الخميس، 2 أبريل 2020

درس لم يستوعبه ترامب

درس لم يستوعبه ترامب



ياسر أبو هلالة
لولا جائحة كورونا لغدت السياسة الشعبوية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المعادية للتأمين الطبي، نهجا عالميا، فهو أراد أن يبني نموذجا مناقضا للرئيس السابق، باراك أوباما، الذي عرفت حقبته بـ"أوباما كير"، واعتبر أن تلك السياسة نوع من الاشتراكية التي عفا عليها الزمن. وأن الازدهار الاقتصادي يقوم على أساس تخفيض الضرائب وزيادة الاستثمارات وخلق الوظائف. 
وقد وجدت شعاراته الشعبوية، بما فيها تدفيع الحلفاء مثل السعودية ودول الخليج و"الناتو"، صدى في الواقع، وصدّقتها أرقام النمو والبطالة... ربما فكّر في التكاليف الاقتصادية، عندما غرّد يوم 23 مارس/آذار "لا يمكننا أن ندع العلاج يكون أسوأ من المشكلة نفسها"، بعد أن فكر في رفع عمليات الإغلاق قبل عيد الفصح. 

أيقظت صفعة الجائحة ترامب، والمجتمع الأميركي بخاصة والعالم بعامة، فدول دون أميركا في الاقتصاد والإمكانات، مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية، تعاملت بكفاءة أفضل، وحققت نتائج أسرع. وهو ظل يراوح بين إنكار واتهام للديمقراطيين بالمبالغة والمتاجرة بالقضية، أعقبها تردّد وارتباك، ثم ركوب للموجة، وبات مثارا للتندر في تصريحاته المتناقضة.
في الأزمات، تظهر كفاءة الدول ورجال الدولة، فقدرات أوباما ظهرت في تعامله مع الأزمة المالية العالمية، والتي قطف ثمارها ترامب. 
وهذا تاجر عقارات عديم الرؤية، يجني أرباحا في سنوات الازدهار، ثم يرسب مع أول اختبار جدي. 
أثبت ترامب غباءً نادرا في الرسوب، إذ لم يعتبر بنتائج اختبار الصين التي قصرت وتأخرت وتردّدت في التعامل مع الفيروس، وسببت جائحةً عالميةً بسبب تقديمها الاقتصاد على صحة الإنسان.
أبرزت الأزمة قوة بلدٍ مثل كوريا الجنوبية التي تمكّنت من إجراء ثلاثمائة ألف فحص في البلاد، وهو الأعلى عالميا مقارنة بعدد السكان، وهذا عائد اقتصادي، تماما كما هو مكسب إنساني، كما تخلُص مقالة في مجلة الإيكونوميست، نشرته أخيرا: "دروس من الإنفلونزا "الإسبانية"... التباعد الاجتماعي يمكن أن يكون جيدا للاقتصاد".
تفيد البيانات عن جائحة عام 1918 في أميركا بأن الأماكن ذات القيود الصارمة كانت الأفضل. 
ووفقًا لورقة جديدة أعدّها سيرجيو كوريا وستيفان لوك من الاحتياطي الفيدرالي، وإميل فيرنر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإن فكرة أن الحد من الوفيات الناجمة عن جائحةٍ يضر بالضرورة بالاقتصاد خاطئة. في دراستهم، حلل الثلاثة تجربة أميركا مع وباء إنفلونزا عام 1918، عرف باسم الإنفلونزا "الإسبانية"، والتي أصابت خمسمائة مليون شخص في العالم، وقتلت خمسين مليونًا، وضربت العمال الشباب بشكل خاص.
وجدت الدراسة أن المدن الأميركية التي شهدت أكبر عدد من الوفيات بسبب جائحة الإنفلونزا عانت أيضا من أكبر الضربات لاقتصاداتها (مقاسة من حيث انخفاض الإنتاج الصناعي والعمالة). كان معدل الوفيات يعتمد بشكل كبير على السياسات العامة. ويقدر المؤلفون أن المدن التي فرضت قيودًا أكثر صرامة من المتوسط عانت 560 حالة وفاة لكل مائة ألف شخص في المتوسط، مقارنة بـ730 لكل مائة ألف في مكان آخر. ووجدوا أيضًا أن الحكومات التي طبقت سياساتٍ أكثر صرامة، مثل حظر التجمعات العامة وإغلاق الكنائس والمدارس، كانت أفضل حالا من التي اتبعت سياسات أكثر تساهلاً.
يبدو أن البشرية تعاني من بلادةٍ في تعلّم الدروس، بما فيها درس الإنفلونزا "الإسبانية"! 
المهم أن تتعلم ولو متأخرة أن الصحة أولا تعني الاقتصاد أولا. وفي عالم ما بعد كورونا، سنجد أن ترتيب الدول اقتصاديا سيعتمد بدرجة كبيرة على ترتيبها في الصحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق