السبت، 25 مايو 2024

قضايا وأحداث.. ضيف من غزة في الأناضول

 

قضايا وأحداث.. ضيف من غزة في الأناضول

اصْبِرْ على ظُلْمِ الظَّلومِ وحِقْدِهِ

فَلِشَمْسِ أيَّامِ الطُّغاةِ أُفُولُ

هل يهددون سكان غزة بالقتل؟ ماذا سيفعل الموت بهم؟! والله، إن الموت في عقيدة جميع سكان غزة الآن شيء طبيعي أكثر من أي وقت آخر؛ لأنه يجمع شملهم بمن سبقوهم. إنهم يعتقدون أنهم سيتراجعون ويستسلمون مع استمرار هجمات إسرائيل. فلتمت إسرائيل بغيظها، فما يزيد ذلك المقاومة إلا قوة. إنهم لا يفهمون، هل هناك شيء يمكن أن يوقف من يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة؟

مصطفى أبو علي استشهدت أمه وأولاده الثلاثة وزوجته تحت القصف الإسرائيلي والإبادة الجماعية لغزة التي دخلت شهرها الثامن. وهو ينطق بهذه الكلمات تختلط كلماته بآلام شديدة ودموع غالية، ويقين بنصر الله، ويستمر في كلامه: «الحمد لله، بالطبع، تمني الموت لدينا حالة تغلغلت بقوة في جميع سكان غزة تقريبًا مع هذه العملية. ونحن شعب غزة ندرك مسؤولية المقاومة التي تتجاوز غزة وشعبها. والمقاومة والاستشهاد عندنا ليسا خسارة أو هزيمة. فنحن ندرك ما نقوم به ولا ننتظر شيئًا من العالم، بل نعلم أنه تقع على عاتقنا مسؤولية العمل الجاد لوقف جرائم الاحتلال الصهيوني في العالم. ونقوم بما لم يفعله أحد أو لا يستطيع فعله، ونقدم هذا المسار باستراتيجياته وتخطيطاته وسبل تنفيذه».

لقد حلَّ أبو علي ضيفًا على اللقاء الأسبوعي الذي نعقده كل أربعاء في مقر مؤسسة رابطة خريجي جامعة الشرق الأوسط التقنية (MEBIVA) في أنقرة. ويشغل وظيفة مدير مستشفى ومركز المعاقين في غزة منذ إطلاق سراحه من السجون الإسرائيلية، وتعرَّض فيها لمختلف أنواع التعذيب والمعاملة اللا إنسانية لمدة 10 سنوات.

عاود مصطفى أبو علي البكاء مرة أخرى وهو يقول إن الله كافأه على صبره 10 سنوات في السجن، ورزقه زوجة صالحة كانت له جنة على الأرض، وثلاثة أولاد قرة عين له، ووالدته الحافظة لكتاب الله والمحفظة له التي تشارك كل عام في مسابقات واختبارات القرآن الكريم، وقد حصلت في آخر اختبار لها على 97 من 100، تنام بالقرآن وتستيقظ بالقرآن، وأولاده ينشؤون في رحاب القرآن.

وجاءت الإبادة الجماعية التي بدأت في 7 أكتوبر وأخذت كل هؤلاء الأطفال من مصطفى.

ومع هذه الكلمات تمتلئ عيون مصطفى وكل الحضور بالدموع. لكنه سرعان ما يتمالك نفسه ويتابع: «ربما تكون قصتي واحدة من قصص كثيرة تحدث في غزة حاليًا. فهناك 50 ألف شهيد في غزة نتيجة الهجمات اللا إنسانية التي بدأت فقط بعد 7 أكتوبر، وقصة كل واحد منهم تشبه قصتي التي ليست الأكثر مرارة وألمًا من غيرها».

هناك أشخاص سيتم مسح جميع أقاربهم تقريبًا من السجل المدني، ولم يتبق منهم أحد غيرهم، حيث تم إخراجهم من تحت الأنقاض. وأول شيء يفعله كل شخص في غزة عندما يخرج من تحت الأنقاض هو أن يشكر الله ويقول: حسبنا الله ونعم الوكيل».

استشهد للزعيم السياسي الحالي لحماس، إسماعيل هنية، مؤخرًا ثلاثة أبناء وخمسة أحفاد. وفي وقت سماعه الخبر كان يزور جرحى غزة الذين كانوا يعالجون في أحد مستشفيات الدوحة. ولم يتوقف للحظة، قال «الحمد لله، دماء أولادي ليست أغلى من دماء 50 ألف شخص استُشهدوا في غزة» واستمر في زياراته. وقبل ذلك استشهد 60 شخصًا من أقاربه.

هناك جرائم بشعة وهجمات وحشية بربرية في غزة، والتي لم يشهدها تاريخ البشرية على الإطلاق، لكن سكان غزة لا يبكون ولا يتراجعون بسهولة أمام هذا القمع. بل سيقاومون حتى آخر قطرة من دمائهم، ويقدمون للبشرية نموذجًا لا عذر فيه للانحناء للظالم. نموذج لا تخيفه القوة التدميرية المميتة للطاغية، ولا تغريه البضائع أو المناصب أو المجاملات أو المكافآت التي سيحجبها أو سيقدمها. لقد استولت الصهيونية العالمية على العالم بأسره بهذه الطريقة التي لا تجدي فقط في غزة العصية على الطُّغاة، الأمر الذي يدفعهم إلى الجنون. وكلما أصبحت هجماتهم أكثر وحشية وكلما خرجت عن نطاق السيطرة، كلما فقدت مصداقيتها.

أهل غزة الحرة بمعاناتهم ومثابرتهم يكشفون للبشرية جمعاء الوجه الحقيقي لنظام عالمي منافق وعنصري وخائن وغير إنساني يتحكم في الجميع. سكان غزة لا ينتظرون الشفقة، بل إنهم يشفقون على العالم وانهزاميته. فأهل غزة الأبية على الرغم من كل المعاناة والدمار، لا يلومون المقاومة على ما يحدث، بل على العكس، الجميع يدعم حماس بكل إخلاص ونبل وتواضع لا يجزعون من العدوِّ وحِزْبِه المخْذول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق