الثلاثاء، 21 مايو 2024

القرار الشائن والصمت المشين

 

القرار الشائن والصمت المشين

وائل قنديل

في مقابلِ صمتٍ عربي رسمي مطبق أمام قرارِ المحكمة الجنائية الدولية الصادر أمس، ثمّة حالة هيجان واستنفار في العواصمِ الغربية دفاعاً عن مجرمي الحرب الإسرائيليين، إذ بادرت كلّ من النمسا وألمانيا والتشيك وبريطانيا وألمانيا وبولندا، وبالطبع الولايات المتحدة، إلى إدانةِ القرار ورفض منطوقه.

لا بأس من قليلٍ من استخدام نظرية المؤامرة في محاولةِ قراءةِ قرار المحكمة بشأن إصدار مذكّرة اعتقال بحق مجرمي الحرب الصهاينة، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، وهو القرار الذي يساوي بين اللصِّ القاتلِ والضحية الذي يقاوم دفاعًا عن أرضه وبيته وشعبه، حين زجّ قياداتِ المقاومة الفلسطينية في منطوق القرار.

أمّا اعتبار نتنياهو وغالانت مجرمي حرب، فهذا ثابتٌ ومستقر، وأمّا توصيف ما يقوم به الاحتلال في عدوانه على الشعب الفلسطيني إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً، فهذا ممّا بات معلوماً ومؤكّداً، وبالتالي، فإنّ شمولَ قيادات المقاومة بالاتهامات ذاتها الموجّهة إلى حكومةِ الاحتلال هو جوهر هذا القرار الشائن المخزي بتعبير راعي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وشريك القتلة، الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي سارعَ إلى إدانةِ القرار وإعلان رفضه، وهو ما فعله على نحوٍ أكثر تطرّفًا في الانحياز للكيان الصهيوني رئيس مجلس النواب الأميركي الذي قال إنّه ليس للمحكمة الجنائية الدولية سلطة على إسرائيل أو الولايات المتحدة، محذرًا بأنّ الكونغرس يراجع جميع الخيارات، بما في ذلك فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.

اللافت هنا أنّ القرار يحمل في طياته التفافاً على قرارات محكمة العدل الدولية شديدة الوضوح والصرامة في إدانةِ الاحتلال الإسرائيلي، والأهم هو الإقرار بشرعيةِ المقاومة ضدّ الاحتلال وعدم الرضوخ للإرهاب الذي يمارسه داعمو إسرائيل ورعاتها، سعياً وراء تجريم المقاومة واعتبارها إرهاباً، ومن ثم لن تكون مستغرقًا في نظريةِ المؤامرة، لو نظرتَ إلى قرارِ الجنائية الدولية وسيلةً لصرفِ الأنظار عن قرار "العدل الدولية"، الملزم، والذي يُعدّ أقوى وثيقة إدانة لدولة الاحتلال، وأنصع شهادة اعتراف بالحق في المقاومة، مع الوضع في الاعتبار أنّ القيمة القانونية لقرارات العدل الدولية أكبر بكثير من قيمة قرارات الجنائية الدولية. ولو عدت إلى تعريف المحكمتين ومدى أهمية القرارات الصادرة عن كلتيهما، تجد "العدل الدولية" محكمة ذات سلطة على الدول والحكومات كونها تتبع الأمم المتحدة، وتُعدّ من أدواتها في إنفاذ العدالة في العالم، فيما لا تتوفّر هذه الحجّية القانونية للجنائية الدولية، التي هي محكمة أفراد ولا تتبع الأمم المتحدة. وبحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة "أسّست محكمة العدل الدولية، التي يقع مقرها في قصر السلام في مدينة لاهاي بهولندا، عام 1945 وسيلة لتسوية النزاعات بين الدول. وهب تقدّم أيضاً آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي أحيلت إليها من أجهزة الأمم المتحدة الأخرى المعتمدة. وتُعرف محكمة العدل الدولية على نطاق واسع باسم "المحكمة العالمية"، وهي من الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، التي تشمل الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة. كما أنّها الجهة الوحيدة من الأجهزة الستة التي لا يوجد مقرّها في نيويورك. وتُعتبر القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، والتي تبتّ في النزاعات بين الدول، ملزمة قانوناً، ولا يمكن الطعن فيها، لكن المحكمة لا تملك سلطة واسعة لتنفيذ أحكامها".

وبحسب الموقع، هناك خلط متكرّر بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وأبسط طريقة لتفسير الفرق بينهما أنّ قضايا "العدل الدولية" تشمل الدول، فيما تنظر "الجنائية الدولية" في قضايا ضدّ أفراد بتهمةِ ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية. وفي حين أنّ "العدل الدولية" هي أحد أجهزة الأمم المتحدة، فإنّ "الجنائية الدولية" مستقلة قانونًا عن الأمم المتحدة، على الرغم من تأييد الجمعية العامة لها. وعلى الرغم من أنّ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 ليست جميعها أطرافاً في المحكمة الجنائية الدولية، فإنّه يمكن للمحكمة إجراء تحقيقاتٍ وفتح قضايا تتعلّق بالجرائم المزعومة المرتكبة على أراضي دولة طرف أو من مواطن دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية، أو دولة قبلت اختصاصها.

على ذلك، يصبح التركيز على دعوى جنوب أفريقيا ضدّ الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية، وما صدر عنها من قراراتٍ واجبًا على كلّ مناصري الحق الفلسطيني، ويكون البناء على ما توصلت إليه الدعوى والضغط من أجل تفعيل قرارها أهم كثيرًاً من الانصراف كلية إلى قرار "الجنائية الدولية" الذي يتجاهل كون الاحتلال احتلالًا وكون المقاومة مقاومة، ويدين أعمال الأخيرة ضدّ احتلالٍ يمارس جرائمه منذ 76 عامًا في ظلّ تواطؤ عالمي جعله يسلك وكأنّه فوق القانون.

والحال كذلك، لا يليق بالدول التي تسمّي نفسها شقيقة لفلسطين أن تبقى في وضعية الفرجة المحايدة أمام قرارٍ بهذه الصيغة، وكأنّ الأمر لا يعنيها، وخصوصاً الذين زعموا انضمامهم إلى نضالِ جنوب أفريقيا ضدّ الإجرام الصهيوني، ثم تبيّن أنها مجرّد تصريحات في الهواء لمكايدة الاحتلال الذي يعلن بوقاحةٍ سيطرته على أكثر من ثلثي محور فيلادلفيا المشترك مع الجانب المصري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق