الجمعة، 31 مايو 2024

متى يعتذر العرب للسابع من أكتوبر ؟

 

متى يعتذر العرب للسابع من أكتوبر ؟



وائل قنديل

كلُّ المواقفِ من العدوانِ الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزّة أُسّستْ على أكاذيب ثبتَ بطلانها وسقطت تباعًا، الأمر الذي يفرضُ على أصحابِ هذه المواقف مراجعتها وإعادة تقديرها على ضوءِ وفرةٍ من الحقائق لا تزال تتكشّف تباعًا بشأن الرواية الصحيحة لما جرى بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل.

مناسبة هذه المراجعات الواجبة إعلان وكالة أسوشييتد برس الأميركية عن سقوط كبرى الأكاذيب الخاصة بأحداث هجوم 7 أكتوبر، إذ تقول الوكالة بكلِّ يقينٍ، إنّ الروايات التي تحدّثت عن ارتكاب حركة حماس عنفًا جنسيًا في الهجوم، تبيّن أنّها ملفقة وليست صحيحة، وتنقل الوكالة على لسان الشهود الصهاينة المزيّفين أنّ كلّ ما تحدّثوا به لم يحدثْ، بل إنّ منظمّة تطوّعية صهيونية تدعى “زاكا”، طلبت من الشاهد المزوّر التوقف عن سردِ القصة المفضوحة، لكنه لم يستجب إلّا بعد ثلاثة أشهر، وهي الفترة التي كانت كافية لكي تقود تل أبيب وواشنطن العالم إلى غرفِ الابتزاز السياسي.

ليس الموقف الأميركي معنيًا بهذه المراجعة، لأنّه بالأساس جزء من العدوان على الشعب الفلسطيني، ومشارك في تصنيعِ توليفة الأكاذيب التي أغرقت العالم واستُخدِّمت سلاحًا لابتزازِ الحكومات والهيئات الدولية في عمليةِ حشدٍ غير مسبوقة، تُذكّر بما كان يتّبعه الجيل الأوّل من الصهاينة المؤسّسين للاحتلال حين كانوا يُغرقون سفن المهاجرين اليهود في عرض البحر للضغطِ على حكوماتِ الدول الغربية لفتح أبواب الهجرة على مصاريعها لاستعمار فلسطين. وفي ذلك، لا يمكن الاعتداد بمزاعم من قبيل أنّ الرئيس الأميركي، جو بايدن، وقع في شركِ الخديعة الإسرائيلية، أو تمّ تضليله برواياتِ رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الكاذبة حتى راح يردّدها في كلِّ مناسبة بوصفها حقائق تصلح لتبريرِ وضع الترسانة العسكرية الأميركية تحت إمرةِ إسرائيل، تستخدمها كيف تشاء لإبادة الشعب الفلسطيني في غزّة ومحوها من الوجود، فالرجل كما قال عن نفسه صهيوني أكثر إخلاصًا لإسرائيل من الصهاينة أنفسهم، مثله مثل وزير خارجيته، أنتوني بلينكن، والمتحدّث باسم الأمن القومي، جون كيربي، وقيادات الكونغرس التي تُعلن كلَّ يوم أنّها مع إسرائيل في كلِّ ما تقوم به للانتقام.

المعني بمراجعة المواقف والقرارات والإجراءات المترتّبة عليها هي الهيئات الدولية، وبالتحديد الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأخيرًا المحكمة الجنائية الدولية بقرارها الأحدث الذي يساوي بين أصحاب الأرض الذين يقاومون من أجل تحريرها، وبين الاحتلال الذي يُواصلُ عدوانه على هذه الأرض ويرتكب مذابح إبادة جماعية وجرائم تطهير عرقي.

غير أنّ الأجدر من كلِّ هؤلاء بمراجعةِ مواقفه هو عديد الحكومات العربية التي برّر بعضها عجزه وخذلانه بأنّ المقاومة الفلسطينية ارتكبت فظائع، فيما قرّر بعضها الآخر الاصطفافَ الكامل مع الموقف الأميركي، والذي هو بالضرورة صدى للصوتِ الإسرائيلي، وهو ما انعكس في قراراتٍ صدرت عن قمّتين عربيتين، الأولى في الرياض، نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والثانية في المنامة قبل نحو أسبوع، ساوت بين ضحايا العدوان الصهيوني على غزّة وقتلى هجوم طوفان الأقصى، وانعكس أيضاً في عديد تصريحات الإدانة التي جرت على ألسنةِ مسؤولين عرب، تستنكر ملحمة طوفان الأقصى.

في مقدّمةِ ما تقتضيه اللحظة الراهنة إعادة تعريف وتوصيف عملية طوفان الأقصى، على ضوءِ ما كان قبلها وما جاء بعدها، ذلك أنّ ما قبلها يقول إنّ هناك احتلالًا في حالةِ حربٍ عدوانية دائمة على الشعب الفلسطيني، وبالتالي هناك حالة مقاومة مستمرّة لهذا الشعب، من حقها أن تمتلك السلاح وأن تستخدم هذا السلاح في التصدّي للعدو، دفاعًا وهجومًا، ردًّا للفعل أو ابتداءً ومبادرة به، وهذا حق تكفله كلّ القوانين والمواثيق الدولية، بل إنّه قبل أن يكون حقًا هو واجب وجودي لأيِّ شعبٍ واقعٍ تحت الاحتلال، من دون أن يكون هذا الشعب متهمًا بالعدوان والإرهاب، أسوةً بكلِّ عمليات المقاومة الشعبية في التاريخ، وكما كانت تفعل فرنسا، مثلًا، مع الاحتلالِ النازي لأراضيها، ولم يجرؤ أحد على اتهام مقاومتها المسلحة بالإرهاب، وهي تنفذ معركة “إبسن” وتفجر نفقًا بداخله 270 نازيًا محتلًا وتحصدهم حصدًا.

حريٌّ بالرسميين العرب، وإعلامهم الذي صار بعضه جزءا من آلةِ الدعاية الصهيونية، أن يعتذروا للسابع من أكتوبر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق