لماذا يتسابقون على إعادة تأهيل نظام الأسد؟
خلال الأسابيع الأخيرة، توافد مسؤولون عرب على سوريا، ليس لتقديم الدعم لضحايا الزلزال الذي ضرب المناطق الشمالية الغربية من سوريا وأسفر عن وفاة ما يقرب من 5000 شخص، بل لتطبيع العلاقات مع النظام السوري وإعادة "تعويم دكتاتور سوريا بشار الأسد".
ففي 27 فبراير/شباط الماضي، وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق في زيارة هي الأولى لمسؤول مصري كبير منذ بداية الانتفاضة السورية عام 2011. وقبل ذلك بيوم، زار وفد من البرلمانيين العرب -يتقدمهم رئيس مجلس النواب المصري المستشار حنفي الجبالي- دمشق والتقوا الأسد ومسؤولين سوريين آخرين.
وقبل ذلك بأسبوعين، أي منتصف فبراير/شباط الماضي، وبعد وقوع الزلزال بأيام قليلة، قام وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بزيارته الثالثة إلى دمشق، والتقى خلالها بشار الأسد. وبعده بأيام، وصل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول أردني رفيع منذ اندلاع الانتفاضة السورية قبل أكثر من عقد.
وبرّر هؤلاء المسؤولون زياراتهم وتوافدهم على سوريا بتقديم الدعم والتضامن للشعب السوري الذي تضرّر من الزلزال. وهي حُجّة ليست فقط واهية، لأن الزلزال لم يقع في دمشق وإنما في أماكن أبعد ما تكون عن العاصمة السورية مثل حلب وحماة واللاذقية وطرطوس وإدلب، وبعضها ليست تحت سيطرة النظام السوري؛ بل أيضا كاشفة لحجم الرغبة الشديدة لدى مسؤولي تلك البلدان في إعادة العلاقات مع نظام الأسد، وكأن شيئا لم يكن خلال العشرية الماضية، وكأن هذا النظام لم يقتل أكثر من نصف مليون شخص، ولم يهجّر ما يقرب من 12 مليون سوري داخليا وخارجيا، ولم يدّمر البلاد من أجل البقاء في السلطة بأي ثمن.
وحقيقة الأمر، فإن محاولات التطبيع مع نظام الأسد وإعادة تعويمه لم تبدأ مع الزلزال، وإنما قبل ذلك بسنوات. فعلى سبيل المثال، رأينا دعما إماراتيا واضحا للأسد ونظامه خلال الأعوام الماضية التي قدمت فيها أبو ظبي مساعدات مالية واقتصادية غير محدودة لنظام الأسد، كما كانت أول دولة عربية تعيد فتح سفارتها في دمشق أواخر عام 2018، وأول دولة عربية تستقبل بشار الأسد بعد قطيعة وحصار عربي دام عقدا كاملا منذ انطلاق الثورة السورية.
هناك محادثات هاتفية بين فترة وأخرى بين الرئيسين الإماراتي والسوري، كذلك فإن الشيخ عبد الله بن زايد هو أكثر وزير خارجية عربي زار دمشق خلال الأعوام الأخيرة. وتعد الإمارات من الدول القليلة التي احتفظت بعلاقات مفتوحة مع الأسد طيلة العقد الماضي، وهناك تقارير إخبارية عديدة عن تقديمها دعما ماليا صريحا من خلال إرسال ملايين الدولارات لنظام الأسد من أجل تعزيز مكانته الداخلية وحل مشاكله الاقتصادية. ولعل أحد تفسيرات ذلك الدعم هو تلك الخصومة التي كانت بين أبو ظبي وتركيا خلال العقد الماضي، قبل أن تتحسن العلاقات خلال العامين الأخيرين. كذلك تحاول أبو ظبي استقطاب سوريا بعيدا عن التحالف مع إيران التي تراها أبو ظبي تهديدا لأمنها القومي.
أما مصر، فمنذ منتصف عام 2013 وعلاقتها بنظام الأسد في تحسّن مستمر، سواء من خلال الدعم العسكري المباشر أو الدعم السياسي والدبلوماسي، خاصة ما يتعلق بإعادة تأهيل نظام الأسد وعودته للجامعة العربية التي بعد تعليق عضوية سوريا أواخر عام 2011. وهناك تقارير إخبارية حول تقديم مصر دعما عسكريا ولوجيستيا لنظام الأسد. وعبر الرئيس المصري قبل ذلك عن دعمه للجيش السوري التابع للأسد، وذلك في حوار مع جريدة برتغالية عام 2016. كما أجرى -عقب الزلزال الأخير- مكالمة هاتفية مع الأسد هي الأولى بين الطرفين.
ويمكن تفسير الدعم المصري لنظام الأسد بعدة أمور؛ أولها التشابه بين الظروف التي مر بها النظامان المصري والسوري والموقف من المعارضة، وثانيها الموقف المتقارب بينهما من انتفاضات "الربيع العربي"، وثالثها يتعلق بتحالف كلا النظامين مع روسيا والعلاقة القوية بين رئيسي البلدين وبوتين؛ مما يعني التضامن مع مشروعه في منطقة الشرق الأوسط.
أما اللافت في الأمر فهو أن تلك البلدان التي تقوم بالتطبيع مع نظام الأسد هي من أهم الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة التي ترفض بشدة -على الأقل حتى الآن- التطبيع مع نظام الأسد ولا ترغب في إعادة تأهيله إقليميا ودوليا.
لعل هذا يمكن تفسيره بعدة أمور؛ أولها أن هذه البلدان ترى أن الإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن إدارة ضعيفة ومهتزة، ولن تفعل شيئا تجاه الدول التي تخالف سياستها المعلنة. وثانيها أن هذه البلدان تحاول استغلال انشغال أميركا بالحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، والصراع مع الصين من جهة أخرى من أجل اتباع سياسة خارجية شبه مستقلة تمكنها من تحقيق مصالحها الذاتية. وأخيرا، تحاول بعض البلدان استخدام مسألة التطبيع مع الأسد من أجل ابتزاز أميركا سياسيا أو إستراتيجيا أو اقتصاديا.
من المتوقع أن يستمر التطبيع مع النظام السوري خلال الفترة المقبلة، وقد نشهد عودة النظام السوي قريبا إلى الجامعة العربية بعد سنوات من القطيعة. ولن يعدم من يسعى لذلك أن يجد المبررات، حتى لو كانت تحت غطاء دعم "الشعب السوري" الذي يتم قتله وتهجيره بشكل مستمر وممنهج.
وختاما، فإن تطبيع بعض الأنظمة مع الأسد لا يجب أن يكون مفاجئا لأحد؛ فالعوامل المشتركة بينها وبين النظام السوري كثيرة، وبالتالي فإن دعمها له هو في الأساس دعم لنفسها ولإستراتيجيتها ولرؤيتها لشعوبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق