أجواء 30 يونيو.. ولا سيسي لها!
جلبة تملأ الفضاء الإلكتروني، هاشتاج "ارحل_يا_سيسي" يتصدّر تويتر لأيام عديدة، والمصريون يدخلون في حركة احتجاج إلكترونية لافتة، يُصاحب هذا فجور من قبل النظام على كافة المستويات؛ بما يُنذر أننا في لحظة مفصلية وكأنها تنادي كل "سيسي" ليستجيب لها ويقتنص الفرصة لحكم مصر!
لا شك أن عزم وتصميم السيسي لإكمال انقلابه وحسم الأمور في الثالث من يوليو 2013 كان تصميمًا أكيدًا، فقد اتخذ قرارًا ونفذه مباشرة وتحمّل نتائجه، وهكذا الفرص واللحظات الفارقة لا تحتمل تأجيل أو مماطلة، واليوم في منتصف 2018 تعيش مصر نفس الحالة وذات الأجواء الشعبية الرافضة. والحياة السياسية قد تم تدمير ملعبها وتحويله إلى أرض خراب، بل هناك إرادة مُستبطنة لدى النظام أنه ولا بد أن يحرق الأرض وينسفها نسفًا، والاقتصاد الجشع يرزخ المصريون تحت لكماته اليومية الموجعة؛ فجيب المواطن هو مصدر دخل الدولة، حيث 77 بالمئة من إيرادات الدولة ما هي إلا ضرائب وجبايات يدفعها المواطن إجباريًا.
يُصاحب هذا فشل على كافة المستويات؛ فسيناء صارت ساحة خلفية لقوى الشر جميعًا ولا يستطيع الجيش أن يضبط أو يربط فيها، ويتهدد كيان البلاد خطر ماحق بسد النهضة الأثيوبي والذي يستطيع أن يُجفف منابع الحياة بمصر، والبحر الأحمر وخليج العقبة صارا ممرًا آمنًا للكيان الصهيوني بعد أن باع النظام جزيرتي "تيران وصنافير" المصريتين لآل سعود.
يبقى سيناريو الثورة التي يصنعها الشعب وقواه الحية، هي الأكثر ضمانًا وأمنًا على مستقبل البلاد، ولكن ولأننا نعيش نفس أجواء السخط الشعبي التي حدثت في 30 يونيو |
كل هذا من تفريط وفشل وخيانة يضع المصريين في مفترق طرق، وها هو الشعب يُظهر رفضًا عامًا لشخص السيسي ويُطالبه بالرحيل، فإن كان 3 إلى 5 مليون يرضون عن السيسي ويريدون بقاءه في الحكم، فهناك 95 مليون مصري يريدون رحيله. إلا أن الإرادة وحدها لا تكفي فلا بد من قرار يدعم هذه الإرادة، فعلى الشعب وقواه الحية أن يأخذوا قرارًا حاسمًا وواضحًا برحيل السيسي وفورًا، ومن الطبيعي أن أي قرار تكون ترجمته هي الفعل والحركة، ولكننا ما زلنا في مرحلة "الشعب يريد"، وهذا يعني أن الساحة مفتوحة لكل شبيه بالسيسي أن يُقرر هو ويفعل!
وبشكل عام بظني أن السيسي لن يرحل خلال الأربع سنوات القادمة (في حال رحل) إلا بـ:
– عدم قدرته على تعديل دستور الانقلاب. (وهذا احتمال ضعيف جدًا دبورجدًا).
– العجز الدائم أو الوفاة. (وهذا سيكون فضل من الله ونعمة قدرية).
– الاغتيال. (سيناريو مُرجح – وهو من أقل السيناريوهات تكلفة).
– انقلاب عسكري. (سيناريو مُرجح – ستكون مجزرة بينهم).
– ثورة. (أقل السيناريوهات المُرجحة – ثورة كاسحة تسحقهم).
يبدو أن السيناريوهات المُرجحة كلها عنيفة، والسيناريوهات السياسية ماتت كلها ولم يبق منها إلا أمل البعض في عدم قدرته على تعديل دستور الانقلاب، هكذا قال السيسي أنه "مش سياسي" وعليه فلن يرحل إلا بأن يُهلكه الله بأقداره، أو يُقتل، أو يتعرض هو وفريقه لمجزرة بانقلاب عسكري عليهم، أو ثورة تُفجر بركانًا هائلًا سحقها للسيسي سيكون أهون نتائجها.
وكون العنف سمة في سيناريوهات الإزاحة، يجعل الأجواء مُهيئة لمن يتمثل السيسي ويفعل مثل ما فعل، فيأخذ القرار ويتخذ خطوات عملية تُفضي لإزاحة السيسي، وبطبيعة الحال من يخوض معركة ويتحمّل مغارمها ثم ينتصر يكون هو صاحب الأمر والنهي، فلن يكون نصرًا للشعب بقدر ما هو نصر لهذا السيسي الجديد. لذا قد يرحل نظام الانقلاب مع بقاء الانقلاب ومحدداته ومسلكه وطريقته، وهذا سبيله منع السيسي من تعديل الدستور أو بالتخلص منه كالسادات، أو قد يرحل بحركة من داخل الجيش وستكون حدثًا مفصليًا وكبيرًا ما قبلها ليس كما بعدها، ولن تُبقى على الانقلاب ولا أي من نظامه ولا حتى مصر التي عرفناها؛ فستكون مصرًا جديدة للأسوأ وأضل سبيلًا أو حربًا مستعرة أو تغييرًا جذريًا ودولة جديدة.
لذا يبقى سيناريو الثورة التي يصنعها الشعب وقواه الحية، هي الأكثر ضمانًا وأمنًا على مستقبل البلاد، ولكن ولأننا نعيش نفس أجواء السخط الشعبي التي حدثت في 30 يونيو، مع عدم وجود جهة شعبية منظمة تقوم بثورة، يظل هناك فرصة سانحة لكل طامح وطامع وسيسي، مثلًا أراد كلًا من "أحمد شفيق" و"سامي عنان" أن يكون أحدهما هو السيسي الجديد.
وبالرغم من تصميمنا على أن الشعب هو الذي عليه أن يفرض إرادته وقراره، إلا أنه بالفعل هناك اتفاق عام على أن من سيبذل وسيدفع لإزاحة السيسي يُمكنه أخذ مكانه بشروط ولفترة مؤقتة، ولكن حتى هذا فيه أزمة؛ فنحن نعيش لحظة تدمير للواقع تمنع حتى من ظهور هذا المُخلّص، وكأنها أجواء 30 يونيو ولا سيسي لها!
ولم يبق أمام الشعب إلا أن يرفع من مستوى احتجاجه ورفضه، فجميل أن نرى حالة السخط هذه بالواقع الافتراضي، وجميعنا يلمسها بلا شك في الشارع إلا أنها أقل حدة وصدى، ولذا لا بد وأن يرتفع الصوت وأن يشتعل الغضب بالواقع، فبعد أن علا صوتنا بالمنصات ومواقع التواصل، لا بد أن يُسمع نفس الصوت وبشدة أكبر بالشوارع والأسواق والمقاهي والمواصلات والأماكن العامة والخاصة والبيوت والمساجد والكنائس، فربما ليس مطلوبًا منّا الآن كشعب غير هذا.
تكلّموا ولا تبتعلوا ألسنتكم في حلوقكم، وافرضوا واقعًا جديدًا يقول "ارحل يا سيسي" تملأ الشوارع وترتج بها مصر على كل الألسنة، عندها تكونوا قد أتممتم الحالة وحضّرتم الأجواء التي حتى الآن "لا سيسي لها"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق