الأحد، 23 أكتوبر 2022

ليلة رعب في شيكاغو

ليلة رعب في شيكاغو

المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس

Dr MohamadAbbas

1997-مؤتمر علمي

كانت الزيارة الأولى لأمريكا التي كرهتها كثيرا، كوكب آخر غير الأرض وحشي في كل شيء وعملاق كعالم جاليفر. 

على وضع الشمس في السماء صليت العصر. كما أفعل في كل البلاد التي زرتها أحببت أن أسير على قدمي لأستكشف المدينة. 

أمسكت بالخريطة ورسمت عليها خطوط رحلتي. 

احتفظت ببطاقة الائتمان وعشرة دولارات فقط كما التعليمات. مشيت. يالها من قارة كئيبة. العمارات هائلة الارتفاع بالغة الضخامة. واجهة العمارة مئات الأمتار، وبينها وبين العمارة التي تليها مئات الأمتار، فتمشي كيلوا مترا تشغله ثلاثة مبان.وصلت إلى ساحل بحيرة ميتشجان.مشيت كثيرا. النيل أجمل ألف مرة أما بحر اسكندرية قبل المجاري فلا مثيل له.

انحرفت يمينا ، مشيت طويلا. لا يوجد بشر ولا محلات تجارية حيث تتركز أساسا في مولات ضخمة خارج المدينة أو في محلات صغيرة في وسط المدينة. شعرت بالإنهاك. كنت سعيدا فقد شارفت الوصول إلى محطة الحافلات حيث ستحملني إحداها إلى الفندق. وهنا كانت المفاجأة. المحطة خالية ومكتوب عليها أن مواعد عملها حتى الثامنة والنصف.كانت الساعة التاسعة. قلت لنفسي لا مشكلة. وقفت أشير للتاكسيات المارة.أكثر من ساعة ولا أحد يستجيب. بدأت أشعر بالقلق. أتجول من شارع إلى شارع على أمل أن أجد سيارة تتوقف لي. 

فجأة وجدت سيارة شرطة. جريت إليها شرحت مشكلتي للضابط، قال في دهشة وتأفف: اطلب سيارة تاكسي بالتليفون فالتاكسي هنا لا يقف لمن في الشارع بل يهرب منهم خوفا من المجرمين. 

سألته عن الرقم الذي أطلبه. أعطاني رقما. طلبت الرقم. طلبوا مني العنوان.عجزت. عدت إلى الضابط أسأله أين أنا؟ رد في غضب أنا لست مكتب استعلامات. بدأت أدرك خطورة وضعي. لو كنت في مصر أو حتى في أوروبا لكانت هناك حلول كثيرة حتى لو قضيت الليل كله في الشارع. هنا لو مكثت ساعات قليلة سأتجمد من البرد. 

خطر ببالي أن أدخل جراجات العمارات. المسافات هائلة. تحت العمارة طابقين أو ثلاثة تفتح على شوارع تحت الأرض. سألت في مكانين لم  يفيداني بشيء. عدت إلى الشارع. لم تعد مضيئة كما كانت. في ركن مظلم كان ثمة برميل قمامة هائل لم ألحظه. كما لو كان جنيا قفز منه زنجي عملاق ووجه إلى حديثا لم أفهمه. نسيت التعليمات التي تقضي بأن أعطيه ما معي حتى لا يؤذيني. كان رد فعلي دون تفكير أنني جريت من هول المفاجأة. وأخذ الرجل يجري خلفي.عند أحد التقاطعات وجدت مطعما جدرانه من زجاج.جريت إليه والرجل خلفي. كان مغلقا على الزبائن بالداخل. أخذت أطرق جدرانه كي يفتحوا لي فرفضوا رغم أنني أشرت لهم أن الزنجي يطاردني. فكرت أن الأفضل أن أظل جانب المطعم في النور حتى اذا اقترب سأركل الزجاج فأكسره فيطلبون الشرطة فتنقذني من هذا الوضع. 

مرت ساعة والرجل على بعد أمتار مني. لو أمسكني الآن لن يقنع بما في جيبي بل سيقتلني غضبا. لا بد من مخرج. انتهزت فرصة مرور سيارة كبيرة بيني وبينه فجريت بجانبها حتى اختبأت في ركن مظلم. رأيت الرجل ينصرف بعد أن راح يدور بعينيه بحثا عنى بحثت كثيرا .أخرجت الخريطة أبحث عن محطات المترو الأندر جراوند.  لم أجد أي علامة. . قلت لنفسي لن ينجدني  إلا عجوز يحتفظ ببعض أخلاق الزمن الماضي. كان ثمة مدخل تدخل فيه السارات ببطء. 

رأيت عحوزا قدرت أنها في الثمانين صرخت فيها: المساعدة أرجوك. للدهشة توقفت. شرحت لها الوضع وأنني أكاد أتجمد من البرد وأنني أريد فقط أن ترشدني إلى محطة الأندر جراوند. 

ضحكت بشدة وقالت هل أنت أسباني؟ 

قلت لها بل مصري. رحبت بي وبمصر وقالت الأندر جراوند يوجد فيه مواسير المياه والمجاري وكابلات الكهرباء أما المترو هنا فاسمه سب ويي subway. رجوتها أن تدلني على أقرب محطة فانفجرت ضاحكة وهي تقول: تلك هي التي تستند عليها الآن!! شكرتها في دهشة. 

فتحت الباب الصغير الحقير فوجدت سلما نزلت عليه, أحقر محطة مترو في عشرات المدن التي زرتها حول العالم. 

كان الرعب في السب ويي كالرعب في الشارع. ممرات ضيقة جدا وطويلة حتى مئات الأمتار مع عشرات التقاطعات وثمة زنجي هنا وهناك. وصلت أخيرا بصعوبة إلى الخط الذي أقصده. ركبت المترو. رعب آخر. مستوى من يركبون المترو أقل من مستوى ركاب عربات الكارو في مصر. الركاب قليلون جدا. ما من أحد منهم سليم فالوجوه مليئة بالندبات وبعض الأطراف منزوع ولا توجد امرآة واحدة.أدركت أن الخطر هنا أشد. رحت أتلو أية الكرسي والشهادتين. وصلت إلى المحطة. نزلت. ماهذا؟ أنا أقيم في فندق من أفخم فنادق المدينة لكن المكان هنا كأقذر عشوائيات مصر. أخرجت الخريطة في رعب لأكتشف أنني فعلا في المكان الصحيح لكن في الطابق الثالث تحت الأرض. صعدت السلالم واتبعت الإرشادات لأجد نفسي في بهو الفندق. الحمد لله. كنت في غاية الإجهاد النفسي والجسدي وكنت جائعا. توجهت إلى المطعم. استلقيت على الكرسي. جاء النادل فطلبت ما أريد وإذا به يفاجئني بلغة عربية بلكنة شامية: انت عربي؟ لطمتني موجة اطمئنان وحنان هائلة. كبحت نفسي كي لا أعانقه وأشكو له ألمي. شعرت بحنان دافق ووحشة إلى مصر، تمتمت: يا حبيبتي يامصر!

كان ذلك منذ ربع قرن

لو كان قد حدث الآن لهتفت: تحيا مصر 3 مرات!

انتهت

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق