الاثنين، 31 أكتوبر 2022

المسألة المثلية... المعيار الإنساني المعتقل

 المسألة المثلية... المعيار الإنساني المعتقل

18C96C38-2AC9-45FF-A3F4-89E11ED2B781
مهنا الحبيل

نعيش جولة شرسة لقوى الحداثة الغربية، ولا نقصد بها حداثة التطوّر العلمي والتقدّم، ولكن حداثة الآلة الرأسمالية المقترنة، بقضية استبدال الإنسان بالجندر الجديد، وبعثرة أي أساس أخلاقي ولد مع الطبيعة البشرية، وأي رابط ورثته الأسرة في قوامها الفطري، حيث تتبنّى الحداثة إعادة تعريف ذات الإنسان، كمادة تخضع لمفاهيمهم وُلدت في طقوس فلسفية مختلّة، سبق أن شرحها الكاتب في نظرية فوكو الجنسانية، ثم اُطلقت النزوات لتفسّر الأفكار التي يسعى الغرب إلى فرضها قوانين ملزمة لبقية العالم، وللمهاجرين إلى دوله من بقية الأمم. وتستثمر هذه القوة الهجومية المدعومة التصدّع الإنساني في الشرق الذي تأثر من غياب سلطة قانون أخلاقي يحمي الضعفاء، ويعزّز حقّ المرأة الطبيعي، ورابطتها مع الرجل ومع أطفالها، وليس تحويل الأنثى إلى عالم صراع مع عالم الرجل، ثم نزع صفة الأنوثة أو الذكورة، ورمي المجتمع في قعر اضطراب فكري، يحاصر الطفولة ويغتال براءتها، وخصوصا أن حوادث الاعتداء على النساء لا تزال تضرب في المجتمعات المسلمة التي يغيب عنها الخطاب التأهيلي الضروري، لتضامن الأسرة والإحسان بينها، في عالم مخيف.

لقد أسقط الإسلام ثقافة الجاهلية الاجتماعية، والعنف والتعسّف ضد المرأة، لكن المشكلة هنا تخلّف المسلمين عن رسالتهم، واستغلال الغرب هذه الخطايا الكبرى ضد المرأة والطفولة. 
ولكن فلنلاحظ هنا مسألة مهمة في نقطتين:
الأولى: أن حالات العنف الأسري والمواجهات باتت عابرة للقارّات، وهي كذلك، في آخر إحصائيات راجعتُها للولايات المتحدة، فلم يتوقف العنف ضد المرأة ولا حوادث إيذاء الطفولة، وازدادت عمليات القتل الجماعي، في صور مروّعة، حيثُ تُستهدف مدارس وأحياء، بسبب ثقافة الإحباط والتنمّر التي تُعبّر عن أزمتها النفسية بالسلاح، وهذا يعني أن الخطاب الحداثي البديل لإيجاد العداء بين المرأة والرجل، وإسقاط الهوية الفِطرية لم يحل الأزمة المستعصية.

يجري تركيز ممنهج على عالم الطفولة، لإحداث اضطرابٍ نفسيٍّ مبكّر في وجدان الأطفال، يدمر استقرارهم النفسي

الثانية: أن كثيرين يعتقدون أن الأمر في الغرب الجديد، ومشروعه الحداثي في الأسرة، يقتصر على جملة مفاهيم وقناعات، ومنها ميول الذات الشخصية وحياته المثلية، وهذا غير دقيق أبداً، فالأمر يتطوّر بصورة كارثية، وشمل فتح القوانين أمام الأطفال للذهاب إلى العيادات والمشافي، من دون علم والديهم، ومحاسبة والديهم لو حاولوا صرفهم، فإلى أين يذهبون؟
يتعاطى الفتى في سن الثانية عشرة، وممكن أقل، هرمونات ذكورية مكثفة أو أنثوية، ويُغيّر أعضاءه فيستأصل ويضيف، في عمليات خطرة جداً، وهي غير مأمونة طبياً مطلقاً، وتتسبّب في مضاعفات خطرة للغاية. 
ومع ذلك تُشرّع القوانين، لفتح أبواب هذه العمليات التي تضخّ أموالاً ضخمة، وعقاقير فاحشة السعر. 
وتُقيّد مقاومة الأسرة والوالدين المثلية القهرية، وتُمنع وجهات النظر العلمية من الوصول إلى الفتى أو الفتاة، حتى لو كان الأمر مجرّد مشاعر عابرة تعرّض لها الأطفال أو الفتيان، في ظل الضخّ المجنون، لتشكيك الإنسان بهويته الجنسانية في الإعلام. تقول له إن تخَلقُه العضوي البيولوجي الواضح قد ظهر مصادفة، وإن الأسرة تشكّلت بطريقة أسطورية كخرافة، لا شرعية إنسانية لها، ولك أن تتصوّر أن هذه المفاهيم تُشرّع في قوانين، وتُحمَى بالقوة. 
أليست هذه صورة لحرب شيطانية، تعادي الفطرة والحقوق الإنسانية، القرآن الكريم يُحدد هدف الشيطان هنا: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾.
وُلدت أفكار هذه الآلة الضخمة التي تهاجم العالم الجديد في أروقة الفلسفة الغربية المعاصرة، ثم التقطتها عجلة التوحّش الرأسمالي، وجعلتها شريعة عالمية، فأين الحقيقة؟ تقتضي مواجهة هذه الحملة العالمية اليوم، بالضرورة، تحالفاً إنسانياً لا بد من أن تحمله دولٌ، لأن إمكانيات الدولة مختلفة عن الشعوب، وهي قضية تتصاعد في أفريقيا، وصداها حاضر في أوروبا الشرقية، لكن لا يوجد رابطة حقوق إنسانية لها، لتُعيد تعريف صفة الأسرة، بما اتفقت عليه قوانين الطبيعة التي فطرها الله، وقالت به الديانات السماوية، بل والعقائد الروحية، وقيم الإنسان أينما كان.

سياقاتٌ مفهومةٌ ترد على نسب قليلة جداً، تعالج بصورة ودّية عبر قناعاتهم واحترام أسرارهم، ولا يُدعَى إلى أي عنف ضدهم

وهناك قوى أممية ضخمة معزّزة بقناعة شعوبها، وخصوصا أفريقيا السمراء التي تخوض معركة الدفاع بانفراد، وهناك مقترحاتٌ فعّالة ممكن أن تصنع تغييراً، كتبنّي الدول المسلمة مع الدول الأفريقية وآسيا مؤتمراً موضوعياً، يُعيد تعريف الأسرة وحقوق الطفولة ويُطرح في الأمم المتحدة ليكون ميثاقاً أممياً للتوافق، يواجه به التطرّف الغربي ضد الأسرة، ثم يُعمل على نشر الحقائق المتعلقة بالمصير النهائي للمثلية القهرية، ومآل الإنسان والطفولة تحتها. 
ولا بد هنا من التذكير بأمرين مهمين لنجاح المقاومة الإنسانية ضد التطرّف الحداثي: 
الأول، أن هذا المفهوم يجب أن تُحصر فيه الطاولة العالمية وفعالياتها، ولا تُخلط معه الجوانب السياسية للصراع الداخلي بين المعارضات الديمقراطية ومؤسسات الحكم، فالجميع إلا ما شذّ يؤمن بحق الأسرة الفِطرية، فلا يجوز استخدام هذا المنبر لأجل مساحات صراع خاصة.
الثاني، التفريق بين نزعات الفرد مما يطرأ عليه، في قضية المثلية أو الشعور الأنثوي، وهي سياقاتٌ مفهومةٌ ترد على نسب قليلة جداً، تعالج بصورة ودّية عبر قناعاتهم واحترام أسرارهم، ولا يُدعَى إلى أي عنف ضدهم، فالقضية هنا رفض هذا التفويج الضخم المتعدّد الذي لا يهدأ لفرض تصوّر الحداثة المادية عن ماهية الفرد والأسرة، وإضعافها في الضمير العالمي.
وما يجري هو تركيز ممنهج على عالم الطفولة، لإحداث اضطرابٍ نفسيٍّ مبكّر في وجدان الأطفال، يدمر استقرارهم النفسي، وقد بدأت بعض العيادات والأطباء والمشافي في الغرب، بالفعل، تطرح على الطفل في عيادة الأطفال وهو في سن الخامسة، من دون مقدّمات ولا شكوى عن جنسه، فيبهتُه الطبيب، هل أنت ولد أم بنت، بماذا تريد أن أُصنّفك؟ وهو بالضبط ما يتطابق مع سياسة شركة ديزني وغيرها المنتجة لمواد الأطفال، فمسرح المؤامرة انكشف اليوم، ولكن السؤال في حماية الإنسانية منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق