لا يمكن إغفال دور إيران ووجودها كدولة معاصرة من دول المنطقة وكامتداد لإمبراطورية سابقة تتنافس في محيطها على دور الوجود كرقم مع تركيا امتداد الإمبراطورية العثمانية وأمام العرب أيضاً الذين يُنظر إليهم كتابعين لكلا الامبراطوريتين وينبغي عليهم المضي قدما في ذلك وراء أحد الامتدادين، لكن صراع ملالي طهران مع العرب بات صراعاً معلناً بعد أن أصبح شاه إيران المخلوع شرطياً مطيعاً للغرب متسلطاً بوضوح على العرب في المنطقة بسبب أهميتها للغرب الذي كان يدعم ويحمي نظام الشاه مقابل ما يمارسه على العرب من ضغوط تخدم في أدنى درجاتها مصالح الغرب، إلا أن حراك الحركة الوطنية الإصلاحية الذي قاده الزعيم الراحل محمد مصدق في إيران كان أكبر مما توقعه الغرب على الرغم مما أحاكوه ضد مصدق من مؤامرات، وأصاب الغرب والشاه معا الغرور سبعينيات القرن الماضي فتعاظم طغيانه بإعلان نظام الحكم في إيران نظاماً دكتاتورياً مطلقاً بسياسة إكراه وخطاب فج الأمر الذي انتهى بثورة شعبية وطنية تعاظمت هي الأخرى في مواجهة طغيان الشاه وأسقطته.
كان من الصعب على الغرب أن يفقد مصالحه الاقتصادية والسياسية الكبيرة في إيران التي تجاور الاتحاد السوفياتي من جهة والعرب من جهة لذا كان اختيار الغرب لـ خميني وجماعته الخيار الأنسب لهم ولعدة أسباب منها القضاء على الحراك الوطني داخل إيران إذ لم يكن ملالي إيران على وفاق مع الخط الوطني الإيراني، والدخول في مواجهة مع الشيوعية في الجوار، وكذلك الدخول في مواجهة وصراع محتدم مع العرب يكون الفكر الديني والطائفي وقودها وتكون القدس إحدى شعارات المرحلة؛ ولأجل ذلك تحرك خميني الذي كان يقيم في العراق وبعض مرافقيه إلى الكويت من جهة العراق ورُفِض دخوله إلى الكويت فعاد أدراجه إلى بغداد بحجة البحث عن دولة أُخرى تستضيفه وحجز تذاكر سفر إلى فرنسا بحجة أنها كانت تستقبل الإيرانيين آنذاك بدون تأشيرة دخول مسبقة ليعود خميني بعد دخوله فرنسا بعدة أشهر إلى إيران على متن طائرة فرنسية ويكون سلطاناً جديداً على إيران بدعمٍ غربي بعد أن تسلق على الثورة الوطنية الإيرانية وهمش ونحى جانباً كافة الأطراف السياسية التي لا تتماشى مع مخططاته ويُعلن قيام جمهورية إسلامية لا تحمل من الوصف إلا اسمه، وبالتالي سقط الشاه ولم تسقط الدكتاتورية ولم ينتهي عصر الطغيان وقامت الجمهورية ولم يكن فيها حريات ولم تقم فيها ديمقراطية ولم ينتج عن ذلك سوى أمرين الأول حكماً لخميني وفرقته والثاني ضمان مصالح الغرب، وبالنتيجة عاد شرطي الغرب من جديد إلى المنطقة وهذه المرة بعمامة وعباءة وعصى يلوح بها من بعيد للاتحاد السوفياتي وتركيا ويهوي بها على العرب.
بداية صراع الملالي مع العرب
نظامُ حُكم الملالي نظامٌ ثيوقراطي شمولي أُحادي الرؤية يتخذ من الدين والمذهب شعاراً لبلوغ غاية السلطة غير آبهٍ حتى لو ذهب الدين والمذهب ضحية لذلك، وكانت أول مواجهاتهم وأول ضحاياهم مع المسلمين الحقيقيين وخاصة الشيعة في إيران كما حدث لمنظمة مجاهدي خلق وأنصارها ومجازر الإبادة الجماعية الباطلة التي أقيمت بحقهم أو التسبب في مقتل قادة وعلماء عراقيين شيعة ومن ثم البكاء عليهم؛ ولقد أراد خميني وجماعته قيادة الشيعة في المنطقة والعالم وحرص على أن لا تكون شخصية شيعية أخرى تتصدر الموقف حتى ولو كان ذلك بوجه حق وقد كان هناك علماء الشيعة من يتقدمون عليه علمية وخصالاً لكنه كان يخشى أن يُظهر وجودهم ضعفه وعدم صدقه وسوء توجهه، وبعد القضاء على خصومه أو تحييدهم كان التوسع نحو قيادة العالم الإسلامي برفع شعار تحرير فلسطين ويوم القدس العالمي وسعيه إلى هدم منظمة التحرير الفلسطينية لعدم خضوعه للامتثال تحت رايته والوقوف سياسياً إلى جانب العراق في حرب السنوات الثماني وعلى إثر ذلك سعى خميني ونظامه إلى ضرب الفلسطينيين وقتلهم في لبنان ورفض الإفتاء بحرمة الدم الفلسطيني المُراق في لبنان، ومن ثم عمل على شق صفوفهم في الداخل الفلسطيني.
كان لخميني ومشروعه بعد الاستيلاء على الحكم وثورة الشعب في إيران حلفاء ثلة من المخدوعين به في العراق ومثلهم نسبة في لبنان من خلال خطابه المذهبي الفتان، أما نظام الأسد فقد كان حليفاً قويا له آزره مؤازرة كاملة في حربه على العراق؛ تلك الحرب التي كانت خطوة انطلاقته نحو تحقيق مشروعه بالمنطقة وشمال أفريقيا حيث سعى إلى مد إمبراطوريته إلى دول شمال وغرب أفريقيا لإعادة أمجاد الدولة العبيدية، وما أن يتحقق له ذلك يصبح إمبراطورا ملك الجزيرة العربية بمقدساتها وساد على العرب وأفريقيا، وبالتالي لن تكون تركيا عصية عليه بعد هذا المجد، ولكن العراق الذي تصوروه لقمة سائغة وأن احتلاله مجرد نزهة سويعات ويسقط في أيديهم وتتوالى بعد سقوط أحجار الدومينو تلقائيا حتى يصل إلى لبنان والأردن ومن ثم ينطلق عبر سوريا ولبنان إلى شمال أفريقيا محطته الثانية ويؤجل تحرير فلسطين إلى أجل غير مسمى فتحريرها مشروع العرب ومسلمين آخرين وليس مشروعه وإن بات للعرب والأتراك شأناً فليحرروها فيما بعد.. بدليل أنه بعد هيمنتهم على العراق بعد احتلاله في عام 2003 وباتت في أحضانهم لم يحرروا فلسطين ولم يبقى للقدس سوى الشعار الذي فرغ من محتواه أيضاً.. ولم يفعل ملالي إيران شيئاً في العراق يتعلق بفلسطين بعد عام 2003 سوى أنهم قتلوا ونهبوا وشردوا الفلسطينيين المقيمين بالعراق والمنظمات الدولية شاهدة على تلك الأحداث وعلى غيرها أيضاً.
أربع دول عربية ودولة إسلامية في مرمى نيران الملالي
ركيزة الصراع بين الصفويين الجُدد ملالي إيران والدول العربية وتركيا وأغلب باقي دول العالم الإسلامي ركيزة سلطوية يُدار من أجلها صراعٌ بدأه الملالي منذ عام 1979 وسيكون خطابه خطاباً طائفياً شوفينياً كي يتمكن من تعبئة البسطاء خلف الخليفة الجديد ومشروعه، والدول الواقعة في هذا الصراع كأهداف هي أربعة دول عربية رئيسية وهي العراق – الأردن – السعودية – مصر، بالإضافة إلى الدور المحوري لإيران وتركيا كدولتين قادتا العالم الإسلامي لمئات السنين وترى كلٌ من الدولتين وخاصة نظام الملالي في إيران أنها صاحبة الحق التاريخي في حكم العالم الإسلامي..، وما يسعى إليه اليوم الملالي اليوم هو الهيمنة على العالم العربي من خلال الهيمنة على الدول العربية الأربعة، وتأتي تركيا كهدفٍ للملالي في نهاية المشروع؛ فالصراع الصفوي العثماني القديم باقٍ ولم ينته، ووفقاً لعقيدة الملالي فإن إسقاط واحتلال العراق سيعيد الدولة الصفوية إلى الواجهة وسيمكنها من تركيا بعد احتلال الأردن والسعودية، وإخضاع مصر والهيمنة عليها ضمن مشروع الدولة العبيدية وهو مشروع كان قائماً في ثمانينيات القرن الماضي وكانت سوريا وليبيا حينها جزءاً هاماً مسانداً لفكرة المشروع؛ بعد الهيمنة على العراق والسعودية والأردن ومصر يكون خضوع باقي الدول العربية تحصيلٌ حاصِل خاصة أن سوريا ولبنان واقعتين تحت سيطرة النظام الإيراني (نظام ولاية الفقيه أو كما نسميه هنا بـ نظام الملالي)، وتبقى مسألة الهيمنة على تركيا المعاصرة في حينها في تلك الفترة أمرٌ قاب قوسين أو أدنى وإن حدث فقد يتخلى الغرب عن تركيا لصالح الصفويين الجدد ذلك لأن الغرب الذي لن ينسى هيمنة العثمانيين على أوروبا لا يرى في تركيا حليفاً بل أداةً، وأما من ناحية تركيا ذات الامتداد العثماني السُني لن تصمد طويلا في صراعها مع الصفويين بدون محيطها العقائدي في شبه الجزيرة العربية ومصر وأفريقيا الذي في حال وقوعه في يد نظام ولاية الفقيه، ولذلك لا يمكن للملالي الدخول في صراع مباشر ومبكر مع تركيا دون توسيع نفوذهم في المنطقة بالتعاون مع الغرب، ووفقاً لما أسلفنا أعلاه فإن ملالي إيران ومنذ قيام سلطانهم كان هدفهم التمدد في المنطقة، ولولا صمود العراق في وجههم لكانت المنطقة اليوم خاضعة بمجملها تحت الحكم الصفوي الكهنوتي.
سياسة نظام الملالي العدوانية تجاه الأردن
ليست الأردن وحدها المستهدفة بل كما أسلفنا فهي والسعودية ومصر هدفاً رئيسيا اليوم لملالي طهران، ولكن الأردن في هذه الفترة أو بالأحرى منذ عام 2003 وهو هدفاً استراتيجياً للملالي الذين يكنون عداءً شديداً له من حرب الملالي على العراق بسبب وقوف الأردن إلى جانب العراق وساندته كدولة عربية ودولة جارة، كما أن استهدافها اليوم يأتي كونها تقع تحت ظروف اقتصادية وسياسية صعبة بسبب الحصار الصامت الذي يفرضه الملالي عليها من خلال وجودهم في سوريا العراق ولبنان ومن خلال ما يجري في فلسطين.
قاد نظام الملالي حربا ناعمة ضد الأردن خلال العقود الثلاثة الماضية وحاول احتواء وابتلاع الأردن من خلال السياسة الناعمة التي اتبعها المُلا خاتمي عندما كان رئيسا لجمهورية الملالي لكنه فشل في ذلك، وكم حاولوا بعدها دخول الأردن من باب السياحة والتبادل الثقافي كمداخل تمكن حرس ومخابرات الملالي من التغلغل في أوساط المجتمع ودعم قوى التطرف فيه ومدهم بالمال والسلاح وأيضاً فشلوا في ذلك على النحو الذي يحقق طموحهم، وأما المحاولات العدائية التي لم تنتهي منذ قيام الثورة الوطنية السورية فقد كانت ممنهجة وتهدف إلى استنزاف طاقات الأردن وإغراقه بالمخدرات والسلاح وتوفير الأموال اللازمة لأي عمليات إرهابية محتملة في الأردن أو في دول عربية أخرى يمكن التحرك إليها من الأردن كحركة المخدرات من الأردن الذي بات ممراً إلى دول المنطقة، كذلك كانت مظاهرات الجماعات الموالية للنظام الإيراني على الحدود العراقية الأردنية مطالبة الأردن بفتح حدوده والسماح لهم بالدخول لتحرير فلسطين كانت ضمن النهج العدواني المتبع ضد الأردن.. أما المحاولات العدائية الأخيرة التي جاءت صريحة ومباشرة فقد كانت من خلال خطاب الميليشيات التابعة لنظام الملالي والتي أعلنت عن استعدادها لتمويل وتسليح الجماعات والخلايا النائمة في الأردن ممن قد يستجيبوا لهكذا نوع من النداءات، وكذلك كان انتهاك المجال الجوي الأردني من قبل صواريخ ومسيرات الملالي أمراً عدوانيا إذ لم يكن بتنسيق مع الأردن وكذلك لم تكن هناك حاجة لذلك إن أرادوا تحرير فلسطين فكان بإمكانهم فعل ذلك من سوريا أو لبنان واستخدام العراق كمواقع خلفية للإسناد، وهنا نتساءل أليست الأراضي السورية واللبنانية حدودية مع فلسطين المُحتلة، وإن كانت كذلك فلما الاستعراض بمسيراتهم وصواريخهم في أجواء الأردن وقد سقط معظمها في الأردن كمخلفات ألعاب نارية وكأنهم كانوا يستهدفون الأردن وليس الكيان الصهيوني المحتل، ولم تكد تمر أيام قلائل على انتهاك سيادة المجال الجوي الأردني حتى نشرت صحف ووكالات أنباء رسمية تابع لنظام الملالي نصوصاً عدوانية تنال من الأردن وتسعى إلى تشويهه للتغطية على افتضاح أمرهم وحقيقة علاقاتهم مع الغرب والاحتلال في فلسطين التي لم تعد اليوم خافية على أحد.
وبالطبع كانت الحرب على العراق وتعاون الملالي مع الكيان الصهيوني المُحتل للقضاء على العراق وقدراته تمهيداً لتنفيذ مخططات الملالي بالمنطقة، وقد تحمل العراق ضريبة حماية البوابة الشرقية للأمة العربية ولم يدرك ويعترف الكثيرين بفضل العراق في ذلك.. أما اليوم فبعد هدم بوابة العرب الشرقية (العراق) عام 2003 فلم تعد هناك بوابة شرقية ولا حصن ينتمي ويحمي ويضحي، وبدأ تساقط دولنا واحدة تلو الأخرى ولا تستبعدوا المزيد ولا يغرنكم تحالف هذا أو ذاك، وخيارنا الوحيد اليوم هو إسقاط نظام الملالي.
خلاصة القول
تهاوت كل الشعارات وسقطت الأقنعة منذ زمن بعيد؛ ومع ذلك لم نرى الوجوه على حقيقتها، وبات اللعب اليوم على المكشوف بعد سقوط أربعة دول عربية في يد نظام الملالي الحاكم في إيران والتسبب في اتساع رقعة الشقاق بين الأشقاء في فلسطين واليوم دمار وإبادة غزة في حرب غير متكافئة في حين يرفع الملالي شعار “وأعدوا لهم ما استطعتم” وفي حقيقته هو شعار للتهرب والمناورة إذ لم يُطبق هذا الشعار على فلسطين وغزة فخلقوا المسببات التي من شأنها أن توفر الأسباب للعدو المُحتل فيقوم بإبادة غزة والقضاء على حُلم قيام الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين وهو ما كان ينتظره المُحتل، وبعد هلاك غزة وقتل أطفالها ونسائها وشيوخها وما يجري فيها مجاعة وفظائع وفضائح على قوات الاحتلال تأتي حزمة من المفرقعات لم تصل إلى أيٍ من مواقع المُحتل الصهيوني ولم تُلحق به أدنى ضرر بل عززت موقفه وتحول من جاني إلى مجني عليه أمام أنظار القوى التي تدعمه وتشجع على بقائه كآلة تدميرية في المنطقة يتقاسمون أدوار التدمير والهيمنة على المنطقة مع نظام الملالي، وبعد الهيمنة على العراق وسوريا ولبنان واليمن ومحاولات إثارة الفتن في الأردن من خلال الجماعات الموالية لهم يمكن القول بأن الهدف الحالي لنظام الملالي في المنطقة هو الأردن وليس أي طرف آخر وما تأجيج الشارع الأردني اليوم في بعض مواقفه إلا نتاجاً لتدخلات نظام ولاية الفقيه في الأردن بشكل مباشر أو غير مباشر، وأخر ما يمكن قوله للمخدوعين بالنظام الإيراني هو أن الملالي سعوا إلى احتلال الأردن مرارا ونشر الفوضى فيه ولم يتمكنوا من ذلك، وأما إن حدث وتمكن الملالي من احتلال الأردن فلن يحرروا فلسطين ولا تعنيهم القدس في شيء، وها قد مكنوا المحتل في فلسطين من هدم غزة وتبرير جرائمهم وكسب دعم عالمي يمكنهم من إذلال الشعب الفلسطيني الذي لم يتبرعوا له بشاحنة مواد غذائية، ولفهم ما يتعرض له الأردن من عدوان وإرهاب على يد ملالي إيران والميليشيات وعصابات المخدرات والتهريب الموالية لهم كان ولابد من التعريج على حقيقة الموقف المتعلق بنوايا الملالي في المنطقة التي لن تنجو منهم إلا بزوال هذا النظام وقيام جمهورية ديمقراطية تحترم حقوق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية في إيران وتحترم مبادئ حسن الجوار.
وإلى غد أفضل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق