الانعتاق من التفكيرات الجماعية الباطلة
خباب مروان الحمد
في كتابه: (سيكولوجية الجماهير) تحدث «غوستاف لوبون» عن مشكلة الأثر السيئ الذي يتركه المجموع على عقل الفرد وقدراته على التفكير.
وفي كتابه: (المؤمن الصادق) ذكر «إريك هوفر» أنّ قدرات العقل مهما كانت متميزة فإن الانحباس في المجموع يحد كثيراً من استطاعة التحليل والاستقراء والتقييم لديه .
تأمّل آيات القرآن الكريم فإنّك ستراها سبّاقة في تعليمنا ضرورة الانعتاق من التفكيرات الجماعية الباطلة، والخروج من التقليد الأبوي والشعبوي الذي يجترّه المجتمع فيما بينه وليس مستعداً لأن يُفكّر أهُو صوابٌ أو لا !!
إذا وُلد المرءُ ورأى والده أو مجتمعه أو فئته التي ينتمي إليها قد قالوا بقولٍ؛ وثبتَ أنّه مجانبٌ للصواب؛ فليس عقوقاً أن يُخالفهم إذا ثبت له عدم دقّة مسلكهم؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلّم خالف دين عبد المطلب؛ ومع هذا كان يقول:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب!
قد يكونُ للآخرين عليك أفضال في تربيتك…في نشأتك..في تقويم كثيرٍ من أفكارك… لكن لا ينبغي أن يكون حال المرء وقفياً على تلك البيئة أو العقلية الأبوية!
ليسَ مطلوباً منّا أن نعيش حياتنا وقفاً حبَسنا فيه أصل أفكارنا وحكرناه على فكر المجموع؛ لنكون نسخاً كربونية متماثلة أو متشابهة؛ ثم نُسبّل منافع الفكر الذي جرت ماء حياته فيه بداية ثم ركد على ما أوقف عليه!
بعضُهم مستعدٌ أنّ يبقى كما هو في مكانه يسير، أو حول دائرته يدور!
لا يعرفون مفهوم لا أبرحُ حتى أبلغ ، وطرقة الحزم وأخذ النفس بالعزم للبداية برحلة التعلم والفهم؛ ومنهجية التوق والشوق والشغف للتطلع للصواب؛ حيث يلغيه كثيرٌ من الناس!!
لأنّ كثيراً من الناس تراهم يقولون: القبيلة التي نشأتُ فيها، أو البيئة التي كنت فيها، أو الحزب الذي أنتمي إليه؛ أو الأجداد الذين أنتمي إليهم؛ قالوا ما قالوا؛ وإذا كانوا كذلك فسأقولُ كما قالوا!
والصواب أن يُراجع المرء ذاته، وينقد فكره، ويجرد حسابات فكره ومآلاتها وإلى أين ستسير به!
هنالك فرقٌ بين المبادئ والثوابت والاعتقادات الدينية الثابتة..
وبين الأفكار، والتصورات، والآراء، والمفاهيم…
وكثيرٌ من الناس يجعل الثانية كالأولى !
والثابت على معتقده الصحيح يحرص على إخراج الناس من الضلالة إلى الهداية؛ لكن لا يحمل همّهم أكثر مما أمره الله به؛ لأنّه أخذ على نفسه مفهوم: (لا إكراه في الدين).
بَيْدَ أنّ الثابت على فكره قد يكون أسوأ في طبيعة التعاطي مع الآخرين فهو يريد أن يستحوذ عليهم، وأن ينتقص منهم، وهو مستعدٌ لأن يجعل الفكرة الجمعية الاعتناقية التي يعيش بها أكثر سعياً لنشرها من الملّة الحنيفيّة الاعتقاديّة التي يجب أن يُبشّر بها.
وكثيراً ما تجني الأفكار على العقائد..
وكثيراً ما تتغوّل مدركات النفوس على تَرِكَاتِ السابقين؛ فتقتات وتعيشُ على ما كانوا عليه؛ لأنّ المكاسب والثمار الناتجة كانت في صالح من يتبنّى هذه المواقف مع أنّ الفكر قد يحتاج لتطور أو استبدال بحسب حاجة الزمان.
من هنا يجب على كلّ امرئ منّا أن يبدأ الفحص والتثبت والسبر والاختبار؛ هل ما كانوا عليه من أفكارٍ وعقائد جمعية في مجتمعه الشعبي دقيقة أو لا؟
يقول الله تعالى في محكم التنزيل:{قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا}.
إنّ وقفة تفكّر جادة مع النفس أو في جلساتنا الثنائية مع صديقٍ أو صاحبٍ لنا؛ تجعلنا نشعر بقيمة أنفسنا وما أودعه الله فينا من عقل:
أقلِّب فكري في أمور كثيرةٍ * وما قيمة الإنسان إن لم يفكرِ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق