قضية الأخلاق عندنا
❞ قضية الأخلاق عندنا:هل ترجع هزائمنا العامة إلى أننا لا نملك طائرات بعيدة المدى ، وإلى أننا لا نصنع القنابل الذرية ؟ بعض الناس يتصور أن عجزنا الصناعي والعسکری من وراء تخلفنا هنا وهناك ، وأن أمتنا لو ملكت هذه الأسلحة سادت وقادت !..
إن هذا فكر سقيم ، والواقع أننا مصابون بشلل عضوي في أجهزتنا الخلقية ، وملكاتنا النفسية يعوقنا عن الحراك الصحيح ، وأن مجتمعاتنا تشبه أحياء انقطع عنها التيار الكهربائي فغرقت في الظلام ، ولابد من إصلاح الخلل الذي حدث کی يسطع التيار مرة أخرى .
وعلاج الأعطاب الشديدة أو الخفيفة بالكلام البليغ أو النصح المخلص لا يكفي ! لابد من إزالة أسباب الخلل ، ومن إعادة الأوضاع إلى أسسها السليمة إلى فطرتها الأولى .
"وفطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله "
وقد راعني أن خلائق مقبوحة انتشرت بين الناس دون مبالاة ، أو مع إغراض متعمد ، واستمرت مواقعة الناس لها حتى حولها الإلف إلى جزء من الحياة العامة ، ومن هنا رأينا الاستهانة بقيمة الكلمة ، ورأينا قلة الا كتراث بإتقان العمل ، ورأينا إضاعة الأمانات والمسئوليات الثقيلة ، ورأينا القدرة على قلب الحقائق ، وجعل الجهل علما والعلم جهلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا ...
إن قضية الأخلاق وما عراها من وهن أمر جلل . إنك لا تستطيع بناء قصر شاهق دون دعائم وأعمدة وشبكات من حديد ، ولا تستطيع بناء إنسان كبير دون أخلاق مكينة و مسالك مأمونة وجملة من الحلال تورث الثقة ، وتأمل في قول أبي تمام :
وقد كان فوت الموت سهلا فرده
إليه الحفاظ المر والخلق الوغر!
إن ضمانات الحق الصلب في سيرة هذا البطل هي التي تعلو بها الأمم ، وتنتصر لرسالات ، وهي التي يستخذي أمامها العدو وتنهار الطواغيت ، وعندما ترى مجتمعا صارما في مراعاة النظام ، دقيقا في احترام الوقت ، صريحا في مواجهة الخطأ ، شدید الإحساس بحق الآخرين ، غيورا على كرامة الأمة ، كثيرا عند الفزع ، قليلا عند الطمع ، مؤثرا إرضاء الله على إرضاء الناس ، عندما ترى هذا الخلال تلتقي في مجتمع ما ، نثق أنه يأخذ طريقه غدا إلى القمة .
وقد كان المسلمون الأوائل نماذج أخلاقية تجد فيها الشرف والصدق والطهر والتجرد، ولذلك تصدروا القافلة البشرية عن جدارة ، ولا غرو کانوا صنع الإنسان الذي وصفه الله بقوله في" وإنك لعلى خلق عظیم " وكانوا نضح روحه العالى فمشت وراءهم الشعوب تتعلم وتتأسى .
أما اليوم فنحن نجري ونلهث وراء الشعوب الأخرى دون أن نصل إلى مستواها ، لأن وزن الأخلاق عندنا خفیف و ارتباطنا بها ضعيف ..
والأخلاق مجموعات متنوعة من الفضائل والتقاليد تحيا بها الأمم کما تحيا الأجسام بأجهزتها وغددها ، فإذا اعتلت هذه المجموعات وانفکت رأيت ما لا يشر في مسالك العامة والخاصة ..
في كثير من البلاد الإسلامية رأيت الوساخة في الطرق والبيوت أو في الملابس والأبدان ، ورأيت الفوضى في سير الأشخاص والعربات ، ورأيت الإهمال والتهاون في تناول السلع والواجبات ، ورأيت دوران الناس حول مآربهم الذاتية ونسيانهم المبادئ الجامعة والحقوق العامة ، ورأيت انتشار اللغو والكسل وفناء الأعمار في لا شيء !!.
الكذب في المواعيد وفي رواية الأخبار، وفي وصف الآخرين أمر سهل ! وكذلك استقصاء الإنسان في طلب ما يرى أنه له ، واستهانته في أداء ما هو عليه ، ونقصه ما هو قادر على إتمامه ، وفقدان الرفق في القول والعمل وشيوع القسوة والمبالغة في الخصام .. .
ثم تحول الآداب إلى قشور يطل من ورائها الرياء بل إن الرياء - وهو في الإسلام شرك - يكاد يكون المسيطر على العلاقات الاجتماعية ، وهو الباعث الأول على البذخ في الأحفال والولائم والمظاهر المفروضة في الأفراح والأحزان ..
العجز الإداري قد يرجع إلى أسباب خلقية وعلمية ، بيد أن الأسباب الخلقية عندنا أسبق .
الفشل العسکری قد يرجع إلى أسباب نفسية وفنية وصناعية ، بيد أن الأسباب النفسية عند العرب أظهر وأقوى ..
ويجزم أولو الألباب بأن السياسية العرب والقادة العرب وراء كل نصر أحرزه بنو إسرائيل خلال أربعين سنة .
بل إن قادة اليهود صحوا بأن المكاسب التي أحرزوها تجاوزت الأحلام وسبقت الخيال !
إنهم ما خططوا لها ولا احتالوا لبلوغها ! إنها هدية من الانحلال العربي ومن ضعف الأخلاق ، إنها غنيمة باردة لخصوم يحسنون انتهاز الفرص ! .
وأي فرصة أغلى من أن يكون القائد العربي صريع مخدرات ومسكرات ، وأن يكون الزعيم العربي قد وصل إلى منصبه فوق تأ من جماجم خصومه ، ورفات بني جنسه المدحورين أمامه
إن هذه أعظم فرصة لقيام دولة إسرائيل ، لقد قامت في الفراغ المتخلف من ضياع الأخلاق لدينا، وتحول المسلمين إلى أمم مقطعة ، خربة الأفئدة ، مخلدة إلى الأرض ، جياشة الأهواء ، باردة الأنفاس ...
إننا نقول لغيرنا : النار مصير الملاحدة والمشركين ، لسوف يجزون ما يستحقون لقاء كفرهم بالله ونسيانهم له !.
ليت شعري لماذا لا نقول لأنفسنا : والنار كذلك مثوى المرائين الذين عموا عن وجه الله، وأرادوا الحياة الدنيا وزينتها، واستماتوا في طلب الشهرة والسمعة والمال والجاه ، وكانت علاقتهم بهذه الأهواء أشد من علاقة المشركين بأوثانهم ؟؟
لماذا لم نقل لأنفسنا : إن أول من تسعر بهم النار ، رجال دين يطلبون الدنيا ، ورجال مال وحرب ينشدون الوجاهة والسلطان ؟ ألم يقل لنا نبينا له ذلك؟.|
إنني طفت في أقطار إسلامية كثيرة ، فرأيت سطوة العرف أقوى من سطوة الشرع ، واتباع الهوى أهم من اتباع العقل !وللناس قدرة عجيبة في إلباس شهواتهم ثوب الدين ، .|
وتحقيق مآربهم الشخصية باسم الله. ❝
أديب الدعوة الشيخ محمد الغزالي--كتاب هموم داعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق