نصيحة إلى الكاتب
خواطر صعلوك
اسمح لي عزيزي القارئ، أن أقدم لك أقدم نصاً تاريخياً قدمه «أب» لابنه في تمجيد الكتب والقراءة والكتابة والأدب، ويرجع تاريخه إلى الأسرة الثانية عشرة من المصريين القدماء (الفراعنة)، وهو مكتوب على 4 برديات ولوحتين، حملهم «الابن» معه، وهو مسافراً «مصعداً» في النهر إلى عاصمة الملك لكي يلتحق بالمدرسة بين أولاد الحكام.
واسمح لي أيضاً عزيزي القارئ، أن اتصرف في النص من دون أن أجرح المعنى، من أجل التلخيص والتكثيف.
يقول الأب «لقد رأيت من ضُرب، ولقد شاهدت من أُعتق من الأشغال الشاقة. تأمل! لا شيء يفوق الكتب».
«اقرأ في الكتاب تجد فيه هذه... إن الكاتب عمله في كل مكان في حاضرة الملك ولن يكون فقيراً».
«والرجل الذي يعمل على حسب عقل غيره لا ينجح... ليتني أجعلك تحب الكتب أكثر من والدتك».
«وليت في مقدوري أن أظهر جمالها أمام وجهك. إنها أعظم من أي حرفة».
«تأمل! فإنه لا توجد حرفة من غير رئيس لها إلا صناعة الكاتب فهو رئيس نفسه، فإذا عرف الإنسان الكتب فإنه يُقال عنه بحق: إنها مفيدة لك...».
«وما أقوم به في سياحتي إلى الحاضرة - تأمل - إنما أقوم به حُباً فيك. ويوم في المدرسة مفيد لك وما تعمله فيه يبقى مثل الجبال».
«تأمل! إنه لا يوجد كاتب قد حرم القوت الذي هو متاع بيت الملك عاش في صحة وفلاح... ويجب على الإنسان أن يشكر والده ووالدته اللذين وضعاه على طريق الأحياء».
«والآن تأمل! فإن ما نصحتك به، أضعه أمام وجهك ووجه أولادك. وقد انتهى هذا بسلام».
إن جمالية هذا النص التاريخي تكمن في«وصايا الأبوة» ورؤية أهمية الكتابة والقراءة على الشخص وحريته وعلى ذريته وامتدادها، وعلاقة صنعة الكتابة بالمُلك.
وليس بعيداً عن هذا النص التاريخي الفرعوني، ما كتبه بعد ذلك، أحد أهم أعلام الكتابة في الدولة الأموية، عبدالحميد بن يحي الكاتب، في نص إسلامي أموي، يوضح أهمية الأدب والكتابة وصنعة الكاتب، حيث يوضح أن موقع الكُتاب من الملوك موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون.
وليس أحد من أهل الصناعات كلها، أحوج إلى اجتماع خلالِ الخير الحميدة، وخصال الفَضلِ المذكورة، المعدودة، منكم أيُّها الكتّاب.
ومن المهارات التي يحتاجها الكاتب أن يكون حليماً في كتابته، فهِماً في موضع الحكم، مِقداماً في موضع الإقدام، محجماً في موضع الإحجام، مُؤثراً العدل والعفاف والانصاف، كتوماً للأسرار، وفياً عند الشدائد، عالماً بما يأتي من النوازل.
يَعرف بغريزة عقله، وحُسن أدبه وفضل تجربته، ما يرد عليه قبل ورُوده، وعاقبة ما يَصدر عنه ويكتبه قبل صدوره.
ومن مفاسد الكُتّاب الإقبال على المطامع، وسفسافِ الأمور ومحاقرها، والدناءات والسعاية والنميمة، وما فيه أهل الجهالات، والكبِرَ والصلف والعظمة.
وليُشر الكاتب إلى الأعمال الجيدة لزملائه، ولا يعتقد أنه أفضل الكُتاب الموجودين في الساحة، وليحذر السقطة والزّلة والملل عند تَغيُّرِ الحال.
وإذا وَليَ الكاتب أمراً، أو صُير له من أمر خلق الله وعياله أمرٌ، فليكن على الضعيف رفيقاً، وللمظلوم مُنصفاً، وبالعدل حاكماً، وللأشراف مُكرماً، وللرعية متألفاً، وعن إيذائهم متخلفاً.
استعينوا على عفافكم بالقصد في كل ما ذكرته لكم، واحذروا متالِفَ السَّرف وسوء عاقبة الترف، فإنهما يُعقبان الفقر ويُذلاّنِ الرقاب.
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
قصة قصيرة:
- بم سُدْت قومَك، فوالله ما أنت بأجودهم ولا أشجعهم، ولا أجملهم ولا أشرفهم؟
- بخلاف ما أنت فيه.
- وما خِلاف ما أنا فيه؟
- بتركي من أمركَ ما لا يَعنيني، كما هناكَ مِن أمري ما لا يعنيك.
* حوار بين الأحنف بن قيس ورجل سأله.
@Moh1alatwan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق