الاثنين، 27 مايو 2024

تنبيه وتحذير من الأساليب الباطنية الخبيثة

 تنبيه وتحذير من الأساليب الباطنية الخبيثة

 انتشر مجدّدا على صفحات التواصل منشور منسوب إلى الشيخ الداعية محمد الغزالي رحمه الله، وهو ليس المنشور الأول ولا الأخير.

خلاصة المنشور تأويل باطني فاسد لقوله تعالى (قرآنا عربيا) قال: “إن كلمة عربي تعني الكمال والتمام.. وليس لها علاقة بالعرب كقومية”

وقد حذرت سابقا من خطورة إلغاء الحقائق اللغوية من خلال اعتماد الجذر المجرد، لأن الجذر ليس هو لغة الخطاب، وخذوا هذه الأمثلة:

الربا، مفردة لها حقيقة شرعية معروفة، ولكن لو رجعنا إلى الجذر (ر ب و) فمعناه الزيادة، وعليه ممكن يأتي مفسّر جديد ليقول إن الله حرم الزيادة بمعنى الإسراف مثلا في الطعام والشراب لأنه مضر بالصحة، لكن الفقهاء صرفوه إلى الفائدة البنكية

الخمر، مفردة شرعية معناها: المسكر، ولكن لو رجعنا إلى الجذر (خ م ر) فمعناه الستر، ولذلك سمّي الخمار خمارا، وأخشى أن يأتي (مجدّد) ليقول: إن الخمر التي نهى عنها القرآن هي الخمار، فيبيح السكر ويحرّم الحجاب، وقد سمعت واحدا منهم يجاهر بهذا بالفعل.

الإنسان، له حقيقة لغوية معروفة، ولكن الجذر هو (أ ن س) من الأُنس،وعليه يمكن أن يأتينا مفسر جديد ليقول إن الإنسان هو كل من تأنس به ولو كان كلبا أو قطة.

 لقد قرأت لأحدهم أن (الرجال قوامون على النساء) معناه: المشاة قوامون على القاعدين، لأن الجذر (ر ج ل) معناه: مشى، وجذر (ن س أ) معناه تخلف أو تأخر.

لقد حاول الباطنيون قديما العبث بمعاني القرآن فتصدى لهم علماؤنا. ومن أروع ما قرأت كتاب (فضائح الباطنية) لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.

ولقد كانت أساليبهم تفتقر إلى الذكاء، لأنها مفضوحة بذاتها، كقولهم في (مرج البحرين يلتقيان) هما عليّ وفاطمة. و (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) هما الحسن والحسين. ومنهم من أبطل أركان الإسلام كلها كالصلاة والصوم وصرفوا آياتها إلى معانٍ أخرى تناسب أهواءهم.

اليوم يأتي الباطنيون الجدد بطريقة جديدة، وهي الالتفاف على المعنى المستقر في الشرع واللغة، إلى (التحليل الجذري المجرد) وقد كسبت هذه الطريقة إعجاب بعض الشباب ممّن لا معرفة عندهم بعلم اللغة العربية ولا بعلم الشريعة. وربما يرون فيه تجديدا، والحقيقة العكس، لأن الحقيقة اللغوية مثل (رجل) و (إنسان) تحمل معاني أكثر دقة ووضوحا من معانيها الجذرية البدائية.

بل إن الحقيقة اللغوية نفسها قد تنتقل إلى (حقيقة اصطلاحية) بحسب كل علم، فتكون المفردة نفسها لها معنى لغوي ثم يكون لها معنى اصطلاحي خاص، فكلمة (الصوم) حقيقة لغوية في الإمساك، ثم انتقلت إلى معنى اصطلاحي أكثر دقة وهي الصوم الشرعي المعروف، ثم انظر كلمة (خلية) كيف يكون معناها في كتب الطب، ثم كيف يكون معناها في كتب الصناعة أو الزراعة مثلا؟

فالعودة إلى الجذر البدائي معناها إلغاء المصطلحات العلمية كلها، فهل أدركنا الفوضى المعرفية والعلمية التي يسعى إليها هؤلاء (التجديديون)؟

نعم إن الجذر (ع ر ب) يعني البيان والإفصاح، ومنه قولك: أعربت عن رأيي، لكنك إذا قلت:هذا كتاب عربي أو لسان عربي فأنت تقصد العربي المنسوب إلى العرب، وليس إلى مجرد البيان الذي قد يكون بأية لغة.

ثم لنسأل هؤلاء؛ إذا كان القرآن لم يأت بلغة العرب فلماذا كان العرب وحدهم هم الذين يفهمونه حتى المشركين منهم ولا يفهمه غيرهم إلا بعد الترجمة؟

ثم إن القرآن أكّد هذا المعنى المقصود بما لا يدع مجالا للبس، مثل قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)

إن الباطنية حينما تسعى للفصل بين (القرآن) وبين (العربية) فإنما تسعى لهدم القرآن ولهدم العربية أيضًا، وإشاعة حالة من الفوضى في فهم الدين وكل علم مكتوب بالعربية، إضافة إلى النزعة الشعوبية الحاقدة على كل ما هو عربي.

إن العلماء والمفكرين عليهم اليوم مسؤولية كبيرة في فضح هذا العبث بحقائق الدين والعلم واللغة والتاريخ، خاصة بعد ما دخل هذا العبث في مؤسساتنا العلمية والإعلامية، والله المستعان.

اللهم قد بلغت

اللهم فاشهد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق