لماذا السنوار؟
يرى البروفيسور الإسرائيلي رافي كارسو، وهو أستاذ في طب الأعصاب وله برنامج إذاعي مشهور وعمود للاستشارات الصحية في صحيفة معاريف الصهيونية، أن السنوار يدير حرباً نفسية ناجعة على إسرائيل، وقد تعلم هو ورجاله أن ينفذوا إلى أدمغة الإسرائيليين.
مما يلفت الانتباه في الأيام الأخيرة، هو تجدد الحملة الإعلامية الصهيونية مرة أخرى، والتي تتحدث عن ملاحقة قائد حماس في غزة يحيى السنوار.
فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر وفي فبراير الماضي، نشر جيش الاحتلال الصهيوني لقطات لما قال إنها للسنوار، وهو يسير عبر نفق مع العديد من أفراد عائلته، وهي المرة الأولى التي يتم رصده فيها قبل هجوم 7 أكتوبر الماضي.
ثم ما لبث أن خمد الحديث عن ملاحقة الرجل.
ولكن ها هو الآن بعد تلك الفترة، يتجدد الكلام عن مطاردته مرة أخرى، فبعد تصويت 140 دولة لصالح قرار يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالمنظمة الدولية، ويوصي مجلس الأمن الدولي بإعادة النظر في الطلب، وذلك خلال الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، فما كان من مندوب دولة الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إلى أن رفع صورة ليحيى السنوار، وقال إنه عندما يتم إعلان دولة فلسطينية سيكون ذلك الشخص رئيسها.
بينما يضج الإعلام الصهيوني وصحفه بالتقارير عن ملاحقة السنوار، وكمثال لذلك فقد أشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في تقرير نشرته السبت ١٠ مايو، إلى أن المسؤولين الصهاينة لم يتمكنوا من تحديد موقع السنوار حاليًا، لكنهم استشهدوا بتقييمات استخباراتية حديثة تشير إلى أنه يتواجد في أنفاق تحت الأرض في خان يونس، على بُعد حوالي 5 أميال شمال رفح، فيما قال مسؤول آخر إن السنوار لا يزال في غزة.
وذكرت الصحيفة أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو جعل العملية العسكرية المحتملة للجيش في رفح على رأس جدول أعماله، ولكن يُعتقد أن استهداف قيادة حماس لا يزال يمثل هدفاً رئيساً للحرب الإسرائيلية أيضاً.
من أهم خصائص شخصية السنوار، أنه لم يترك فترة اعتقاله خلال 23 عامًا قضاها في السجون الصهيونية تمر سدى، ففي خلالها تعلم اللغة العبرية، وصار يتحدثها بمستوى جيد. حتى أنه أصبح يتمتع بفهم عميق للثقافة والمجتمع الصهيوني |
وزعمت الصحيفة، أن جيش الكيان الصهيوني قتل نائب قائد الجناح العسكري للحركة، مروان عيسى، الذي يعتبر القائد الثالث للحركة في غزة، إلى جانب كبار القادة الآخرين في الأشهر الماضية، ولكنه حتى الآن لم يتمكن من الوصول إلى السنوار ونائبه، رئيس الجناح العسكري محمد الضيف، على الرغم من الادعاءات المتكررة من قبل المسؤولين الإسرائيليين بأن الجيش بات قريباً منهما.
ومن المثير للانتباه، أنه لم تكن دولة الكيان العنصري وحدها مشاركة في حملة ملاحقة السنوار، فقد دخل طرف جديد للمساندة في تلك الملاحقة المزعومة.
فمنذ عدة أيام قال منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي إن الإدارة الأمريكية تساعد إسرائيل على تعقب رئيس حماس في غزة يحيى السنوار وقادة آخرين في الحركة.
وأكد كيربي خلال مؤتمر صحفي عقده: في الحقيقة.. نحن نساعدهم على ملاحقة قادة حماس، بمن فيهم يحيى السنوار. بصراحة، نحن نفعل ذلك مع إسرائيل بشكل مستمر.
وقال: لدينا علاقة طويلة الأمد وقوية مع إسرائيل على جبهة مكافحة الإرهاب، تشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية والخبرات، فضلا عن طرق أخرى للتعاون.. لا أريدكم أن تعتقدوا أننا نشارك بأي شكل من الأشكال مباشرة في العمليات العسكرية. هذا ليس صحيحا.
ورفض كيربي الخوض في التفاصيل حول كيفية مساعدة الولايات المتحدة للكيان الصهيوني في البحث عن السنوار أو حتى في حربه على قطاع غزة، بل اكتفى بالعموميات، وعلى ما يبدو فإن خروج كيربي في هذا التوقيت ربما ردًا على ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، من أن إدارة بايدن تستخدم معلومات استخباراتية حساسة تحتوي على تحديد موقع قادة حماس داخل أنفاق غزة، للضغط على حكومة نتانياهو بالتراجع عن عملية رفح.
فما أسباب تجديد تلك الحملة؟ وهل توقيت تجدد حملة البحث عن السنوار يرتبط بمتغيرات في الحرب الطويلة الأمد والتي تجري على أرض غزة؟
هل الحديث المتجدد عن ملاحقة السنوار تعبير عن انهيار نفسي يعيشه قادة الكيان، بعد أن انعدمت خياراتهم في غزة وعجزهم عن تحقيق الأهداف التي وضعوها مسبقا، سواء في تحطيم حماس أو اخراج الأسرى الصهاينة لدى المقاومة؟
أم أن هذه الملاحقة العلنية تأتي في إطار البحث عن صورة نصر مزعومة قبل قبول الصفقة الراهنة المعروضة على دولة الاحتلال، والتي رفضها من قبل بعد أن قبلتها حماس؟
للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا التعرف على ما قام به يحيى السنوار منذ اندلاع طوفان الأقصى، وجعل الصهاينة وحلفاءهم في الغرب يصرون على ملاحقة هذا الرجل.
خطورة السنوار
من هم يحيي السنوار؟ والذي وصفته صحيفة لوموند الفرنسية بأنه سيد اللعبة.
لم يكن يحيي السنوار والذي يبلغ من العمر 62 عاما قائدًا مختلفًا عما سبقوه من قيادات حماس في كثير من الخصائل.
لم يكن مختلفًا عنهم أو نبته مغايرة فيما قدموه لدينهم وقضيتهم: من صمود وثبات وتضحيات بالروح وكل ما يلزم في سبيل نجاح مشروعهم.
ولكن السنوار اختلف عن الآخرين في بعض الصفات الشخصية، والتي أهلته لاتخاذ القرار الجريء بعملية طوفان الأقصى، ثم إدارته للمعركة بعد ذلك.
فما هي تلك الصفات المختلفة؟
لكن أخطر ما يتسم به السنوار هو مقدرته الاستراتيجية، والتي تعني توظيف السياسة والإعلام والسلاح في بوتقة واحدة لتحقيق الأهداف، ثم جرأته لتنزيل هذه الاستراتيجية على أرض الواقع، وقد تجلت تلك المقدرة في مفاوضات صفقات تبادل أسرى الاحتلال لدى المقاومة. |
يبدو أن صفات رجل المخابرات أو الأمن هي التي يتطبع بها السنوار، والتي من بينها الكتمان، والصرامة، والحسم، والمكر مع العدو أحيانًا أخرى، وقد ظهر مدى تفوق العمل الاستخباري لحماس والذي يقوده السنوار في المحافظة على اتصالات السنوار بقادة المكتب السياسي للحركة، أثناء مفاوضات الأسرى والتي كانت تتم بالتنسيق بين قيادة الحركة في غزة وأعضاء مكتبها السياسي سواء كان في الدوحة أو القاهرة، وتمّت هذه الاتصالات من دون أن تكتشفه الاستخبارات الصهيونية والغربية والتي تطبق على سماء غزة على مدار ساعات اليوم.
وبدأت قصة السنوار مع العمل الاستخباري في عام 1988، عندما اقترح السنوار على الشيخ أحمد ياسين تأسيس جهاز أمني للحركة، أشبه بجهاز مخابرات، فوافق الشيخ على إنشاء جهاز الأمن والدعوة والذي عرف حينها باسم مجد، والذي تولَّى الملفات الأمنية الداخلية. وتمكَّن السنوار حينها من قيادة مجموعة من الكوادر الأمنية وتتبُّع عدد من العملاء الذين عملوا لصالح الاحتلال. وبمرور الوقت، صارت لمجد مهمتان: الأولى ملاحقة عملاء إسرائيل من الفلسطينيين وإجراء التحقيقات معهم ومن ثم معاقبتهم، والثانية اقتفاء آثار ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية نفسها.
هذا الجهاز وقتها لم يكن يملك الخبرة الاحترافية الكافية، الأمر الذي أدى إلى اعتقال السنوار من قبل سلطات الكيان الصهيوني.
ومن أهم خصائص شخصية السنوار، أنه لم يترك فترة اعتقاله خلال 23 عامًا قضاها في السجون الصهيونية تمر سدى، ففي خلالها تعلم اللغة العبرية، وصار يتحدثها بمستوى جيد. حتى أنه أصبح يتمتع بفهم عميق للثقافة والمجتمع الصهيوني، بل وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور ورؤيتهم المستقبلية، وما يخيفهم، وما يهزهم ويؤثر فيهم.
وكما أوهم السنوار الصهاينة وهو في معتقله بأنه قيادة غير دموية، حتى أنهم قبلوا الإفراج عنه في صفقة شاليط، نجح أيضًا في خداعهم قبل السابع من أكتوبر، عندما استطاع إيهامهم بأن حماس تخلت عن المقاومة، وأن ما يهمها الآن تحسين الوضع الاقتصادي لأهالي غزة وتوفير فرص عمل لهم، فإذا به يفاجئ الجميع.
طبعًا هذه الصفات غير التقليدية، فضلاً عن تمتعه بالسمات التي يتصف بها قادة المقاومة الإسلامية، فقد تخرج من الجامعة الإسلامية في غزة، وصار خطيبًا مفوهًا.
ولكن أخطر ما يتسم به السنوار هو مقدرته الاستراتيجية، والتي تعني توظيف السياسة والإعلام والسلاح في بوتقة واحدة لتحقيق الأهداف، ثم جرأته لتنزيل هذه الاستراتيجية على أرض الواقع، وقد تجلت تلك المقدرة في مفاوضات صفقات تبادل أسرى الاحتلال لدى المقاومة.
ويرى البروفيسور الإسرائيلي رافي كارسو، وهو أستاذ في طب الأعصاب وله برنامج إذاعي مشهور وعمود للاستشارات الصحية في صحيفة معاريف الصهيونية، أن السنوار يدير حرباً نفسية ناجعة على إسرائيل، وقد تعلم هو ورجاله أن ينفذوا إلى أدمغة الإسرائيليين، وأدمغة العالم أجمع بعد أن تمكن من شن المفاجأة تلو المفاجأة، وزراعة القلق فيهم، وهو لا يزال ناجحاً في اختراق أدمغة الناس في إسرائيل بعد تلك الفترة من الحرب.
ويستدل كارسو على كفاءة الحرب النفسية التي يشنها السنوار ببعض الجمل التي يستخدمها المذيعون الصهاينة في الحديث عنه، مثل أنه "تركنا بلا هواء ولا منفذ"، و"دمَّر أعصابنا"؛ "جعل إسرائيل كالخليط على الـمِرجَل، والخلاصة أن الصهاينة صاروا ألعوبة بين يديه، حسب الطبيب الإسرائيلي.
تذكر دراسة منشورة لمعهد السياسات والإستراتيجية الصهيونية التابع لمركز هرتسيليا عام ٢٠٢١ حول شخصية السنوار، اعتبرت فيه أن الأخير يُغيِّر قواعد اللعبة مع إسرائيل، وقالت إنه لا يمكن قراءة سلوك السنوار في إطار انعدام العقلانية أو الابتعاد عن الواقع، فهو يعمل ضمن خيارات واعية ويُقيِّم تحرُّكاته على أساس التجربة ونتائجها الخاطئة والصحيحة. وضربت الدراسة المثل بالحرب الأخيرة (كانت حرب عام ٢٠٢١ وقت الدراسة). وأوصى المعهد الصهيوني وقتها حكومة الاحتلال بالاستعداد لمعركة إضافية قد تكون قريبة.
أي أن المعهد توقع حدوث طوفان الأقصى قبلها بسنتين بدراسته لشخصية السنوار. هذا هو السنوار الذي غير معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق