الدكتور عطية عدلان
مدير مركز «محكمات» للبحوث والدراسات – اسطنبول
الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد..
ليس الحديث هنا عن شروط نجاح الثورة، فلهذه الشروط موضع آخر وسياق مختلف، إنّما الحديث هنا عن شروط قيامها واندلاعها، فهذه هي المعضلة الآنية على وجه التحديد والدقة، لماذا هي عَصِيَّيةٌ وأَبِيَّة؟! لماذا كلّما اشتعل عود الثقاب انطفأ لتَوِّه قبل أن يبزغ منه اللهب؟! لماذا تمرّ السَّحابة الحُبْلَى فترعد وتبرق وتظلم الأجواء ثم تمضي دون أن تَبِض بقطرة؟ لقد تنامى الوعي بالظلم الواقع على العباد، وتنامى معه الغضب وبلغ ذروته، والغضب الصاعد والوعي الواعد هما الشرط الأول والأكبر لاشتعال الثورة؛ فما الذي يؤخرها؟ وما السر في هذا الجمود الذي يوشك أن تتحطم على صخرته كل الآمال؟!
أهو الخوف والإرهاب يلف البلاد بغيومه السوداء، ويغلف القلوب بغشاء الرهبة فلا يغشاها بريق من الأمل ولا يثقبها شعاع من الرجاء؟ أم هي الدنيا تهيمن على الكينونة البشرية فتَتَقَلَّص بآمالها في محضن الأنا وتَتَقَبَّض بأحلامها في عش الذات؟ أم تراها التجارب السابقة قد خيمت على عقول الناس بما تحمله من مرارة الفشل ولوعة الهزائم؟ أم إنّ ما يجري حولنا في ديار الإسلام وأصقاع المسلمين يثير حالة من التوجس تقف حائلًا دون التقدم والاندفاع؟
هذه هي المادة التي يقتاتها العقل الجمعيّ في أرض الكنانة، وهذه هي الخواطر التي تجول وتصول في الخيال العام والأثير المحيط، ولا أحسب أنني أضفت جديداً سوى إظهارها وبلورتها في جمل تخرجها من العقل الباطن ليدركها العقل الواعي، وتثيرها من مكامن وزوايا ودروب غائرة في النفس لتطفو على السطح وتتناولها الأنظار والأبصار؛ فالآن ما هو الحل؟ وما هي شروط الخروج من هذا الصمت المميت؟
بداية ينبغي أن نقرر ونؤكد على أنّ تعانق الوعي والغضب هو الشرط الأكبر والأول لاندلاع الثورة، فبدونه لا تقوم ثورة من حيث الأصل، لكنّ هذا الشرط ليس هو الشرط الوحيد ولا المقوم الفريد، إنّ طبيعة الشروط أنّها إذا تعددت وجب استيفاؤها، ولم يجز تجاهل شرط واحد منها؛ إذ إنّ الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، فكل شرط معدوم يعدم المقصود كله، وهذا هو الفرق بين الشروط وبين الأسباب والعوامل والمقومات، وحتى لا ننزلق إلى جدلية كلامية هيّا بنا ندلف إلى صلب موضوعنا وهو الشروط.
إنّ الثورة لا تقوم – وإذا قامت لا تدوم – ما لم تتحول الرغبة في التغيير إلى عقيدة، هذه العقيدة الثورية شرط لا بد منه لأي ثورة، ولست أعني بها معنى من المعاني التي تتبادر إلى الذهن بمجرد النطق بكلمة عقيدة؛ فهي أبسط بكثير مما قد يذهب إليه الظن المندفع في سرعته الطائش في إصابته، إنّها ليست سوى الأفكار التي يقتاتها الوعي العام، غير أنّها بعد أن تتفاعل مع ثقافة الأمة وهويتها تتحول من مجرد أفكار تسكن العقل البارد إلى حزمة من الطاقة الشعورية الواعية مسكنها القلب والشعور والوجدان، فأفكارنا عن الظلم والطغيان، وعن سرقة مقررات البلاد ومقدرات العباد، وعن الغش والكذب الذي تمارسه الطغمة الحاكمة على الشعب عبر وسائل إعلام تحتكرها وتمنع وتقمع كل صوت يشذ عن طريقها، وعن العمالة والنذالة التي أوفت على الغاية وبلغت المنتهى؛ هذه الأفكار يجب أن تمد جسور التواصل مع ثقافة الأمّة وشريعتها؛ لتتحول من أعواد مرصوصة في الوعي البارد إلى وقود مشتعل وطاقة محركة؛ لذلك يجب تفعيل الخطاب الإسلاميّ البسيط العام.
فالظلم والطغيان والغش والخداع والنهب والسرقة وغير ذلك محرمات تستوجب الإنكار شرعاً، ولاسيما إذا صدرت من حاكم تجاه شعبه، والدفاع عن الدين والعرض والحرمات واجب يفرضه الإسلام وتوجبه الشريعة، ومقاومة الاستبداد والفساد نوع من الجهاد الذي ينال المرء عليه أعلى الدرجات في جنات النعيم، والسكوت إذا عمّ وطمّ صار خطيئة لا ينعتق الناس من مغبتها، والأمّة الإسلامية مدعوة للقيام بواجبها المقدس في دفع الظلم ورفع الإصر والعنت، ولا سبيل لها إلا بالاستعانة بالله والالتزام بمنهجه، والحياة كلها في نظر الدين المنزل من رب العالمين صراع بين الحق والباطل، والمسلم لا قيمة لوجوده بغير انحيازه للحق وانضمامه لكتائبه، والدنيا هذه صغيرة حقيرة لا تستحق أن يؤثرها المرء على مطالب الحق، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية، وطوبى لمن بذل نفسه في سبيل خلاص الأمة من الأسر وفكاكها من القيد، وإنّ لنا في رسول الله والذين معه أسوة.
هذه ببساطة ودونما تعقيد هي عقيدة الأمّة، وليس في هذا أدلجة للثورة ولا تحويل لها من ثورة شعبية إلى ثورة دينية، فالشعب مسلم بطبيعته، مؤمن بفطرته، ورث الإسلام عن مجتمع ضارب بجذوره في التربة الإسلامية العريقة، فإذا انطلقت الثورة من بين دفتي المصحف فليس في هذا إقحام لأيدلوجية ولا تمييز بدين، وإنّما هو الشعب المسلم في سجيته وتلقائيته.
نحن لا نتحدث عن مشروع إسلاميّ ولا عن دولة خلافة ولا عن عموم رسالة، وإن كانت كل هذه المعاني متجذرة في نفوس المسلمين، وليست بغريبة عن ثقافتهم، لكنّ الحديث عنها لا يكون في سياق ثورة شعب ينشد حريته، وإنّما يكون في كل زمان بحسبه، وأحسب أنّها في هذا الزمان تأتي في سياق مشاريع سياسية يقدمها المؤمنون بها في ظل تنافس شريف وصريح بين التكتلات السياسية المختلفة.
ولم نشهد في التاريخ المعاصر ثورة استغنت عن وقود مستمد من ثقافة أمتها وهويتها الحضارية، نحن فقط الذين يراد لنا الانسلاخ عمّا لا قيمة لوجودنا ولا معنى لحياتنا إلا به؛ لا لشيء إلا لخوفهم على أيديولوجياتهم الدخيلة من الانكشاف والتعري والهزيمة أمام عقيدة الأمة وثقافة الشعب، فهل من العقل الالتفات لمثل هذا الإرهاب الفكريّ الذي يمارس علينا باسم مقاومة الإرهاب الفكريّ؟!
ولا ريب أنّ أبناء الشعب في تبنيهم لهذه العقيدة وتأثرهم وانفعالهم بها يتفاوتون تفاوتاً عظيماًـ وهذا شيء طبيعيّ؛ وهذا هو ما يدعونا إلى ضرورة بناء قاعدة صلبة تحمل البناء الشعبيّ، أو نواة صلبة تتراكم على متنها شرائح الشعب، كل بحسب درجة قربه أو بعده من الدائرة الأكثر قدرة على الاستمرار، هذه القاعدة شرط آخر من شروط قيام ودوام الثورة، وعامل مهم من عوامل استمرارها واستقرارها، إنّها هي المحرك الحقيقيّ للشارع، والمقياس الحقيقيّ لقوته وتأثيره، وعليها تتكاثف الكتلة الحرجة المنتظرة، وبدونها تذوب الكتلة الحرجة تحت حرارة الأحداث، ويتمزق شمل الجموع الثورية تحت مطارق الفتن وعواصف المحن، فيلزم أن يوجدوا، ومع ذلك فوجودهم سهل وقريب، ليس علينا إلا أن نضع برنامجا نحيي به الأمل في نفوس أبناء رابعة والنهضة، الذين صنعتهم المحنة صناعة خاصة، وما صرفهم عن الاستمرار إلا غياب الرؤية وافتقاد البوصلة، وهذا شرط آخر.
ما رؤيتنا في التغيير نفسه؟ – لا بعد التغيير – ما حجمنا وما الحجم الحقيقيّ لعدونا؟ وما هي الوسائل والأدوات التي يجب أن تتوفر لمواجهة هذا العدو؟ وكيف وبأي طريقة ووفق أي استراتيجية تستثمر هذه الأدوات، وما هي التوقعات لردود الأفعال على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟ كل هذه الأسئلة لا يصح للكبار أن يهربوا منها ويجفلوا عن مواجهتها، وإلا ستكون دعوتهم للشباب نفخاً في رماد، إنّ الإجابة على هذه الأسئلة مسؤولية المسؤولين، وإلا فليرحلوا ويزولوا من سماء هذه الأمّة حتى ينكشف لها الطريق.
إنّ الشعب لن يتبع داعيًا إلى ثورة – فرداً كان أو كياناً أو غيره – حتى يسكنه الشعور بأنّه قادم، وليس عند الشعب استعداد لأن يجرب؛ فكيف السبيل إلى طمأنة الشارع وإشعاره بأنّ الذي يهتف بهم للخروج قادم وبقوته وقدرته جاثم، كيف السبيل إلى وضع النظام في حالة تجرئ الناس عليه وتشعرهم بقرب سقوطه وبهوانه على الله وعلى الناس، هل تصدق أنك يمكن أن تدفع الناس لخطر المواجهة وأنت غير قادر على حمايتهم ولو نسبياً؟! فما هي أدوات الحماية والنكاية، الحماية للثوار والنكاية في الأنذال؟
لم نتحدث عن أهمية وجود قيادة للثورة، ولا عن ضرورة وجود جهاز إداري يكون في حالة انعقاد دائم، ولا عن مشروع كامل للتغيير، ولا عن كثير من الأمور المهمة؛ لأنها شروط نجاح الثورة، ونحن لا نتحدث إلا عن شروط قيامها واشتعال جذوتها، فهل نحن قادرون؟ نعم.. إن شئنا.. والله المستعان.
ليس الحديث هنا عن شروط نجاح الثورة، فلهذه الشروط موضع آخر وسياق مختلف، إنّما الحديث هنا عن شروط قيامها واندلاعها، فهذه هي المعضلة الآنية على وجه التحديد والدقة، لماذا هي عَصِيَّيةٌ وأَبِيَّة؟! لماذا كلّما اشتعل عود الثقاب انطفأ لتَوِّه قبل أن يبزغ منه اللهب؟! لماذا تمرّ السَّحابة الحُبْلَى فترعد وتبرق وتظلم الأجواء ثم تمضي دون أن تَبِض بقطرة؟ لقد تنامى الوعي بالظلم الواقع على العباد، وتنامى معه الغضب وبلغ ذروته، والغضب الصاعد والوعي الواعد هما الشرط الأول والأكبر لاشتعال الثورة؛ فما الذي يؤخرها؟ وما السر في هذا الجمود الذي يوشك أن تتحطم على صخرته كل الآمال؟!
أهو الخوف والإرهاب يلف البلاد بغيومه السوداء، ويغلف القلوب بغشاء الرهبة فلا يغشاها بريق من الأمل ولا يثقبها شعاع من الرجاء؟ أم هي الدنيا تهيمن على الكينونة البشرية فتَتَقَلَّص بآمالها في محضن الأنا وتَتَقَبَّض بأحلامها في عش الذات؟ أم تراها التجارب السابقة قد خيمت على عقول الناس بما تحمله من مرارة الفشل ولوعة الهزائم؟ أم إنّ ما يجري حولنا في ديار الإسلام وأصقاع المسلمين يثير حالة من التوجس تقف حائلًا دون التقدم والاندفاع؟
هذه هي المادة التي يقتاتها العقل الجمعيّ في أرض الكنانة، وهذه هي الخواطر التي تجول وتصول في الخيال العام والأثير المحيط، ولا أحسب أنني أضفت جديداً سوى إظهارها وبلورتها في جمل تخرجها من العقل الباطن ليدركها العقل الواعي، وتثيرها من مكامن وزوايا ودروب غائرة في النفس لتطفو على السطح وتتناولها الأنظار والأبصار؛ فالآن ما هو الحل؟ وما هي شروط الخروج من هذا الصمت المميت؟
بداية ينبغي أن نقرر ونؤكد على أنّ تعانق الوعي والغضب هو الشرط الأكبر والأول لاندلاع الثورة، فبدونه لا تقوم ثورة من حيث الأصل، لكنّ هذا الشرط ليس هو الشرط الوحيد ولا المقوم الفريد، إنّ طبيعة الشروط أنّها إذا تعددت وجب استيفاؤها، ولم يجز تجاهل شرط واحد منها؛ إذ إنّ الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، فكل شرط معدوم يعدم المقصود كله، وهذا هو الفرق بين الشروط وبين الأسباب والعوامل والمقومات، وحتى لا ننزلق إلى جدلية كلامية هيّا بنا ندلف إلى صلب موضوعنا وهو الشروط.
إنّ الثورة لا تقوم – وإذا قامت لا تدوم – ما لم تتحول الرغبة في التغيير إلى عقيدة، هذه العقيدة الثورية شرط لا بد منه لأي ثورة، ولست أعني بها معنى من المعاني التي تتبادر إلى الذهن بمجرد النطق بكلمة عقيدة؛ فهي أبسط بكثير مما قد يذهب إليه الظن المندفع في سرعته الطائش في إصابته، إنّها ليست سوى الأفكار التي يقتاتها الوعي العام، غير أنّها بعد أن تتفاعل مع ثقافة الأمة وهويتها تتحول من مجرد أفكار تسكن العقل البارد إلى حزمة من الطاقة الشعورية الواعية مسكنها القلب والشعور والوجدان، فأفكارنا عن الظلم والطغيان، وعن سرقة مقررات البلاد ومقدرات العباد، وعن الغش والكذب الذي تمارسه الطغمة الحاكمة على الشعب عبر وسائل إعلام تحتكرها وتمنع وتقمع كل صوت يشذ عن طريقها، وعن العمالة والنذالة التي أوفت على الغاية وبلغت المنتهى؛ هذه الأفكار يجب أن تمد جسور التواصل مع ثقافة الأمّة وشريعتها؛ لتتحول من أعواد مرصوصة في الوعي البارد إلى وقود مشتعل وطاقة محركة؛ لذلك يجب تفعيل الخطاب الإسلاميّ البسيط العام.
فالظلم والطغيان والغش والخداع والنهب والسرقة وغير ذلك محرمات تستوجب الإنكار شرعاً، ولاسيما إذا صدرت من حاكم تجاه شعبه، والدفاع عن الدين والعرض والحرمات واجب يفرضه الإسلام وتوجبه الشريعة، ومقاومة الاستبداد والفساد نوع من الجهاد الذي ينال المرء عليه أعلى الدرجات في جنات النعيم، والسكوت إذا عمّ وطمّ صار خطيئة لا ينعتق الناس من مغبتها، والأمّة الإسلامية مدعوة للقيام بواجبها المقدس في دفع الظلم ورفع الإصر والعنت، ولا سبيل لها إلا بالاستعانة بالله والالتزام بمنهجه، والحياة كلها في نظر الدين المنزل من رب العالمين صراع بين الحق والباطل، والمسلم لا قيمة لوجوده بغير انحيازه للحق وانضمامه لكتائبه، والدنيا هذه صغيرة حقيرة لا تستحق أن يؤثرها المرء على مطالب الحق، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية، وطوبى لمن بذل نفسه في سبيل خلاص الأمة من الأسر وفكاكها من القيد، وإنّ لنا في رسول الله والذين معه أسوة.
هذه ببساطة ودونما تعقيد هي عقيدة الأمّة، وليس في هذا أدلجة للثورة ولا تحويل لها من ثورة شعبية إلى ثورة دينية، فالشعب مسلم بطبيعته، مؤمن بفطرته، ورث الإسلام عن مجتمع ضارب بجذوره في التربة الإسلامية العريقة، فإذا انطلقت الثورة من بين دفتي المصحف فليس في هذا إقحام لأيدلوجية ولا تمييز بدين، وإنّما هو الشعب المسلم في سجيته وتلقائيته.
نحن لا نتحدث عن مشروع إسلاميّ ولا عن دولة خلافة ولا عن عموم رسالة، وإن كانت كل هذه المعاني متجذرة في نفوس المسلمين، وليست بغريبة عن ثقافتهم، لكنّ الحديث عنها لا يكون في سياق ثورة شعب ينشد حريته، وإنّما يكون في كل زمان بحسبه، وأحسب أنّها في هذا الزمان تأتي في سياق مشاريع سياسية يقدمها المؤمنون بها في ظل تنافس شريف وصريح بين التكتلات السياسية المختلفة.
ولم نشهد في التاريخ المعاصر ثورة استغنت عن وقود مستمد من ثقافة أمتها وهويتها الحضارية، نحن فقط الذين يراد لنا الانسلاخ عمّا لا قيمة لوجودنا ولا معنى لحياتنا إلا به؛ لا لشيء إلا لخوفهم على أيديولوجياتهم الدخيلة من الانكشاف والتعري والهزيمة أمام عقيدة الأمة وثقافة الشعب، فهل من العقل الالتفات لمثل هذا الإرهاب الفكريّ الذي يمارس علينا باسم مقاومة الإرهاب الفكريّ؟!
ولا ريب أنّ أبناء الشعب في تبنيهم لهذه العقيدة وتأثرهم وانفعالهم بها يتفاوتون تفاوتاً عظيماًـ وهذا شيء طبيعيّ؛ وهذا هو ما يدعونا إلى ضرورة بناء قاعدة صلبة تحمل البناء الشعبيّ، أو نواة صلبة تتراكم على متنها شرائح الشعب، كل بحسب درجة قربه أو بعده من الدائرة الأكثر قدرة على الاستمرار، هذه القاعدة شرط آخر من شروط قيام ودوام الثورة، وعامل مهم من عوامل استمرارها واستقرارها، إنّها هي المحرك الحقيقيّ للشارع، والمقياس الحقيقيّ لقوته وتأثيره، وعليها تتكاثف الكتلة الحرجة المنتظرة، وبدونها تذوب الكتلة الحرجة تحت حرارة الأحداث، ويتمزق شمل الجموع الثورية تحت مطارق الفتن وعواصف المحن، فيلزم أن يوجدوا، ومع ذلك فوجودهم سهل وقريب، ليس علينا إلا أن نضع برنامجا نحيي به الأمل في نفوس أبناء رابعة والنهضة، الذين صنعتهم المحنة صناعة خاصة، وما صرفهم عن الاستمرار إلا غياب الرؤية وافتقاد البوصلة، وهذا شرط آخر.
ما رؤيتنا في التغيير نفسه؟ – لا بعد التغيير – ما حجمنا وما الحجم الحقيقيّ لعدونا؟ وما هي الوسائل والأدوات التي يجب أن تتوفر لمواجهة هذا العدو؟ وكيف وبأي طريقة ووفق أي استراتيجية تستثمر هذه الأدوات، وما هي التوقعات لردود الأفعال على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟ كل هذه الأسئلة لا يصح للكبار أن يهربوا منها ويجفلوا عن مواجهتها، وإلا ستكون دعوتهم للشباب نفخاً في رماد، إنّ الإجابة على هذه الأسئلة مسؤولية المسؤولين، وإلا فليرحلوا ويزولوا من سماء هذه الأمّة حتى ينكشف لها الطريق.
إنّ الشعب لن يتبع داعيًا إلى ثورة – فرداً كان أو كياناً أو غيره – حتى يسكنه الشعور بأنّه قادم، وليس عند الشعب استعداد لأن يجرب؛ فكيف السبيل إلى طمأنة الشارع وإشعاره بأنّ الذي يهتف بهم للخروج قادم وبقوته وقدرته جاثم، كيف السبيل إلى وضع النظام في حالة تجرئ الناس عليه وتشعرهم بقرب سقوطه وبهوانه على الله وعلى الناس، هل تصدق أنك يمكن أن تدفع الناس لخطر المواجهة وأنت غير قادر على حمايتهم ولو نسبياً؟! فما هي أدوات الحماية والنكاية، الحماية للثوار والنكاية في الأنذال؟
لم نتحدث عن أهمية وجود قيادة للثورة، ولا عن ضرورة وجود جهاز إداري يكون في حالة انعقاد دائم، ولا عن مشروع كامل للتغيير، ولا عن كثير من الأمور المهمة؛ لأنها شروط نجاح الثورة، ونحن لا نتحدث إلا عن شروط قيامها واشتعال جذوتها، فهل نحن قادرون؟ نعم.. إن شئنا.. والله المستعان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق