الثلاثاء، 21 مايو 2024

الاضطراب المنهجي والخلل السياسي في حركات التغيير الإسلامي.. الإخوان المسلمين نموذجا! (1)

استفهامات وإضاءات منهجية في مسارات الحركات الاسلامية

الاضطراب المنهجي والخلل السياسي في حركات التغيير الإسلامي.. الإخوان المسلمين نموذجا! (1)
مضر أبو الهيجاء

لم يخل زمان معاصر ولا جغرافيا عربية أو إسلامية من تواجد أحد فروع الإخوان المسلمين فيها، وذلك في سياق الدعوة والاصلاح والتغيير.

وقد توسعت امتدادات الإخوان المسلمين للدرجة التي لا يمكن للعاملين في حقل الدعوة والاصلاح والتغيير الاسلامي من تجاوزها بسبب موجوديتها وتاريخيتها وقدرتها على التحشيد وامتلاكها وسائل قديمة وحديثة تجعلها متقدمة وطليعية أكثر من غيرها، لاسيما أنها أصابت أهم جزء فاعل في التغيير، وهو العمل السياسي في قضايا الأمة، وعلى وجه التحديد تحرير البلاد من المحتلين واستهداف اقامة الدولة واسترداد الحكم المغصوب كوسيلة لازمة لتمكين وحراسة الدين ورعاية أحوال العباد وحماية البلاد.

إن كل تلك الأهداف المشروعة والوسائل المعاصرة التي امتلكتها جماعات التغير لم تحدث نقلة نوعية في واقع المسلمين في عموم بلاد العرب والمسلمين، بل بقي صوت الكفر وسطوة المستبدين هو المتقدم في عموم الساحات، فما هو السبب الرئيس؟

إن خيبات وفشل تجارب حركات الإخوان المسلمين المتكررة والمتعاقبة والمتشابهة لا يمكن تفسيرها بالاقتصار على العناصر الموضوعية التي تتهم قوى الكفر العالمي والاقليمي ووكلائها المحليين بالتسبب في افشال حركات التغيير واهراق دماء شبابها دون تحصيل نتائج موازية تلك التضحيات!

إن العنصر الذاتي المتعلق بإشكالات حركات الإخوان المسلمين -كما غيرها من الحركات- هو المسؤول الأول والأكبر والدائم عن ذلك الفشل المتعاقب في كل الساحات!

وإذا تجاوزنا إشكالية الوعي السياسي المتدني عند القيادات، ووجود اختراقات حقيقية في وسط قيادة بعض الحركات على مستوى الصف الأول والثاني والثالث للصفوف القيادية من قبل أجهزة الاستخبارات العربية والغربية، فإن من الواجب علينا التوقف أمام معضلة الخلل المنهجي والسياسي التي تكفي وحدها لتدمير أكبر حركات التغيير، وذلك بحرفها عن الجادة أو هدر جهودها وتضحياتها ودماء شهدائها دون نتائج موازية عملية يمكن أن تراكم عليها الشخصيات العلمائية والاصلاحية وحركات التغيير الاسلامي حتى من غير تنظيم الإخوان المسلمين!

إن الخلل المنهجي في مشاريع التغيير والعمل السياسي عند عموم حركات الإخوان المسلمين لا يمكن وصفه بأقل من كلمة كارثي وجحيم!

ومن المناسب اليوم أن نعرض مثالا واحدا من بين عشرات ومئات الأمثلة التي تشير لخيبة قيادات حركات الإخوان المسلمين في عموم تجارب دول وشعوب المنطقة وحقبها المختلفة، على تفاوت بين تنظيم وتنظيم، وبين جانب ومنحى الى جانب ومنحى مختلف، ومن تجربة سابقة الى تجربة أشد خيبة ومعاصرة!

قدر الله مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي المشهور بإعدام ثلاثين ألفا من الايرانيين، والمساهم بشكل مباشر في مجازر العراق والشام، كما قدر الله هلاك وزير الخارجية الايراني عبداللهيان، والذي لا توجد مصيبة سياسية تطعن في شعوب الأمة ودولها إلا وكان عرابا لها أو منسقا لها أو مشاركا فيها، فماذا كان موقف حركات الإخوان المسلمين السياسي في واقعة سقوط الطائرة الرئاسية الايرانية على حدود أذربيجان وإيران بتاريخ 19/5/2024 والتي أدت لهلاك رئيس الدولة ووزير خارجيته؟

ما أن أعلنت إيران رسميا بتاريخ 20/5/2024 عن مقتل رئيسها ووزير خارجيتها وبعض ضباط الحرس الثوري، حتى سارعت قيادة ومكتب الإخوان المسلمين المصريين بتقديم العزاء والتضامن مع الحكومة الإيرانية معبرة عن أسفها الشديد لمقتل قاتل العرب والمسلمين!

لكن تنظيم الإخوان المسلمين السوريين كان له رأي وموقف آخر، حيث وقف الى جانب مظلومية شعبه ولم يعبر بالمطلق عن تضامنه مع إيران، بل اعتبر قيادتها في خانة الأعداء والمجرمين.

فيما أسرفت حكومة غزة المعبرة عن تنظيم الإخوان المسلمين بالتضامن والعزاء لإيران، منددة ومهددة لكل من شهر وفضح ونشر وأعلن موقفه المعادي لإيران بالعقوبة والوعيد!

من الملاحظ فيما سبق أن لكل فرع من فروع الإخوان المسلمين موقف مختلف في مضمونه وشكله تجاه العدو الايراني الذي يستهدف تفتيت وحدة الأمة وشعوبها المنسجمة ثقافيا ومذهبيا، فما هو مرد هذا التناقض والتفاوت والخلل المنهجي والسياسي والأخلاقي لدى حركات اسلامية تعتبر موحدة الخلفية الفكرية والقيادة المركزية تجاه نفس العدو وتجاه نفس المشروع المعادي وفي نفس حقبة الاعتداء المشهود؟

السؤال المطروح:

ما هي أسباب تناقض رؤى ومواقف فروع حركة الإخوان المسلمين تجاه إيران والمشروع الإيراني المعادي، رغم وضوح آثار مشروعه على الأمة ودولها وشعوبها وعلى دينها خلال عقود وفي جغرافيا متعددة، وذلك برغم أن فروع الإخوان تنتسب لمرجعية فكرية واحدة ولها قيادة دولية مركزية؟

المدخل:

إن اختياري لإشكالية العلاقة والمواقف تجاه إيران ومشروعها السياسي في منطقتنا العربية والاسلامية ليس مقصودا لذاته -لاسيما أنني بحثته في مقالات عديدة منشورة-، وإنما المقصود منه هو ابراز الاضطراب المنهجي والسياسي عند الحركات والقيادات الاسلامية بل وعند كثير من الدعاة والكتاب وبعض العلماء المبرزين.

كما أن اختياري لنموذج الإخوان المسلمين جاء باعتبار أنهم أقدم حركات التغيير الاسلامي والأوسع انتشارا والأقوى تأثيرا في خيارات التغيير السياسي، ولكن تبقى العبرة بعموم الطرح المقصود لا بخصوص التنظيم الإخواني، الأمر الذي يمس كثير من الحركات الاسلامية غير الإخوانية في جانبي التنظيم والمرجعية الفكرية.

الجواب:

بالنظر لمسألة العلاقة والموقف والحلف بين الحركات الاسلامية وإيران السياسية فإن حجم التناقض والاضطراب في رؤى ومواقف واجتهادات قيادات تلك الحركات في بلاد متعددة، يوحي إلى أنه ليس هناك مرجعية فكرية حقيقية تلتقي حولها فروع حركة الإخوان المسلمين، لاسيما وبعض حركات الإخوان كفرع سورية يرى وجوب قتال إيران ويعتبر قادتها السياسيين مجرمين، فيما يرى الإخوان المسلمين في فلسطين أن الحلف مع إيران واجب المرحلة وعين الصواب والحكمة وأنه لازم ويقود لتحرير فلسطين وأقصى الموحدين، كما ترصد لدى الإخوان العراقيين تيارين وموقفين متناقضين انطلاقا من تجويز وتحريم العملية السياسية في ظل المحتل الأمريكي وعلى أرضيته التي مكن فيها إيران من حكم العراق والتحكم بمفاصله، وأما إخوان مصر فهم يقفون في الوسط الذي يشعرك بأن فهمهم ومواقفهم بلا طعم ولا لون ولا رائحة!

إن الجواب على السؤال والاستفهام الأساس يوجب تحديد مرتكزات الخلل عند عموم الحركات الاسلامية وخصوص الحركات الإخوانية التي لا يخلو منها بلد ولا ميدان عمل سياسي، فما هي تلك الجوانب ومرتكزات الخلل في العمل الاسلامي؟

أولا: نضوب العلم والعلماء.

يستطيع المراقب والمطلع على تجربة الإخوان المسلمين أن يرصد ضعف العلم وقلة العلماء، حيث يتقدم الوعظ والارشاد والاصلاح على قيمة العلم ومضمونه الواسع والتأصيلي العميق، كما يحل الدعاة والوعاظ مكان العلماء ويأخذون دورهم، وقد برزت كثير من الشخصيات الاصلاحية لتأخذ دور ومكانة العلماء في معظم فروع الحركة، فيما تكررت الحالات التي فارق فيها العلماء الحركات التي انتسبوا اليها، كما هو حال الغزالي والقرضاوي -على سبيل الذكر لا الحصر- رحمهما الله.

وقد أبدعت الحركات الإخوانية في استخدام قيمة العلماء المبرزين دون دلالة الطاعة ولا الانقياد، ولعل المتابع لسيرة الشيخ عمر الأشقر والشيخ عبدالله عزام -على اختلاف قيمتهم ودرجتهم العلمية- لا يجد أثرا حقيقيا لمناهجهم في تنظيم الإخوان الفلسطيني -على وجه الخصوص في تصوراته ومواقفه السياسية- والذي أفرز وأنتج حركة المقاومة الاسلامية حماس، بل إن الحركة فارقت وناقضت منهج الشيخين وتوجههما العلمي الشرعي السياسي تجاه مشاريع الباطل كالمشروع الإيراني، وظلت قيمة الشيخين محفوظة لصناعة قدسية الحركة وقيادتها، وللتجمل والترويج والقفز عن الأخطاء!

ثانيا: اختطاف التنظيم الحركي للجماعة المسلمة.

عندما قام المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتأثر به أبو الأعلى المودودي في الهند ثم باكستان -مع تفوق الأول في جهد الدعوة وتفوق الثاني في حجم الابداع العلمي والكتابة-، فإن الرجلين كانا ينطلقان من نفس الهم الاسلامي الرسالي الذي يستهدف اصلاح الفرد والجماعة والمجتمع، كما كانا يستهدفان استرداد مكون الدولة الاسلامية -بعد أن حطمها وأزالها الغرب- كوسيلة تقوم على حراسة الدين وحفظ الرعية والحفاظ على بلاد وبيضة المسلمين.

وحتى تتحقق تلك الأهداف كان لابد من تشكيل التنظيم، والذي يشكل الآلية التي تجمع وتنظم الجهود، كما تشكل إطارا رسميا يتصدر للتعبير عن أهداف الجماعة في المساحات الجيوسياسية المستهدفة، وفي التعبير عن الحق والهدى والصواب الذي تؤمن به الجماعة في قضايا الشأن العام، وعلى وجه الخصوص السياسي منها.

فهل حقق التنظيم ما طلبته منه الجماعة التي أفرزته؟ أم أنه اختطفها لصالح قوامه ونفوذه وتموضعه الجديد؟

إن خير نموذج يمكن رصده ليتبين من خلال تجاربه أن التنظيم الوليد -كآلية لازمة لتحقيق أهداف الجماعة- قد اختطف الجماعة لصالح تجذير مكونه ومد نفوذه والحفاظ على مكتسباته هو التنظيم الاخواني المصري والسوري والتونسي والجزائري!

إن مرارة تجارب حركات الإخوان المسلمين الفاشلة في مصر وسورية وتونس والجزائر والسودان وغيرها لا تحيط بها أوراق معدودة ولا حتى كتب محدودة، بل هي تحتاج إلى مجلدات لتروي كيف نجح التنظيم في اختطاف الجماعة وأسرها ليستفيد دوما من أركانها دون أن يكون وفيا لأهدافها أو منسجما مع مبادئها أو ملتزما بقيمها وضوابطها.

ولعل تجربة الإخوان المسلمين في تونس تعطيك نموذجا صارخا في تجاوز التنظيم لهدف الدعوة والاصلاح مقابل تحقيق مكاسب سياسية على حساب مبادئ وأحكام شرعية، وقبول مهين بما لا يقبل به عالم ولا داعية ولا حتى واعظ على المنبر مسكين، ويا ليتها نجت بل سقطت وأسقطت معها الجماعة وشعب تونس الأمين!

كما أن التجربة الإخوانية في سورية تفطر قلب المطلع عليها، لاسيما حين يرى كيف اختطف التنظيم الجماعة ومزقها حتى تشظت بسبب اختلاف المصالح والانتماءات الجهوية لقيادات التنظيم المتنفذين، حتى نحرها حافظ الأسد بسكين البعثيين والنصيريين، ونحر المشروع الطائفي كل أهل السنة وألحقهم بالإخوان المسلمين، وسقط مشروع الجماعة في واد سحيق، حتى لا يسمع له صوت إلا من صدى آت من بعيد!

وإذا نظرت لتنظيم الإخوان في الجزائر وكيف تعامل مع فرصة النهضة التاريخية التي أبرزت بعض شخصيات جمعية علماء المسلمين وصنعت منهم رموزا ناجعة في التحشيد، كالشيخ عباس مدني الذي شكل جبهة الانقاذ، فباتت أكبر خصوم الإخوان المسلمين، حيث يقبل التنظيم اللقاء مع أركان النظام الذي يبطش بالجزائريين ولا يقبل الجلوس والتنسيق مع الجبهة الاسلامية للإنقاذ، وذلك لأنها سبقته في الانجاز وحازت على شعبية مذهلة ستسحب من تحت أرجله البساط، فكان لابد للتنظيم من الاحتراب، متجاوزا أهداف الجماعة ورافضا تحققها على أيدي رموز الجبهة الاسلامية، لئلا ينحسر التنظيم ويخسر مواقعه ونفوذه ومكاسبه العلية!

وهكذا يمكنك أن تتابع النظر حتى تصاب بالإغماء حين تعلم أن تنظيم الإخوان المسلمين في السودان اختطف الجماعة ووضعها في السجن ونسي معاني الأخوة وأهداف العلماء المصلحين، حتى خرج من السجن التنظيم الموازي ففرط عقد الجماعة وتحالف ضد اخوانه مع الكفار والمجرمين، حتى شق السودان وسلم قسمها الغني للنصارى والغربيين، ثم نحر كل منها الآخر، ليس بسبب اختلاف الجماعة بل لأجل تناحر التنظيمين اللذين يريد كل منهما وضع الجماعة وأهدافها في جيبه الصغير، لينتعش وينتفش سياسيا حتى لو أزهق أرواح الأتباع الصادقين والمصلين، فانتهت تجربة امتلاك السلطة من قبل الإخوان المسلمين لتفريط بجميع مبادئ الجماعة، ثم تقسيم السودان الموحد العظيم، حتى باتت سداحا مداحا يلهو بها الأمريكان والاسرائيليين، فتارة يدعمون البرهان وتارة ينفخون الروح في حميدتي ليفتت أصلاب السودانيين فيقتل رجالهم ويستحيي نساءهم، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

أخير وليس آخرا لا يمكن فهم كل هذا الضياع والفشل والخلل بشكل مفصول عن الحركة الأم في مصر، والتي برع قادة التنظيم فيها بتكرار الأخطاء دون مراجعة، فانتهوا للتفريط بالجماعة ومصر وانقسم التنظيم الأم بسبب تنافس وتناحر طالبي النفوذ والباحثين عن المال والسلطان والتفرد بالقرار، ولم يكن الخلاف الأخير الذي مزق الجماعة وأنهى مستقبلها بسبب افتراق في الجماعة بل هو تناحر براغماتي مصلحي نفعي بين قيادات التنظيم، حتى نسي بعضهم أصل وقيم وأهداف الجماعة، ورحم الله مرسي الشهيد الذي زهقت روحه في سياق مغامرات القاصرين والباحثين عن السلطان بحبل من الله وحبل من الجيش وراعيه الأمريكي الماكر اللعين!

وبكلمة يمكن القول إن العمل التنظيمي اللازم والمشروع لتحقيق أهداف الجماعة قد شكل إطارا ابتلع الجماعة، وذلك بعدما ارتبطت به وبقياداته مصالح وتموضع سياسي ونفوذ مالي ووجاهة اجتماعية، حتى بات الفرع هو الأصل، وغابت فاعلية الأصل والجماعة.

ولعل تلك النقطة الثانية تستحق أن يفرد لها بحث خاص، ليبحث المرتكزات والضوابط والمحددات التي تحول دون النهاية المأساوية المتكررة في ابتلاع التنظيم للجماعة الرسالية ومخالفة أهدافها ومنطلقاتها التأسيسية.

ثالثا: العصبية التي أفرزت آفتين سامتين.

إن العصبية فطرية النشوء وتلقائية التكوين، وهي ممدوحة في معناها الطبيعي الذي يدفع كل راع للمسؤولية والمحافظة على رعيته، كما يحفظ المكون الأسري والعائلي من التصدع أمام الإشكالات، كما يدفع كل منتسب لشركة لرفع أسهمها وتطويرها، وهكذا دواليك.

لكن العصبية مذمومة في الأعمال الاسلامية الدعوية والسياسية والحركية، حيث تعمي صاحبها عن رؤية الحق، كما تحول دون الواجب الشرعي القرآني في النظر والتدبر والمراجعة.

وقد أفرزت العصبية في الحركات الاسلامية الإخوانية -كما بعض الحركات السلفية- آفتين خطيرتين سامتين هما:

1/ غياب منهج العلم والعلماء والدين في الجرح والتعديل!

2/نشوء طبقة علماء التنظيم وحلولهم بدل علماء الدين، ليمارسوا دورا أسوأ من دور علماء السلاطين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق