الأربعاء، 26 أكتوبر 2022

تلابيب كتاب صافي ناز كاظم!

 تلابيب كتاب صافي ناز كاظم!

خواطر صعلوك


في عام 1997م، وفي برنامج «الاتجاه المعاكس»، حينما كانت مواضيع البرنامج تدور في دائرة أسئلة مثل ما هي الطريقة المثلى للتعامل مع إسرائيل، أو مواضيع أقل بساطة وأكثر حماساً مثل «تعدد الزوجات»... 

وفي هذا الموضوع الأخير ظهرت سيدة راقية ومثقفة وصحافية مخضرمة، عندما انحدر مستوى الحوار مع الضيفة التي أمامها، انسحبت من البرنامج، وعندما قال لها فيصل القاسم:

- نحن على الهواء!

قالت له بثقة واستنكار:

- على الهواء! ان شاء الله نكون على القمر.

وعندما كرر فيصل القاسم تنبيه:

- نحن على الهواء سيدتي.

قالت له «الأفيه» الأشهر على الإطلاق في مواقع التواصل:

- إلغي رحلتي.



كثير من الناس «وأنا أولهم» لا يعرفون هذه السيدة إلا من خلال هذا المقطع الصغير الذي انتشر في مواقع التواصل تحت عنوان «قصف الجبهة».

صافي ناز محمد كاظم، كاتبة وناقدة، مصرية، صادقة وجريئة في طرح آرائها... استمتعت كل الاستمتاع أثناء قراءة كتابها «تلابيب الكتابة» المنشور عن دار الهلال عام 1994م، كتاب يحكي قصة طفولة بدأت عام 1937م، وتأخذ الكتابة والكلمة بتلابيبها، بين الملكية والثورة، ورشد ونضج ينتج الكلمة ويدفع ثمنها، وما بين المسافتين تجد الأدب والذكريات وشوارع مصر ومداخلها خلال فترتين، لترسم جغرافيا المدينة وسُهولها وتعرجاتها النفسية، والشعر والنقد والقصة القصيرة والأغاني والمسرح ورسائل حب وانكسار واكتئاب وألوان... إنه كتاب البساطة الذي يحمل عقل يتجول بعنفوان للتعبير عن فكرة.

أَخذ الكتاب بتلابيبي على مدى أربعة أيام، اسمع خلالها هدير أفكارها، وانسيابية المعنى ومنطقيته.

تذكر في إحدى «قطع» الكتابة:

أنها كانت تشعر بالفخر الوطني و«تنجعص» وترفع رأسها أمام الأخوة الخليجيين والعرب، إذا تحدثت عن تاريخ رصف شوارع مصر المحروسة، وعلى وجه الخصوص القاهرة والإسكندرية... وأن تلك الأمور مثل رصف الشوارع ومد خطوط السكك الحديد وجودة التعليم ومنظومة صحية متكاملة ونظام تقاضي عادل، وإعلام حر وواعٍ (وليس لبس المايوه والميني جيب أو حرية احتساء الخمر) هو أحد أهم شواهد المدنية والتقدم.

تنبه صافي ناز كاظم إلى فكرة مهمة وتساؤل مستحق وهو من الذي يستحق أن يُطلق عليه لقب «مستنير» أو تقدمي... هل هو الذي يخرج عن الخط الأساسي للتقاليد والسائد والمعروف، دون أن يقدم بديلاً أكثر معروفاً وحُسناً ونفعاً، أم هو الذي يعيد اكتشاف الأجزاء التي اختفت من «التقليد» ويعيد للعادة والمعروف رونقه وكماله؟

هل الحقيقة هي اكتشاف جديد، أم أنها قديمة وابتدائية، ولكنها تغيب عن الإنسان وينساها تحت ضغط ملايين الإعلانات والفيديوهات والإغراءات والفلسفات... ما يؤدي إلى إساءة فهم الآخرين والتاريخ والهوية والإجابة عن التساؤل المهم «من نحن، وما رسالتنا ومشروعنا الوجودي»؟.

وأثناء قراءتي للكتاب، جاءتني دعوة من هيئة سياحية على «الواتس آب» لزيارة إحدى الدول لمدة ثلاثة أيام مدفوعة التكاليف، وهي رسالة ركيكة من حساب تجاري يطلب صورة الجواز والبطاقة المدنية، فشعرت أن في الموضوع «نصبايه» كما يقول المصريون، وانني لست من الكُتاب الكبار لكي أنال دعوة مثل هذه!

فقلت للمرسل فوراً وأنا مستحضر لصافي ناز كاظم:

- إلغي رحلتي...!! 

فكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

Moh1alatwan@





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق