8 مايو/أيار.. يومَ قتلت فرنسا 45 ألف جزائري
“لقد كان يوما للاحتفال بانتصار الحرية على الطغيان، ولكن هذا اليوم (8 مايو/أيار 1945) كان يوماً حزيناً للجزائر، حين ابتهج العالم في نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا”. (تغريدة سفير الولايات المتحدة بالجزائر جون ديسروشر.. تويتر 08/05/2018)
بالتزامن مع مرور الذكرى الـ75، تحيلنا إلى حكايات جزائرية بقدر ما قد تبدو حزينة، بقدر ما هي ورقة تعكس عظمة الشعب الذي عانى طيلة 183 عاما في رحلة البحث عن الاستقلال.
تضعنا التغريدة السابقة أمام قصة شيخٍ فلاح يدعى أحمد سعال وزوجته نوراة مهدي، هما جزء من ذلك الحزن الممزوج بالفخر والتحدي حين استقبلا خبر استشهاد ابنيهما سعال بوزيد على يد محافظ الشرطة الفرنسي لوسيان أوليفيري. لقد استقرت رصاصة الغدر في جسد الطفل بوزيد الذي لم يتجاوز سن السادسة عشرة، حينها كان واقفا في الصفوف الأولى لمسيرة الثامن من مايو/أيار 1954 بسطيف حاملا الراية الجزائرية، ويردد رفقة المئات من الجزائريين “جزائر حرة ديمقراطية”.
في ذلك اليوم الحزين لم تبك الجزائر كما يعتقد سفير الولايات المتحدة الأمريكية في تغريدته، بل زغردت النسوة، ومنهن والدة الشهيد الأول الذي سقط في ميدان الشرف.
فإن سقطتُ شهيدا فزغردي يا أماه
ليل باريس والعديد من العواصم الأوروبية كان مختلفا في ذلك اليوم، رقص وغِناء وشمبانيا فرحا بتحقيق الحلفاء انتصارهم التاريخي على ألمانيا النازية، والذي تحقق عشية الثامن من مايو/أيار ملطخا بدماء الأبرياء من شعوب الدول المستعمَرة -ومنهم الشعب الجزائري- في الحرب العالمية الثانية كدروع في الصفوف الأولى.
من الصعب تخيل إحساس الجزائريين في ذلك اليوم الذي رافقته قنوات وإذاعات العالم بالموسيقى احتفالا بنهاية الحرب العالمية. لقد عاد عشرات الجزائريين إلى منازلهم ثكلى وأرامل وأيتام. في يوم واحد تغيرت ملامح الحياة في ثلاثة من أهم مدن الشرق الجزائري، سطيف وقالمة وخراطة، أمام وحشية المستعمر الفرنسي الذي لم يمنح سكان القرى والمداشر ساعات قليلة للفرح والتعبير بسلمية عن حلم الحرية.
من بين هؤلاء حكاية سعال بوزيد التي يحفظها اليوم تلاميذ المدارس، قصة نقشت بأحرف من ذهب في الكتب المدرسية وكتب التاريخ، جيلا بعد جيل لا تزال وقفته تلك -رفقة المئات من أبناء قرية الزايري ببلدية القاهرة بسطيف- تمنح الشعب الجزائر إكسير الحرية والفخر والاعتزاز بهذا الوطن.
لا توجد الكثير من الصور لهذا الطفل وأبناء القرية، فبالكاد هناك صورة أو صورتين ظلتا محفوظتين في أرشيف الكشافة الإسلامية الجزائرية التي تعلم فيها بوزيد أبجديات حب الوطن، ومنها انطلق إلى وسط ساحة القرية بقلب ينبض بحب الجزائر وهو يحمل الراية الوطنية لمطالبة فرنسا بتنفيذ وعودها للشعب الجزائري بأن تمنحه الاستقلال نظير إسهاماته في الحرب العالمية الثانية.
المستعمِر الفرنسي يغدر بالجزائريين
بساطة الشعب الجزائر في ذلك الوقت وطيبته جعلته يعتقد بأن الجنرال ديغول سيحقق وعود فرنسا للجزائريين، لهذا خرجوا في كل الولايات والمدن والقرى وفي عنابة والمسيلة وبسكرة وسطيف وهيليوبوليس، في منطقة وادي المعيز وجسر العواذر وقنطرة بلخير ومضائق خراطة.. خرجوا في يوم واحد رافعين الراية الوطنية الجزائرية لأول مرة، على أمل أن يتحقق الحلم قبل أن تغرب شمس ذلك النهار.
وما هي إلا ساعات حتى تحولت شوارع الجزائر إلى حمام دم تطفو فوقه جثث أزيد من 45 ألف ضحية جزائرية، كما تشير الأرقام التقريبية المعلنة من طرف الجزائر، لتتضح ملامح المزيد من النوايا الخبيثة للمستعمر، وتزداد قناعة الشعب بأنه لا حل سوى الكفاح المسلح من أجل الحصول على الاستقلال من مستعمر لم يقرأ في حياته سوى فصول كتاب كيف تسفك دماء الجزائريين وتنكل بهم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق