حتى لا تسقط حماس
قد يطول الطريق على المجاهدين والدعاة، وقد يتنوع مكر العدو وتتغير البيئة وتسوء الأوضاع.. قد ينفض مناصر وتتفرق جموع.. ولكن ليس شيء من هذا عذرا لمن هو على الحق أن يتخلى أو ترتخي أصابعه عن رفع الراية والإمساك بالطريق..
ومع ثباته يعود أضعاف ما انفض، وتظهر الصّديقية ويتبدى الإيمان ويرى الناس الشهادة لله تمشي على الأرض أنهم مصدقون وإن كذّب الناس، ثابتون وإن فتنت رموز، أوفياء إذ خان غيرهم، أقبلوا إذ أدبرت الحشود..
ولكن لا يخفى على الرائي أن المحبين لأهل القدس وفلسطن وللفئة الثابتة هناك والتي هي أحد تجليات وفئات الطائفة المنصورة.. أنهم يبدون القلق على حركة حماس وموقفها العقدي والاستراتيجي والسياسي، وأن ثمة خشية كبيرة أن يبتلعها الخونة بخططهم، أو يجرحها الذئاب حتى تسقط بلا عودة.
ومن منطلق المحبة والإشفاق نكتب هذه النصيحة، أو الصرخة والنداء، الى إخواننا في حركة حماس، لعلها تصل الى آذانهم وقلوبهم ولعلها تجد محلا للقبول:
المحتويات
قاتل معه ربيون كثير
إن تطيعوهم تنقلبوا خاسرين
جندُ عمر .. أم من يلعن عمرَ وجندَه؟!
العلمانيون صنْو الصهاينة
من جمع القلوب عليكم قد يصرفهما عنكم
بيان حاسم وموقف واضح
وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك
﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره، وإذا لاتخذوك خليلا، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا، إذا لأذقناك ضِعف الحياة وضِعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا﴾.
قيلت لأكرم الخلق وأشرفهم بيانا لشدة الضغوط وتوالي الفتن مع ثباته صلى الله عليه وسلم.
يقول الطبري رحمه الله:
يقول تعالى ذكره: لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات(1)
ثم روى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك نفس التفسير.
وأما النسفي فيقول:
وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت ﴿إذا﴾ لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة ﴿لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات﴾ لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوتك كما قال: ﴿يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة..﴾ الآية.
وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان: عذاب في الممات وهو عذاب القبر، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار.
والعذاب يوصف بالضعف كقوله: (فآتهم عذابا ضعفا من النار) أي مضاعفا(2)
لكن الإمام الحافظ ابن كثير له قول مهم في هذه الآيات، وهو من أروع ما قيل ووجهت اليه الآية، وهو يتضمن علما غزيرا في صورة جزلة؛ فقد قال ما نصه:
يخبر تعالى عن تأييد رسوله، صلوات الله عليه وسلامه، وتثبيته، وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه، بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه، في مشارق الأرض ومغاربها، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين(3)
هكذا قال ليوضح أن الآية ليست لوما لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، بل بيانا لشدة الضغوط، وأن ثباته هو المطلوب، وأن نصر الله من وراء ذلك متحقق بإذنه تعالى..
وهذه رسالة عامة لكل حامل للواء النبي بعده.
[اقرأ المزيد عن: قيم الإيمان وثبات المؤمن وصبره وطول نفَسه]
قاتل معه ربيون كثير
إن موقف «طول الطريق» موقف مكرور .. وإن حدث مقتل الكثير من المؤمنين شهدته الدنيا مرارا، ولكن كتب الله الفوز بالنصر لقوم ثبتوا لم يهنون ولم يبدلوا ولم يتسرب الى داخل نفوسهم ما يُقعدهم عن الطريق ولا يثقُل بهم الى الراحة ولا أن يسلموا لعدوّ يخدعون أنفسهم أنه يريد بهم خيرا، وهو أقرب عدو..!
﴿وكأيّن من نبيّ قاتل معه رِبيّون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعُفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين﴾.
وسواء كان الوقف:
- على قوله ﴿قُتل﴾ فيكون النبي هو الذي قُتل، فما وهن الربيون من بعده.
- أو على قوله ﴿كثير﴾ أو قُتل مع النبي ربيون كثيرون، فما وهن النبي ومن بقي معه من الربيين، وهذا أرجح.
“والربيون :الجماعات الكثيرة (ألوف)”، أو هم “الفقهاء العلماء”(4)
يقول البيضاوي رحمه الله:
فما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم.
وما ضعفوا عن العدو أو في الدين.
وما استكانوا وما خضعوا للعدو، وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده، والألف من إشباع الفتحة أو استكون من الكون لأنه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له.
وهذا تعريض بما أصابهم عند الإرجاف بقتله عليه الصلاة والسلام. والله يحب الصابرين فينصرهم ويعظم قدرهم.(5)
يقول سيد قطب رحمه الله:
والمثل الذي يضربه لهم هنا مثل عام ، لا يحدد فيه نبياً ولا يحدد فيه قوماً. إنما يربطهم بموكب الإيمان؛ ويعلمهم أدب المؤمنين؛ ويصور لهم الابتلاء كأنه الأمر المطرد في كل دعوة وفي كل دين؛ ويربطهم بأسلافهم من اتباع الأنبياء؛ ليقرر في حسّهم قرابة المؤمنين للمؤمنين؛ ويقرّ في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد. وأنهم كتيبة في الجيش الإيماني الكبير:
﴿وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير . فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا﴾.. وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة. فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح. وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء..
فهذا هو شأن المؤمنين المنافحين عن عقيدة ودين..
﴿والله يحب الصابرين﴾.. الذين لا تضعُف نفوسهم ولا تتضعضع قواهم ولا تلين عزائمهم ولا يستكينون أو يستسلمون..
والتعبير بالحب من الله للصابرين. له وقْعُه . وله إيحاؤه . فهو الحب الذي يأسو الجراح ويمسح على القرح ويعوض ويربو عن الضر والقرح والكفاح المرير!(6)
[اقرأ أيضا: المقدمات قبل استرجاع القدس]
إن تطيعوهم تنقلبوا خاسرين
فقد قال تعالى: ﴿يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتقلبوا خاسرين، بل الله مولاكم وهو خير الناصرين﴾
والطاعة الواردة في هذه الآية ليست طاعة في تشريع، بل هي طاعة ركون بسبب الهزيمة والانكسار.. استغلالا لموجة التراجع وانكسار في البيئة والمنطقة.
يقول سيد قطب رحمه الله:
لقد انتهز الكفار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصاب المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح ليثبطوا عزائمهم ويخوفوهم عاقبة السير مع محمد ويصوروا لهم مخاوف القتال وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم..
وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبلة القلوب وخلخلة الصفوف وإشاعة عدم الثقة في القيادة؛ والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء؛ وتزيين الانسحاب منها ومسالمة المنتصرين فيها! مع إثارة المواجع الشخصية والآلام الفردية؛ وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة ثم لهدم كيان العقيدة ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين!
ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا . فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة وليس فيها ربح ولا منفعة. فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر.
فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ويكافح الباطل والمبطلين وإما أن يرتد على عقبيه كافراً ـ والعياذ بالله ـ ومحال أن يقف سلبياً بين بين، محافظاً على موقفه ومحتفظاً بدينه..
إنه قد يخيل إليه هذا.. يخيل إليه في أعقاب الهزيمة وتحت وطأة الجرح والقرح أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه! وهو وهم كبير”(7)
جندُ عمر .. أم من يلعن عمرَ وجندَه؟!
لا أمل في الرافضة، ولا يجوز أن تظنوا فيهم خيرا أو تنتظروا منهم خيرا.
يجب عدم إغفال البعد العقدي، لا لإثارة صراعات عاجلة، بل لضبط حركة السياسة، فالحراك السياسي يعتمد على البعد العقدي ويخدمه، لا أن تُقلب الأمور والموازين..
وعلى هذا فنحذر إخواننا.. إياكم والركون الى الرافضة، وإن من البشاعة والقبح والعار أن تُرفع صور قاسم سليماني.. فإن (فيلق القدس الإيراني) جُهامٌ، وسحاب صيف، قد هراق ماؤه، يرعد ويبرق فحسب.
وإن ملايين المسلمين مقتولين أو مهجرين ـ في العراق وسوريا واليمن ـ لن يكونوا ضريبة لتحرير القدس ! بل للتلاعب بكم وليكسبوا من ورائكم وباسم القدس وفلسطين: تشييعا وتفتيتا ونكاية في أهل السنة وتمددا على حساب قضيتكم وباسمها فقط.. إن لم تدركوا هذا فعجبا لكم، ثم عجبا.
هل سيحرر القدس جند عمر..؟ أم من يلعن عمر، ويعبد قاتله..؟ إن من يسب أصحاب محمد لا خير عنده لكم.
فقوله تعالى: ﴿وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة﴾ فإن من دخله أول مرة من هذه الأمة هم جند عمر. والدخول الموعود الثاني هو لنفس الداخلين أول مرة، من نفس الأمة، وقد كانوا جند عمر، وسيكونون إن شاء الله جند عمر.
فمن ظن منكم غير ذلك فهو وهْم نربأ بكم عنه.
[للمزيد: مفتاح القدس هو نفس مفتاح المنطقة]
العلمانيون صنْو الصهاينة
التحذير من الركون للأنظمة العلمانية، خاصة النظام الانقلابي الحالي في مصر، والذي قطع الطريق على من أراد مساندتكم بالفعل، بل هذا أحد أسباب الانقلاب ومبرر اكتسابه للدعم. فمن قال:
إن نفوسنا جميعا تتوق إلى بيت المقدس، أوقفوا إراقة الدماء، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها؛ غضبة شعب وقيادة(8)
هذا هو من تم الانقلاب عليه، واجتمع العالم عليه.
إن من سجنه فلن يحرركم، ومن قتل المسلمين فلن يخصكم بالخير. ومن يحاكمه لعلاقته بكم فلن يُصلح علاقته معكم إلا لو تدنستم مثلهم.. حاشاكم، وحفظكم الله.
الحذر من السياق السياسي
إن حضن الأفاعي لا يأتي بخير، وإن رضا الفجرة عنكم مريب. والذي يبدو من رضا الفجرة والأفاعي عنكم هو أنهم وضعوكم في سياق ـ مع إحسان الظن بكم ـ لا تستطيعون الفكاك منه ولا الخروج عن حدوده، وأنهم قد ضمنوا ما يطمئنهم. بحيث أن يكون كفاحكم وجهادكم معلوم آخر حدوده وأقصى إمكانه. وهذه مصيبة.
من جمع القلوب عليكم قد يصرفهما عنكم
إن الله تعالى قد جمع القلوب على محبتكم ونصرتكم والدعاء لكم، وجذب الأفئدة إليكم، هو سبحانه قادر ـ إن بدلتم أو تراجعتم ـ أن تذبلوا في قلوب الناس وتنفض عنكم الأفئدة وتنفر تلك القلوب التي وثقت فيكم قبل ذلك ورأوا فيكم سلوك الطريق الصواب.
ثمة شيء وضعه الله في القلوب للمجاهدين والصادقين، فامرأة مسلمة من أهل الجزائر، وقد جاءت مع قافلة لفك الحصار عن غزة، زمن حسني مبارك، وقفت مع القافلة أياما على حدود غزة مقابل معبر رفح.. وبعد أن سُمح لهم ودخلت غزة سجدت شكرا لله..
وثمة شهيد كريم ان شاء الله (محمد الزواري رحمه الله) في تونس وهو ينتمي الى القسّام، ويطور لهم ما يدفعون به عن أعراضهم ودمائهم ودينهم ومستقبل القدس الشريف.
وثمة رجل تركي في عقد متأخر من العمر يلقي خطبة أمام متظاهرين أتراك إبّان عدوان الصهاينة على غزة سنة 2008، ثم لا يستطيع إكمال خطبته من شدة البكاء حزنا على ما يلقى (إخوانه) المسلمون في غزة.
دلالة كبيرة فيمن سجدت لله شكرا لربها أن وطئت تراب غزة، وفيمن ناصرهم من بعيد واستُشهد، وفيمن عبر قرنا من التغريب يخطب ويبكي ويعلن سقوط قومية مصطنعة.
من وضع هذا في القلوب هو سبحانه من نرجوه أن يصنع لكم وللأمة المزيد، من القلوب والموافقات والأحوال والظروف.
وهو القادر سبحانه أن يصرف عنكم القلوب عند التبديل، وقد رأينا أشخاصا وأقواما صرف الله عنهم قلوبا أحبتهم حال صدقهم، وابغضتهم عندما بدلوا تبديلا.
بيان حاسم وموقف واضح
إن أمتكم تتحسس ريبة، دافِعها في ذلك غيرتها على تجربتكم ومحبتها لكم وأنكم أمل مضيء في ليل بهيم. وإن الغيورين على جهادكم يخافون من ترتيبات لا يعلمون عنها شيئا، ومن دخانٍ يخشون من مصدره.
إن عقلاء يطلبون أن تصدروا بيانا واضحا، وموقفا جازما، برفض التطبيع مع اليهود، والبراءة من الاعتراف بهم وممن يعترف بهم ليس البيان فحسب بل التصرف والموقف، والاتجاه..
واعلموا أنه لولا الأزمات لما ظهر الصديقون، والرِّبيون.. ألا فكونوا.. حفظكم الله وسائر المجاهدين والمرابطين، والحمد لله رب العالمين..
هوامش:
- تفسير الطبري، جامع البيان ت شاكر (17/ 508).
- تفسير النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (2/ 271 – 272).
- تفسير ابن كثير ت سلامة (5/ 100).
- راجع تفسير الطبري، جامع البيان ت شاكر (7/ 265).
- تفسير البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (2/ 41-42).
- في ظلال القرآن، سورة آل عمران.
- في ظلال القرآن، سورة آل عمران.
- من خطبة للرئيس مرسي، فك الله أسره وحفظه.
اقرأ أيضا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق