الأربعاء، 29 مايو 2024

بيني وبينك …. يا وجعَ الأيّام

 

بيني وبينك …. يا وجعَ الأيّام



يا وَجَعَ الأيّام، يا حُرقةَ القلوب، يا لهفةَ العيون النّازِفات، يا ألمَ النّفوس المُعذَّبات، يا ذكرى السّنين الذّابِحات. نحنُ لم نهدأ لحظة، ولم نأمنْ بُرهة، ولم نشعرْ مرّةً بأنّ سِكّين الموت قد ارتفعَ حَدُّه المُرهَف عن أوداج أعناقنا.

يا صوتَ الأمّهات الثّاكِلات، الصّابرات المُحتسِبات، يا جوع الصّغيرات التّائهات، يا أطفالَنا، يا غصّةً في حلوقنا، نزَعَ الاحتِلالُ بَسمتَكم عن شفاهكم، وأطفأ لمعة النُّور من عيونكم، وأحرقَ القمح الذي تعجنون، وحرثَ بالقذائف الأرض التي تزرعون، وقلع أشجار النّخيل التي تستظلّون، فَمَنْ يهزّ الجِذْع، ومن يحنو على الضّلع المُمزّق، ومن يمسح الدّمعة عن الخَدّ المُغضّن، ومَنْ يسقي الشّفاه المُشقّقة، ومَنْ يقول للعيون الزّائغة التّائهة: إنّ هذا كان كابوسًا طويلًا، وإنّه رَحَلَ أو راحلٌ قريبًا؟!

نحن من منفى إلى منفى، ومن موتٍ إلى موت، ومنْ رحيلٍ إلى رحيل، وإنّه لو كان رحيلًا واحِدًا لكان يُحتَمل، ولكنّه رحيلٌ من وطنٍ مُمُزّق إلى وطنٍ مُمزّق، ومن نارٍ إلى نار، ومن جوعٍ إلى جوع، وإنّه تتابَعَ حتّى انتهى برحيلٍ لا أوبةَ من بعدهِ:

وإنَّ رَحِيلًا واحِدًا حالَ بَيْنَنَا

وَفِي المَوْتِ مِنَ بَعدِ الرَّحيلِ رَحِيلُ

يا سادَة العالَم، أيّها المُنعَّمون المُترَفون، الجالِسون ينتظرون ويتعجّبون: متى من نَزْفِ جُرحنا نستريح؟! 

أما لهذا اللّيل مِنْ آخِر؟ أما لنهر الموت من مَصبّ؟ أما لجوعنا الذي أغار العُيُونَ في المحاجر من خُبز؟! 

أما لصمتِكم من صوت؟! أما لِصَوْتنا من صَدى؟!

تَعِبَ الطّين، تَعِبَ كلّ شيءٍ، حتّى حجارةُ الطّريق تعبَتْ، حتّى مآذن الحيّ تعبتْ، حتّى رُكام الدُّور تَعِب، وبالأمس ماتتْ وردةٌ على جانب الدّرب لأنّها لم تستطعْ أنْ تستمرّ، كان التّعَبُ عندها قد وصلَ إلى منتهاه… تعب الحجر والشّجر، أفلا نتعبُ نحنُ الذين من لحمٍ ودم؟! ولم يبقَ فينا لا لحمٌ ولا دم، أكلتِ الصّواريخ لحومَنا، وشربتِ الذّئاب البشريّة دِماءَنا.

لم يعدْ هناك مُعتصِمٌ لنناديه: «وا مُعتصماه!». 

ولا صرخة حُرٍّ يتدافع لها الكُماة: «وا إسلاماه!»، ليس لنا من نصيرٍ إلا الله، تَكَالَبَ علينا القاصي والدّاني، وجَمَع علينا الصّهاينة قتَلَةَ البشر من كلّ حدب وصوب، والتفّتْ حِبالُهم حول أعناقنا، وغاصتْ حِرابُ بنادقهم في بُطوننا، وفَجّرتْ قذائف صواريخهم كلّ بيوتنا، وهدّمتْ ماضِيَنا وحاضِرنا، وجعلتْ مُستقبَلَنا نفقًا طويلًا لا ضوء في نهايته، ومع كلّ هذه المآسي التي لم تمرّ على شعبٍ مثل شعبِنا ولا طاقةَ له باحتِمالِها كاحتِمال شعبِنا، مع ذلك كلّه نقول: رَضِينا يا ربّ… وخُذْ مِنّا حتّى ترضى».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق