الثلاثاء، 28 مايو 2024

فيروس

فيروس

محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

منذ أمس، ينتفض المصريون غضبا وحزنا، وربما: رعبا أيضا، على وصف المتحدث العسكري المصري لما حدث على الحدود بأنه استشهاد "أحد العناصر المكلفة بالتأمين"..


هذا الوصف التحقيري الغبي الذي نطق به المتحدث العسكري دون أن يفكر فيه أصلا، كشف كيف ينظر الحكم العسكري لأبناء البلد..


وما في هذه البلد واحد يجهل هذه الحقيقة، فالعسكري في مصر يُعامل بأحط أشكال التحقير والإهانة والإذلال، وفي المقابل: لا يتعلمون أي مهارات قتالية حقيقية تفيدهم في الحروب الحقيقية.


ولقد كتب خبير عسكري يوما أن قادة الجيش جاءوا بالعساكر ذات يوم فأوقفوهم صفيّن ليصدوا الرياح الرملية الحارقة أن تصيب الوفد الأمريكي الزائر. (ابحث عن مقال بعنوان: لماذا يخسر العرب الحروب - كتبه: نورفيل دي أتكين)


أريد أن ألفت نظر الكثير من الغاضبين والمحزونين إلى شيء يغيب عن بالهم، بل إلى شيء كانوا بعضهم يعارضه ويهاجمه أشد الهجوم فيما مضى.


حين تكون أنظمة الحكم على هذا النحو من الفساد والخيانة والظلم، وحين يكون استعمالها لأبناء البلد في قهر الشعب والتنكيل به، ثم تسليمهم قرابين باردة لعدوهم الصهيوني المجرم، وحين يكون العسكري في هذا النظام ليس إلا آلة قتل للمظلوم، ومادة قتل للظالم..


إذا كان ذلك كذلك، فإن الدعوة إلى التهرب من التجنيد والامتناع عنه، هي عمل نبيل فاضل، هو من صميم حقوق الإنسان، ومن صميم مصلحة الوطن، ومن صميم الدفاع عن الشعب.


وحينئذ، تكون فتاوى تحريم الالتحاق بهذه الجيوش (جيش السيسي وبشار وعباس.. إلخ) هي من القربات العظيمة إلى الله، وهي حينئذ من وسائل حقن دماء المسلمين وكف يد الظالمين ومن معالي مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


ومثل هذه الفتاوى سيؤيدها حتى العلماني والحقوقي والثوري ولو لم يكن إسلاميا ولا مسلما.. فقط لو صدق مع نفسه ومبدئه!


هل هو إنسان عاقل ذلك الذي يعترف بكل المظالم والفساد والخيانات، ثم يأتي فيعترض ويهاجم مثل هذه الدعوات والمبادرات، ويرى بذلك أنه يحافظ على الوطن والمؤسسات؟!!


يذكرني هذا بالنكتة التي تقول: وعد مدرسٌ تلاميذه -وكانوا من الحولان (جمع: أحول)- بأن الواحد منهم إذا استطاع أن يصفق، فسيعطيه حلوى مكافأة له. فلما استطاع أحدهم أن يصفق، أعطاه الحلوى، فوضعها التلميذ الأحول في فم صاحبه!!


هكذا يفعل فيروس "الوطنية" في كثير من الناس.. يعرفون المظالم والمفاسد والخيانات، ولكنهم يعيقون كل مبادرة حقيقية يمكنها أن تفكك جهاز الظلم والفساد والخيانة هذا.. صنم جديد يعبد من دون الله، اسمه "مؤسسات الدولة"..


ويا ليته كان صنما كالأوثان القديمة: لا ينفع ولا يضر.. إنما هو صنم يضر ولا ينفع!! ومع ذلك لا ينفك الكثيرون عن عبادته وتقديسه والولع بالحفاظ عليه، يقولون: وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمؤمنين!!


ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق