الحضارة الإنسانية وقادتها العظام (2).. ما أدلة وجود الخالق؟
قدمنا في المقال السابق عرضا عاما لما اشتمل عليه الجزء الأول من موسوعة الدكتور علي محمد الصلابي "نشأة الحضارة الإنسانية وقادتها العظام"، والذي جاء تحت عنوان "قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام".
وقد تناول الدكتور الصلابي في هذا الجزء العديد من الموضوعات والقضايا الحيوية ذات الصلة بواقعنا الفكري المعاصر، والتأثيرات السياسية والاقتصادية والأمنية الحادة التي يتعرض لها بفعل الأزمات التي تموج بها المنطقة العربية والعالم الإسلامي، والتي سنعرض أبرزها.
أدلة إثبات وجود الخالق
لم يكن أحد يتصور أن تعود قضية إثبات وجود الله إلى السطح مرة أخرى هذه الأيام بعد النهضة العلمية الهائلة التي شهدها العالم على مدى القرنين الماضيين في شتى المجالات، والتي لم يتعارض شيء منها مع آيات الله المثبتة في كتابه الكريم الذي نزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- قبل حوالي 15 قرنا من الزمان.
لكن كثرة الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية من جانب، وشيوع التيارات الإلحادية بمختلف ألوانها وتحولها إلى ثقافة حضارية من جانب آخر دفعت الكثيرين من الشباب المتأثرين بهذين الجانبين إلى البحث عن خلاص نفسي وبديل مادي يسهل عليهم تلبية رغباتهم وإشباع شهواتهم وتغيير حياتهم عن طريق الإلحاد، وقد هالني مؤخرا حديث بيني وبين ابني الشاب ذي الـ30 عاما يسألني فيه عن أدلة وجود الله ليحاجج بها بعض زملائه.
وقد حشد الدكتور الصلابي 10 أدلة استنبطها من القرآن الكريم، وعرضها في المبحث الثاني من الفصل الأول تثبت وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهي على النحو التالي:
دليل الخلق
فالخلق بكل ما فيه شاهد على وجود خالقه، قال تعالى {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون} (سورة الطور: 35-36).
وما تشير إليه الآيات يعرف عند العلماء بقانون السببية الذي يقول إن شيئا من الممكنات لا يمكن أن يحدث بنفسه، لأنه لا يحمل السبب الكافي لوجوده، ولا يستقل بإحداث شيء لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئا لا يملكه هو.
الفطرة مرتبطة بالعهد الذي أخذه الله على بني آدم وهم في عالم الذر، حيث أقروا بربوبيته وشهدوا على أنفسهم بذلك، ومنهم من حافظ على عهده، ومنهم من تغيرت فطرته وانحرفت فنسي ما شهد عليه
دليل الفطرة والعهد
الفطرة هي دين الإسلام والتوحيد، والتي خلق الناس عليها، وتدلهم على معرفة الخالق والإقرار بوجوده، وهي أمر مغروس في نفوس الخلق أجمعين، قال تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (سورة الروم: 30)، وفي الحديث القدسي يقول تبارك وتعالى "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" صحيح مسلم.
وهذه الفطرة مرتبطة بالعهد الذي أخذه الله على بني آدم وهم في عالم الذر، حيث أقروا بربوبيته وشهدوا على أنفسهم بذلك، ومنهم من حافظ على عهده، ومنهم من تغيرت فطرته وانحرفت فنسي ما شهد عليه، يقول المولى سبحانه وتعالى {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون} (سورة الأعراف: 172-173).
دليل الآفاق
العلامات التي نراها في أقطار السماوات والأرض كالشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والبحار والأنهار والأسماك وغيرها من المخلوقات المعجزة التي تدل على الخالق، يقول الله تعالى {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (سورة فصّلت: 53).
وقد ساق الدكتور الصلابي عددا من آيات الإعجاز العلمي في القرآن التي يتحدث عنها العلماء، من قبيل: نقص الأكسجين في المناطق المرتفعة، وحركة النجوم والكواكب في مداراتها، ودوران الأرض والجبال، والحاجز المائي بين البحرين المالحين، واهتزاز الأرض وزيادتها بالمطر، وأوهن البيوت.
دليل الأنفس
إذا تفكّر الإنسان في نفسه استنارت له آيات الربوبية، وسطعت له أنوار اليقين، وزال عنه الشك والريب، قال تعالى {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (سورة الذاريات: 21).
ومن البراهين العلمية المتعلقة بخلق الإنسان: الإحساس والجلد، والبصمات وتحديدها لهوية الإنسان، وغيرها من الآيات التي تكمن في تفاصيل كافة أجهزة الجسم وعملياتها.
انتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد دليل على أن مدبره واحد، وهو الله سبحانه وتعالى
دليل الهداية
أعطى الله سبحانه وتعالى كل مخلوق من الخلق والتصوير ما يصلح به لما خلق له، وأرشده إلى ما يصلحه في معيشته ومطعمه ومشربه ومنكحه وتقلبه وتصرفه، قال تعالى {الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى} (سورة الأعلى: 2-3)، وقد نبه العلماء على كثير من هداية الله لمخلوقاته، كهداته للنمل والهدهد والنحل.
دليل انتظام الكون وعدم فساده
انتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض وجريانه على نظام محكم لا يختلف ولا يفسد دليل على أن مدبره واحد، وهو الله سبحانه وتعالى الذي يقول {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فسبحان رب العرش عما يصفون} (سورة الأنبياء: 22)، فانتظام الكون وعدم فساده دليل عقلي على وحدانية الله.
دليل التقدير
خلق الله كل شيء بقدر، ويبدو ذلك جليا في الأرض والسماء والإنسان والنبات والحيوان، ونظم أجزاء الوجود على أحسن نظام، قال تعالى {وخلق كل شيء فقدّره تقديرا} (سورة الفرقان: 2).
دليل التسوية
التسوية إحسان الخلق وإكمال الصنعة، بحيث يكون المخلوق قادرا على أداء وظيفته على أفضل وجه وأكمل صورة، ومظاهر التسوية متجلية في كل عضو من أعضاء الإنسان، وفي كل منحى من مناحي الحياة وكل نوع خلقه سبحانه وتعالى القائل {ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسوّاها} (سورة النازعات: 27-28).
الأدلة تثبت أن هذا الكون لم ينشأ مصادفة ولم يوجد اعتباطا، ولم يكن دون قصد، وهذا التكوين المترابط بين جزيئات الكون ينفي فكرة الطبيعة العمياء أو فكرة المصادفة، ويؤكد أن للكون خالقا واحدا لا شريك له
دليل العناية
الله سبحانه وتعالى معنيٌّ بالعالم، وعنايته بالكون سارية في جميع أجزائه، وقد وجّه القرآن الكريم أنظار الخلق إلى عناية الله بالكون، خاصة الإنسان، فدليل العناية من أجل الأدلة على وجود الله، وهو استدلال قديم قدم الإنسانية، يقول الله تعالى عن مظاهر عنايته بالإنسان {ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين، وهديناه النجدين} (سورة البلد: 8-10)، ويقول سبحانه عن مظاهر عنايته بالكون {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات والأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} (سورة لقمان: 20).
دليل أن الله تعالى هو الظاهر
إن الله سبحانه وتعالى في أعراف المؤمنين ظاهر ظهورا واضحا أظهر من كل ما سواه، فهو أظهر من كل شيء ولا يحجبه شيء، ولولاه ما كان وجود كل شيء، والظاهر اسم من أسماء الله، فلا ترى ذرة في الوجود إلا وهي ناطقة بوحدانيته.
هذه الأدلة تثبت أن هذا الكون لم ينشأ مصادفة ولم يوجد اعتباطا، ولم يكن دون قصد، وهذا التكوين المترابط بين جزيئات الكون ينفي فكرة الطبيعة العمياء أو فكرة المصادفة، ويؤكد أن للكون خالقا واحدا لا شريك له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق