مفهوم القوّة عند نتنياهو!
قبل 30 عاماً من هجوم "طوفان الأقصى" الذي قامت به حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في السابع من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي؛ صدر كتاب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو (مكان بين الأمم)، الذي يوضح فيه رؤيته العميقة لدولة إسرائيل القوية في محيط عربي مضطرب، وسياق عالمي مازال يتشكل من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وقد خصص الجزء الأخير من الكتاب تحت عنوان (مسألة القوة اليهودية) للحديث عن القوة اليهودية اللازمة لدولة إسرائيل والنظريات اليهودية اليمينية واليسارية الخاصة بها، والركائز التي يجب أن تقوم عليها ليتمكن اليهود من "التغلب على العقبات الكأداء التي تعترض طريقهم، ويجتازوا النهر الهائج الذي يفصل بين الموت والحياة، ويعودوا لبناء أرضهم المختارة من جديد" على حد قوله.
ورغم المدة الزمنية الفاصلة بين تاريخ كتابة هذا الكتاب وحرب الإبادة الجماعية العنصرية التي يقودها نتنياهو حالياً ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ إلا أن الكتاب يحتل أهمية كبيرة في فهم شخصية نتنياهو والدوافع التي تقف وراء سلوكياته الإجرامية التي تحكم مواقفه المختلفة، وتفسّر الغموض الذي وراء إصراره الغريب على مواصلة الحرب، رغم الخسائر الفادحة التي قد تؤدي إلى تفكّك الكيان وانهياره.
لم يقدم نتنياهو لليهود الذين يبحثون عن السلام والاستقرار، وعن طريقة للخلاص من ضرورة البقاء في صراع دائم، ويتساءلون: متى سينتهي هذا الأمر؟ وهل هو محكوم عليهم العيش في حرب إلى الأبد؟
قوة الردع
في هذا القسم من الكتاب؛ ينتقد نتنياهو بشدة الأفكار التي تدعو اليهود إلى الاندماج في العالم، أو البحث عن حلول توافقية لحل الأزمة التي سببتها نشأة الكيان الصهيوني للشعب الفلسطيني، ويشدد على ضرورة وجود دولة يهودية قوية قادرة على حماية الشعب اليهودي في كافة الظروف وفي مواجهة كافة التحديات. يقول نتنياهو في الصفحة ٣٨٨ من الطبعة الثانية من الترجمة العربية للكتاب، الصدرة عن دار الأهلية للنشر والتوزيع عام ١٩٩٦م "إن من يُحرم من حمل السيف، سرعان ما ينسى كيفية استخدامه، ويبدأ استعداده النفسي للمقاومة يتلاشى. وهكذا أصبح اليهود أقلية أجنبية بحاجة إلى حماية من الحكام الذين لم يسارعوا في كثير من الأحيان إلى توفير هذه الحماية.
إن الضعف في حد ذاته يُغري بالعدوان على الضعيف، وهذا ينطبق -بشكل خاص- على اليهود الذين دمجوا النجاح الاقتصادي مع الضعف السياسي والعسكري، وهكذا أصبح اليهود هدفاً للمطاردة والطرد". ويقول في الصفحة ٣٨٧ "إذا كانت هناك ميزة واحدة على الأقل تبرز في ثنايا التاريخ اليهودي القديم، فهي تلك المتمثلة برفض الشعب اليهودي الشديد للتنازل عن استقلاله السياسي والديني، واستعداده لمواصلة الكفاح ضد من أرادوا استعباده". ومن هنا يرفض ما يقوله كثير من اليهود بأنهم يشعرون أن أميركا بيتهم، ويؤكد على أن ثمة كثير من اليهود ترعرعوا في إسرائيل، لا يعرفون الشعور بعدم الأمن الذي يمتاز به يهود المهجر، (ص٣٩٢-٣٩٣).
لم يقدم نتنياهو لليهود الذين يبحثون عن السلام والاستقرار، وعن طريقة للخلاص من ضرورة البقاء في صراع دائم، ويتساءلون: متى سينتهي هذا الأمر؟ وهل هو محكوم عليهم العيش في حرب إلى الأبد؟؛ لم يقدم لهم إجابة شافية، لأنه لا يستطيع أن يتنبأ بما إذا كان السلام هو الأفضل، أم الاستمرار في الحرب، وما إذا كانت الدبلوماسية ستنجح في منع وقوع الحرب أم أن الحروب ستتوقف بسبب وجود قوة الردع، (ص٣٩٤).
يرى نتنياهو أن أصحاب النظرية اليسارية يرون أن اليهود هم المذنبون لأنهم انحرفوا عن الطريق الصواب، وأن رفض العرب الاعتراف بهم، هو عقاب على هذه الخطيئة، وأنهم إذا أصلحوا طريقهم بإمكانهم تحقيق حلم السلام المثالي، وأن على إسرائيل أن تجري عملية جراحية مؤلمة، وتبتر عضواً من أعضائها، فإذا تخلّصت من الضفة الغربية وقطاع غزة سيتغير كل شيء نحو الأفضل.
نظريات خيالية
قوة الردع هذه مربط الفرس بالنسبة لنتنياهو، ومن أجل إقناع القارئ اليهودي في دولة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على وجه الخصوص، فنّد في هذا القسم من الكتاب الأفكار والمواقف التي تدور في الأوساط السياسية والاجتماعية اليهودية في الكيان الصهيوني، ساخراً من الذين يعتقدون أن العرب يرغبون في التوصل إلى سلام مع إسرائيل.
وهنا استعرض نتنياهو ما اعتبره نظريات خيالية لحل الصراع العربي-الإسرائيلي، تنبع من رغبة اليهود في رؤية نهاية لهذا الصراع، والتوصل بسرعة إلى حالة سلام وأخوّة. وهذه النظريات على قسمين، الأولى يسارية والثانية يمينية. حيث يرى نتنياهو أن أصحاب النظرية اليسارية يرون أن اليهود هم المذنبون لأنهم انحرفوا عن الطريق الصواب، وأن رفض العرب الاعتراف بهم، هو عقاب على هذه الخطيئة، وأنهم إذا أصلحوا طريقهم بإمكانهم تحقيق حلم السلام المثالي، وأن على إسرائيل أن تجري عملية جراحية مؤلمة، وتبتر عضواً من أعضائها، فإذا تخلّصت من الضفة الغربية وقطاع غزة سيتغير كل شيء نحو الأفضل. أما النظرية اليمينية فتقوم على أن الكيان الصهيوني يمكن أن ينعم بالاستقرار الحقيقي بالتخلص من العرب الذين يسكنون هذه المناطق عن طريق التهجير، (٢٩٧-٣٩٨).
ويعتقد نتنياهو أن هاتين النظريتين تدلان على عدم وجود رؤية واقعية للواقع السياسي الإسرائيلي، وعلى أحلام كاذبة، تنبع من محاولة الهروب من الصراع الصعب المحتوم على الشعب اليهودي، ويعتقد أن الصراع المستمر لا يعني بالضرورة حرباً إلى ما لا نهاية، ولكنه سيتطلب جهداً قومياً طويل المدى قد يؤدي إلى مجابهات دولية شديدة، مؤكداً على أنه حتى لو حدث انخفاض حقيقي في مستوى الصراع العربي-الإسرائيلي، فإن أخطار الحرب والمواجهات لن تتلاشى في المستقبل، معتبراً أن على اليهود التسليم بوجودهم الدائم مع الصراعات، وضرورة الاحتفاظ دائماً بقوة يهودية في مواجهتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق