الحضارة الإنسانية وقادتها العظام (5).. غواية إبليس
- نصت آيات القرآن الكريم على أن إبليس عدو لآدم وزوجه وذريته، وحذره الله تعالى منه ومما توعد به من إضلاله وإغوائه ما استطاع إلى ذلك سبيلا
في تناوله لقصة خلق سيدنا آدم ودخوله الجنة مع زوجه حواء عليهما السلام، توقف د. علي الصلابي في الفصل الثالث من الجزء الأول من موسوعة "نشأة الحضارة الإنسانية وقادتها العظام"، توقف طويلا عند العلاقة بين إبليس وذرية آدم والأساليب التي يتبعها لإغوائهم وإهلاكهم بحرمانهم من الجنة، وهي علاقة قدرية مستمرة حتى قيام الساعة، يمتحن الله بها ذرية آدم ويمحص صدق إيمانهم وجدية عبوديتهم له سبحانه، وخضوعهم لأوامره، ومدى قدرتهم على مقاومة طرق إبليس وغوايته لهم، وهو الذي أقسم لرب العزة بأنه لن يكل ولن يمل حتى يغويهم أجمعين إن استطاع، ليبرهن لله سبحانه على صحة اعتراضه على أمر الله له بالسجود لآدم عندما خلقه.
ونستعرض في هذا المقال أبرز الأساليب التي يتبعها إبليس لغواية الإنسان، والتوجيهات الربانية التي تقيه من هذه الغواية، قبل أن نختم السلسلة، لنعود من جديد لنتابع سلسلة صراع الأخلاق، ولعلنا نجد متسعا من الوقت في رمضان القادم إن شاء الله، أو غيره من المناسبات، لنتناول مزيدا من المسائل والموضوعات التي أثارها الصلابي في سياق عرضه لأجزاء وفصول موسوعته القيمة.
لم تكن حواء السبب فيما حدث لآدم وخروجهما من الجنة، بسبب إلحاحها في الطلب على آدم أن يأكلا من الشجرة حسب ما يروج به الكثيرون، فقد برأ القرآن الكريم حواء من هذه التهمة، وأوضح أن الغواية كانت من إبليس لكل من آدم وحواء عليهما السلام، وأنهما يتساويان في المسؤولية عن الوقوع في هذه المعصية
التوجيهات الربانية للوقاية من إبليس
استعرض الصلابي عددا من التوجيهات الربانية لآدم وزوجه عليهما السلام، ولذريتهما من بعدهما، للوقاية من إبليس الرجيم وسطوة غوايته، ومن هذه التوجيهات:
1- تجنب الاقتراب من المحرمات:
قال تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة: 35]، فقد أذن الله لآدم وحواء بأن يتجولا في الجنة، ويأكلا من ثمارها طعاما رغدا هنيئا دون جهد وتعب، ولم يمنعهما إلا من شجرة واحدة تثمر ثمرا خاصا شهيا مرغوبا. ولكن الله سبحانه لم ينه آدم وحواء عن الأكل من الثمرة فحسب، وإنما نهاهما عن مجرد الاقتراب منها، وهذا النهي أبلغ من النهي عن الأكل، لما فيه من التوجيه الرباني بأن الاقتراب من المحرمات يقود إلى الوقوع فيها، وهو ما حدث مع آدم وحواء عندما خالفا هذا الأمر واقتربا من الشجرة، فوقعا تحت تأثير غواية إبليس، فأكلا منها وبدت لهما سوآتهما، فكان ذلك سببا لخروجهما من الجنة.
2- الحذر من العدو إبليس:
فقد نصت آيات القرآن الكريم على أن إبليس عدو لآدم وزوجه وذريته، وحذره الله تعالى منه ومما توعد به من إضلاله وإغوائه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ومن أنه لا يريد لهم الخير، وإنما يريد إخراجهما من الجنة. ويترتب على هذا الحذر من إبليس أن تظل علاقة العداوة بين ذرية آدم وإبليس قائمة على الدوام، ولا يغفلوا عنها أبدا، ولا تتحول مع مرور الوقت إلى ألفة أو صداقة، كما لا ينبغي الاستهانة بما يوسوس به لنا إبليس من أفكار وإغراءات، لأنها تصدر عن عدو لعين يتربص بهم ويعمل على هلاكهم، وهو ما حدث مع آدم وحواء عندما نسيا أوامر الله وتحذيراته، واستمعا لكلام الشيطان ونصائحه وتبريراته التي كانت سببا لشقائهما بالخروج من الجنة، قال تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} [البقرة: 36].
3- التحذير من النتائج المترتبة على الخضوع لإبليس:
ومن هذه النتائج:
- ظلم النفس، وتعريضها لعقوبة الله، قال تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} الآية.
- فقدان النعمة التي ينعمها الله على عباده بسبب مخالفتهم لأوامره واتباعهم لوساوس الشيطان وفتنه. قال تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} الآية.
- ظهور نتائج وخيمة لم تكن في الحسبان، فما أن أكل آدم وحواء من الشجرة حتى بدت لهما سوءاتهما التي كانت مستورة عنهما، فأسرعا إلى أوراق الشجر يقطعان منها ليسترا بها عورتيهما.
وفي هذا السياق يشير الصلابي إلى مسألتين معاصرتين نذكرهما باختصار للأهمية البالغة:
الأولى، أن الوسوسة من الشيطان كانت لآدم وحواء عليهما السلام معا، وأنهما يتساويان في المسؤولية عن المعصية التي وقعت منهما. فالنهي كان للاثنين، قال تعالى "ولا تقربا هذه الشجرة"، والتحذير للاثنين، قال تعالى "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك"، والوسوسة كانت للاثنين، قال تعالى "فوسوس لهما الشيطان" والنتيجة المترتبة كانت على الاثنين، قال تعالى "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه".
والثانية، أن حواء لم تكن هي السبب فيما حدث، بسبب إلحاحها في الطلب على آدم أن يأكلا من الشجرة، فقد برأ القرآن الكريم حواء من هذه التهمة التي يروج لها الكثيرون، وأوضح أن الغواية كانت من إبليس لكل من آدم وحواء عليهما السلام.
طريق النجاة من الشيطان يكون بالإخلاص إلى الله، فالإخلاص أساس الدين، ولا يقبل الله دينا ليس خالصا، ومن أخلص نفسه لله خلصه الله من كل الشوائب، وبالإخلاص لله، تكون حركة المؤمن وسكونه في سره وعلانيته، ولا يمازجه شيء لا نفس ولا هوى ولا دنيا، وهو سر الإخلاص وجوهره
أساليب غواية إبليس
يستعرض الصلابي في المبحث الثالث من الفصل الثالث من الجزء الأول من الموسوعة أساليب إبليس في إضلال الناس وغوايتهم، ونوجز أبرزها فيما يأتي:
1- التزيين:
حيث يعمد الشيطان إلى تزيين الهوى والمعاصي والباطل للبشر، قال تعالى: "لأزينن لهم في الأرض"، فاتباع الهوى بفعل المعاصي، هو الباب الواسع الذي يدخل منه الشيطان إلى النفس، والتزيين هو تحبيب المعاصي والترغيب فيها، وإن جميع المعاصي التي وقعت في تاريخ البشرية إنما كانت بفعل كيد الشيطان وتزيينه لأفعال من يريد غوايتهم، كما فعل مع آدم وحواء عندما أكلا من الشجرة، ومع قابيل عندما قتل أخاه هابيل، وتزيين الكفر والشرك وتكذيب الرسل.
2- التدرج:
فالشيطان يتدرج في الإنسان في إضلاله وغوايته، فيدعوه أولا للمعصية، ثم يزينها في نفسه، ثم يحبب له النظر إليها، فتحسن في عينه، ثم يدعوه إلى الاقتراب منها وتحسسها وارتكابها. وهو في ذلك يسهل عليه اقتراف المعصية، وإزالة التردد الذي قد يصيبه من القيام بها، كما يزيل هيبتها من نفسه، ويؤمنه من عقوبة فعلها، وبأنه لن ينكشف أمره إذا ارتكبها. ولذلك أمر الله عباده في عدة مواضع في القرآن بعدم اتباع خطوات الشيطان، التي تقود إلى ارتكاب المعاصي والفاحشة والمنكر والافتراء على الله والكفر به.
3- الغواية:
والغواية هي التضليل عن طريق الإغراء والتزيين والخداع، وهي ضد الرشد الذي هو درجة رفيعة من البصيرة والإدراك، يهتدي بها المرء، فيميز بين الحق والباطل، قال تعالى على لسان إبليس "ولأغوينهم أجمعين"، يقصد آدم وذريته.
4- التشكيك:
التشكيك في وجود الخالق، وفي اختصاص الله بالعبادة لحمل الناس على عبادة الأصنام، والتشكيك في العقائد الإيمانية، والتشكيك الذي يشمل حياة المسلم بشكل عام، كالتشكيك في النية وفي الصلاة والوضوء والطهارة وأعراض الناس وإساءة الظن بهم.
5- التثبيط:
عن فعل الطاعات، فالشيطان يحاول التدرج مع الإنسان في المعاصي، فإن عجز عن تكفيره، فإنه يحاول إيقاعه في البدع، فإن عجز حاول إيقاعه في كبائر الذنوب، فإن عجز حاول إيقاعه في صغائر الذنوب، فإن عجز حاول إشغاله بالمباحات التي لا ثواب عليها ولا عقاب، فإن عجز عن ذلك كله حاول أن يشوش على المؤمن فكره ويعكر عليه صفاءه.
ويوضح الصلابي في هذا المبحث طريق النجاة من الشيطان يكون بالإخلاص إلى الله، فالإخلاص أساس الدين، ولا يقبل الله دينا ليس خالصا، ومن أخلص نفسه لله خلصه الله من كل الشوائب، وبالإخلاص لله تكون حركة المؤمن وسكونه في سره وعلانيته، ولا يمازجه شيء لا نفس ولا هوى ولا دنيا، وهو سر الإخلاص وجوهره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق