كلب طروادة.. حرب جديدة في تركيا
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معركة سياسية تأخر كثيرا في شأن إطلاقها، غير معركة إقالة القيادات الهرمة من سدة حزب العدالة والتنمية الذي يقوده، وهي معركة الكلاب الشاردة.
لم يعد لديه ما يخسره، فقد استنفد الدورات الانتخابية الرئاسية، وخسر كثيرا من البلديات في معركة الانتخابات البلدية الأخيرة، كانت من حصة حزب العدالة والتنمية شبه الثابتة.
وهو رئيس ينقصه الحزم، أو أنّ انقسام المجتمع التركي يعيقه عن اتخاذ القرار، فليس أردوغان بسلطان، فإنما السلاطين في البلاد العربية، بل في الأوروبية أيضا.
لن تستطيع العربة التركية التقدم إلى الأمام وحصانان يجرانها باتجاهين مختلفين، ولا يستطيع المرء خدمة سيدين: الله والناخب. وقد خسر كثيرا من قاعدته التصويتية، قدّرت بخمسة ملايين صوت، لأنه يريد جذب الناخب العلماني، والناخب من الناس، ورضا الناس غاية لا تدرك، ومن أرضى الناس بسخط الله أسخط الله الناس عليه، وقد سخطوا.
ثمة حزب سياسي علماني يساري غير حزب الشعوب الديمقراطية، وغير حزب الشعب الجمهوري، وغير حزب الخير، وغير حزب المستقبل، وغير حزب الديمقراطية والتقدم، هو "حزب الكلب الجمهوري"، يصارع سياسيا تحالف أحزاب؛ العدالة والتنمية، والرفاه، والحركة القومية، أو تحالف ما يمكن أن نصفه "بجبهة أحزاب الهرة". أمر يشبه صراع الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري في أمريكا، غير أن صراع الهرة والكلب أشد وأنكى.
إعلان الحرب جاء بتقديم الرئيس مشروع قانون للبرلمان يبيح قتل الكلاب الضالة والشاردة قتلا رحيما، والتي تترجمها آلات غوغل ترجمات رقيقة مثل؛ التخدير أو التحييد، فقد تكاثر عدد الكلاب الشاردة في تركيا حتى بلغ عشرة ملايين كلب. الكلب الشارد كلب مستذئب، وقد زاد عدد ضحايا هذه الكلاب على 100 إنسان في سنتين، أما جرحى الكلاب الشاردة، فبلغ ربع مليون، وهي تكلف الدولة أموالا طائلة للعلاج من "قبلتها القاتلة"، سوى تكاليف الغذاء والإيواء والتلقيح ضد أمراض الكلب، وأدواء فضلاته القذرة، ومشاكل التنسيق بين الوزارات والبلديات المعنية..
ويعزو بعض المحللين السياسيين سبب انحسار قاعدة حزب العدلة والتنمية الانتخابية إلى تهاونه في ملفات كثيرة منها ملف الكلاب المؤجل، والذي تعارض حلّه الأحزابُ اليسارية وأنصار حماية حقوق الحيوان. إن ثورة على الكلاب الشاردة، تعني ثورة على عبّاد الكلاب شاردة وواردة.
عبّاد؟ هل بالغت في الوصف؟
كانت الحيوانات سببا في حروب كثيرة، مثل حرب داحس والغبراء، وحرب البسوس في الجزيرة العربية قديما، وحصان طروادة في الأسطورة الإغريقية على ضفاف البوسفور (وهو حصان خشبي). لكن كلب طروادة السياسية هي أغربها، فهو طوطم وافد، ووصفنا له بالطوطم ليس افتئاتا، فتوثين الكلب ليس من التقاليد العثمانية وآداب العائلة التركية.
الهرة عثمانية إسلامية، والكلب بيزنطي أوروبي. الكلب في الحضارة الإسلامية بعامة لا يُتخذ إلا للصيد أو الحراسة، وهو نجس فقهيا، فـ"لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة"، وهو دخيل على الثقافة العربية والإسلامية، ويُظن أن إلحاح بعض فقهاء السوق والبوق على تحليل اتخاذ الكلب صديقا في برامج التلفزيون وفتاوى اليوتيوب بدعة مشبوهة، فثمة إلحاح عجيب على تنزيه الكلب لعابا ووبرا، وهي فتوى ليس لها "أي تلاتين لزمة"، كما تقول العبارة المصرية الساخرة.
تقول مواقع عالمية إن القاتل السادس، أي السادس الأكثر قتلا في العالم، هو الكلب، بسبب الأمراض التي ينشرها، أما غرامة إطعام الكلاب وترفيهها في أوروبا، فهي كبيرة، وأولى بها الإنسان الذي يعاني من المجاعات في قارتي آسيا وأفريقيا.
ثمة فيديو شهير للدكتور عزام التميمي يخبرنا فيه نقلا عن طبيب بريطاني قوله إن أفضل أمرين وجدهما لدى المسلمين هما: كراهة صحبة الكلب، وتحريم الخمر، فالأول يسرق القلب، والثاني يختلس العقل، وهما يسببان الكثير من الأمراض القاتلة.
يُظنَّ أن القانون سيقرُّ، وهو يمهل محبي الكلاب مدة لاقتناء ما يشاؤون من كلاب قبل تشريعه. تقول إحصاءات إن عدد الكلاب سيزيد عن خمسين مليون كلب في السنوات العشر القادمة، حيث سيكون لكل تركيين كلب، وهو أقل من حصة الباريسي من الفئران المدللة، فكل باريسي حصته "ميكيان" اثنان ونصف ماوس.
وكان كاتب هذه السطور قد أجرى مناظرتين في مقالين مستقلين بين الكلب والهرة، منشورين في هذه الصفحة الكريمة، مقارنا بين حديثين شريفين، بيّن فيهما أن الهرة أطهر وأسلم، والكلب أعلق وأقتل. وكان حيوان العربي والتركي قديما الفرس أو الجمل.
وقد قوبل خيار "تخدير" الكلاب الشاردة حتى الموت بمعارضة من جمعيات حقوق الحيوان والمجتمع المدني، أما تعقيمها فمسألة تطول أحقابا حتى تؤتي ثمارها.
تحاول تركيا التدرع بالقوانين العالمية المنظمة لتربية الكلاب، مثل الضرائب والقتل الرحيم. الكلب أصيل في الثقافة الغربية، وقد زاد اتخاذه وعلا شأنه في أوروبا بسبب الفردية وتفكك العائلة، وارتفاع نسب الطلاق التي يعوضها الكلب، فقد تحوّل من حراسة الأمتعة والبيوت إلى حراسة العواطف والفرش، وهذا غير وارد في العائلة التركية حتى هذا الحين.
وكنت قلت في مقال سابق إن الكلب مقدس في أوروبا أكثر من البقرة المؤلهة في الهند، والتي تتعذب أشد العذاب جوعا وحبسا، إذا ما ناظرنا بين البقرة الهندية وبين الكلب الأوروبي، سنجد الكلب الأوروبي أكثر قدسية من البقرة الهندية، وإن اختلفت المسميات، ولتجدنَّ أفلاما أوروبية كثيرة وروايات غربية عن الكلاب وحبها لن تجد مثلها في الهند عن البقرة.
ومن عجب أن حنان الأحزاب اليسارية التي تدّعي العطف على الحيوان يقتصر على حيوان واحد، فهو الفأر في فرنسا وإسبانيا، والكلب في تركيا، والبقرة في الهند. والكلب والبقرة ثروتان مهدورتان في الهند وتركيا، فلا الكلب يحرس، ولا البقرة تحرث وتُطعم أو تقترن بثور في الحلال أو الحرام.
لم يكن الرئيس التركي بشجاعة الرئيس الروماني الذي أباح قتل الكلاب حين قال: لقد جئت بأصوات الشعب، وليس بأصوات الكلاب. يجدر بالذكر أنَّ الكلاب تُقلق سكون الليل ونفوس السكان، أما كلاب أوروبا المدربة والمدللة، فهي شبه خرساء، ومحرومة من التصويت السياسي.
الهرة ستنتصر على الكلب في تركيا، والدكتور عثمان سيغلب المستر هايد، أو هذا ما نأمله، حينها يمكن أن نسمي المعركة على غرار أيام العرب: يوم الكلاب الأول.
x.com/OmarImaromar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق