نبضات المحبين
يأسرني في الشيخ حماسه
الشيخ الدكتور سلمان العودة
تاريخ النشر: الأربعاء, 03/02/2022
يأسرني في الشيخ حماسه، وهو ما أسميه «الحُرقة»، حتى عندما يُلقى السلام - وهو أمر رتيب - يبدأ بحماس غريب: أحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام، وتحية أهل الجنة يوم يلقونه سلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فيبدأ الشيخ بهذه الروح، ويسكب من روحه وعاطفته وصدقه على الكلمات، ما يعطيها قبولًا وإشراقًا.
هذه الحرقة كيف يمكن الحصول عليها؟ قد تجد موسوعيين، ولكنهم مثل الموسوعات المركونة في المكتبات ليس فيها روح!
هذه الحماسة، وهذه الكاريزما في شخصيته، والجاذبية والتأثير الذي يُحدثه، والإبهار الذي يلاحظه من يشاهده وهو يتحدث أو يخطب.
ألم تصبك الرتابة والعادية وأنت تخطب فوق المنبر من عشرات السنين؟ لمَ لمْ تفقد الكلمات بريقها عندك، وقد تكررت في مناسبات شتى وظروف مختلفة؟!
هذه الروح، وهذه الحرقة، وهذا الحماس نحتاج أن نقتبسه؛ بحيث نجعل الجذوة تنتقل بالعدوى إلى الآخرين، وأظن هذا ما يقتبسه التلاميذ من الشيخ خلال القرب منه، إنه لا يتعاطى مع القضايا ببرود أو فتور أو آلية، وإنما بانفعال وحماس. ولا تكاد تحصل على هذه الروح من خلال الكتب، وإنما بالاختلاط والمجالسة والرؤية.
إنه التوفيق والإلهام في اختيار الكلام المناسب للمقام، في مؤتمرات ولقاءات واجتماعات للعامة أو للخاصة، أو لمحبين، أو لرسميين، أو لعلية القوم يتحدث بعفوية وبدون تحضير، فيقول: أفضل مما نزوِّر نحن ونرتب ونعدُّ!
أنا أحضِّر، ولا أحضر اجتماعًا أو برنامجًا أو غير ذلك بدون تحضير، وقد أُبالغ في الإعداد، ولا أجدني راضيًا عن أدائي.
أما الانسيابية في الفكر، والتسلسل اللطيف؛ فلدى الشيخ انسيابية في الفكرة؛ بحيث يبدو الكلام كما لو كان سردًا، ولكن إذا جاء أحد من بعده ليفرغ هذا الكلام، أو يضع له عناوين، يجد الكلام جاهزًا تمامًا للتفريغ، والعنونة، والعنصرة، والترقيم.
.......
- المصدر: «العلامة يوسف القرضاوي.. ريادة علمية وفكرية وعطاء دعوي وإصلاحي».
د. عصام العريان رحمه الله*
تاريخ النشر: الخميس, 03/17/2022
لقد عرفت الشيخ وعرفناه كجيل منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم يكن تأثيره فينا بسبب خُطَبه وكتبه فقط؛ بل اللقاء المباشر معه والمعايشة كان لهما أكبر الأثر في نفوس المجموعة التي تولت قيادة الشباب المسلم بالجامعات المصرية، والجاليات الإسلامية بالغرب، والتجمعات والجمعيات الإسلامية في مدن وقرى مصر؛ فللقدوة أثر كبير.
زارنا الشيخ القرضاوي في صيف عام 1974م في المعسكر الإسلامي الثاني للجماعة الإسلامية في جامعة القاهرة؛ ببذلته الإفرنجية، ويرتدي قميصًا بنصف كم وبنطالًا عاديًا، ولحية مهذبة، وروح مرحة، وشباب يتدفق (كان عمر الشيخ وقتها في الأربعينيات)، وألقى علينا محاضرة بمدرّج كلية الحقوق، حضرها آلاف الشباب من الجنسين، عنوانها «دور الشباب المسلم في خدمة الإسلام»، وتعلمنا منها أن واجبنا نحو الإسلام يتلخص في ثلاث كلمات.. حفظناها وحاولنا تطبيقها في حياتنا كلها، وهي: العلم بالإسلام، والعمل بالإسلام، والعمل للإسلام، أو الدعوة للإسلام.
كانت هذه المعسكرات تنعقد سنويًّا في إجازة الصيف، ويشارك فيها بضعة آلاف من الشباب المسلم، ذكورًا وإناثًا لمدة أسبوعين.. يقيم معظمهم إقامة دائمة في مبنى المدينة الجامعية، مقابل اشتراك مناسب، ويدرسون خلالها دراسات شرعية في القرآن وتجويده وتفسيره، والسنة وشروحها، والفقه وأصوله، والسيرة ودروسها، بخلاف محاضرات يومية صباحية ومسائية لكبار الدعاة والشيوخ وأساتذة الجامعات، وتخرّج في هذه المعسكرات آلاف تشبعوا بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، والرغبة في العمل لدين الله على بصيرة، ووفق منهج سلمي إصلاحي متدرج.
لا أتذكر عدد المرات التي حاضر فيها الشيخ القرضاوي في هذه المعسكرات، ولكنه بالقطع تنقل بين عدد منها؛ لعل أهمها القاهرة والإسكندرية وأسيوط.
ومن خصائص الشيخ (حفظه الله) أنه يعد لمحاضراته بصورة علمية ومنهجية، ويتميز بأسلوب إلقاء قوي ومؤثر، ويحرص على تلخيص فكرته في كلمات محددة وواضحة؛ بحيث تعلق بذاكرة الشباب. ثم أمر آخر أنه يُرَكِّز على الجانب العملي والتطبيقي؛ وليس مجرد طرح فكرة نظرية.
كان لمعايشة القرضاوي مع الشباب أكبر أثر؛ لأنه أبعد من التأثير البعيد بالكلام والحديث والخطابة، إلى الحوار والإجابة على الأسئلة والاستفسارات.
جال الشيخ في معظم مدن وجامعات مصر حينما كانت حرية الحركة مسموحًا بها، وعندما كانت صحته وظروفه تسمح له بذلك.
......
* نائب برلماني سابق والأمين العام المساعد السابق لنقابة أطباء مصر
-المصدر:«الشيخ يوسف القرضاوي إمام الوسطية والتجديد.. كلمات في تكريمه وبحوث في جهوده الفقهية وإنجازاته الفكرية.. مهداه إليه بمناسبه بلوغه التسعين».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق