مراقب، والأخيرة من المنتظر انضمامها كعضو في العام القادم. كما تضم المنظمة كلاً من تركيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسيريلانكا وأرمينيا كدول شريكة في الحوار، وقد أعلنت تركيا أنها تنوي الانضمام إلى المنظمة في المستقبل. وقد وافقت المنظمة في هذه القمة على انضمام الدول التالية كشريكة في الحوار: مصر والسعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين وميانمار والمالديف. كما أعلنت كل من العراق وسوريا وبنجلاديش وفيتنام عن رغبتها في الانضمام إلى عضوية المنظمة.
منظمة شنغهاي للتعاون تفتقد إلى مقومات التحول إلى تحالف مشترك في وجه الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، مما يزيد من صعوبة الموقف الذي تواجهه الصين وروسيا للاستعجال في بناء التحالف الاستراتيجي الذي يعزز موقف كل منهما في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
عقبات في وجه التحالف
كانت الصين صاحبة المبادرة في إنشاء المنظمة، ولكن توسعها على هذا النحو ربما كان على حساب أهدافها الاستراتيجية الطموحة جداً، والتي تتجاوز الحق في الدفاع عن سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها إلى رفض استمرار النظام الدولي الحالي على ما هو عليه بزعامة الولايات المتحدة، على قول الأمين العام للمنظمة في بيجين "تشانغ مينغ" لشبكة الصين التلفزيونية CGTN، بمناسبة انعقاد قمة سمرقند.
ربما ينظر البعض إلى زيادة أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، باعتبارها نقطة إيجابية، من حيث زيادة التأثير الإقليمي والدولي للمنظمة، وزيادة الكتلة الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية التي تمثلها، وما لها في الإنتاج والتنمية والتجارة والاستثمار، إلا أن هذه الزيادة في الوقت نفسه تشكّل عبئاً على المنظمة بشكل عام، ومؤثر سلبي على مصالح الأقطاب الرئيسية المتنافسة فيها، وعلى رأسها الصين وروسيا والهند وباكستان، ثم إيران وتركيا لاحقاً إذا قررت الالتحاق بالمنظمة. هذا التنافس قد يخبو قليلاً عند مواجهة تحديات مشتركة كالتي تواجهها الصين وروسيا وإيران في الوقت الراهن، مما يساعد على تشكيل تحالف مشترك لمواجهة هذه التحديات.
فهل يمكن لمنظمة شنغهاي للتعاون أن تلعب دوراً في تشكيل مثل هذا التحالف، على غرار حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقاً، وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة حالياً؟
يبدو أن الأمر في غاية الصعوبة لأسباب عديدة، نذكر منها:
- تعدد الأقطاب المتنافسة داخل المنظمة، التي أكبر أربع كتل ديمغرافية، وجميعها دول نووية، وهي الصين وروسيا والهند وباكستان.
- تباين مواقف الدول الأعضاء من المواجهة، ومن دور المنظمة ومدى مسؤوليتها في تشكيل مثل هذا التحالف لمواجهة الولايات المتحدة، فباكستان حليفة للولايات المتحدة، والهند علاقتها تتميز بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة، وهي عضو في تحالف الحوار الأمني الرباعي "QUAD" مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، الذي قامت الولايات المتحدة بتشكيله أساساً في مواجهة الصين.
- الخلافات الحادة بين بعض أعضاء المنظمة، فالصين على عداوة تاريخية مع الهند، وما زالت الخلافات الحدودية بينهما لم تحسم بعد، وقد ظهر هذا واضحاً في لقاءات رئيس الوزراء الهندي على هامش القمة، حيث التقى بالرئيس الروسي، ولم يلتقِ بالرئيس الصيني. وكذلك الحال بالنسبة للهند ومع باكستان، والأزمة المزمنة حول إقليم كشمير، وليس ببعيد عن هذا الخلاف الحدودي بين طاجكستان وقرغيزستان.
- تركيا عضو في حلف الناتو، الذي يلزمها بالوقوف إلى جانب الناتو في أي مواجهة محتملة مع الصين أو روسيا.
- العديد من الدول الأعضاء أو المراقبة أو شريكة الحوار، لا تشكل أي قيمة على المستوى العسكري والاقتصادي، بل تمثل عبء على المنظمة، وتنتظر منها الدعم والمساعدة في التنمية والتطوير.
- جميع الدول العربية التي انضمت للمنظمة كعضو مشارك في الحوار، تربطها علاقات شراكة قوية مع الولايات المتحدة، ولا يمكنها الانضمام إلى تحالف مضاد لها.
هذه الأسباب تنفي فكرة أن تتحول منظمة شنغهاي للتعاون إلى تحالف مشترك في وجه الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، مما يزيد من صعوبة الموقف الذي تواجهه الصين وروسيا اللتان أصبحتا في أمس الحاجة إلى اتخاذ خطوات جادة لبناء التحالف الاستراتيجي الذي يعزز موقفهما في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، ويساعدهما على تحقيق أهدافهما.
أصدر زعماء القمة الثمانية بيانهم الختامي بصورة عادية دون أن يتضمن أي إشارة مباشرة تتعلق بالولايات المتحدة أو روسيا أو الصين، ولكنه تضمن العديد من الإشارات التي يفهمها جيداً المتابعون لشؤون المنظمة ودور الصين المركزي فيها، وهو ما سنستعرضه في المقال القادم بإذن الله.
(يتبع…)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق