مات الاستغراب!
محمد إلهامي
باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
ما بقي شيء لنستغرب منه؛ فوالله إن عبادة الأوثان في الجاهلية ليست بأغرب من بقاء بعض "الوطنجية" مؤمنين بملوكهم ورؤسائهم وزعمائهم وجيوشهم ومؤسساتهم!!
بل إيمان الجاهليين بالأوثان أقرب في العقل؛ فإنها لا تنفع ولا تضر، وقد ورثوا عن آبائهم أنها تماثيل أناس صالحين قد ينفعهم تعظيمهم إياهم عند الله!
أما الوطنجية فهم يرون أوثانهم المعاصرة تضر ولا تنفع، تسلب ولا تعطي، تهلك ولا تحيي، لا يأمن الواحد في ظلهم على نفسه ولا على عرضه ولا على ماله!
وهو يسمع بأذنه ويرى بعينه كيف تصدر التصريحات وتنشر التسريبات التي تؤكد عمالتهم وخيانتهم، ثم ترى الوطنجي يُبدع في التأويل والتماس الأعذار أو التماس الحكمة مما فعله الرئيس الحكيم أو الملك المفدّى!!
وإذا كان في الناس الآن من يتعشق أمثال هؤلاء وينافقهم، وليس فيهم من يُحسن الكلام والخطابة، فضلا عن أن يحسن شيئا من مقاليد الحكم والسياسة والقوة.. ولا يخشى أحد منه أن ينشر عنه ما يضره ويؤذيه..
فلو أقسمت على الغيب لأقسمت أن لو كُتب على جبين الواحد منهم "كافر" لأنكروا المكتوب الذي تراه العيون، فمن لم ينكر الكتابة التمس التأويل، ومن لم ينكر التأويل تغزل في جمال الخط المكتوب!!
وإذا كان في الناس الآن من يتعشق أمثال هؤلاء، فكيف يفعلون إذا جاء الدجال نفسه، وهو الذي تطيعه الكنوز فتتبعه، ويملك جنة ونارا، ويحيل من عبدوه إلى الخصب والرغد، ويحيل من كفروا به إلى الفقر والجدب؟!!
ألا لولا أن التاريخ معروف، لظنّ المرء أن زمان الدجال قد فات، وأننا الآن في فتنة أشد منه! فلقد رأينا من يعبدون السفهاء البلداء العملاء السفاحين، الراسبين في كل اختبار، والمترسبين في قعر الأمم، والمهزومين في كل معركة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق