عام على حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا: (2) التبشير بالنصر!
"نحن واثقون تمام الثقة أنكم ستستمرون في الانتصار"، "أوكرانيا لن تكون أبدا نصرًا لروسيا"، "سنقف إلى جانبكم مهما استغرق الأمر"، "نعلم أن بانتظارنا أياما وأسابيع وسنوات صعبة جدًّا"، "الدفاع عن الحرية ليس عمل يوم أو سنة، إنه دائمًا صعب"، "ستستمر الأيام الصعبة والمريرة للغاية والانتصارات والمآسي، لكن أوكرانيا مستعدة للمعركة المقبلة"، "الولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع حلفائها وشركائها، ستستمر في دعم أوكرانيا وهي تدافع عن نفسها".
هذه بعض العبارات التي أوضح فيها الرئيس الأميركي جو بايدن موقف بلاده من الحرب الروسية الدائرة على أوكرانيا، أثناء زيارته لكل من أوكرانيا وبولندا بمناسبة مرور عام على هذه الحرب، وتكررت في كلمات نائبته كامالا هاريس ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بهذه المناسبة، وقد أكدوا جميعًا أن الولايات المتحدة ستستمر في الوقوف مع إلى جانب أوكرانيا مهما كلف الأمر ومهما طال الوقت.
انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا يعني هزيمة روسيا عسكريا وسقوط نظام بوتين، وفي المقابل فإن هزيمة القوات الأوكرانية تعني سقوط نظام زيلينسكي وهزيمة الولايات المتحدة وحلف الناتو عسكريا.
لم تكن هذه العبارات للاستهلاك البروتوكولي والإعلامي، وإنما كانت بمنزلة إعلان عن مسار الحرب في العام القادم وما يليه حتى تحقق أهدافها، إما بإخضاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمطالب الأميركية بالانسحاب من أوكرانيا والاستسلام للقيادة الأميركية للنظام الدولي القائم على القواعد، أو إسقاطه والتخلص من نظامه، وإحداث تغيير بديل على غرار ما حدث للاتحاد السوفياتي في بعد انسحابه من أفغانستان سنة 1988م.
استغلت الإدارة الأميركية بذكاء شديد وببراعة فائقة مناسبة مرور عام على حربها في أوكرانيا، لتعبر عن رؤيتها لطبيعة هذه الحرب، وعن مواقفها تجاهها، وما حققته حتى اليوم في مواجهتها، وعن خطتها المستقبلية لإنهائها. فقد نشطت في فعاليات ومناسبات عديدة قامت بها في أسبوع ذكرى مرور عام على حربها ضد روسيا في أوكرانيا، التي توافق يوم 24 فبراير/شباط، وركّزت في جميع الكلمات والبيانات الصادرة في هذه المناسبات على المحاور ذاتها، سواء في كلمات الرئيس بايدن في أوكرانيا وبولندا يومي 20 و21 فبراير/شباط الماضي، ونائبته في مؤتمر ميونخ للأمن الدولي في 18 فبراير/شباط، ووزير خارجيته يوم 24 من الشهر نفسه، وكلمته في الاجتماع الوزاري لمجلس الأمن بشأن أوكرانيا في اليوم نفسه، إلى بيان قمة الدول السبع الاستثنائية عن طريق الإنترنت في اليوم نفسه أيضا.
أولًا: المحور الروسي
حرصت الإدارة الأميركية على التأكيد أن الحرب التي شنّها الرئيس بوتين فشلت، مع إبراز الخسائر التي تلحق بالجيش الروسي، وكيف أن الشباب الروس الموهوبين يفرون من الجيش ولا يرغبون في العودة إلى روسيا التي يرون أنه لا مستقبل لديهم فيها، مع تأكيد فشل الاقتصاد الروسي وركوده وعزلته. وهي بهذا تحاول أن تضرب عدة عصافير بحجر واحد: الأول ضد الجيش الروسي عن طريق الإمعان بإضعاف معنوياته وتحريضه على قيادته، والثاني ضد الشعب الروسي بدفعه إلى اتخاذ موقف مناهض للحرب وحثه على التظاهر ضد بوتين ونظامه، والثالث ضد بوتين مباشرته لدفعه إلى إيقاف الحرب والانسحاب من أوكرانيا.
وفي ما يلي أهم المضامين التي ركّزت عليها الإدارة الأميركية في هذا المحور:
إدانة العدوان الروسي
التأكيد أن العدوان الروسي على أوكرانيا اعتداء على أراضي الغير وانتهاك لسيادة الدول، وإظهار روسيا باعتبارها دولة استبدادية خارجة عن القانون الدولي، وتسعى إلى ضم أراضي الغير من دون وجه حق عن طريق الحرب.
خطأ الحسابات الروسية
إبراز الخطأ الذي وقعت فيه روسيا حين ظنّت أنها ستستولي على أوكرانيا في بضع ساعات أو أيام، وستقوم بإزاحة الحكومة الحالية وإحلال حكومة بديلة موالية لموسكو، ولكنها فشلت في ذلك أمام صمود القوات الأوكرانية، الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية واضحة على قدرات الجيش الروسي الذي تكبّد خسائر فادحة بلغت نحو 200 ألف جندي حسب المصادر الإعلامية الغربية، مع انعكاسات سلبية كذلك على صورة الجيش الروسي في العالم.
الجرائم الروسية والمحاسبة عليها
التنديد الدرامي بالجرائم الروسية في أوكرانيا، من مذابح للمدنيين واغتصاب للنساء وخطف للأطفال ونقلهم إلى روسيا، ومن تدمير للمباني السكنية والمدارس والمستشفيات. والتشديد على أن روسيا لن تفلت من العقاب، والتشديد على أهمية جميع وتوثيق جميع البيانات والمستندات التي تثبت هذه الجرائم.
تشديد العقوبات
التأكيد أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها سيستمرون في فرض مزيد من العقوبات على روسيا في شتى المجالات، وقد أعلنت الولايات المتحدة مع أكثر من 30 حليفًا من حلفائها وشركائها حزمة جديدة من العقوبات الأسبوع الماضي بمناسبة مرور عام على الحرب في أوكرانيا، تركّز على تشديد إجراءات التصدير لروسيا لمنع وصول المدخلات الحرجة والتقنيات المتقدمة إليها، وتطبيق العقوبات على أكثر من ألفي فرد أو كيان، مع تشديد قيود التصدير على أكثر من 375 كيانًا من بينها شركات رئيسة مملوكة للدولة الروسية وجهات فاعلة ثالثة تدعم آلة الحرب الروسية. بالإضافة إلى ذلك، امتيازات روسيا في التجارة الدولية وزيادة التعريفات الجمركية على مئات المنتجات الروسية المستوردة إلى الولايات المتحدة.
تماسك الموقف الدولي
تأكيد صلابة الموقف الدولي مع الولايات المتحدة ضد الحرب الروسية على أوكرانيا، وفشل المحاولات التي قامت بها روسيا لإحداث شرخ بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وتأكيد إصرارهم على دعم القوات الأوكرانية حتى تحقق أهدافها باستعادة سيادتها وتحرير أراضيها ودحر العدوان الروسي عنها، وذلك مع التشديد على إدانة الخطاب الاستفزازي الروسي غير المسؤول حول التلويح باستخدام الأسلحة النووية، والتأكيد أن هذا الاستفزاز لن يصرف انتباه الولايات المتحدة وحلفائها أو يثنيهم عن دعم أوكرانيا.
الدعوة إلى الانسحاب
دعوة روسيا إلى إيقاف الحرب والانسحاب الفوري من أوكرانيا، والتأكيد أن هذا القرار بيد روسيا، ولا يحتاج إلى إجراءات كثيرة، فالرئيس بوتين هو الذي بدأ الحرب وهو الذي يستطيع أن يضع حدًّا لها، ويتخذ قرار التراجع عنها، مع التشديد على أن الانسحاب يجب أن يكون فوريا شاملًا ودون أي شروط.
شدّدت الإدارة الأميركية على إدانة الخطاب الاستفزازي الروسي غير المسؤول حول التلويح باستخدام الأسلحة النووية، وأكدت أن هذا الاستفزاز لن يصرف انتباه الولايات المتحدة وحلفائها أو يثنيهم عن دعم أوكرانيا.
ثانيًا: المحور الأوكراني
ركّزت الإدارة الأميركية، في خطابها الموجّه للقيادة الأوكرانية والشعب الأوكراني بهذه المناسبة، على رفع الروح المعنوية للقيادة السياسية والعسكرية والقوات الميدانية، والإشادة بصمودها وبطولاتها، وعلى الإشادة بالشعب الأوكراني، وطمأنته بأن تضحياته لن تذهب هدرًا، وأن النصر قادم لا محالة، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها يقفون إلى جانبه حتى يتحقق ذلك.
تعوّل الإدارة الأميركية كثيرًا على صمود القوات الأوكرانية في ميدان المعركة، لأنها خط الدفاع الرئيس والساتر الدفاعي الحيوي الذي يتستر خلفه الدعم الغربي ضد القوات الروسية، وكما أن انسحاب القوات الروسية يعني هزيمة روسيا عسكريا وسقوط نظام بوتين، فإن هزيمة القوات الأوكرانية في ميدان المعركة تعني سقوط قيادته السياسية وهزيمة الولايات المتحدة وحلف الناتو عسكريا، وتزيد من احتمال انتقال المواجهة لتصبح بينهم وبين روسيا مباشرة، وذلك يعزز القول إن الولايات المتحدة وحلفاءها سيذهبون في دعم أوكرانيا إلى أبعد مما نتصور.
وفي ما يلي أبرز المضامين التي ركّزت عليها الإدارة الأميركية في هذا المحور:
الإشادة بالصمود الأوكراني
الإشادة البالغة بالصمود الأوكراني العسكري والشعبي، وتعزيز الهوية الوطنية المستقلة، والتعبئة الشعبية لمواصلة القتال وتحمّل تبعاتها، في سبيل استعادة السيادة الكاملة لدولته. وكذلك الإشادة بالجيش الأوكراني وبطولاته في مقاومة القوات الروسية، وقدرته على إلحاق الهزيمة بها عاجلًا أو آجلًا، فالحرية لا تقدر بثمن وتستحق الكفاح من أجلها مهما استغرق الأمر، على حد قول الرئيس بايدن لنظيره الأوكراني.
مواساة الشعب الأوكراني
مواساة الشعب الأوكراني فيما يفقده من خسائر من الأهل والأقارب والأحبة، وفيما يعانيه من آلام النزوح والتهجير وعدم الاستقرار، والتشديد على أن هذه التضحيات لا بد منها، رغم صعوبتها وقسوتها، من أجل إنهاء العدوان الروسي، واستعادة السيادة الأوكرانية على جميع أراضيها، مع طمأنة الشعب الأوكراني بأن الولايات المتحدة تقدّر تمامًا هذه التضحيات، وتتألم بشدّة لمعاناته، وتقف بصلابة إلى جانبه، مهما تطلّب الأمر وطال الوقت.
مواصلة الدعم
التأكيد أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها سيستمرون في الوقوف إلى جانب الحكومة الأوكرانية وشعبها، ويقدمون لهم كل أنواع الدعم الإنساني والعسكري، لمساعدتهم على دحر العدوان الروسي، واستعادة أراضيهم.
التبشير بالنصر
التأكيد أن النصر قادم لا محالة، وأنه قد يكون وشيكًا، وقد يتأخر بضعة أشهر أو سنوات، ولكنه آت من دون أدنى شك.
(يتبع.. المحور الأميركي: خطة إسقاط بوتين)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق