فشل القضية الفلسطينية المعاصر (1)
لم يستطع بعض الرسل والأنبياء تحقيق تمكين دين الله ورسالته في الأرض نتيجة قلة من آمن بهم وسار معهم، كما لم ينجح بعض المصلحين في تحقيق الإصلاح نتيجة سوء وشقاء الأتباع.
يمكن القول بوضوح أن القضية الفلسطينية العادلة فشلت في الانعتاق من الاحتلال، كما فشلت في تحرير الأقصى المبارك، كما فشلت في توحيد الأمة وشعوبها، وذلك رغم أنها حازت على ما لم يحز عليه كثير من الرسل والأنبياء، كما توفر لها أكثر مما يطلبه ويحتاجه المصلحون لتحقيق مشاريعهم، حيث تسابق الناس خلف كل داع لتحريرها ليموتوا ويستشهدوا أفواجا أفواجا، وهو ما لم يتوفر لكثير من المصلحين والأنبياء!
فلماذا لم تنج ولم تنجح القضية الفلسطينية العادلة وقضية الأقصى المبارك في إحداث التغيير المنشود رغم وفرة وعظم التضحيات في معاركها وعلى امتداد حقبة الاحتلال البريطاني والإسرائيلي المعاصرة؟
إن التجربة الفلسطينية خلال قرن كامل تشير بوضوح إلى أن مصيبتها كانت ولا تزال في عور واضطراب وتيه قيادتها، سواء قيادة التيار الوطني أم قيادة التيار الإسلامي، مع بعض الاستثناءات لبعض القيادات في المسارين والتي أبلت بلاء حسنا، ولكنها كانت تغرد خارج السرب، فتم تطويقها وتكبيلها أو قتلها وتصفيتها، أو استبعادها وتهميشها وذلك من قبل الغالبية المتنفذة في القرار والمالكة لسلطان العلاقات والمال.
إن الأقصى وفلسطين وشعبها وحركات التغيير والتحرير فيها مكلومة ومصابة في قيادتها التي لم تكن في مستوى القضية، فقد ادعت شيئا وفعلت شيئا آخرا، وقد أشارت بسبابتها لاتجاه ومشت في اتجاه آخر، كما جمعت في مسيرتها بين الشيء ونقيضه، حتى كانت سببا في خروج قطار التغيير والتحرير عن السكة الصحيحة المؤدية إليه.
لقد انتهت قيادة التيار الوطني الفلسطيني المعاصرة لإيصال مراكبها التي تقل ثوارها الصادقين إلى مرسى وميناء العدو والمحتل الإسرائيلي!
كما انتهت قيادة التيار الإسلامي الفلسطيني لإيصال مراكبها التي تقل مجاهديها المتبتلين إلى مرسى وميناء العدو الطائفي والمحتل الإيراني!
إن المشهد السياسي الفلسطيني مفزع لدرجة الانتحار، حيث تحول الفلسطينيون إلى مفعول به مقسوم لقسمين يرتبطان بمشروعين معادييين للأمة ولدينها ولأقصاها.
إن من ضلال وزيغ القائمين على قيادة وتوجيه الدفة الفلسطينية أن كل فعل فلسطيني سياسي أو قتالي اليوم باتت نتائجه تصب في صالح جهة معادية للأمة وثقافتها ووحدتها، فما تقوم به رام الله يعزز حالة التواطؤ العربي الرسمي تجاه فلسطين وهو سبب ومرتكز أصيل في مشروع التطبيع مع الصهاينة.
ولولا خطوة عرفات في الاتفاق مع الإسرائيليين وإنجاز أوسلو لما وصل أبو مازن للدرجة التي حولت السلطة الفلسطينية إلى خادم ومنسق مع المحتل، ولولا منهج عرفات في اللقاء مع المحتلين والتنازل عن الثوابت الوطنية لما فتح الباب على مصراعيه أمام النظم العربية الرسمية لتجسد مسار التطبيع مع الصهاينة.
ولولا ارتباط وحلف قيادة حركة حماس الأولى والثانية بالمشروع الإيراني لما انشقت القضية الفلسطينية سياسيا، ولما وصلت القيادة الثالثة والحالية في مسيرة حماس للارتهان للإيرانيين، ولما صنعت فجوة حقيقية بين القضية الفلسطينية والمحيط العربي.
إن جهاد شعب فلسطين ودماؤه النازفة اليوم باتت تصب في مصلحة تمكين ملالي إيران وتوسيع صلاحياتهم وبلورة شرعية نفوذهم في كل محيط فلسطين باعتبارهم أرباب المقاومة ولها داعمين!
لا شك بأن عموم نوايا القيادات طيبة وأن عموم المقاصد سليمة، ولكن غياب المشروع الفلسطيني المرتكز على رؤية منهجية ومنظومة قويمة، والمنحاز لعموم الأمة وقضاياها، والمستهدف لتحقيق وحدتها، والنقي من الارتباطات المشبوهة بمشاريع الأعداء، سبب في هذا الانحراف الكبير الذي حرف وشوه المعادلة السياسية الفلسطينية، ثم أخرج القطار الثوري في فلسطين عن السكة الصحيحة المؤدية للتحرير.
ومن نكد الزمان ونتيجة لعمق اللوثة التي ضربت عقول القيادات الفلسطينية الوطنية والإسلامية أن يصبح منهج السلطة الفلسطينية العليل والسلوك السياسي لرئيسها أبو مازن سببا عمليا في المحافظة على مدن الضفة الغربية! بينما منهج حماس وحلفها الآثم والارتباط العميق لقائدها السنوار بإيران سببا في تدمير مدن قطاع غزة-رغم مشروعية الجهاد-!
فأي فتنة صنعتها القيادات الفلسطينية المعوجة حين جعلت السلوك السياسي الخياني سببا في حفظ المكون الفلسطيني -مادة التحرير-، والسلوك السياسي والجهادي سببا في إتلاف واستهلاك الرصيد البشري والشعبي والمكون الاسلامي الجهادي دون نتائج في صالح القضية الفلسطينية، بل رفعة وعزة واعلاء من شأن مشروع معاد للأمة والدين!
وخلاصة القول إن التنظيمات الفلسطينية قد تعاملت بشكل خاطئ مع قضيتنا العادلة، حيث أصبحت فلسطين مرهونة بواقع وحسابات قياداتها الموجهة، ولم تعد قضية الأقصى ومصلحة فلسطين هي الموجه والضابط للمسار الثوري والسياسي الرصين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق