الثلاثاء، 21 مايو 2024

التصورات الساذجة عن “اليوم التالي” للحرب في غزة

 

التصورات الساذجة عن “اليوم التالي” 

للحرب في غزة  

عامر عبد المنعم


يلهث الإسرائيليون ومن خلفهم الأمريكيون خلف هدف مستحيل، وهو القضاء على حركة حماس وتشكيل إدارة تابعة للاحتلال تدير غزة، وتضجّ الفضائيات والصحف ومراكز الأبحاث الغربية بمناقشات حول التصورات لليوم التالي للحرب، وكيف سيكون شكل القطاع حسب التصور الصهيوني وكأنه قطعة من العجين يسهل تقطيعه وتشكيله.

يعيش الإسرائيليون ومعهم الطبقة السياسية الأمريكية المؤيدة للاحتلال في وهم كبير، فحماس لن تستسلم وتلقي السلاح كما يتمنى نتنياهو وبايدن، ولا الشعب الفلسطيني ينتظر خيرا من مصاصي الدماء الذين يقتلونه بالمجاعة إن أفلت من القصف بالقنابل، وكانت عمليات المقاومة في جباليا والزيتون هذا الأسبوع أبلغ رد على هؤلاء الواهمين.

بعد ثمانية أشهر من حرب الإبادة وإعلان جيش الاحتلال أنه قضى على حماس في شمال ووسط القطاع، وأنه لم يبق إلا رفح للقضاء على ما بقي من كتائب القسام؛ قوبل الإسرائيليون بعاصفة مزلزلة من المقاومة في رفح والشمال، تكبد فيها الاحتلال خسائر كبيرة وكأنه في بداية الحرب، وقد أعلن أبو عبيدة أن المقاومة دمرت في 10 أيام فقط أكثر من 100 دبابة وآلية.

كل الخطط عن اليوم التالي تبني أفكارها على أسس خيالية ساذجة، وهي أن حماس ستختفي وأن الشعب الفلسطيني سيقبل أن يحكمه جيش الاحتلال، الذي لن يخرج من غزة بل سيبقى لحماية الإدارة العميلة، التي ستتكون من عملاء فلسطينيين، وتحميها جيوش عربية وشركات المرتزقة التي توظف العسكريين الأمريكيين السابقين.

اليوم التالي لن يأتي

خطأ الحسابات الإسرائيلية والأمريكية أن حماس حركة يمكن عزلها عن الحاضنة الشعبية بالضغط على المدنيين بالقصف والقتل والتهجير والتجويع، لكن أثبت سير المعركة أن المقاومة هي الجهاز العصبي للجسد الفلسطيني، وهي طليعة مقاتلة ابنة مجتمعها، وجذورها ضاربة في أعماقه، وهي متجددة ولا نهاية لها، وكلما زاد القتل ولد المزيد من المقاومين الذين يخرجون من تحت الأنقاض يبحثون عن الثأر.

تعتمد التصورات الصهيونية على خونة فلسطينيين يكونون في الواجهة، وهم من الطابور الخامس الذي تم إعداده في دولة خليجية وفي سلطة رام الله، لكن يفوتهم أن جرائم الإبادة التي تجري في غزة والضفة خلقت رغبة في الانتقام لن ترحم المحتل، ولا عملاء المحتل حتى لو تسموا بأسماء فلسطينية، بل تم اختراق هذا الطابور بطريقة عكسية، وقام أصدقاء حماس بتسريب خطة إدخال العملاء عبر شاحنات المساعدات فتم القبض عليهم في غزة، فردا فردا كالفئران المذعورة.

تتحدث خطط اليوم التالي عن استدعاء قوات عربية من تحالف أبراهام، وكأن حكام هذه الدول مجرد أدوات في يد نتنياهو، وحتى إن كان التقييم الصهيوني فيه شيء من الصحة بناء على ما يقال في السر والغرف المغلقة، فإن جيوش هذه الدول ليست بالصورة التي يتخيلها البيت الأبيض وحكومة الحرب الإسرائيلية، وهناك خطوط لا يمكن للخيانة -إن وجدت- تجاوزها.

وحتى إن تقرر إمداد الاحتلال بقوات عربية تحت أي ذريعة، أو بقوات غير نظامية فإن الجنود ليسوا آلات يمكن برمجتها، وإنما هم بشر ومسلمون لن يقبلوا أن يكونوا حماة للاحتلال المجرم، وستتحول بنادقهم اتجاه الإسرائيليين بكل تأكيد، ومن يقبل منهم طاعة الأوامر فلن يكون أكثر تسليحا وجرأة من الجندي الإسرائيلي الذي داسته المقاومة بالأقدام وسفكت دمه.

لن يشعر الإسرائيليون بالأمن إلا بوجود القوات الأمريكية، سواء الجيش الأمريكي أو الشركات الأمنية الخاصة التي توظف المرتزقة، ووفقا للصيغة الممكنة، والوضع العسكري على الأرض في غزة والمناخ الدولي، وحسب المقترحات فستكون لهم القيادة والسيطرة لمعاونة الاحتلال في حماية الإدارة البديلة، ولكن حتى هؤلاء سيعاملون -كما قالت حماس- كقوة احتلال مصيرهم مثل الإسرائيليين.

المساعدات حصان طروادة

يتفق الأمريكيون مع الإسرائيليين في القضاء على حماس وإزالة التهديد وضمان عدم تكرار هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، ورغم ما يبدو من خلافات حول بعض القضايا الهامشية فإنهم متفقون على عدم وقف الحرب حتى تتم السيطرة على القطاع، وبينما يقوم الاحتلال بالجهد العسكري بالقنابل والأسلحة الأمريكية فإن مهمة بايدن وإدارته إعادة هندسة القطاع باستخدام ورقة المساعدات.

في الخطة التي أعدها المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي صاحب فكرة إنشاء “صندوق دولي لإغاثة وإعمار غزة” فإن المساعدات وإعادة الإعمار هي “حصان طروادة لإدامة الانقسام الفلسطيني ومنع إعادة توحيد غزة”، وتطرح مراكز الأبحاث الأمريكية عشرات الخطط التي تهدف إلى إزاحة حماس وتفجير غزة من الداخل عن طريق التحكم في المساعدات!

يراهن القادة الأمريكيون على كسر غزة بالجوع، والتلويح بالطعام يوما بيوم حتى يرضخ الفلسطيني؛ لذا فإن المهمة الأساسية المعلنة للرصيف العائم الذي أقامه الجيش الأمريكي ليست لتقديم كميات كافية من الطعام للتخزين وعودة الحياة الطبيعية، وإنما وجبات يومية للترويض والتطويع وكأنهم في سجن؛ يستخدمون الوجبة اليومية للضغط عليهم، واستمالة بعضهم وقطعها عن الآخرين.

ولأن الخطة الأمريكية لن تنجح في ظل فتح المعابر البرية، وفي مقدمتها معبر رفح وفي وجود الأونروا ومنظمات الأمم المتحدة، فقد أيدت إدارة بايدن إغلاق المعابر، وأعطت الضوء الأخضر لاحتلال معبر رفح، ليكون الرصيف العائم هو الطريق الوحيد المفتوح للمساعدات وتحت السيطرة الإسرائيلية، أي أن الحل الأمريكي المعلن هو في الحقيقة المزيد من الحصار والمزيد من التجويع.

تعمل الولايات المتحدة الآن على إلغاء كل ترتيبات الأمم المتحدة في غزة التي نشأت بقرارات أممية، والتأسيس لنظام جديد بعيدا عن النظام الدولي، يعيد السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، ويعطي الاحتلال صلاحيات وسلطات تعينه على إخضاع الفلسطينيين، ومنع حماس من حكم القطاع مرة أخرى، لكن لم يعد الوقت في صالح الخطة الأمريكية الإسرائيلية، فالاحتلال لم ينجح عسكريا، وبايدن محاصر من طلاب الجامعات، ويزداد ضعفا مع اقتراب الانتخابات.

كل الخطط الصهيونية الأمريكية فشلت أمام الصمود الفلسطيني وصلابة المقاومة، ورغم ما يمتلكه الكيان الصهيوني من أسلحة ومساندة أمريكية وأوروبية فهو مهزوم ومفكك يتصارع قادته أمام الشاشات، وفي المقابل غزة موحدة متماسكة خلف حماس، والفلسطيني بأسلحته البسيطة استطاع أن ينتصر ويحافظ على انتصاره، وهو مستعد للقتال مدة طويلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق