الأحد، 30 أكتوبر 2022

طه حسين.. بين العداء للأدب العربي وعمادته

 طه حسين.. بين العداء للأدب العربي وعمادته


يسري الخطيب


طه حسين.. هذا الاسم الذي يتصارع عليه المؤيدون والكارهون، فالفريق الأول يراه مفكرا عربيا عظيما، يستحق لقب العمادة عن جدارة واستحقاق، والفريق الآخر يرى فيه المرتد عن الإسلام، المتمرّد المتنصّر، الحاقد على الفكر العربي والإسلامي.

(طه حسين علي سلامة)

الميلاد: 15 نوفمبر 1889م، مركز مغاغة – المنيا (مصر)

الوفاة: 28 أكتوبر 1973م، (83 سنة) القاهرة

– أصيب بالرمد والعمى قبل سن الخامسة، فأدخله أبوه: حسين علي سلامة – الموظف بشركة السكر – كُـتّاب القرية ليتعلم العربية والحساب، وتلاوة القرآن الكريم.

– في عام 1902م، دخل طه حسين جامع الأزهر للدراسة الدينية والاستزادة من العلوم العربية، وظل يسخر من الدراسة الدينية والأزهر.

– ظهرت أفكار طه حسين الإلحادية مبكرا، وأثناء الدراسة في الأزهر، ثم بعد ذلك في الجامعة المصرية، وأثار ذلك ضجة في الأوساط الدينية، واتهمه أحد أعضاء البرلمان المصري بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف.

– صدرت أوامر من شيخ الأزهر، بعدم منح طه حسين درجة العالمية مهما كانت الظروف.. ولكنه نجح في الحصول على الدكتوراه من الجامعة المصرية التي فتحت أبوابها في 1908م، وكان طه حسين أول المنتسبين لها،

– في 1914م، أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبلييه بفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس في جامعتها الفرنسية وآدابها، وأصبح صديقا للمستشرقين والمنصّرين الفرنسيين.

– تزوج طه حسين من السيدة الفرنسية «سوزان بريسو» وعاشت معه حوالي 56 سنة، حتى وفاته.. وظلت على ديانتها.. ولها عدة مؤلفات أدبية، وكتاب يحكي قصة حياتها مع طه حسين، بعنوان: (معك) ولهما من الأبناء: أمينة ومؤنس.

– كتب الدكتور أحمد الجارم (ابن الشاعر علي الجارم) في 27 يوليو 2009م، بجريدة الشروق المصرية:

 (عندما عاش طه حسين في فرنسا اتصل بالمستشرقين المتطرفين المبشرين عملاء الاستعمار، واقتنع بأفكارهم..)

ويضيف الجارم:

عندما عاد «طه حسين» لمصر، أصدر كتابه: (في الشعر الجاهلي) سنة 1926م، وفي الفصل الرابع من هذا الكتاب أبدى شكوكه في حقيقة الأدب الجاهلي، وفي بعض قصص القرآن، خصوصا: قصة سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل (عليهما السلام)، وهجرتهما إلى مكة وبناء الكعبة، وقال بالحرف: (إنها أسطورة شاعت بين العرب في الجاهلية، واستغلها الإسلام لأسباب سياسية).!!!

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ. رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ.رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)

(39، 40، 41: سورة إبراهيم)

– يقول طه حسين في كتابه: (الدين الإسلامي ليس دينا سماويا، وأن القرآن نبعَ من الأرض، ولم ينزل من السماء، (أي أنه تأليف واختراع بشري وليس وحيا إلهيا)

وهوجم الدكتور طه حسين بسبب هذا الكتاب هجوما عنيفا من الأدباء والعلماء، وفي مقدمتهم: سلطان الأدب العربي «مصطفى صادق الرافعي»، فاضطر طه حسين إلى حذف هذا الفصل من الكتاب، وإعادة طباعته تحت اسم آخر: (في الأدب الجاهلي)..

واختفت النسخة الأصلية والجزء الرابع الذي أعلن فيه بكلامه هذا عن كُفره، ولذا لا تندهش عندما تسمع أو تقرأ لأحدهم وهو يقول:

(قرأتُ كتاب الأدب الجاهلي لطه حسين ولم أجد فيه ما يسيء للعقيدة الإسلامية)..

لقد تم حذف الفصل الرابع، بما فيه من كُفر واضح.. ويعاد نشره طيلة العقود الفائتة من دون هذا الفصل.

هل يستحق طه حسين أن يكون عميدًا للأدب العربي؟

1- في كتابه (الأيام) تفوح رائحة الكراهية من الكتاتيب والتعليم الديني والأزهر

2- كتابه (على هامش السيرة) منقول بالحرف من سيرة ابن هشام

3- كتابه (في الشعر الجاهلي) مسروق من المستشرق الفرنسي «إرنست رينان» ومن المستشرق البريطاني مارجليوث، وبعض أفكار (جماعة إخوان الصفا) التي ظهرت في القرن الثالث الهجري والعاشر الميلادي بالبصرة.

 يقول العلّامة الدكتور أنور الجندي، عن طه حسين:

آراؤه في «الشعر الجاهلي» أخذها عن جرجس صال ومرجليوث.

آرَاؤه في «حديث الأربعاء» أخذها عن جرجي زيدان و«الأغاني».

آراؤه في «هامش السيرة» اعتمد فيها الأساطير وبعض الكتب الأجنبية.

آرَاؤه في «مستقبل الثقافة في مصر» هي جماع ما أورده المستشرقون، وكتّاب التغريب عن حضارة البحر الأبيض المتوسط والفرعونية.

عميد الأدب العربي

يرى بعض المؤرخين أن السبب في إطلاق لقب (عميد الأدب العربي) على الدكتور طه حسين؛ لأنه كان أول عميد مصري لكلية الآداب بالجامعة المصرية الحكومية، ولا علاقة لهذا اللقب بالأدب العربي..

يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي):

(وقد أصدر رينان كتابه الذي تعرَّض فيه للشعر الجاهلي في 1853م (بالنسبة للجزء الأول)، و1869م (للجزء الثاني)، كما عَرَض «رينيه باسيه» آراءَ المستشرقين الألمان حول ذلك الموضوع في كتابه عن «الشعر العربي قبل الإسلام» عام 1880م) أي قبل ظهور كتاب طه حسين بعقود.

يعتبر مصطفى صادق الرافعي هو أول كاتب عربي يفجّر قضية الشعر القديم، وصدر له في 1911م، كتاب «تاريخ آداب العرب»، حول قضية النَّحْل في الشعر الجاهلي، ولكنه لم يشكك في الشعر الجاهلي.

لقد صنعت فرنسا التي تزوج منها طه حسين، على عينها اسم «طه حسين» وسخّرَت الكُتاب والصحفيين المصريين والعرب للإشادة به و(تلميعه) وإضفاء هالات التقديس والعبقرية عليه، كما فعلت مع المخرج يوسف شاهين بعد ذلك.

فما الذي قدّمه طه حسين للأدب العربي ليكون عميدا له؟؟..

كل أعماله الفكرية لا تساوي صفحة من كتاب واحد للرافعي، أو العقاد، أو المنفلوطي، أو محمود محمد شاكر، أو الدكتور علي الجندي، أو الدكتور  إبراهيم عوض..

قالت زوجته الفرنسية في حواراتها الصحفية المنشورة وفي مذكراتها، إن طه حسين تنصّر، وكان يذهب معها للكنيسة، ويصلي معها، ولكن الدكتور محمد عمارة، قال إنها ادّعاءات وأكاذيب، وأن طه حسين مات مسلما موحّدا بالله، عاشقا لرسوله..

ونَفَى سكرتيره الخاص: «فريد شحاتة» ذلك، مؤكدا أن طه حسين مات مسلما، وأن زوجته كانت سيدة متغطرسة، لا تُطاق

يرى الفريق المدافع عن طه حسين أنه كان مفكرا عملاقا، ثائرا على القديم، وأنه رائد التجديد في الفكر العربي والإسلامي، ولكن لأنه كان حادا صداميا، وليس له أصدقاء، فلم يجد مَن يدافع عنه، ويبسّط للناس أفكاره التي لم تخرج عن عباءة الإسلام..

 فقد ذكر تلميذه «عزيز أحمد فهمي»..في مجلة الثقافة (4 سبتمبر 1945م):

(كما يتمتع أستاذي طه حسين بحسنات الفرنسيين، فإنه أيضًا مصاب بعيبهم، فيه منهم الاندفاع، لا أريد أن أقول أنه نزق،

فهو إذا خاصم إنسانًا لم يعرف الهوادة في خصامه، فإذا ملك خصمه حطمه تحطيمًا، ونسفه نسفًا، كما أنه إذا أحب إنسانًا لم يعرف الهوادة في حبه، فهو يرفعه بلا تحفظ ولا حذر).

فقد كان طه حسين متقلبا.. يحب ويكره.. وعندما كان صديقا للعقاد، قال إن العقاد هو حامل لواء الشعر بعد شوقي، وهو الأمير،

وعندما اختلف معه، هاجمه، وأعلن أن خليل مطران هو حامل لواء الشعر، وأنه لا يفهم ما يكتبه العقاد

رغم الاتهامات المتداولة والموثّقة حول إلحاد وزندقة الأديب طه حسين،

تبقى شهادات مرافقيه في رحلة الحج التي قام بها سنة 1955م، دليلا واضحا وقويا ضد هذه الشائعات،

وقد استغرقت الرحلة 19 يوما، وكان لهذه الرحلة (صدى واسع) في كل مكان،

فكان في استقباله الملك سعود، والأمراء والأعيان والأدباء والإعلاميون،

كما استقبلته هناك بعثة الأزهر، وكان من بينها الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان يعمل أستاذًا في كلية الشريعة بالمملكة العربية السعودية آنذاك.

يقول الأديب أمين الخولي الذي كان مرافقا لـ طه حسين:

لما وصلت السيارة عند الحديبية، توقفت السيارة بناءً على طلب «طه حسين»

فنزل وقبض من تراب الحديبية قبضة فشمّها ثم تمتم ودموعه تنساب قائلًا:

(والله إني لأشم رائحة النبي محمد  في هذا التراب الطاهر)،

وهدّأ الخولي من روعه على مدى نصف الساعة، ثم استمر الركب حتى دخل الحرم من باب السلام، وطه حسين لا تتوقف دموعه.

ويقول الخولي:

(حين لمس طه حسين الحجر الأسود ظل يتنهّد ويبكي ويقبّل الحجر حتى وقفت مواكب الحجيج انتظارًا

لأن يغادر هذا الأديب الكبير المكفوف مكانه، ولكنه أطال البكاء والتقبيل، ونسي نفسه فتركوه في مكانه وأجهشوا معه في البكاء).

يقول الشيخ الشعراوي الذي استقبل طه حسين في الأماكن المقدّسة:

عندما وصل طه حسين إلى مكة، خلع حذاءه، وظل يسير حافيا،

ويقول: لا أمشي بالحذاء فوق أرضٍ سار عليها النبي وصحابته، وهو ما ذكر تفاصيله الدكتور محمد عمارة..

لكن من سنة 1955م، حتى وفاته في 28 أكتوبر 1973م، تضبّعَ «طه حسين»،

وتغيّرَ جلده، وثارَ على التراث، وركلَ كل الثوابت.. لكن لا تستطيع أن تتهمه بالكفر والزندقة، فالله وحده أعلم بما في القلوب..

من 1955م، حتى 1973م؛ تغيّرَت خرائط بلدان، وسقطت إمبراطوريات، وتبدّلت قلوب..

اللهم يَا مقَلِّب الْقلُوب ثَبِّتْ قَلوبنا عَلَى دِينك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق