الحرب على المناهج التربوية الإسلامية
في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر استحدثت آليات جديدة في إدارة الصراع مع العالم الإسلامي حيث وضعت مظلة عامة تتحرك تحتها تلك الآليات ألا وهي مظلة (الإرهاب) ذلك المصطلح غير المعروف والذي بناء عليه أعلنت الولايات المتحدة والغرب الحرب على المؤسسات الخيرية الإسلامية وكذا علماء ودعاة الإسلام بل كل ما هو إسلامي فأصبح الإسلام عند الغرب مرادفا للإرهاب.
ولم يكتف القائمون على الصراع بذلك بل ذهبوا إلى أن ما يفرخ «الإرهابيين» بزعمهم هي تلك التعاليم الإسلامية التي يدرسها طلاب المدارس بالدول الإسلامية ومن ثم أعلنت الحرب الدولية على المناهج الإسلامية من أجل تنقيحها من كل ما لا يريده الغرب بل وإحلال ذلك بمادة تعمل على ترسيخ الاستسلام والخنوع والقبول بالأمر الواقع.
ونحاول من خلال هذا المقال -بإيجاز- إلقاء الضوء على وجهة النظر الغربية حيال المناهج التربوية الإسلامية والمطالب التي يطلبونها من حكومات الدول الإسلامية لتغيير تلك المناهج وكذا بعض الاعتمادات المالية التي تسخر لتغيير المناهج في بلداننا.
ففي صحيفة الواشنطن بوست نشرت «نينا شاي» مديرة مركز الحريات الدينية بمؤسسة «فريدوم هاوس» في واشنطن مقالاً بعنوان: «هذه هي المناهج السعودية -بعد إزالة التعصب-» حيث استهلت مقالها بزعم أن مناهج التعليم في المدارس الحكومية السعودية تناوئ الغرب وتكفر أصحاب الديانات الأخرى من مسيحيين ويهود وغيرهم.
هذا المقال كما أشار تقرير واشنطن الصادر عن معهد الأمن العالمي بأمريكا هو خلاصة تقرير(38 صفحة) نشر بعنوان مناهج التعصب السعودية والذي صدر مؤخرا عن مركز الحريات الدينية التابع لمؤسسة فريدوم هاوس بالتعاون معهد دراسات الخليج. والتي تعتبر كاتبة مقال الواشنطن بوست المحررة الرئيسة للتقرير.
تقول الكاتبة:
إن إلقاء نظرة سريعة على نماذج من الكتب الرسمية للدراسات الإسلامية المستخدمة خلال العام الأكاديمي الحالي 2006 يكشف أن أيدلوجية الكراهية ضد المسيحيين واليهود والمسلمين لازالت واقعاً قائماً في النظام التعليمي على الرغم من كل التصريحات حول إزالتها وتعديلها.
وهي بذلك تنتقد المناهج السعودية لتناولها أسس العقيدة الإسلامية الصحيحة بعيداً التحريف والمفسدة, هي تلومها على رعايتها لدينها ومؤسساتها العلمية وحفظ تراثها الرباني الخالد.
ويحتوي تقرير مركز الحريات الدينية على تفاصيل واقتباسات كثيرة من مناهج وكتب الدراسات الإسلامية منذ المرحلة الأولى الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية،
حيث ينتقد التقرير الكتب الدراسية بأنها تعلم الطلاب أن العالم ينقسم إلى مؤمنين وكفار ومعلوم أن القران والسنة النبوية المطهرة هما اللذان أوضحا ذلك, وأن كل دين هناك من يؤمن به وهناك من يكفر به،
وأن ذلك قد نطقت به كل الرسل وكل الرسالات ومن ثم فهو ليس تقسيم بشري اختياري..
فهل يريد التقرير تعديل الرسالات وكلام الأنبياء ليوافقا الهوى الأمريكي؟
إنما كان يجب على هذا التقرير وكاتبيه أن ينظروا ويبحثوا في مدى سماحة هذا الدين في معاملة غيره المختلف معه
ومدى الحرية التي يمنحها للمخالف ومدى العدالة التي يقوم على أساسها بناؤه وحكمه.
كما ينتقد التقرير المساحة الزمنية المخصصة لتدريس المواد الإسلامية
والتي وصفها أنها تشغل من ربع إلى ثلث الساعات الدراسية في المرحلة الابتدائية والإعدادية في المدارس السعودية،
فضلاً على عدة ساعات من كل أسبوع في المرحلة الثانوية.
وهذا انتقاد ليس له ما يبرره نظراً لكون السعودية هي دولة الحرمين ومركز إشعاعي
يضم كبار علماء الأمة وحري بها أن تخرج للأمة من يحملون لواء الإسلام بقيمه وأخلاقه التي لا مثيل لها في الرقي والسمو.
التقرير خلص إلى القول أن التعليم هو صلب معركة الحرية في العالم الإسلامي،
وأن فشل المملكة في إصلاح المناهج الدينية سيقوض فرص نجاح السياسة الخارجية الأمريكية
فهل ستنجح الخارجية الأمريكية في تحقيق سياستها؟.
المعارض السعودي الشيعي «على الأحمد»؟!
في النهاية تعترف الكاتبة بفضل المعارض السعودي الشيعي «على الأحمد» المقيم في واشنطن في إعداد التقرير
حيث أمدها بنسخ من الكتب الحديثة التي تدرس في المدارس الحكومية والتي لم تستطع أن تحصل عليها من خلال الحكومة السعودية.
بعد أيام قليلة من نشر المقال في صحيفة الواشنطن بوست عقد معهد أمريكان إنتر برايز ندوة بعنوان
«الإصلاح في السعودية: كتب جديدة وأفكار قديمة»
حيث أشار «تقرير واشنطن» إلى أن الإعداد السريع لعقد الندوة بعد أيام قليلة من صدور التقرير ونشر المقال..
يدل على وجود تنسيق بين إدارة معهد أمريكان انتربرايز وناشري التقرير.
كما أشار أنه بذلك إنما يهدف إلى تفعيل الضغط من أجل اتخاذ قرارات جذرية لتعديل مناهج التعليم في المدارس.
في تلك الندوة كان الكلام أكثر انفتاحاً حيث بدأت محررة التقرير «نينا شاي» كلمتها
بالتأكيد على أن هذه الكتب والمناهج هي التي أفرزت «الإرهاب»
وطالب المشاركون في الندوة أن تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بالاطلاع على هذه الكتب والمناهج
ومن ثم التحرك للضغط على الحكومة السعودية من أجل القيام بتعديل حقيقي لمناهج تعليم الدراسات الإسلامية في مدارسها.
سياسة مشتركة لدى المراكز البحثية
إن الأمر لا يقتصر على هذا التقرير أو تلك الندوة لكنه صار سياسة مشتركة لدى المراكز البحثية الموجهة في الولايات المتحدة
ففي الندوة السنوية لمركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون نصحت «سيرا كيردار» الباحثة بجامعة هارفارد السلطات في البلدان العربية المتفاوتة بإعادة التفكير في الحصة المخصصة للمواد الدينية
التي تستغرق 10 بالمائة من الوقت داخل المدارس المصرية و33 بالمائة داخل المدارس السعودية.
وانتقدت كيردار تلك المواد واصفة إياها بأنها برامج جامدة تقلل احتمالات الإبداع والتفكير الحر من قبل المدرسين والتلاميذ والمجتمع المحلي على حد سواء.
كما اتفقت معها «إيلينوردوماتو» الباحثة في جامعة براون الأمريكية
حيث وجهت نقداً لاذعاً إلى برنامج التعليم الديني في المملكة العربية السعودية والتي وصفته بنشر «الكراهية نحو الآخرين».
وعلى حد قول دوماتو فبرنامج تعليمية أخرى في تسعة دول عربية درستها الباحثة بالتفصيل -على حد زعمها-
تنفي وجود تعددية داخل الإسلام بشكل عام حيث ترسم صورة للإسلام لا يوجد فيها الشيعة أو الزيدية أو البهائية أو أي طوائف أخرى.
تعديل المواد الدينية بجامعة الزيتونة
ورأت الندوة أن أفضل نموذج لتعديل المواد الدينية هو ما تم بجامعة الزيتونة بتونس،
حيث كشفت الندوة على أن المسئولين بالزيتونة رأوا أن التعليم الديني بحاجة إلى أن يوسع تركيزة
حتى يشمل الأديان غير التوحيدية مثل البوذية الهندية وديانات اليابان
وذلك بجانب دراسات الأديان السماوية (الإسلام،المسيحية واليهودية)،
وذلِك نظراً إلى حجة المسئولين بعدم معرفة غالبية العرب بأي شيء عن طبيعة هذه الأديان
وعلى ضوء ذلك تم إرسال هؤلاء الأساتذة إلى بعثات قصيرة إلى ألمانيا لدراسة الأديان المقارنة.
فهل يراد للمدارس والجامعات العربية وباقي الهيئات التعليمية الإسلامية أن تحذو حذو جامعة الزيتونة ليرضى عنها الغرب؟.
إن الهجوم الحاد على المناهج الإسلامية قد لاقى صدى في بعض الدول العربية وقد استقبله بعض العلمانيين بالترحاب.
ففي تقرير أعدته لجنة رسمية في دولة «الإمارات» خلُص إلى وجود حاجة لتعديل شامل في مناهج التربية الإسلامية في المدارس بسبب ما يسودها من الارتجال والعشوائية،
وقال التقرير الذي رُفع إلى الحكومة لاتخاذ قرار بشأن التوصيات التي انتهى إليها:
إن المناهج تشتمل على قيم يهدم بعضها بعضاً بحيث تدفع بعض القيم إلى الإيجابية والفعالية،
فيما يقود البعض الآخر إلى التواكل والتراخي والسلبية،
وبعضها يدفع للتفاعل مع الآخر، وبعضها يغرس مفاهيم العداء للآخر والرغبة في استئصاله.
الدعم المادي لغربلة المناهج الإسلامية
أما عن الدعم المادي لتحقيق عملية غربلة المناهج الإسلامية من كل ما يعترض عليه الغرب -والذي يحتاج إلى موضع تفصيلي أكبر-
نجد أن الجهات المانحة وضعت على قائمة أجندتها التمويلية تعديل المناهج الدينية في البلدان الإسلامية
فعلى سبيل المثال وافق البنك الدولي على قرض بمبلغ 120 مليون دولار أمريكي لدعم تطوير نظام التعليم في الأردن على كافة المستويات
بدءا من التعليم قبل المدرسي وانتهاء بالتعليم الثانوي
كما وافق أيضاً البنك الدولي على تقديم قرض للعراق بقيمة 100 مليون دولار،
من أجل العملية التعليمية في العراق والذي سيشمل الإنفاق على إعداد المناهج التربوية.
كما كشفت «لورا بوش»، عن برنامج جديد للمساعدات الأمريكية لأفريقيا يتضمن تقديم 15 مليون كتاب مدرسي لطلاب المدارس في القارة السوداء.
ويعتبر هذا البرنامج جزءا من مبادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش للتعليم في إفريقيا،
والتي بلغ حجمها 600 مليون دولار موزعة على كتب مدرسية، ومنحات دراسية، ومنح تدريبية للمعلمين.
وقد تم حتى الآن شحن أكثر من مليوني كتاب مدرسي إلى المدارس والمكتبات الإفريقية.
المناهج الإسلامية هي من استراتيجيات الحرب على الإرهاب
أن الأمر جد خطير فصناع القرار في الغرب يوضحون أن تغيير المناهج الإسلامية هي من استراتيجيات الحرب على الإرهاب
والمراكز البحثية الغربية موجهة جميعها إلى تأجيج حرب المناهج الإسلامية والجهات المانحة الدولية تضع كافة الاعتمادات اللازمة
لإنجاح تلك الحرب ومرتزقة المجتمع المدني العلماني في العالم العربي يقبضون التمويل
ويعدون التقارير عن المناهج ويضغطون على الحكومات من الداخل ليدعم ذلك الضغط الخارجي.
وفي ظل غياب قوى التوازن من قبل علماء الأمة المسلمين وتكوين هيئة علمية شرعية للدفاع عن المناهج الإسلامية
ونصح ولاة الأمور فنخشى أن تلقى تلك الدعوات قبولا في بعض الأوساط الحكومية
وأن تستجيب الحكومات للضغوطات الخارجية والداخلية وتمحى البقية الباقية من الخير في مناهجنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق