من الذي اختارَ الحربَ؟!
أدهم شرقاوي
جاءَ وزيرُ الدِّفاع البوسني حارث سيلاديتش إلى الرئيس علي عزَّت بيغوفيتش وقال له: سيادة الرَّئيس، إنَّ الصربَ قد اختاروا الحربَ!
فقال له بيغوفيتش: الحربُ تحتاجُ موافقة الطرفين!
فقال له وزير الدّفاع: هذا تعريف الحُبّ، وليس الحرب يا سيادة الرَّئيس!
الكثير من الحروب تختارُكَ ولا تختارها، تجدُ نفسكَ في أتونها رغماً عنك! ونحن لم نبدأ حربنا في السّابع من أكتوبر، نحن بدأنا هذه المعركة فقط، أما الحربُ فقد بدأتْ قبل أن نولد، فتحنا عيوننا على الدُّنيا فوجدنا أنفسنا في الميدان، فكنّا بين خيارين لا ثالث لهما: حياة الذليل أو موت الكريم! ونحن لا نعرفُ إلا أن نكون كراماً!
قبل دخول بريطانيا الحرب العالمية الثانية، كان رئيس الوزراء تشامبرلين ميّالاً إلى عدم دخول الحرب، فقال له وينستون تشرشل: لقد خيَّروك بين العار والحرب، ولقد اخترتَ العارَ، والحربُ ستُفرضُ عليك!
الكثيرُ من الحروب وإن بدتْ هجوميّة فإنها تكون لغرض الدِّفاع! النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذهبَ إلى تبوك في غزوة ظاهرها هجوميّ أو ما يُسميه الفقهاء جهاد الطّلبَ! ولكن الحقيقة أن غرضَ الغزوة كان دفاعيّاً! فهو لم يخرج إلا استباقياً بعدما علم أنّ الرُّوم قد جمعوا له! لهذا هي حرب تندرج تحت ما يُسميه الفقهاء جهاد الدَّفع!
وهذا هو السبب الذي أدى لاتخاذ إجراءات عقابيّة على الثلاثة الذين تخلَّفوا، لأنَّ جهاد الطلب فرض كفاية ولا إثم على من لم ينخرط فيه، بينما جهاد الدّفع فرض عين، وآثم من قعدَ عنه!
وهذه كانت معركتنا في السّابع من أكتوبر، دفاع في زيّ الهجوم، خطوة استباقيّة، تتغدى بعدوّك قبل أن يتعشى بك!
هذه الحرب كانت لتكون ولو بقينا في بيوتنا وخنادقنا، ولكننا اخترنا المباغتة بدل أن نُباغَتَ، وأن نبدأ الصفعة قبل أن نتلقاها! لقد خيّرونا بين العار والحرب، فاخترنا الحربَ لأننا نعلمُ جيّداً أنه ليس بعد العار إلا الحرب!
ثمانية أشهرٍ وما هان العزم، تعبَ القاتلُ ولم يتعب القتيل!
ثمانية أشهرٍ والحربُ سجال، قذائف الياسين أفصحُ لساناً من قمم الذّل والعار للشجب والإدانة!
وقنّاصة الغول أفصح بياناً، لأنها تتكلّمُ باللغة الوحيدة التي يفهمها هذا العالم، لغة الرّصاص!
فالسّلامُ على كتائب العزِّ البارحة واليوم وغداً وإلى قيام السّاعة!
السَّلامُ على عيونهم التي لا تنام لأنها تحرسُ مسرىً تركتْ أمره إليهم أمة كاملة!
السّلامُ على وجوههم المطليّة بالجهد والتّعب، فإنما تُؤخذُ الدُّنيا غلاباً!
السّلامُ على أصابعهم الضاغطة على الزّناد!
السّلام على أمعائهم الخاوية، وكراماتهم المتخمة حتى الامتلاء!
السّلامُ على دمائهم، وأرواحهم، فإنَّ الله اشترى!
والقُبلاتُ، الكثير من القُبلات لأقدامهم، إنه لشرفٌ أن يضعَ المرءُ فمه على شيءٍ ثبّته الله!
نحن ككلّ شعوب الأرض كنا نتمنى لو كان لنا وطنٌ حُرٌّ، نبنيه حجراً حجراً، أن يكون لنا بيوت جميلة لا تُسوّيها الدبابات بالأرض، وزوجات لا تُفتتُ أجسادهُنَّ القذائف، وأولادٌ لا تقصف وتقطفُ الطائرات أعمارهم باكراً! ومساجد لا تُهدم قبابها على روّادها، وجامعات لا تتحول في ثوانٍ من صروح علميّة إلى أكوام ركام، ومستشفيات لا تطأها أقدام الغزاة!
نحن نحبُّ الحياة كثيراً، نحبُّ أن يتخرّج أولادنا من الجامعات بدل أن يُدرجوا في الأكفان باكراً!
نحبُّ أن يكون لنا أعراسٌ لا مآتم!
ولكنّ على ما يبدو في هذا العالم الحياة لا ينالها البعض إلا عن طريق الموت، وقدرنا أن نكون بعض هؤلاء النّاس!
جئنا إلى الدُّنيا فوجدنا أنفسنا وعدَ اللهِ الذي تأذنَّ سبحانه أن يسوموا أحفاد القردة والخنازير سوء العذاب، ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم أننا في بيت المقدس وأكنافه على الحقّ ظاهرين، لا يضرنا من خذلنا حتى يأتينا أمر الله ونحن كذلك!
جئنا إلى الدُّنيا فوجدنا أنه قبل ألفٍ وأربعمئة سنة نبيُّنا صلى الله عليه وسلم قد قال: وخير الجهاد يومئذٍ جهاد عسقلان!
فأرسلنا إليها الكتائب فجاست خلال الدّيار، نحن لسنا بأمر أنفسنا، نحن بأمر اللهِ، باقون بحفظه ولو نزفنا، وبأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولو بكينا الأحبة والرّفاق، يُعزّينا أننا باقون رغماً عن العالم، يُسلّينا قول ابنُ حجر، حتى يأتيهم أمر اللهِ وهم كذلك أي عيسى ابن مريم!
فيا حظّ من نصرَ، ويا تعسَ من خذل، وللحكاية بقيّة، ولن نترك الساح ولن نُلقيَ السلاح!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق