الخميس، 30 مايو 2024

إحياء سنة التدافع

إحياء سنة التدافع
د. وصفي أبو زيد
أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، ورئيس مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية.


إن من أعظم ما أحيته هذه المعركة، واكتسبه المسلمون منها، هو تعزيز وإبراز سنة التدافع، التي كادت أن تتلاشى من واقعنا لا سيما بعد التراجع الملحوظ للحركة الإسلامية بفروعها الفكرية والجغرافية المتنوعة، وأصبح المسلمون في حال يرثى لها، فجاء الطوفان ليعلي هذه السنة، وهي تدافع الحق مع الباطل بما يمنع الفتنة والفساد في الأرض، وبما يحفظ عرى الإسلام وتصوراته العقدية والتشريعية، ويحد من موجة الإلحاد التي انتشرت في الآونة الأخيرة نتيجة للكم الهائل من الظلم الواقع على المسلمين جراء ضعفهم وتسلط أعدائهم.

ومن المعلوم أن القرآن الكريم اهتم بسنة التدافع في مواضع كثيرة جدا، فالقصص القرآني كله يجسد مقتضى هذه السنة العظيمة، كما أن القرآن ذكر الدفع بالاسم في موضعين،

الأول:

﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡض لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾

[البقرة :٢٥١].

والآخر:

﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡض لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ⁠مِعُ وَبِیَع وَصَلَوَ ⁠ت وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیراۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾

[الحج: ٤٠]،

وكلاهما جاء في سياق جهاد وقتال، مما يؤكد أنه لا تدافع إلا في الميدان، وإلا بأخذ زمام المبادرة وقيادة المشهد، وليس بالجلوس في مجالس البكاء على الأطلال، والندب على الأمجاد، واجترار الماضي العريق إلى الحاضر الغريق!

وإن المسلمين لن يستطيعوا أن يقيموا لأنفسهم مكانة في هذا العالم، ولا أن تكون لهم قدم صدق إلا بالتدافع الذي يترتب عليه التداول ثم النصر ثم التمكين ثم الاستخلاف والشهود الحضاري، فلا يوجد تغيير مجانا، ولم تقم دولة في التاريخ بالمحبة والسلام، وإنما لابد من التضحيات الغالية، والفداء النبيل، والجهاد المستمر، وهذا ما أحياه طوفان الأقصى في قلوب المسلمين، ولو لم يكن سوى هذا المعنى الحضاري المكتسب لكفى طوفان الأقصى شرفا وفضلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق