الحضارة الإنسانية وقادتها العظام (4).. الخليفة آدم
تناول الدكتور علي الصلّابي قصة سيدنا آدم عليه السلام بصورة تفصيلية موسوعية فريدة، لم يسبقه إليها أحد على النحو الذي جاءت فيه، معتمدًا في ذلك بالأساس على سور القرآن الكريم التي تناولت القصة، وهي: البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وطه وص على الترتيب، متناولًا العديد من المسائل الجوهرية بالغة الأهمية عن خلق آدم -عليه السلام- واستخلافه وتعليمه وعلاقته بالملائكة والجن، وزوجه وذريته وما إلى ذلك، مما يصعب الإحاطة بها في مقال كهذا، ولا غنى لاستكمال الفائدة من الرجوع إليها في الفصل الثالث من الجزء الأول من موسوعة "نشأة الحضارة الإنسانية وقادتها العظام"، ونحاول في هذا المقام الوقوف عند أبرز ما ساقه الصلّابي من المسائل والموضوعات الأكثر اتصالًا بقصة خلق آدم عليه السلام.
استفهام الملائكة عن الإفساد في الأرض وسفك الدماء لم يكن استفهامًا إنكاريًا، بل أرادوا معرفة الحكمة من استخلاف آدم عليه السلام، من باب العلم وزيادة اليقين. فالملائكة لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله، والإفساد في الأرض وسفك الدماء لم يكن من سيدنا آدم، فهو نبي صالح مصلح، وإنما سيقع من ذريته عندما يتنازعون ويتقاتلون وتتعارض مصالحهم وأهواؤهم.
استخلاف آدم
لم يخلق الله تعالى آدم ليسكنه الجنة، وإنما خلقه ليستخلفه في الأرض، التي خلقها قبله بزمن لا يعلم طوله إلا هو سبحانه وتعالى القائل: {إني جاعل في الأرض خليفة}، [البقرة: 30]. وتشير بعض الدراسات العلمية إلى أن أقدم حياة على الأرض تعود إلى نحو 3800 مليون سنة، بينما تصل مدة حياة الإنسان عليها إلى نحو 50 ألف سنة حتى الآن. لقد كانت فترة بقاء آدم في الجنة فترة انتقالية مؤقتة، لينتقل بعدها إلى الأرض التي خُلق منها، وليقوم بعمارتها وبنائها حسب النظام الذي وضعه الله تعالى لها. هذه الخلافة في الأرض تتطلب تنفيذ مراد الله من إقامة الحياة على الأرض، وتحقيق العبودية له سبحانه. وقد هيّأ الله الأرض لخليفته تمام التهيئة، وخلق له فيها جميع المخلوقات، ولم يكن قد استعمرها خلق من قبل، على نحو ما تروّج له بعض الأساطير.
أصل البشرية
وضع الله تعالى نظامًا لخلق البشر الذين سيتعاقبون على خلافة الأرض، نظامًا يدحض الادعاءات المادية الملحدة بشأن عشوائية تكوّن الحياة في الأرض، وعشوائية تطورها، وأن الإنسان كان أحد أشكال هذا التطور. وهي ادعاءات أثبت العلم بطلانها واستحالتها. فقد أوضح القرآن هذا النظام بقوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1]. ويؤكد القرآن أن البشر جميعًا إلى قيام الساعة كانوا في صلب أبيهم آدم -عليه السلام- لحظة خلقه، قال تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين} [الأعراف: 11]، فآدم عليه السلام هو أبو البشر أجمعين، خلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وعلمه من علمه، وأسجد له الملائكة سجود احترام وتوقير، ثمّ زوجه من أمنا حواء، واستخلفه ونسله في الأرض.
استفهام الملائكة عن إفساد الخليفة
لم يكن استفهام الملائكة في قوله تعالى: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} [البقرة: 30]، استفهامًا إنكاريًا، بل أرادوا أن يعرفوا الحكمة من استخلاف آدم، من باب العلم وزيادة اليقين. فالملائكة لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله، والإفساد في الأرض وسفك الدماء ليس من سيدنا آدم، فهو نبي صالح مصلح، وإنما سيقع من ذريته عندما يتنازعون ويتقاتلون وتتعارض مصالحهم وأهواؤهم.
تعليم آدم
قال تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة: 31]، أي علّم الله آدم مباشرة الأسماء والمسميات، وما لها من قوانين وسنن تحكمها وتضبط خيرها وشرها، وتنظم نفعها وضرها، ليستطيع العيش في هذا الكوكب الذي قدّر الله له أن يستخلفه فيه، ونسله من بعده. لقد تعلّم آدم عليه السلام تعليمه الأساسي في الجنة، ومعه اللغة التي يتعبد بها إلى الله ويتخاطب بها، ويعبّر بها عما يدور في خلده، ما يدحض أقوال علماء الأنثروبولوجي من أن الإنسان الأول كان يتكلم بلغة الإشارة. في حين أن الله خلق آدم وحواء وخلق في كل واحد منهما جهاز النطق الكامل، الفم واللسان، والحنجرة والأوتار الصوتية والأسنان والشفتين والرئتين اللتين يتنفس بهما ويتشكل من زفيرهما حروف اللغة والكلمات.
القول المجمع عليه عند أهل السنة أن الجنة التي خلق فيها آدم وحواء عليهما السلام هي دار النعيم التي أعدّها الله للمؤمنين المتقين، وجعلها مأوى الصالحين، ويحرم فيها التكبر بخلاف غيرها من الجنان في الدنيا.
السجود لآدم
أمر الله تعالى ملائكته بالسجود لآدم عليه السلام، قال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} [البقرة: 34]، وهو سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله سبحانه، وهو تعبير عن توكيل الملائكة بشأن آدم والقيام على أمره وأمر ذريته وحياتهم ومماتهم، حيث جاء في التنزيل بيان تكليف الملائكة بأمر نفخ الروح ونزع الروح وأمور الرحمة والعذاب، وكتابة الأعمال والأحوال والحسنات والسيئات، وغير ذلك من الأعمال التي كلفها الله بها لأجل الإنسان. كما أمر الله تعالى إبليس -وهو من الجن- بالسجود لآدم، إلا أنه رفض إطاعة أمر الله، استكبارًا واستعلاءً.
الجن وإبليس والشيطان
أما الجن فهم خلقٌ خلقهم الله تعالى من مارج من نار، قبل البشر، ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون. أما إبليس، فهو من الجن بنص القرآن، قال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} [الكهف: 50]، ولو كان إبليس من الملائكة لما عصى الله تعالى، لأن الله فطر الملائكة على طاعته، قال عز وجلّ: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]. أما الشيطان فهو وصف لموصوف، مشتق من كلمة شطن أي ابتعد. والشياطين وصف يطلق على الكفار من الجن والإنس لأنهم ابتعدوا عن رحمة الله بكفرهم، وهم على 3 أنواع:
- إبليس: وهو أول شيطان، لأنه أول كافر عاص متمرد.
- كفّار الجن.
- كفار الإنس: فكل كافر من الإنس شيطان مهما كان دينه أو سبب كفره.
أما الجني المؤمن فلا يسمى شيطانًا، لأنه مطيع لله، وهو في الآخرة منعم في الجنة مع الإنسي المؤمن.
الجنة التي خلق فيها آدم وحواء
القول المجمع عليه عند أهل السنة هو أن المراد بالجنة في قوله تعالى: {اسكن أنت وزوجك الجنة} [البقرة: 35]، هي دار النعيم التي أعدّها الله للمؤمنين المتقين، التي خلقها الله قبل آدم وإبليس وجعلها مأوى الصالحين، ووجه الدلالة على ذلك أن جنة الخلد يحرم فيها التكبر بخلاف غيرها من الجنان في الدنيا. وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، فلماذا أخرجتنا من الجنة إلى المشقة والنكد"، وقد علق ابن تيمية على ذلك بقوله "فلو كان ذلك بستانًا في الأرض لكان غيره من بساتين الأرض يعوض عنه". وفي صحيح مسلم، من حديث حذيفة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله…" الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق