الأرمن والحملة الصليبية الأولى
الأرمن شعب نصراني كان يعيش في هضبة أرمينية الكبرى، وللأرمن كنيسة وطقوس خاصة بهم مستقلة عن الكنيسة الأرثوذكسية في القسطنطينية وعن الكنيسة الكاثوليكية في روما ورئيس الكنيسة الأرمنية يُسمى كاثوليكوس.
وقد فتح المسلمون هضبة أرمينية في العصر الراشدي،
ولكن الروم والأرمن تمكنوا من الاستيلاء على هضبة أرمينية الكبرى في العصر العباسي الثاني،
وبعد ذلك تراوح الأرمن ما بين الخضوع للروم والاستقلال عنهم.
وفتح السلطان السلجوقي ألب أرسلان هضبة أرمينية الكبرى سنة 456 هجرية،
وترتب على فتح ألب أرسلان لأرمينية هجرة أعداد كبيرة من الأرمن إلى جنوب آسيا الصغرى
وبخاصة في قيصرية وإلى منطقة الثغور الشامية والجزرية واستقروا في مدن ملطية والرها والمصيصة وطرسوس وعين زربة وأنطاكية،
ومناطق أخرى في شمال الشام في منطقة قيليقية جنوب جبال طوروس.
وقد زادت هجرة الأرمن إلى هذه المناطق بعد انتصار السلاجقة في معركة «ملاذكرد» سنة 463 هجرية،
وقد اختار الأرمن هذه المناطق لوعورتها وبعدها عن الطرق التي سلكها السلاجقة وقبائل التركمان في فتوحاتهم لبلاد الروم.
وحين وصلت الحملة الصليبية إلى قيصرية في آسيا الصغرى وشمال الشام،
وجد الصليبيون أمامهم شعباً نصرانياً يرحب بهم ويقَدِّم لهم المؤن والطعام والأدلاء هم الأرمن،
واستطاع الصليبيون السير بسهولة عبر هذه المناطق، بسبب المساعدات التي قدَّمها الأرمن لهم.
وقد تمكن القائد بلدوين البولوني من تأسيس أول إمارة صليبية في الرها حين استدعاه المتغلب عليها ثوروس الأرمني وتبنُاه،
فدبر بلدوين مؤامرة راح ضحيتها ثوروس، وانفرد بحكم الرها.
كما تمكن الصليبيون من حصار أنطاكية زمناً طويلاً بسبب المؤن والمساعدات التي قدّمها الأرمن لهم.
وسقطت أنطاكية بيد الصليبين بسبب خيانة فيروز الارمني الذي كان يحرس أحد أبراج السور.
وهكذا قام الأرمن بدور حاسم في قيام إمارتين صليبيتين في شمال الشام والجزيرة الفراتية.
كما تجند الأرمن في جيوش الإمارتين وقاموا بدور كبير في قتال المسلمين وقامت إمارات أرمنية عديدة في منطقة قيليقية،
وتطورت إلى أن أصبحت مملكة في منتصف عصر الحروب الصليبية عرِفت باسم «مملكة أرمينية الصغرى».
د. علي محمد عودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق